عناصر المقال
ما حكم مراقبة الله تعالى في السر والعلن هو من أهم الأحكام الشرعية الإسلامية التي يجب على كلّ مسلم عاقل أن يعرفها حق المعرفة وأن يعرف الطريقة الأنسب للشعور بمراقبة الله تعالى في السرّ والعلن، وفي السّرّ قبل العلن، فالنفس الإنسانية أمّارة بالسوء ومن استشعر مراقبة الله رب العالمين، خشي الله واتقاه في السرّ قبل العلن، وفي هذا المقال سوف نقدّم التعريف الشامل لمعنى مراقبة الله عز وجلّ، وسنسلط الضوء على حكم مراقبة الله تعالى وثمارها وأسبابها وفضلها على المسلم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
ما معنى مراقبة الله
إنّ معنى مراقبة الله تعالى في السرّ والعلن هو أن يعلم المسلم بأنّ الله رب العالمين علّام الغيوب لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأن يدرك إداركًا تامًا أنّ كل عمل يقوم به يعرفه الله تعالى حق المعرفة مهما كان صغيرًا وأنه مطّلع على سرّه وعلانيته، فيخشى الله تعالى في السر والعلن، وقد ورد عن ابن المبارك أنّه قال لرجل في تعريفه لمراقبة الله تعالى: “راقب الله تعالى، فسأله عن تفسيرها فقال: كن أبدًا كأنك ترى الله عزَّ وجلّ”، ومراقبة الله تعالى هي أنّ يعلم المسلم بقرب الله رب العالمين منه وبمعرفته كل فعل يقوم به في هذه الحياة. [1]
شاهد أيضًا: كيف يحسن المسلم ظنه بالله عز وجل
ما حكم مراقبة الله تعالى في السر والعلن
آيات عن مراقبة الله
لقد ضمّ القرآن الكريم -وهو المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي- العديدَ من الآيات القرآنية المباركة التي تحدّثت عن مراقبة الله تعالى للمسلم في السرّ والعلن، ومن هذه الآيات نذكر ما سيأتي: [3]
- قول الله تعالى في سورة الأحزاب: “إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا”. [4]
- قول الله تعالى في سورة البقرة: “وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ”. [5]
- قول الله تعالى في سورة غافر: “يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ”. [6]
- قول الله تعالى في سورة الشعراء: “وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”. [7]
أحاديث نبوية عن مراقبة الله تعالى
تُعدُّ سنة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- المصدر التشريعي الثاني في الشرع الإسلامي، وقد وردت في السنة على لسان الحبيب المصطفى الكثير من الأحاديث النبوية التي تحدثت عن مراقبة الله تعالى، ومن هذه الأحاديث: [8]
- عن أبي هريرة وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “الإحسـانُ أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه، فإن لـم تكن تراه فإنه يَراك”. [9]
- عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال: “قالَ لي رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ اتَّقِ اللَّهَ حيثُما كنتَ وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها وخالِقِ النَّاسَ بخلقٍ حسنٍ”. [10]
كيف يستشعر المسلم مراقبة الله تعالى
يستطيع المسلم أن يستشعر مراقبة الله تعالى له في السرّ والعلن من خلال استحضار الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي ذُكر فيها معنى مراقبة الله تعالى للمسلم في كل وقت وفي كل حين، فإذا تمكّن المسلم من استحضار هذه المعاني صار قلبه وضميره متعودًا على أنّ الله يراه ويعرف ما يفعل سواء كان في خلوة أو أمام أعين الناس، وأعظم ما يمكن أن يستحضره المسلم للشعور بمراقبة الله تعالى هو حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- والذي جاء فيه: “الإحسـانُ أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه، فإن لـم تكن تراه فإنه يَراك” [9]فإذا أحسن المسلم في كل أعماله بمعنى الإحسان الحقيقي فقد شعر بمراقبة الله تعالى. [11]
شاهد أيضًا: اجمل دعاء إلى الله قصير
ثمرات مراقبة الله تعالى في السر والعلن
إنّ لشعور المسلم بمراقبة الله تعالى له في السر والعلن الكثير من الثمرات والفوائد والفضائل، تتعلق هذه الثمرات بضبط السلوك والتصرفات والالتزام بأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، ومن أعظم هذه الثمرات ما سيأتي: [1]
- الإيمان بالله تعالى: إذا شعر المسلم بمراقبة الله تعالى فإنّه يكون قد وصل إلى مرتبة عالية من الإيمان، ومن شعر بمراقبة الله تعالى له فقد ذاق من حلاوة الإيمان.
- اجتناب نواهي الله والابتعاد عن المعاصي: إذا شعر المسلم بمراقبة الله تعالى له ابتعد عن المعاصي، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “وأرباب الطريق مجمعون على أن مراقبة الله تعالى في الخواطر سبب لحفظها في حركات الظواهر، فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته”.
- إحسان المسلم من العبادة: إذا شعر المسلم بمراقبة الله تعالى له في السر والعلن حسّن من عبادته وأدّاها على أكمل وجه، والإحسان في الإسلام هو أن يعبد المسلم الله رب العالمين كأنه يراه كما ورد في نصّ الحديث الشريف، وقد قال ابن منظور: “من راقب الله أحسن عمله”.
- توريث الإخلاص في العمل: إن الشعور بمراقبة الله رب العالمين للمسلم يورثه إخلاصًا لا مثيل له في العمل، قال الحسن رحمه الله تعالى: “رحم الله عبدًا وقف عند همِّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر”، والتأخر هنا هو الإخلاص في العمل لله وحده جلّ جلاله.
