عناصر المقال
الاصناف التي تجب فيها الزكاة، شروط استحقاق الزكاة هو موضوع مقالنا لهذا اليوم، فالزكاة من الفرائض العظيمة التي فرضها الله تعالى على الأغنياء من المسلمين ليضمن بها لفقرائهم حق العيش والغنى عن السؤال، ولكن الزكاة لا توزع على الفقراء فقط بل يوجد أصناف أخرى من الناس من مستحقي الزكاة، لذلك سنتعرف في هذا المقال على معنى الزكاة وفضائلها والأصناف الثمانية من مستحقي الزكاة ورأي أهل العلم في كيفية توزيع الزكاة عليهم، ثم سنستعرض بعض أحكام وفوائد هذه العبادة العظيمة.
تعريف الزكاة
الزَّكاة في اللغة: الطَّهارةُ، والنَّماءُ، وأمّا اصطلاحًا: فهي إخراج جُزءٍ واجبٍ شرعًا، في مالٍ معيَّنٍ، لطائفةٍ أو جهةٍ مخصوصةٍ بغية التعبّد إلى الله تعالى.[1]
والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام وهي من أحب الأعمال إلى الله، فقد شدد الإسلام على وجوبها وحذر من التخلي عنها، وقد أكثر الله تعالى من ذكرها في كتابه الكريم وقرنها بالصلاة، قال تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [2]وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ} [3]
كما وردت في السنة النبوية الكثير من الأحاديث التي تبيّن حكم الزكاة وفضائلها وأحكامها وأشهر هذه الأحاديث هو حديث أركان الإسلام المعروف عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ” بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ”.[4]
شاهد أيضًا:مقدار ما يُعطى المساكين من الزكاة
الاصناف التي تجب فيها الزكاة
وهي الأصناف من الناس الذين توزّع عليهم أموال الزكاة وهم ثمانية أصناف ذكرهم الله تعالى جميعاً في آية في سورة التوبة في قوله تعالى: ” {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[5] وفيما يأتي سنبين لكم هذه الأصناف الثمانية مع العلم أن لكل صنف من هذه الأصناف العديد من الأحكام الفقهية والمسائل الفرعية والتي ينبغي الرجوع فيها إلى كتب الفقه والله أعلم:[6]
- الفقراء: جمع فقير، وهو من لا يجد ما يكفيه من الطعام والشراب والمسكن كمن يحتاج إلى عشرة فلا يقدر إلا على ثلاثة أو هو المحتاج الذي لا يجد كفايته لمدة نصف سنة.
- المساكين: جمع مسكين، وهو أحسن حالاً من الفقير، فهو من عنده شيئاً يسد مسداً من حاجته، ويقع موقعاً من كفايته، ولكنه لا يحقق له الكفاية كمن يحتاج إلى عشرة مثلاً فلا يجد إلى ثمانية.
- العاملون عليها: هم العاملون والموظفون من الجُباة والحفظة والكتبة وغيرهم من المكلفين بجمع أموال الزكاة وحفظها وتوزيعها ممن ولاهم الإمام أو نائبه، وأوكل هذه المهمة إليهم، ويعطى هؤلاء أجرة مثل عملهم الذي قاموا به، ولا يزاد لهم على ذلك، أي لا يعطون نسبة معينة مما يجبون، ولا يشترط فيهم وصف الفقر، بل يعطون منها ولو كانوا أغنياء.
- المؤلفة قلوبهم: وهم الأناس المراد تأليف قلوبهم من الذي دخلوا حديثاً في الإسلام ويتوقع بإعطائهم أن يقوى إسلامهم ويثبت دينهم، أو أنهم مسلمون ذوو وجاهة ومكانة في قومهم إذا توقع إسلام أقوامهم من هذه العطايا، وكذلك تشمل المرابطين على الثغور المدافعين من هجمات الكفار وشر البغاة، أو من يقوم بجبي الزكاة من أقوام يتعذر إرسال العمال المكلفون إليهم، وهؤلاء يعطون سهماً من الزكاة في حال كان المسلمون في حاجة إليهم، وإلا فلا يعطون شيئاً.
- في الرقاب: وهو ما يتمّ دفعه في تحرير رقاب المسلمين من الأسرى أو العبيد، ومنهم المكاتبون الذين تعاقدوا مع أسيادهم على أن يدفعوا إليهم أقساطاً من المال مقابل الحصول على حريتهم، ويعطى هؤلاء من أموال الزكاة ما عجزوا عن سداده من هذه الأقساط.
