عناصر المقال
حكم طلاق الحائض الطلقة الثالثة وهو من الأحكام الشرعية المهمة لكل مسلم ومسلمة، حيثُ إنّ الطلاق هو أمر مشروع في الكتاب والسنة والإجماع، ويتم اللجوء إليه عندما يفسد الحال بين الرجل وزوجته فيطلقها إن كان بقاء النكاح مفسدة وضررًا، فقد شُرِع الطلاق ليزيل النِّكاح وتزال المفسدة في حال وجودها، ولكن للطَّلاق أحكام وضوابط وشروط محددة، ومن هذا المنطلق ومن خلال سطورنا التالية سوف يتم بيان مفهوم الطلاق البدعي، وحكم طلاق الحائض الطلقة الثالثة.
الطلاق البدعي
يعتبر الطلاق البدعي بأنه الطلاق الذي فيه مخالفة لما شرعه الله -تعالى- في أمر الطلاق، حيثُ يكون الطلاق البدعي بأن يتلفظ المسلم بالطلاق على زوجته وهي في فترة الحيض، أو في طهر جامعها فيه [1]، وهما من الأمور التي نهى عنها رسول -عليه الصلاة والسلام- فقد غضب عندما علم أنَّ عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- طلق زوجته وهي حائض، كما أجمع العلماء على تحريم الطلاق البدعي؛ لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله -تعالى- ورسوله، قال -تعالى- في محكم تنزيله: {فطلقوهن لعدتهن}[2]، وفيما يأتي سيتم بيان أنواع الطلاق البدعي، وهي كالآتي:[3]
- الطلاق البدعي الوقتي: وهو أنْ يقوم المسلم بتطليق من لم يبن حملها، أو أن يطلقها في طهرٍ جامعها فيه.
- الطلاق البدعي العددي: وهو أن يطلق الرجل زوجته المدخول بها أو غير المدخول بها بأكثر من طلقة واحدة في قولٍ واحد.
حكم طلاق الحائض الطلقة الثالثة
اختلف أهل العلم في حكم طلاق الحائض بثلاث تطليقاتٍ بلفظٍ وحد، وكان لهم قولين في حكمه وهما على النحو الآتي:[4]
- القول الأول: إنّ الطّلاق بثلاث تطليقاتٍ بلفظٍ واحد يقع الطّلاق ثلاثاً، وأصحاب هذا القول هم كلًّا من المالكيَة والحنابلة والحنفيَّة والشافعيَّة، فقد ورد عن مولى ابن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: “أنَّ ابْنَ عُمَرَ، طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهي حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَهَا، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ. قالَ: فَكانَ ابنُ عُمَرَ إذَا سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهي حَائِضٌ يقولُ: أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ، إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَهَا، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، وَأَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا، فقَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ فِيما أَمَرَكَ به مِن طَلَاقِ امْرَأَتِكَ، وَبَانَتْ مِنْكَ”[5].
- القول الثاني: إنّ ثلاث تطليقات بلفظ واحد تقع طلقة واحدة، وهو قول طائفة من السّلف، واختاره كل من ابن القيم وابن باز وابن عثيمين -رحمهم الله تعالى- وقد استدلّوا بما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: “كانَ الطَّلَاقُ علَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَسَنَتَيْنِ مِن خِلَافَةِ عُمَرَ، طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً، فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: إنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا في أَمْرٍ قدْ كَانَتْ لهمْ فيه أَنَاةٌ، فلوْ أَمْضَيْنَاهُ عليهم، فأمْضَاهُ عليهم”[6]، حيث كانت وجه دلالتهم أنّ الثلاث كانت من اجتهادات عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- وأنّه فعلها سياسة، فلو قيل للرّجل أن يسبّح الله مئة مرّة كان عليه أن يعدّ مائة مرّة من التّسبيح حتّى يستوفيها، وذلك كان على القياس في الطّلاق، وقد شرّع الله -تعالى- الطّلاق مرّة بعد مرّة ولم يشرعه كلّه مرة واحدة فمن جمع الثّلاث فقد تعدّى حدود الله.
شاهد أيضًا: هل يجوز للمطلقه أن تزوج نفسها بدون ولي
شروط وقوع الطلاق
من المهم للمسلم أن يعلم أنّ للطلاق شروطاً لا بدّ من تحقيقها ليكون الطلاق صحيحًا، وفيما يأتي سيتم بيان الشروط الواجب توفرها في المطلق، وتتمثل هذه الشروط على النحو الآتي:[7]
- أن يكون المطلق زوجًا، أي بينه وبين المرأة عقد زواج يُفسخ بالطلاق.
- أن يستخدم الزوج لفظًا دالًا بصورة قاطعة على الطلاق، بحيث يتوجب أن يصرح بلفظ الطلاق وأن لا يكون مشككًا فيه.
