عناصر المقال
شرح قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة والصور الفنية فيها، حيث إنّ عنترة بن شداد هو واحد من أهمّ الشعراء المعروفين في العصر الجاهلي وقد اشتهر كثيرًا في مجال الشعر ومجال الأدب ومجال الفروسية والقتال، وقد كان له باع طويل في ذلك، وقد ترك إرثًا ادبيًا كبيرًا ومن بين ذلك قصيدة يقول في مطلعها يا دار عبلة، وهذا المقال سيقف مع القصيدة تفصيلًا وبيانًا.
من هو قائل قصيدة يا دار عبلة
عنترة بن شداد العبسي الذي عاش ما بين عامي (525م – 608م) وهو أحد الفرسان العرب الذين لا يُشق لهم غبار وأحد أعظم الشعراء في الفترة التي سبقت ظهور الشريعة الإسلامية، وقد اشتهر شعره من خلال الغزل العفيف الذي قاله في امرأة يحبها يُقال لها عبلة وكانت أمه عبدة وهوواحد من السود الثلاثة المشهورين بين العرب وهم: (عنترة، وأمّه زبيبة، وخفاف بن عُمير الشّريديّ، وأمّه ندبة، والسُّليك بن عمرو السّعديّ، وأمّه سلكة).
كان أوه قد نفاه قبلًا وذلك لأنه ابنه ولكن من عبدة وكانت تلك عادة الجاهلية حيث ينفي الأب الولد من العبدة حتى إذا كبر استدعاه وأعطاه نسبه، وقصة غعطائه النسب كانت على النحو التالي: “وكان سبب ادعاء أبيه إيّاه أن بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس فأصابوا منه واستاقوا إبلًا فتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم عمّا معهم، وعنترة يومئذ فيهم، فقال له أبوه: «كرّ يا عنترة»، فقال عنترة: «العبد لا يحسن الكر، إنّما يحسن الْحِلاب والصّر» فقال: «كرَّ وأنت حر». فَكرَّ، وقاتل يومئذ قتالًا حسنًا فادَّعاه أبوه بعد ذلك وألحقه بنسبه”.
شرح قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة
عبلة هي المرأة التي وقف من أجلها عنترة فبكى واستبكى ونثر ألمه وقافيته على الأطلال وهي ابنة عمه ويُقال إنّه خطبها من أهلها ولكنهم رفضوا تزويجها من رجل أسود وهو اللون الحبشي الذ أخذه من أمه، يُذكر أنّ أمه كانت أميرة حبشية ولكنها أخذت في الغزو وصارت جارية، وقد اشتُهرت عبلة بما تشتهر به النساء الكاملات أو يزيد من المنعة والفهم والعقل والرزانة وقوة البأس والصلابة، ومن شعره فيها:
-
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ
أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ
يبتدئ الشاعر قصيدته في الكلام عن الأغراض الشعرية التي خاضها العرب والأدباء من قبله فيقول هل ترك الشعراء أي غرض من الأغراض الشعرية ولم يتكلموا به قبلًا فكيف له أن يأتي بالمعاني الجديدة وهذا بمثابة اعتذار من المتلقي على تكرار المعاني، ثم يعرج فورًا في الشطر الثاني بالكلام عن الدار وتُرى هل عرفها الناس بعد أن توهموا فيها وضاعت عليهم.
-
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي
وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
ثم كعادة العرب في الوقوف على الطلال والبكاء والاستبكاء يأتي الشاعر على تلك المعاني مثحدثًا عمّا اخترق قلبه من المشاهد وما اعتاد الشعراء على وصفه وهو وصف الديار الخالية من أهلها وهنا في هذا المقاميصف دار عبلة ويالم لذلك، يألم لأنّه لم يستطع أن يُقدم شيئًا سوى الحزن على فراق عبلة وفراق ديارها والألم على وقفة بباب الأحبة دون أن يكونوا ومع ذلك هو يُطلق السلام على دار عبلة في الصبح والمساء.
-
فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها
فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ
عند مرور عنتر على بيت الأحبة فإنّه لم يقدر إلا ان يوقف ناقته القصيرة ويبدا بالنحيب والحزن والبكاء على ما قدّم في حياته من بعده عن حبه عبلة وهو الذي لم يستطع الظفر بها، يذكر انّ عبلة هي ابنة عمه ولكن اهلها رفضوا تزويجها له كعادة اعرب في رفضهم تزويج الفتاة بالذي شبب بها.
-
وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا
بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ
الآن يتكلم الشاعر عن الأماكن التي تفرق ما بين عبلة وحبيبها عنتر بن شداد فيقول:إنّ عبلة تحل في ارض ومكان وهو الجواء أمّا هو وأهله فيحلون في أماكن أخرى مثل الحزن والصمان والمتلثم والآن هو يتذكر بعد مكانها عنمكانه ولربما هكذا حكم الفراق بينه وبينها وهكذا حكمت الدنيا بأن يكون بعيدًا عنها فلا يقترف بينه وبين نفسه ذنبًا سوى الحب.
-
حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ
أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ
الآن يقوم الشاعر بتحية كل الأطلال التي اعترضت طريقه وكل الأطلال التي مر بها ولكنه مع ذلك فهو يخص طلل واحد في التحية وفي السلام وهو طلل المرأة التي يحبها وقد كنّى عن عبلة في هذا البيت بقوله أم الهيثم وهو اللقب لذي كانت تحمله عبلة، وهذا من شدة الحب وشدة الوجد الذي يعاني الإنسان منه.
