عناصر المقال
حكم تأخير الصلاة عن وقتها بدون عذر، وهو ما سيتم بيانه في هذا المقال، حيثُ يعتبر من الأحكام الفقهية المهمة، فالصلاة من العبادات التي فرضت على العبد المسلم خمس مرات في اليوم والليلة، ويؤجر ويثاب عليها العبد المسلم إن أقامها بأركانها وشروطها وواجباتها، وأداها في وقتها؛ فهي أول ما يسأل عنه العبد المسلم يوم القيامة، ومن هذه المعطيات ومن خلال سطورنا التالية سوف يتم بيان حكم تأخير الصلاة عن وقتها دون عذر، وبعض من الأحكام الشرعية المتعلقة بذات الموضوع.
الصلاة في الإسلام
فرض الله -سبحانه وتعالى- على العباد عبادات متعددة، يؤجر على فعلها وأدائها وينال بذلك الجنة ونعيمها، ومن أعظم وأفضل الطاعات والقربات هي الصلاة التي أول ما يسأل عنها العبد يوم القيامة، ومن أعظم الفرائض بعد الشهادتين، ولا تخلو آية في الكتاب العزيز إلا وحثت على وجوب أداء الصلاة، فقد قال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[1]، وقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[2]، كما بيّنت الأحاديث الشريفة أهمية الصلاة، فهي من أحب الأعمال إلى الله، فهي سبب تكفير الذنوب والخطايا، والبعد عن الكفر والفسوق، فقد ورد عن بريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر”[3]، يجدر بالذّكر أنّ الله -تعالى- فرض على العبد خمس صلوات في اليوم والليلة، تبدأ بصلاة الفجر ثم الظهر والعصر والمغرب ثم صلاة العشاء، ومن الواجب على العبد المسلم أن يعظم شأن الصلاة ولا يأخرها لأي سبب كان.[4]
حكم تأخير الصلاة عن وقتها بدون عذر
أوضح أهل العلم أنّ حكم تأخير الصلاة عن وقتها دون عذر حرام، فلا يجوز للمسلم أن يؤخر الصلاة عن وقتها، حيثُ جعل الله -عزّ وجل- أوقات محددة للصلوات الخمس، فقد قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[5]، ومن فعل ذلك فقد تحمّل إثماً عظيماً، بدليل قوله الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}[6]، لذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها بلا عذر كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة، ويجدر بالذّكر أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- علّم الصحابة مواقيت الصلاة وهم علموها للمسلمين، فلا يصح لمسلمٍ أن يؤخر الصلاة، ففي تأخير الصلاة مخالفة لسنة رسول الله، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ” صلوا كما رأيتموني أصلي”[7]، فإذا آخر المسلم الصلاة دون عذر يكون نوعاً من الاستهزاء والعياذ بالله، لذا ينبغي التوبة إلى الله -تعالى- والرجوع إليه، والمحافظة على أداء الصلاة على وقتها.[8]
شاهد أيضًا: أفضل وقت لصلاة العشاء ، حكم تأخير صلاة العشاء
حكم تأخير الصلاة عن وقتها بدون عذر ابن عثيمين
ذكر الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أنّ تأخير الصلاة عن وقتها دون عذر من المحرمات في الدّين الإسلامي، وقد توّعد الله -سبحانه وتعالى- لهم، فقد قال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[9]، وقد ذكر -رحمه الله- تفصيلًا في هذه الفتوى، وهي على النحو الآتي:[10]
“يرى بعض أهل العلم أن من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها بلا عذر كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة، وبناءً على هذا يكون هذا الرجل كافراً كفراً مخرجاً عن الملة؛ لأن تأخير الصلاة إلى ما بعد الوقت عمداً بلا عذر شرعي لو صلاها لم يستفد منها ولا تقبل منه، ويرى آخرون: أن ترك الصلاة الذي ورد أنه كفر هو أن يتركها بالكلية لا الفجر ولا غيره، وهذا أقرب إلى ظاهر النصوص؛ فهذا لا يكفر على هذا القول الذي نرجحه، لكن على خطر عظيم -والعياذ بالله- ما لم يعتقد أنه يجوز تأخير الفجر إلى ما بعد الوقت فحينئذٍ يكون أنكر فرضيتها فيكفر بالإنكار”.
