عناصر المقال
حكم التناجي بين اثنين دون الثالث من أكثر الأحكام الشرعية التي يبحث عنها المسلمون، فقبل أن ندخل في الفتاوى الشَّرعية لعلماء الدين الإسلامي حول هذا الموضوع لمعرفة ما هو جواب هذا الاستفسار، لا بد من معرفة ما المقصود بالتناجي في الإسلام، ومن خلال هذا المقال سوف يتم بيان حكم التناجي بين اثنين دون الثالث مدعمًا بالأدلة الصحيحة من القرآن والسنة النبوية الشريفة، بالإضافة إلى بيان سبب تحريم التناجي في الإسلام، وما هي الحالات التي يكون التناجي جائزًا فيها.
ما هو التناجي في الإسلام
إنّ معنى تناجي اثنين دون الثَّالث هو أن يتحدّث شخصان سرًّا أمام الشّخص الثالث دون إذنٍ منه، أو بمعنى آخر أن يتحدّثا بطريقة غير مفهومة للطرف الثالث، حيثُ يحدث ذلك الأمر عندما يتواجد ثلاثة أشخاص في مكانٍ معيّن ويتحدّثون فيما بينهم، ثمّ يقوم اثنان منهما بالتهامس في السّر دون أن يَسمع الشّخص الثالث حديثهما، وهو من الأمور التي نهى عنها الله -عزّ وجل- في كتابه، فقد قال: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[1]، وقد جاء محل النهي إذا كان الثالث موجودًا معهما من البداية، بخلاف ما لو دخل عليهما وهما يتناجيان، ويجدر بالإشارة إلى أنّه إذا حصل التناجي بين اثنين وكان في الخير فهو مكروه، وإن كان في الشَّر فهو حرام شرعًا، أما إذا كانت هناك حاجة ضرورضة له وجب على المسلم أن يستأذن الحاضرين معه.[2]
حكم التناجي بين اثنين دون الثالث
لا يجوز التناجي بين اثنين دون الشخص الثالث إلّا في حال استئذانه في ذلك، فهو يعتبر من الأمور المنهي عنها في الدين الإسلامي، بدليل ما جاء في كتاب الله العزيز قوله تعالى: {إنّما النّجوى من الشّيطان}[1]، أما في السّنة الشريفة فقد ورد في الحديث الصّحيح عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “إِذَا كَانُوا ثَلاثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ، قال أبو صالحٍ: فقُلْتُ لابنِ عمرَ فأربعةٌ ؟ قال: لا يضُرُّك”[3]، وهذا دليل واضح على أنّ الإسلام قد منع التّناجي بين شخصين دون الثّالث معهما وحرّم عليهم ذلك حتى يختلطوا كلهم مع النّاس، أو حتى يجدوا رابعًا معهم، وفي هذه الحالة يجوز لهما ذلك، أما إن كانوا ثلاثة يتوجب عليهم استئذان الشّخص الثالث للتناجي سرًا.[4]
شاهد أيضًا: حكم الصدق في المزاح وما هي ضوابط المزاح
لا يتناجى اثنان دون الثَّالِثِ إسلام ويب
ذكر موقع إسلام ويب للفتاوى الشرعية في حكم التناجي أنه لا يجوز تناجي اثنين دون الثالث، واستدلوا بما ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا كُنْتُم ثلاثة فلا يتناجى اثنانِ دونَ صاحبِهما حتَّى يختلِطوا بالنَّاس، فإنَّ ذلك يُحزِنه”[5]، فقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك لئلا يتباغضوا ويتقاطعوا المسلمين، ولما فيه من إحزان للشخص الثالث والتقليل من قيمته، وقد ذكر موقع إسلام ويب تفصيلًا في هذه الفتوى، وجاء على النحو الآتي:[6]
“من آداب ديننا، ومن هَدْي نبينا صلى الله عليه وسلم: احترام الآخرين وتقديرهم، وعدم الإساءة لهم، وإيقاع الحزن في نفوسهم، وذلك صيانة لمشاعرهم، ومراعاة لأحاسيسهم، ومن مقتضيات ذلك: ألا يتناجى اثنان دون الثالث بغير إذنه، والتناجي: هو التحدث سرّاً بصوت منخفض وغير مسموع، أو التحدث بلغة غير مفهومة لدى الشخص الثالث، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التناجي بين اثنين إذا كان الحاضرون ثلاثة، مراعاة لشعور الثالث”.