- حصول المسلم على العفاف والطهر: الشعور بمراقبة الله رب العالمين يكسب المسلم العفاف ويكسبه الطهر، والدليل على هذه الثمرة من ثمرات مراقبة الله تعالى وارد في صحيح السنة في حديث الثلاثة الذين علقوا في الكهف وانسدّ عليهم الباب بصخرة كبيرة، قال أحدهم: “اللَّهُمَّ كَانَتْ لي بنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ، فأرَدْتُهَا عن نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حتَّى ألَمَّتْ بهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فأعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ ومِئَةَ دِينَارٍ علَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وبيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حتَّى إذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قالَتْ: لا أُحِلُّ لكَ أنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلَّا بحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وهي أحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، وتَرَكْتُ الذَّهَبَ الذي أعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غيرَ أنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ منها . . .”. [12]
شاهد أيضًا: كم عدد أركان الإحسان
سبيل المسلم إلى مراقبة الله تعالى
إذا أراد المسلم أن يصل إلى الشعور بمراقبة الله تعالى له في السر والعلن، والحصول على ثمرات مراقبة الله تعالى العظيمة، فإنّ عليه أن يلتزم بالأمور الآتية: [1]
- أن يتعرّف المسلم على الله تعالى من خلال قراءة أسمائه الحسنى ومعرفة معنى كل اسم من هذه الأسماء ويتعرّف على صفات الله رب العالمين وأن يتدبّر الآيات القرآنية الحكيمة التي تتحدث عن مراقبة الله تعالى للمسلم في السرّ والعلن.
- أن يعلم المسلم بمسألة شهادة الجوارح على الإنسان في يوم القيامة، فيعلم أنّه لو عصى الله في سره فإنّ جواره سوف تشهد عليه أمام الله وأن يؤمن بهذا حق الإيمان، قال تعالى في سورة فصلت: “حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * قَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ”. [13]
- أن يعلم المسلم أنّ الأرض تشهد عليه يوم القيامة أمام الله، فإذا عصى الله في سره شهدت عليه الأرض على هذه المعصية، فإذا آمن بهذا خشي الله في السر والعلن.
- أن يكثر المسلم من العبادة ومن الدعاء والصيام والصلاة، فكلّ هذه العبادات تزيد من صلة المسلم بربه جلّ وعلا، وتقربه منه حتَّى يخشاه في كل وقت وفي كل حين، والله أعلم.
شاهد أيضًا: دعاء التوكل على الله وطلب العون منه
أقوال السلف عن مراقبة العبد لله تعالى
لقد تحدّث السلف الصالح عن مراقبة العبد لله تعالى في كثير من المواضع، وهذا إنّ دلّ على شيءٍ فإنّه يدلّ على أهمية مراقبة الله وأهمية أن يشعر الإسلام بدوام مراقبة الله رب العالمين له، وفي النقاط الآتية نعرض مجموعة من أقوال السلف الصالح من علماء وفقهاء المسلمين عن مراقبة الله رب العالمين: [14]
- قال أبو الدرداء رضي الله عنه: “لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ تَلْعَنَهُ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، يَخْلُو بِمَعَاصِي اللَّهِ، فَيُلْقِي اللَّهُ لَهُ الْبُغْضَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ”.
- قال سليمان التيميُّ رحمه الله تعالى: “إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصِيبُ الذَّنْبَ فِي السِّرِّ، فَيُصْبِحُ وَعَلَيْهِ مَذَلَّتُهُ”.
- قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “الْمُرَاقَبَةُ: دَوَامُ عِلْمِ الْعَبْدِ وَتَيَقُّنِهِ بِاطِّلَاعِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، فَاسْتَدَامَتُهُ لِهَذَا الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ هِيَ الْمُرَاقَبَةُ، وَهِيَ ثَمَرَةُ عِلْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ رَقِيبٌ عَلَيْهِ، نَاظِرٌ إِلَيْهِ، سَامِعٌ لِقَوْلِهِ، وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَى عَمَلِهِ كُلَّ وَقْتٍ وَكُلَّ لَحْظَةٍ، وَكُلَّ نَفَسٍ وَكُلَّ طَرْفَةِ عَيْنٍ، فاستدامته لهذا العلم واليقين: هي المراقبة، وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، وهو مطلع على عمله كل وقت وكل لحظة وكل نفس وكل طرفة عين”.
نصل هنا إلى ختام مقال ما حكم مراقبة الله تعالى في السر والعلن وكنا من خلاله قد عرفنا معنى مراقبة الله تعالى وتحدثنا عن حكم مراقبة الله في الإسلام وعن ثمرات وفوائد مراقبة الله تعالى في السر والعلن، وألقينا الضوء على الآيات والأحاديث وأقوال السلف الصالح عن مراقبة الله تعالى.
المراجع
- ^ saaid.net، مراقبة الله، 21/07/2022
- ^ سورة النساء، الآية 1.
- ^ alukah.net، مراقبة الله في السر والعلن، 21/07/2022
- ^ سورة الأحزاب، الآية 54.
- ^ سورة البقرة، الآية 235.
- ^ سورة غافر، الآية 19.
- ^ سورة الشعراء، الآية 217، 218، 219، 220.
- ^ ar.islamway.net، مراقبة الله، 21/07/2022
- ^ صحيح الجامع، أبو هريرة وعمر بن الخطاب، الألباني، 2762، صحيح.
- ^ الأمالي المطلقة، أبو ذر الغفاري، ابن حجر العسقلاني، 131، حسن.
- ^ islamweb.net، كيف أشعر بمراقبة الله لي؟، 21/07/2022
- ^ صحيح البخاري، عبد الله بن عمر، البخاري، 2272، صحيح.
- ^ سورة فصلت، الآية 20، 21، 22.
- ^ alukah.net، فوائد وثمرات مراقبة الله تعالى، 21/07/2022
التعليقات