ما حكم تأخير الصلاة ساعة أو ساعتين؟
لا يجوز تأخير الصلاة بعد الأذان ساعة أو ساعتين دون عذر، فذلك ليس من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويأثم فاعلها متعمدًا، ولكن يجوز للمسلم تأخير الصلاة بعد الأذان مدة قصيرة كربع ساعة أو نصف ساعة، أما تأخيرها حتى خروج وقتها لا يجوز مطلقًا، والأفضل التعجيل بأداء الصلاة في أول وقتها لتطبيق أمر الله -تعالى- وتطبيق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى النجاة من عقوبة تأخير الصلاة [11]، ويجدر بالذّكر أنّ أداء الصلاة في وقتها من الأعمال التي بها ينال المسلم محبة الله -تعالى- بدليل ما ورد عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا . قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ . قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”[12].
شاهد أيضًا: ما هو حكم تأخير صلاة الفجر عن وقتها
تأخير الصلاة دون خروج وقتها
يجوز تأخير الصلاة إلى إلى آخر وقتها بدليل صلاة جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الظهر في آخر الوقت، ولكن إذا خشي المسلم مانعاً يمنعه من فعل الصلاة على آخر وقتها الأفضل أن يؤديها على أول وقتها، وقد بَيَّنَ الشرعُ آخر وقت كل صلاة في الحديث الذي رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : “وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ”[13]، ويجدر بالذّكر أنه لا يجوز تأخير أي صلاة من هذه الصلوات عن آخر وقتها بلا عذر قهري كالنوم والنسيان، فقد قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- أنّ من يتعمد تأخير الصلاة إلى ما بعد الوقت المخصص لها فهذا متعمد للترك، وقد أتى منكراً عظيماً عند جميع العلماء.[11]
شاهد أيضًا: حكم تأخير صلاة الظهر لآخر وقتها
هل تأخير الصلاة عن وقتها من الكبائر
إنَّ تعمد تأخير الصَّلاة عن وقتها هو من كبائر الذنوب؛ فقد قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}[6]، وقال أهل التفسير إن المقصود في “ساهون” الذين يؤخرونها عن وقتها، فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى- عَمَّنْ تَرَكَ صَلَاةً وَاحِدَةً عَمْدًا بِنِيَّةِ أَنَّهُ يَفْعَلُهَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا قَضَاءً ، فَهَلْ يَكُونُ فِعْلُهُ كَبِيرَةً مِنْ الْكَبَائِرِ؟ فَأَجَابَ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَعَمْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا الَّذِي يَجِبُ فِعْلُهَا فِيهِ عَمْدًا مِنْ الْكَبَائِرِ”، ويجدر بالإشارة إلى أنّ الصلاة هي عمود الدين وركن الإسلام الثاني بعد الشهادتين، والتعمد في تأخير الصلاة عن وقتها هو منكر عظيم وعزمٌ على الترك، وهو عند بعضٍ من الفقهاء يدخل بالكفر والعياذ بالله، فمن الواجب على المسلم في هذه الحالة التوبة إلى الله -تعالى- والإكثار من الاستغفار، والمحافظة على أداء الصلاة في وقتها.[13]
حكم تأخير الصلاة عن وقتها بسبب العمل