- الغارمون: الذين عليهم ديون ويعجزون أن أداء هذه الديون، ويعطى هؤلاء من أموال الزكاة ما يقدرون به على وفاء ديونهم التي حلت آجالها ويعطون أيضاً ما يكفيهم مطعماً وملبساً ومسكناً، بشرط أن يكونوا قد استدانوا هذه الأموال في أمور مشروعة، ولا يعطون من الزكاة إذا كانت استدانتهم لأمر غير مشروع إلا إذا كانوا قد تابوا من المعصية، ويغلب على الظن صدق توبتهم.
- في سبيل الله: الإنفاق في سبيل الجهاد في سبيل الله، والإنفاق على المجاهدين الذين خرجوا لنصرة دين الله، وليس لهم تعويض ولا راتب في مال المسلمين، فيعطى هؤلاء ما يكفيهم ويكفي من تجب عليه نفقتهم إلى أن يرجعوا، مهما طالت غيبتهم، وإن كانوا أغنياء، وكذلك يعطى هؤلاء ما يعينهم على الجهاد من الأدوات والأمتعة وسائل النقل وغيرها.
- ابن السبيل: يقصد به المسافر سفراً مباحاً لا معصية فيه ولو كان لنزهة، فيعطى ما يكفيه لسفره ذهاباً وإياباً إذا كان يقصد الرجوع، أو الذي غاب عن بلده ولم يعد معه ما يكفيه من نفقة، فيُعطى من مال الزكاة ما يستعين به على تحقيق مقصده، أو عودته إلى بلده، ولكن إذا كان في السفر معصية فإنه، لا يعطى من أموال الزكاة إلا إذا تاب وغلب على الظن صدق توبته.
شروط استحقاق الزكاة
فرض الله تعالى الزكاة على أغنياء المسلمين لتصير إلى فقرائهم ولخدمة دين الله ونصرته وقد بيّن الله تعالى الأصناف الذين يستحقون الزكاة في قوله : ” {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [5] ولكن مع هذه الأصناف يوجد بعض الشروط التي يجب أن تتحقق في مستحقي الزكاة وهذه الشروط:[7]
- الإسلام: فلا تدفع أموال الزكاة الواجبة إلى غير المسلمين، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ” ادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ.، فأموال الزكاة تؤخذ من أغنياء المسلمين وتعطى لفقرائهم، ولا تعطى للفقراء من غير المسلمين، وإنما يعطى الفقراء من غير المسلمين من أموال الصدقات.[8]
- عدم القدرة على الكسب: فإن كان الفقير غير قادر على الكسب وتأمين احتياجاته يعطى من أموال الزكاة ولكن إن كان قادراً على الكسب ويستطيع العمل في عمل يليق به ويحصل به ما يكفيه، فلا تعطى له الزكاة ولا يجوز له أن يقبلها إن كان يعلم ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ” لا تحلُّ الصَّدقةُ لغنيٍّ ولا لذي مِرَّةٍ سَوِيٍّ”. والمرة تعني القوة والقدرة على الكسب.[9]
- أن لا يكون ممن تجب نفقتهم على المزكّي: فإذا كانت نفقة هذا الشخص واجبة على المزكي فلا يصح أن يدفع إليه أموال الزكاة لأن نفته عليه واجبة بالأساس وإذا دفع إليه زكاة أمواله فهو بذلك يوفر النفقة على نفسه أو يخففها، ومن الأشخاص الذين تجب النفقة عليهم ولا يصح أن يعطوا أموال الزكاة هم الأب والأم أو الجد والجدة مهما علوا، لأن نفقتهم واجبة على الفروع، وكذلك الأبناء والبنات وفروعهم إن كانوا صغاراً، أو كباراً مجانين أو مرضى مزمنين، لأن نفقة هؤلاء واجبة على آبائهم، وكذلك الزوجة لأن نفقتها واجبة على زوجها، وهؤلاء الأصناف لا يعطون من الزكاة بصفتهم مساكين أو فقراء، ولكن إذا كانوا من صنف غير الفقراء والمساكين كأن يكونوا من الغارمين أو في سبيل الله، فيجوز أن يُعطوا من الزكاة حتى لو كانت هذه الأموال ممن تجب نفتهم عليه.