التناجي في القرآن
ذكر الله -عزّ وجل- موضوع التناجي في القرآن الكريم في أربع آيات متتابعة من سورة المجادلة، فقد قال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ۚ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[7]، حيث إنّ هذه الآيات العظيمة دلت على حرمة التناجي لأنها تحزن المسلمين، كما بيّن أن التناجي سرّاً من صفات المنافقين، فهو يتسبب في الإساءة للآخرين وقطع المودة والصلة بين المسلمين.[8]
شاهد أيضًا: حكم صلاة الجماعة عند الأئمة الأربعة
لا يتناجى اثنان دون الثالث حديث صحيح
إنّ حديث لا يتناجى اثنان دون الثالث هو حديث صحيح، وينصّ على ما ورد عَنْ عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إذا كنتم ثلاثةً فلا يتناجى اثنان دونَ الثالثِ إلا بإذنِه فإنَّ ذلك يُحزنُه”[5]، فقد أخرجه ابن شاكر في تخريج المسند لشاكر برقم 9/121، كما جاء هذا الحديث للتَّرغيب على جبر القلوب، وحسن المجالسة، والنهي عن كل ما يسيء إلى المسلم ويحزنه، حيثُ يبين الحديث إذا كان في المجلس أنهم أكثر من ثلاثة فلا بأس بالتناجي، أما إذا كانوا ثلاثة فلا يجوز التناجي بين اثنين دون الثالث، فهذا النوع من التناجي محرّم. [9]
لماذا حرم الإسلام التناجي
حرام الله -عزّ وجل- التناجي حفظاً لسلامة الصدور، حيثُ له دور كبير في إيذاء المؤمن وإحزانه، وقد نهى الشرع الحكيم عن مثل ذلك، فقد قال الله عزّ وجل- في كتابه الكريم: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}[10]، كما أن التناجي يؤذي الشَّخص الثّالث، فهو يجعله يشعر بالحزن الشديد والحرج، مما يُشعره ذلك بمهانته وذلّه أمام الآخرين، فقد ورد في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس ، من أجل أن ذلك يحزنه”[5]، لذلك ينبغي على المسلم الابتعاد عن التناجي حتى لا يساهم في نشر البغضاء والكره بين أفراد المجتمع.[11]
شاهد أيضًا: حكم الدعاء في الصلاة بأمور الدنيا والآخرة
متى يكون التناجي جائزا
نهى الله -عزّ وجل- عن التناجي بين اثنين دون الثالث، لأنّه يدخل الحزن إلى قلبه وذلك فيه أذىً لقلب المسلم، ولكن استثنى من هذا النهي حالتين، وهما على النحو الآتي:[12]
- الحالة الأولى: إذا كان العدد أكثر من ثلاثة ، فيجوز أن يتناجى اثنان دون البقية ؛ لما روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “إِذَا كَانُوا ثَلاثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ، قال أبو صالحٍ: فقُلْتُ لابنِ عمرَ فأربعةٌ ؟ قال: لا يضُرُّك”[3].
- الحالة الثانية: إذا تناجى الاثنان بإذن الثالث، فأذن لهم جاز ذلك؛ لما روى ابن عمر -رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ ، إِلَّا بِإِذْنِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ”[5].
وبهذا نكون قد وصلنا إلى ختام مقال حكم التناجي بين اثنين دون الثالث، والذي سلّط الضّوء على مفهوم التناجي في الإسلام، وبيّن الإجابة الصحيحة حول السؤال المطروح، كما تمّ بيان لا يتناجى اثنان دون الثَّالِثِ إسلام ويب، ولا يتناجى اثنان دون الثالث حديث صحيح، وأيضًا ذكرنا الآيات التي دلت على التناجي في القرآن الكريم وبيان الغاية منها، ثمّ تطرقنا لسبب تحريم التناجي، ونختم المقال ببيان متى يكون التناجي جائزًا.
أسئلة شائعة
المراجع
- ^ سورة المجادلة ، الآية 10
- ^ almaany.com، تعريف و معنى التناجي في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي، 08/03/2023
- ^ صحيح البخاري، عبد الله بن عمر، البخاري، 6288، صحيح.
- ^ binbaz.org.sa، 503 من: (باب النَّهي عن تناجي اثنين دونَ الثالث بغير إذنه إِلَّا لحاجة..)، 08/03/2023
- ^ تخريج المسند لشاكر، عبدالله بن عمر، أحمد شاكر، 9/121 ، صحيح.
- ^ islamweb.net، إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان، 08/03/2023
- ^ سورة المجادلة، الآية 7 - 10
- ^ quran.ksu.edu.sa، سورة المجادلة، 08/03/2023
- ^ dorar.net، شروح الأحاديث، 08/03/2023
- ^ سورة الأحزاب، الآية 58
- ^ kalemtayeb.com، النهي عن تناجي اثنين دون الثالث بغير إذنه، 08/03/2023
- ^ islamqa.info، أحكام ومسائل متعلقة بالتناجي، 08/03/2023
التعليقات