لا يجوز للمسلم تأخير الصَّلاة عن وقتها من أجل العمل، لأنّ الله -سبحانه وتعالى- جعل الصلاة كتابًا موقوتًا على المسلمين، فلا ينبغي للمسلم أنّ يقدم أعماله الدنيوية والتجارية على الصلاة في وقتها، وهو ليس عذرًا، فلا خير في عمل يُلهِي عن الفرائض، فقد قال -تعالى- في محكم تنزيله: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[14]، أما إذا كان هذا التأخير بسبب النسيان بحيث يكون الإنسان استغرق في الشغل حتى ذهل عن الصلاة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها”[15]، ففي هذه الحالة يصليها عند ذكرها ولا حرج عليه، لذلك يتوجب على المسلم أن يحرص على أن يؤدي الصلاة على وقتها من خلال أن يقتطع جزء من وقته داخل العمل لأداء ما فرضه الله عليه، والله أعلم.[16]
شاهد أيضًا: حكم من فاتته صلاة الجمعة بسبب النوم
كفارة تأخير الصلاة
ليس هناك كفارة لتأخير الصلاة حتى خروج وقتها، ولا يلزمه إلا القضاءُ وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة، فقد ورد عن أنسِ بن مالكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْه- عن النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: “مَن نَسِي صلاةً فليصلِّ إذا ذكَرَها، لا كفَّارةَ لها إلَّا ذلك؛ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه: 14]“[17]، وفي رواية: “مَنْ نسِيَ صلاةً، أو نام عنها، فكفَّارتها أن يُصلِّيها إذا ذكَرَها”[18]، حيثُ إنّ وجه الدلالة بين ناسي الصلاة وتاركها متعمدًا أنه إذا وجب القضاء على التارِك ناسيًا، فالعامد أولى بذلك، لذا يتوجب على المسلم المسارعة للتوبة إلى الله -تعالى- توبة صادقة والعزم على عدم تأخير الصلاة مرة أخرى، لأنّ تأخيرها حتى خروج وقتها من المحرمات التي اجتمع على تحريمها علماء أهل السنة والجماعة.[19]
وبهذا نكون قد وصلنا إلى ختام مقال حكم تأخير الصلاة عن وقتها بدون عذر، والذي سلّط الضّوء على الصلاة في الإسلام، وبيّن الإجابة الصحيحة حول السؤال المطروح، كما تمّ بيان بعض من الأحكام الشرعية ذات العلاقة بموضوع تأخير الصلاة ومنها، ما حكم تأخير الصلاة ساعة أو ساعتين؟، وحكم تأخير الصلاة عن وقتها دون عذر ابن عثيمين، وأيضًا ذكرنا هل تأخير الصلاة عن وقتها من الكبائر، وحكم تأخير الصلاة عن وقتها بسبب العمل، ثمّ تطرقنا لسبب تحريم التناجي، ونختم المقال ببيان كفارة تأخير الصلاة.
أسئلة شائعة
المراجع
- ^ سورة النور ، الآية 56
- ^ سورة البقرة ، الآية 238
- ^ صحيح ابن ماجه، بريدة بن الحصيب الأسلمي، الألباني، 891، صحيح
- ^ binbaz.org.sa، الصلاة في الإسلام، 08/03/2023
- ^ سورة النساء، الآية 103
- ^ سورة الماعون، الآية 4-5
- ^ صحيح البخاري، مالك بن الحويرث ، البخاري، 6008، صحيح.
- ^ islamweb.net، حكم تأخير الصلاة عن وقتها بلا عذر شرعي، 08/03/2023
- ^ سورة مريم ، الآية 59
- ^ binothaimeen.net، حكم تأخير صلاة الفجر إلى وقت دوام العمل، 08/03/2023
- ^ islamqa.info، الحد المسموح به في تأخير الصلوات بالنسبة للمرأة، 08/03/2023
- ^ صحيح البخاري ، عبد الله بن مسعود، البخاري، 527، صحيح.
- ^ islamweb.net، تأخير الصلاة عن وقتها من كبائر الذنوب، 08/03/2023
- ^ سورة النور ، الآية 37
- ^ تخريج المسند لشعيب ، أنس بن مالك، شعيب الأرناؤوط، 14007، إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- ^ islamweb.net، تأخير الصلوات بسبب العمل، 08/03/2023
- ^ صحيح البخاري، أنس بن مالك، البخاري ، 597 ، صحيح.
- ^ صحيح مسلم، أنس بن مالك، مسلم ،684 ، صحيح.
- ^ dorar.net، قضاءُ الصَّلاةِ إذا خرج وقتها، 08/03/2023
التعليقات