شاهد أيضًا: من شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة
كيفية توزيع الزكاة على مستحقيها
وبعد أن بينّا لكم الأصناف التي تجب فيها الزكاة والشروط الواجب توافرها في هذه الأصناف، سنبين لكم في هذه الفقرة من مقالنا كيفية توزيع الزكاة على مستحقيها من تلك الأصناف الثمانية وكانت أقوال الفقهاء كما يأتي:
عند الشافعية: توزّع الزكاة على جميع الأصناف الموجودة من مستحقي الزكاة ولا يحرم صنف دون آخر من هذه الزكاة، فإذا زاد نصيب أحد هذه الأصناف عن حاجة أفراده فإن الزيادة تردّ وتوزع على الأصناف الآخرين، وإن غاب أحد هذه الأصناف فإنّ نصيبه يوزّع على الباقين أيضاً، وتقسم الزكاة على الأصناف بالتساوي، أمّا صنف العاملين عليها فإنهم يعطون أجورهم المحددة من قبل جمع الزكاة ولا يعطون نسبةً منها، والتسوية بين الأصناف الموجودة ليست شرطاً إذ يمكن المفاضلة بين الأصناف كلأً حسب حاجته، وإذا قام المزكيّ أو وكيله بالزكاة فإنه يعطي ثلاثة من كل صنف على الأقل لأن كل صنف ذكر بصيغة الجمع في الآية، وأقل الجمع ثلاثة، وأما في حال كان عددهم محصوراً فيجب أن توزع على الجميع إذا وفت الزكاة بحاجتهم، فإن ترك واحداً منهم في الحالين ـ مع علمه به ـ ضمن له أقل متمول من مال.[10]
جمهور الفقهاء من الحنفيَّة والمالكيَّة والحَنابِلَة: فيجوز عندهم دفع الزكاة إلى صِنفٍ واحدٍ مِنَ الأصنافِ الثَّمانية دون غيره، ومن الأدلة التي أخذوا بها في قولهم حديث قَبِيصَةَ بن مُخارِقٍ الهلاليِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ” تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فأتَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أسْأَلُهُ فيها، فقالَ: أقِمْ حتَّى تَأْتِيَنا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لكَ بها، قالَ: ثُمَّ قالَ: يا قَبِيصَةُ، إنَّ المَسْأَلَةَ لا تَحِلُّ إلَّا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَها، ثُمَّ يُمْسِكُ، ورَجُلٌ أصابَتْهُ جائِحَةٌ اجْتاحَتْ مالَهُ، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ -أوْ قالَ: سِدادًا مِن عَيْشٍ- ورَجُلٌ أصابَتْهُ فاقَةٌ حتَّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِن ذَوِي الحِجا مِن قَوْمِهِ: لقَدْ أصابَتْ فُلانًا فاقَةٌ، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ -أوْ قالَ: سِدادًا مِن عَيْشٍ- فَما سِواهُنَّ مِنَ المَسْأَلَةِ -يا قَبِيصَةُ- سُحْتًا، يَأْكُلُها صاحِبُها سُحْتًا”.[11]فقوله صلى الله عليه وسلّم ” أقِمْ حتَّى تأتيَنا الصدقةُ فنأمُرَ لك بها ” يدلُّ على جوازِ صَرْفِ الزَّكاة إلى صِنفٍ واحدٍ مِن الأصنافِ الثَّمانية.[12]
فضائل الزكاة
الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة وهو من الأعمال العظيمة التي تقرب العبد إلى الله وتزيد في حسناته وتطهر قلبه وتزكّي نفسه وتشعره بنعم الله عليه فيجد ثمارها وآثارها في نفسه وماله وولده وزوجه وأهله وممتلكاته، فالزكاة من الأعمال التي يستشعر العبد ثمارها في الدنيا قبل الآخرة، ولهذه العبادة العظيمة فضائل كبيرة وثمرات كثيرة منها:[13]
- الزكاة دليل على صلاح العبد وصحة إسلامه: وهي من علامات التقوى التي توصل العبد إلى الجنّة قال تعالى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ *وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ }[14]
- الزكاة طريق للارتقاء إلى مراتب الصديقين والشهداء: فالمحافظة على الزكاة وأداؤها بانتظام كلما حان وقتها إلى جانب المحافظة على أركان الإسلام الأخرى، هي من الأعمال التي يرفع بها صاحبها إلى منازل الصديقين والشهداء: فعن عمرِو بن مُرَّة الجُهنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ” جاء رجلٌ من قُضاعةَ إِلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: إِنِّي شهدْتُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّك رسولُ الله، وصليتُ الصلواتِ الخَمْسَ، وصُمتُ رمضانَ وقمتُه، وآتيتُ الزَّكاةَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: مَن مات على هذا كان من الصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ”[15].