- أن يكون الزوج قاصدًا تطليق زوجته، وليس تطليقها في لحظة رؤيته لكارثة حلت به بينما هو تحت تأثير غضب عارم يجعله غير مدرك لما يفعله.
- إنّ الطلاق لا يقع إلا نتيجة إرادة الزوج الحرة، فإذا طلق زوجته تحت الإكراه لا تطلق منه شرعًا وتظل زوجة له، لِقوله -تعالى-: {إِلّا مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإيمانِ}[8].
- أن يكون المطلّق عاقلًا ومتيقضًا لما يفعل، لِقول النبيّ عليه الصلاةُ والسلام: “رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عنِ النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعنِ الصَّبيِّ حتَّى يحتلمَ، وعنِ المجنونِ حتَّى يعقلَ”[9]، فقد بيّن الفقهاء بأنه لا يقع طلاق المجنون والمعتوه لأنهما بلا عقل ولا إدراك لما يقومون به.
طلاق الحائض في المذاهب الأربعة
اتفق جمهور الفقهاء على وقوع طلاق الحيض مع الاتفاق على وقوع الإثم فيه على المُطلِّق لمخالفته السّنة في ذلك[10]، فقد قال -تعالى- في محكم تنزيله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ}[2]، وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: “طَلَّقْتُ امْرَأَتي علَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَهي حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذلكَ عُمَرُ لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيَدَعْهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا، أَوْ يُمْسِكْهَا، فإنَّهَا العِدَّةُ الَّتي أَمَرَ اللهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ. قالَ عُبَيْدُ اللهِ: قُلتُ لِنَافِعٍ: ما صَنَعَتِ التَّطْلِيقَةُ؟ قالَ: وَاحِدَةٌ اعْتَدَّ بهَا”[11].
وقد ذهب الشَّافعيَّة إلى أنّ مراجعة المطلقة طلاقًا بدعيًّا هو سنة، أما الحنابلة فقد ذهبوا إلى أنّ الرجعة مستحبة وليست واجبة، والمالكيَّة ذهبوا إلى أنّ طلاق الحائض حرام ويُجبر المطلّق في الحيض والنّفاس على الرّجعة رفعًا للحرمة، وهذا ما دامت الرّجعة ممكنةً أن كان الطّلاق رجعيًّا، فإذا كان بائنًا بينونةً صغرى أو كبرى تعذّر الرّجوع وثبت الإثم على الزَّوج [12]، ودليل ذلك حديث نافع مولى ابن عمر -رضي الله عنهم- الذي يقول فيه: “كانَ ابنُ عُمَرَ إذَا سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهي حَائِضٌ يقولُ: أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ، إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَهَا، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، وَأَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا، فقَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ فِيما أَمَرَكَ به مِن طَلَاقِ امْرَأَتِكَ، وَبَانَتْ مِنْكَ”[5]، والله أعلم.
حكم طلاق الحائض دون علم الزوج
ذهب أكثر أهل العلم إلى أنّ طلاق الحائض واقع رغم بدعيَّته، والبعض الآخر ذهب إلى أنَّه لا يقع، فمن طلقّ امرأته وهي حائض وهو لا يعلم فلا إثم عليه، ويقع الطَّلاق، أمَّا إذا كان يعلم وطلقها في الحيض فقد أثم ولا يقع الطلاق[13]، وينبغي عليه التوبة لأنّه خالف السَّنة وترك أمر الله -تعالى- ورسوله عليه الصَّلاة والسَّلام، فقد قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- في تعقيبه على تلك المسألة الفقهية:[14]
“وعلى هذا، فإذا طلقها وهي حائض لم يطلقها على أمر الله فيكون مردوداً، فالطلاق الذي وقع على هذه المرأة نرى أنه طلاق غير ماض، وأن المرأة لا زالت في عصمة زوجها، ولا عبرة في علم الرجل في تطليقه لها أنها طاهرة أو غير طاهرة، نعم، لا عبرة بعلمه، لكن إن كان يعلم صار عليه الإثم، وعدم الوقوع، وإن كان لا يعلم فإنه ينتفي وقوع الطلاق ولا إثم على الزوج“.