-
حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت
عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ
الآن يأتي عنترة بن شداد ويجود في الكلام عن المسافة التي هي بينه وبين المرأة التي يحبها ويقول في نفسه كيف لي أن أصل إلى طلاب تلك المرأة وكيف لي أن اهجع بين يديها وهي في ذلك المكان البعيد عني فلا سبيل للوصول إليها وهذا ما اعتاد الشعراء التطرق له من معاني الشوق وصعوبة الوصول إلى المحبوية وغير ذلك.
-
عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَها
زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ
الآن يتكلم الشاعر عن سبب تعلق قلبه بتلك المرأة الجميلة وقد حدث ذلك من غير قصد منه ومن غير دراية بفعله ولا عزيمة من أجل فعل ذلك، فما هي إلا نظرة واحدة حتى تعلق بها ذلك التعلق الشديد وذلك التعلق الأليم وخاصة أنّ بينه وبين أهلها قتال شديد وهذا يمنعه من التقدم لها ولخطبتها وتكون الفرصة معدومة في لقاء الحبيبين.
-
وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ
مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ
الآن يعلق الشاعر على محبة عبلة في قلبه بعد أن ذكر الخصام الذي بينه وبين أهلها فهو يخشى كثيرًا أن تكون قد شكت بمحبته لها بعد ذكر الخصوة مع أبيها، فيعود ليعيد لها المعنى مرة أ
-
كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُها
بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ
الآن يتساءل عنترة بن شداد عن الطريقة التي يمكن له بها أن يلتقي مع المحبوبة وكيف سيكون السبيل إلى ذلك، هل يكون من خلال اللقاء أو غيره وهو يتحدث عنها عن اللقاء الصعب جدصا وذلك بسبب بُعد كل من مكانه عن مكانها، فاهلها يقيمون في مكان يُقال له العنيزتين وأهلها يُقيمون في مكان يُقال له الغيلم ويشق الطريق ما بين ذلك وذاك.
-
إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّماْ
زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ
الآن يتحدث الشاعر عن الفراق والألم والحزن الذي يعتصر قلب عنترة بعد أن أزمعت عبلة على الفراق ووطنت نفسها على ذلك، فالفراق مر شديد على النفس والروح وهو يأخذ القلب إلى مزارات بعيدة جدًا، وهنا الآن يقول لها لو أزمعت على الفراق فإنّ هذ جلي بيّن من وقت ما رغبتم في عزم إبلكم ليلًا.
الصور الفنية في قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة
لقد استطاع الشاعر عنترة بن شداد أن ينسج قصيدة شعرية صعبة التقليد والمنال من خلال مجموعة من الصور الشعرية والفنية التي لا بدّ من الوقوف معها وبيانها في هذه الفقرة، وما يلي تفصيل ذلك:
- يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي: في هذا البيت الشعري يوجد هناك صورتان فنيتان لا بدّ من بيانهما فأمّا الصور الأولى فهي شخصنة الدار من قبل عنترة بن شداد حيث اعتبر الدار إنسانًا يتكلم، وكذلك في الشطر الثاني من البيت الشعري حينما ألقى التحية على الدار مثل الإنسان الذي يُلقى عليه التحية، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً سوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ: في هذا المقام يتكلم الشاعر في وصف النوق وقد وصفها بالسواد وشبه سوادها بالغراب لأنّ هذا النوع من النوق هو من أنفس وأشدها ندرة وهي غالية الثمن وفوق ذلك هي تحلب، وهنا تشبيه تام الأركان حيث ذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه.
- جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ: الآن يتكلم الشاعر عن المطر الذي انهمر على ذلك الروض انهمارًا كثيرًا حتى شكل حلقات من الماء المنهمر مثل حلقات الدراهم، ونوع هذا التشبيه هو تشبيه مجمل حيث أبقى على المشبه والمشبه به وقام بحذف وجه الشبه.
- وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ غَرِداً كَفِعلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ: الآن يتكلم الشاعر في صورة أخرى عن الذباب في ذلك المكان وصوت طيرانه ورنينه فقال إنّ صوته مثل صوت الغناء والطرب وهنا هذه الصورة هي تشبيه تام الأركان فقد أبقى على المشبه والمشبه به وأداة الشتبيه ووجه الشبه.
شرح المفردات قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة
لقد اشتعلت هذه القصيدة بالمفردات الغريبة بعض الشيء كونها قصيدة جاهلية أي منذ زمان بعيد قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان لا بدّ من الوقوف مع أهمّ المفردات وشرحها وبيانها وتفصيلها، وما يأتي سيكون ذلك:
- المتردم: هو المكان الذي يحاول الناس إصلاحه ويحاول الناس تغييره وذلك لما اعتراه من الخطوب والوهن الذي أصابه.
- فدن: قصير وهنا في هذا الموضع كان يذكر قصر الناقة التي هو عليها.
- الإقفار: وهي التي تعني الخواء أي المكان الذي لا يوجد فيه أحد.
شرح قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة pdf
عنترة ابن شداد صاحب السيف الماضي والكلمة التي لا تكون إلا بموضعها، القادر على قلب الموازين في المعارك صاحب القلب الرقيق الذي ما اعتاد الغزل إلا بمحبوبته الصغيرة عبلة، هذه قصيدة ذكرنا فيها مجموعة من المعاني الخاصة بها وما هي أهمّ الشروحات الخاصة فيها، وللتحميل اضغط “من هنا“.
مقالات قد تهمك
من المقالات الهامة التي تفيد القارئ في مجال شرح المعاني:
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقال شرح قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة والصور الفنية فيها ونكون قد تحدثنا عن معلومات واسعة خاصة بالقصيدة وما يهم فيها من المعاني والصور وما إلى ذلك.
التعليقات