- الزكاة طريق من الطرق المؤدية إلى الجنّة: وكذلك من أدى الزكاة مؤمناً بها مخلصاً بها لله تعالى وحافظ على أركان الإسلام الأخرى كذلك، فهو ممن يدخلون الجنّة كما أخبر صلى الله عليه وسلّم، عن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ” خمسٌ مَن جاءَ بهنَّ مع إيمانٍ؛ دخل الجنَّةَ: من حافظَ على الصَّلواتِ الخمْسِ: على وضوئِهنَّ وركوعهنَّ وسجودِهنَّ ومواقيتِهنَّ، وصامَ رمضان، وحجَّ البيتَ إنِ استطاعَ إليه سبيلًا، وأعطى الزَّكاةَ طيِّبةً بها نفسُه”.[16]
- الزكاة سبيل لتذوق حلاوة الإيمان: فمن يعطي زكاة أمواله مخلصاً بذلك لله تعالى راجياً بها رضاه ذاق طعم الإيمان وشعر بحلاوته، قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: “ثلاثٌ مَن فَعَلَهنَّ فقد طَعِمَ طعْمَ الإيمانِ: مَن عبَدَ الله وحْده، وعلِمَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأعطى زكاةَ ماله طيِّبةً بها نفسُه، رافدةً عليه كلَّ عامٍ، ولم يُعطِ الهَرِمةَ ولا الدَّرِنةَ ولا المريضةَ ولا الشَّرَطَ اللَّئيمةَ، ولكنْ مِن وسَطِ أموالِكم؛ فإنَّ اللهَ لم يسألْكم خَيرَه ولم يأمُرْكم بشَرِّه”.[17]
شاهد أيضًا: هل يجوز اخراج زكاة الفطر بعد صلاة العيد
فوائد وأحكام الزكاة
الزكاة نظام اقتصادي رباني وضعه الله تعالى ليكون المجتمع المسلم مجتمعاً قوياً متماسكاً، يشد بعضه عضد بعض، يتساوى فيه الفقراء مع الأغنياء في الحصول على متطلبات الحياة الأساسية من طعام وشراب ومسكن وغير ذلك، ومما لا شكّ فيه أن الحال التي وصلت إليه أكثر البلاد العربية والإسلامية من الفقر إنما هو بسبب هجرهم لدين الله وعدم اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلو وزّعت أنصبة الزكاة القليلة من أموال الأغنياء الكثيرة على الفقراء والمساكين لما بقي فقير واحد في بلاد المسلمين، والفوائد التي تعود على الفرد والمجتمع من تطبيق الزكاة:[18]
- الزكاة تطيب النفس وتزكي القلب: فهي من العبادات التي تعوّد المسلم على البذل والعطاء، وتنقيه من أدران البخل والشحّ، كما أنها بركة له في رزقه، فما نقص مال من صدقة، والصدقة تشمل الزكاة الواجبة وصدقة التطوع، والزكاة تجارة مع الله عزّ وجل، تجارة لا حسرة فيها ولا خسارة.
- الزكاة تحمي المجتمع من أمراض الفقر والحاجة: فالزكاة عبارة عن نسبة قليلة جداً من أموال الأغنياء تؤخذ منهم ليتمّ توزيعها على الفقراء والمحتاجين من أبناء وطنهم وإخوتهم وإذا تمّ تطبيق الزكاة بصورتها الصحيحة فلن يبقى في بلاد المسلمين فقير ولا صاحب حاجة وكذلك لن يفقر الأغنياء من دفع تلك النسبة البسيطة من أموالهم وبذلك يحافظ الأغنياء على غناهم وبالمقابل يحصل الفقراء على ما يضمن لهم كرامة العيش ويكفيهم مهانة السؤال.
- الزكاة تقضي على عوامل البطالة وأسبابها: فمن أحكام الزكاة أن يعطى صاحب المهنة أو الحرفة من الزكاة ما يكفيه لكي يشتري الأدوات والمعدات التي تلزمه في مهنته ويعينه على البدء في العمل وكسب الرزق الحلال من هذه المهنة، ولو طبقت الزكاة لاستفاد منها الكثير من فقراء المسلمين ممن يحترفون المهن ولا يجدون ما يكفيهم للبدء بعملهم.