شاهد أيضًا: هل يجوز للرجل ان يتزوج اخت ارملته
عدة طلاق الحائض
بيّن أهل العلم أنّ المطلقة الحائض هي ثلاث حيضات، ولا تحتسب الحيضة التي وقع فيها الطلاق، فإذا طلق الرجل زوجته دون ثلاث طلقات فإنّه ينتظرها حتى تبرأ من حيضها الذي هي فيه، ثمّ ينتظر بعدها ثلاث حيضات، فإن طهرت من الحيض الثالث فقد انتهت عدّتها، حيثُ نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن طلاق الحائض، فقد أنكر على عبد الله بن عمر لما طلق في الحيض غضب عليه وأنكر وأمره أن يرد الزوجة وهذا هو المشروع، لذا يُستحب لمن طلّق زوجته وهي حائض أن يراجعها ثمّ يتركها حتى تطهر، وبعدها يطلقها أو يمسكها، وقد أوجب بعض العلماء مراجعة المرأة المطلقة في الحيض.[15]
لماذا لا يجوز طلاق المرأة وهي حائض
إنّ طلاق المرأة وهي حائض محرَّم بكتاب الله -تعالى- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأجمع علماء المسلمين على ذلك، وجاءت الحكمة من عدم جواز طلاق المرأة أثناء فترة الحيض لدفع الضَّرر عنها، حيثُ إنّ طلاقها وهي حائض يجعل عدتها تطول، بحيث تظل المرأة ثلاثة حيضات وبعض أيام حيضها التي وقع الطلاق فيها، فقد قال الإمام ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: “إن الحيضة التي تطلق فيها لا تحسب من عدتها بغير خلاف بين أهل العلم، لأن الله تعالى أمر بثلاثة قروء فتناول ثلاثة كاملة، والتي طلق فيها لم يبق منها ما تتم به مع اثنتين ثلاثة كاملة فلا يعتد بها، ولأن الطلاق إنما حرم في الحيض لما فيه من تطويل العدة عليها، فلو احتسبت بتلك الحيضة قرءاً كان أقصر لعدتها وأنفع لها، فلم يكن محرماً”.[16]
شاهد أيضًا: هل يجوز رجوع الزوجين بعد الخلع
الحكمة من تحريم الطلاق البدعي
إنَّ النهي عن الطلاق البدعي جاء من أجل التضييق على المسلم سبل الوصول إلى الطلاق، وذلك من أجل المحافظة على بيت الزوجية واستمرار النكاح وفق ما يرضي الله تعالى، فقد جعل الله -تعالى- الحيض والنفاس والطهر الذي كان فيه جماع من موانع الطلاق، فربما إذا أمسك الرجل عن طلاق زوجته في تلك الفترات أن يرجع عن قرار الطلاق فيما بعد، ويحصل الود والألفة بين الزوجين مرة أخرى، كما أباح الله -تعالى- للرجل أن يطلق زوجته في حالتين فقط: في حالة الحمل والطهر الذي لم يجامعها فيه، وهما حالتان لا يرغب الرجل في تطليق زوجته فيهما، وفي هذا سد لسبل الطلاق وتضييق إمكانية وقوع الطلاق في الإسلام.[1]
وهكذا نصل وإيّاكم إلى نهاية هذا المقال الذي قدمناه لكم بعنوان حكم طلاق الحائض الطلقة الثالثة، فقد عرفنا في هذا المقال بعضًا من المعلومات حول الطلاق البدعي وحكمه في الإسلام، وقد أدرجنا لكم الإجابة الصحيحة حول السُّؤال المطروح، ثمّ بيّنا عدة طلاق الحائض، كما ختمنا مقالنا ببعض المعلومات عن الحكمة من تحريم الطلاق البدعي، نرجو أن نكون قد وفقنا في الإجابة على هذا السؤال وأن نكون حملنا لكم الفائدة في هذا المقال.
أسئلة شائعة
المراجع
- ^ binbaz.org.sa، الطلاق السني والطلاق البدعي، 30/01/2023
- ^ سورة الطلاق، الآية 1
- ^ islamqa.info، هل للطلاق البدعي علاقة بحديث " كل بدعة ضلالة " ؟، 30/01/2023
- ^ dorar.net، الطَّلاقُ بثَلاثِ تَطليقاتٍ بلَفظٍ واحِدٍ (أنتِ طالِقٌ ثلاثًا)، 30/01/2023
- ^ صحيح مسلم، عبد الله بن عمر، مسلم، 1471، صحيح .
- ^ صحيح مسلم ، عبد الله بن عباس، مسلم، 1472، صحيح.
- ^ islamweb.net، شروط صحة الطلاق من حيث المطلِق والمطلقة والصيغة، 30/01/2023
- ^ سورة النحل ، الآية 106
- ^ الخلافيات للبيهقي، علي بن أبي طالب، البيهقي، 3584، حسن.
- ^ dorar.net، المَطلَبُ الثَّاني: وقوعُ الطَّلاقِ إذا حَصَل في حَيضٍ أو طُهرٍ جامَعَها فيه، 30/01/2023
- ^ صحيح مسلم ، عبد الله بن عمر، مسلم، 1471، صحيح.
- ^ al-eman.com، كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية، 30/01/2023
- ^ binbaz.org.sa، هل يقع الطلاق والمرأة حائض؟، 30/01/2023
- ^ islamweb.net، حكم من طلق زوجته وهو يعلم أو يجهل أنها حائض
- ^ binbaz.org.sa، متى تبدأ عدة المرأة إذا طُلِقت حائضًا؟، 30/01/2023
- ^ islamweb.net، الحكمة من منع طلاق الحائض، 30/01/2023
التعليقات