عناصر المقال
تستعد المملكة العربية السعودية لوضع إطار تنظيمي جديد قد يعيد تشكيل مكانتها في النظام المالي العالمي. تشير مصادر مطلعة في البنك المركزي السعودي (ساما) وهيئة السوق المالية (CMA) إلى أن المملكة تقترب من إصدار قوانين شاملة لتنظيم الأصول الرقمية بحلول أوائل عام 2025، في خطوة تعتبر من أبرز مراحل تحديث النظام المالي السعودي.
من المتوقع أن تفتح هذه الخطوة الباب أمام ترخيص منصات تداول العملات الرقمية، وتوسيع خدمات الأصول الرقمية المؤسسية، وتشجيع الابتكار في مجال البلوك تشين عبر الحدود، ضمن نظام رقابي صارم يركز على الامتثال والأمان.
من المنطقة الرمادية إلى التقنين التدريجي
اتبعت المملكة نهجًا حذرًا تجاه العملات المشفرة لسنوات، إلا أن المشهد يتغير بسرعة. ما بدأ كنشاط غير منظم أصبح اليوم جزءًا متناميًا من التحول الرقمي الوطني، مع دخول تقنيات البلوك تشين والعملات الرقمية في قطاعات متعددة من الاقتصاد السعودي.
يشهد القطاع المالي تجارب متقدمة في حلول الدفع عبر البلوك تشين وأنظمة التسوية الرقمية العابرة للحدود. أما القطاع العقاري، فبدأ بتجربة قبول المدفوعات بالعملات الرقمية واستخدام البلوك تشين في توثيق الملكية. وتستخدم شركات اللوجستيات والتجارة الإلكترونية العملات الرقمية لتسريع عمليات التحويل الدولية وتعزيز الشفافية في سلسلة التوريد.
كما تطور شركات الألعاب والترفيه الرقمي أنظمة مكافآت وأصولًا داخل الألعاب تعتمد على تقنيات البلوك تشين لتعزيز الملكية الرقمية.
حتى المنصات الإلكترونية بدأت بدمج العملات المشفرة في تعاملاتها. فوفقًا لتقرير تقرير casinobeats.com حول رؤى كازينوهات السعودية، يقوم بعض مشغلي الكازينوهات عبر الإنترنت في المنطقة بتبني خيارات الدفع بالعملات المشفرة لتوفير تحويلات فورية ومكافآت مرنة وخصوصية أعلى للمستخدمين، بما يتماشى مع توجه المملكة نحو الاقتصاد الرقمي.
تؤكد هذه التطورات أن العملات الرقمية أصبحت جزءًا من الاقتصاد السعودي الحديث، مما يمهد الطريق أمام انتقال منظم وسلس عند صدور الأطر القانونية الرسمية.
مؤشرات التحول التنظيمي
تشير ثلاثة تطورات رئيسية بين أواخر عام 2024 وعام 2025 إلى أن عملية تنظيم العملات الرقمية في السعودية أصبحت مسألة وقت:
- ارتفاع قياسي في تسجيل الشركات العاملة في تقنيات البلوك تشين، بدعم رسمي من الجهات التنظيمية.
- انضمام ساما إلى مشروع mBridge بالتعاون مع بنك التسويات الدولية وبنك الشعب الصيني لتطوير عملات رقمية مركزية.
- توسّع بيئات الاختبار التنظيمية (Sandboxes) لدى ساما وهيئة السوق المالية، والتي تستقبل شركات ناشئة تعمل في مجال الأصول الرقمية لتجربة منتجاتها ضمن بيئة رقابية آمنة.
تصف الجهات الرسمية هذه المرحلة بأنها “انفتاح مدروس” يوازن بين الابتكار والاستقرار المالي.
تفاصيل الإطار المتوقع
تشير التسريبات الأولية إلى أن الإطار الجديد سيُطرح على مراحل، ويشمل ثلاثة مجالات رئيسية:
- ترخيص منصات التداول: عبر نموذج مشابه لأنظمة دبي والبحرين لتنظيم البورصات الرقمية.
- الأصول والرموز المؤسسية: لوائح لتنظيم الصناديق الاستثمارية القائمة على التوكنات، وإصدار العملات المستقرة، وخدمات الحفظ الرقمي.
- حماية المستثمرين: معايير لمكافحة غسل الأموال والتحقق من الهوية والإفصاح المالي، متوافقة مع معايير مجموعة العشرين.
يتوقع الخبراء أن تحصل الشركات المشاركة في بيئات الاختبار الحالية على الأولوية في الترخيص عند بدء التطبيق الرسمي.
ماذا يعني ذلك للمستثمرين والشركات الناشئة
إلى أن تدخل القوانين الجديدة حيز التنفيذ، يُنصح المستثمرون والشركات بالاستمرار في العمل ضمن القنوات القانونية المعتمدة. فالسلطات تشجع الشركات الناشئة على المشاركة في بيئات الاختبار التنظيمية لتطوير مشاريعها ضمن إطار رقابي واضح. في الوقت نفسه، تراقب المؤسسات المالية التطورات عن كثب استعدادًا للاستفادة من النظام الجديد فور إطلاقه رسميًا.
عام 2025: عام الوضوح المالي
أكد محسن الزهراني، رئيس وحدة الأصول الافتراضية في ساما، أن المملكة تعمل على بناء منظومة رقمية منظمة ترتكز على الأمان والابتكار والتكامل عبر الحدود. ويتوقع المحللون أن يصدر الإصدار الأول من اللوائح في النصف الأول من عام 2025، يتبعه إطار أوسع لتنظيم التداول للأفراد لاحقًا.
من شأن هذه الخطوة أن تجعل المملكة مركزًا إقليميًا رائدًا في تنظيم الأصول الرقمية، وتفتح المجال أمام استثمارات ضخمة في التكنولوجيا المالية.
ثورة حذرة ولكن إيجابية
تعكس استراتيجية السعودية في مجال الأصول الرقمية رؤية 2030 القائمة على التحديث المنضبط والتنويع الاقتصادي، ومع اقتراب صدور القوانين الجديدة، يبدو أن المملكة تتحرك بثبات نحو عصر مالي رقمي منظم وآمن، يجمع بين الابتكار والرقابة، ويمهد لمرحلة جديدة من الريادة الإقليمية في عالم العملات المشفرة.
التعليقات