- الزكاة سبيل إلى تحقيق المجتمع القوي المتماسك: فهي تطهير لقلب المزكّي وتزكية لنفسه وماله ومن خلالها يستشعر نعمة الله تعالى عليه وأنه لم يجعله من الفقراء أو المحتاجين، وعلى الجانب الآخر فهي تطييب لقلوب الفقراء والمساكين ممن يعجزون عن كسب ما يكفيهم وأهلهم ويعينهم على تحمل نفقات الحياة، فمن خلال دفع الصدقات إلى الفقراء تختفي الأضغان والأحقاد من المجتمع، وتعمّ الألفة والمودّة بين أبنائه.
- الزكاة تحفظ المجتمع من الجرائم: فأكثر الجرائم التي يرتكبها الإنسان إنما تكون بسبب الفقر والحاجة، واكتناز الأغنياء للأموال الطائلة والثروات في حين أن الفقراء لا يجدون كفايتهم، ولو أن أموال الزكاة وزّعت بالعدل لبقي الأغنياء أغنياء ولكن الفقراء سيحصلون على كفايتهم ولكان ذلك أحرص على أن لا تتعدى أعينهم على أموال غيرهم وممتلكاتهم.
- الزكاة تخلص المجتمع من أدران الحقد والحسد والضغينة: فمع ازدياد ثراء الأثرياء وزيادة فقر الفقراء وعدم تطبيق أحكام الزكاة ستظهر الفوارق الاجتماعية في المجتمعات وستغيب مظاهر التراحم والتعاون والتعاطف بين أفراد المجتمع مما سيفتح الباب لانتشار مظاهر الحسد والحقد والضغينة في الفقراء تجاه الأغنياء، وستمتلئ قلوب الأغنياء بالجشع الطمع، مما سيؤدي إلى فساد المجتمع والسبيل إلى تجنب ذلك أو الخلاص منه هو الزكاة ، قال تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }[19]
إلى هنا أعزاءنا زوار موقع تصفح، نصل وإياكم إلى نهاية رحلتنا في مقال الاصناف التي تجب فيها الزكاة، شروط استحقاق الزكاة والذي تعرفنا فيه على معنى الزكاة وفضائلها والأصناف الثمانية من مستحقي الزكاة والشروط الواجب توافرها فيهم ورأي أهل العلم في كيفية توزيع الزكاة عليهم، ثم استعرضنا بعض أحكام وفوائد هذه العبادة العظيمة، فهذا ما تهيّأ إعداده وتيسّر إيراده، فنسأل الله أن نكون قد وفقنا في تقديمه، والله أعلى وأعلم، والحمد لله رب العالمين.
أسئلة شائعة
المراجع
- ^ dorar.net/feqhia، تعريفُ الزَّكاة، 03/03/2023
- ^ سورة المزمل، الآية 20
- ^ سورة البقرة ، الآية 110
- ^ صحيح البخاري ، عبدالله بن عمر، البخاري، 8، صحيح
- ^ سورة التوبة، الآية 60
- ^ كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي، مصارف الزكاة، 03/03/2023
- ^ كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي، شروط استحقاق الزكاة، ومن لا تدفع إليهم، 03/03/2023
- ^ صحيح البخاري ، عبدالله بن عباس، البخاري، 1395، صحيح
- ^ صحيح أبي داود ، عبدالله بن عمرو، الألباني،1634، صحيح
- ^ كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي، كيف توزع الزكاة على مستحقيها؟، 03/03/2023
- ^ صحيح مسلم ، قبيصة بن مخارق، مسلم، 1044، صحيح
- ^ dorar.net/feqhia، حُكمُ استيعابِ الأصنافِ الثَّمانية، 03/03/2023
- ^ dorar.net/feqhia، فضائلُ الزَّكاة، 03/03/2023
- ^ سورة الذاريات، الآية 15 – 19
- ^ صحيح الترغيب، عمرو بن مرة الجهني، الألباني، 1003، صحيح
- ^ صحيح أبي داود، أبو الدرداء، الألباني، 429، حسن
- ^ صحيح أبي داود ، عبدالله بن معاوية الغاضري، الألباني، 1580، صحيح
- ^ كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي، حكمتها وفوائدها، 03/03/2023
- ^ سورة التوبة ، الآية 103
التعليقات