عناصر المقال
حكم الترجيع في الصيام، مذاهب العلماء في رجوع القيء من الصائم ،وهو ما سيتمّ الحديث عنه في هذا المقال، حيث إنّ الصّيام من العبادات العظيمة الّتي فرضها الله -تبارك وتعالى- على المسلمين وعلى من قبلهم من الأمم السّابقة، فهو ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة، ولا يكتمل إسلام العبد إلا معه، كما جعل الله -تعالى- في هذه العبادة العظيمة الأجر الجزيل والفضل الكثير، ومن هذه المعطيات ومن خلال هذا المقال سوف يتم بيان حكم الترجيع في الصيام، بالإضافة إلى العديد من الأحكام ذات العلاقة بالموضوع.
حكم الترجيع في الصيام
إنّ الترجيع دون قصد لا يفطر، أمّا الترجيع عمدًا فهو يفطر الصائم ويفسد صيامه، بدليل ما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “من ذرَعهُ القيءُ وهو صائمٌ فلا قضاءَ عليه ومنِ استقاءَ فليقضِ”[1]، لهذا فإنّه لا قضاء على من يغلبه القيء غير المتعمد، إما القيء أو الاستفراغ عمدًا يبطل الصوم بالإجماع، ويكون الاستقاء من خلال إدخال المسلم إصبعه إلى نهاية حلقه من أجل استدعاء ما في بطنه، وهذا الفعل لا يجوز مطلقًا، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مسألة الاستفراغ في نهار الصيام: “أَمَّا الْقَيْءُ: فَإِذَا استقاء أَفْطَرَ، وَإِنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفْطِر”، وعليه يُعدّ مفطرًا وعليه قضاء هذا اليوم، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة.[2]
حكم الاستفراغ عمدا
لا يجوز الاستفراغ عمدًا في صيام شهر رمضان، فهو يعتبر مفسدًأ ومبطلًا للصيام، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن ذَرَعَهُ القَيْءُ وهو صائِمٌ فلَيسَ عليه قَضاءٌ، ومَنِ اسْتَقَاءَ فلْيَقْضِ”[1]، والاستقاء هو أن يجبر المسلم نفسه على الاستفراغ وإفراغ ما بداخل المعدة، وهذا الفعل لا يجوز للمسلم الصّائم، لذلك يتوجب على المسلم في هذه الحالة القضاء، وذلك لأن القيء عن عمدٍ يُفسد الصّيام[3]، ويمكنه القضاء بعد رمضان في أيّ يومٍ يريده، ولا حرج في تأخير القضاء، المهمّ أن يصومه ويقضيه لأنّ الصّيام حقٌ لله -تبارك وتعالى- ولا يجوز للمسلم أن يهمله مهما كان، والله أعلم.[4]
شاهد أيضًا: ما حكم الحجامة في رمضان ابن باز
هل الاستفراغ يبطل الصيام ابن باز
بيّن الشيخ ابن باز -رحمه الله- أنّ الاستفراغ دون عمد لا يبطل الصيام، واستدل بما ورد في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء”[1]، أما إذا كان باختيار المسلم فهو في هذه الحالة يبطل الصيام وجب عليه القضاء[5]، كما سئل -رحمه الله- عن حكم القضاء على من استقاء في نهار رمضان، فأجاب:[4]
إن كان الاستفراغ باختيارك؛ فعليك القضاء، لقول النبي ﷺ: من ذرعه القيء؛ فلا قضاء عليه، ومن استقاء؛ فعليه القضاء أما إذا كان غلبك، ولم تختاري ذلك، ولكن غلبك، وخرج بغير اختيارك؛ فليس عليك قضاء لهذا الحديث المذكور، أما إن كنت استفرغت أنت بنفسك اختيارًا منك في الأيام العشرة؛ فإنك تقضين جميع الأيام؛ لأن الصوم بطل بذلك، نعم.
هل القيء يبطل الصيام للحامل
إنّ القيء من غير عمد لا يبطل الصيام لا للحامل ولا لغيرها، أمّا القيء عمدًا فهو مُبطلٌ للصوم، سواءً كان ذلك من رجل أو امرأة، وسواءً كانت المرأة حاملًا أم غير حامل، وعلى من فعل ذلك وتعمد القيء، فإنه يلزمه القضاء يومًا مكانه ويلزمه التوبة إلى الله -عزّ وجل- والإكثار من الاستغفار لما جاء في الحديث من استقاء عمدًا فليقض، فالحامل إن قاءت بغير إرادتها فلا حرج عليها، أمّا لو تعمدت القيء فسد صومها، والله ورسوله أعلم.[6]
شاهد أيضًا: ما حكم من افطر في رمضان وقال هذا ماكتبه الله لي
هل الاستفراغ يبطل الصيام في غير رمضان
إنّ الاستفراغ في صيام النافلة يُعدّ مبطلًا للصّيام ومفسدٌ له، وذلك لأنّ الصوم بعد القيء فيه مشقة كبيرة على المسلم، فلا داعي لها إذا لم تكن هناك فريضة، فإذا غلبه القيء لا يُفطر ولا يُفسد الصيام باتفاق أهل العلم، ولكن إذا استفرغ المسلم متعمدًا فسد صومه بلا خلاف في صيام النافلة والفريضة، كما يرى الشيخ ابن باز -رحمه الله- أنّ القيء في صوم النافلة لا يبطل الصيام، وذلك لما ورد في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء”[1]، ومن الجدير بالذكر أن النوافل في العبادات يتمّ التخفيف فيها مقارنةً بالضوابط الشرعية الموجودة في العبادات المفروضة.[7]
هل القيء يبطل الوضوء
اختلف بعض أهل العلم في حكم الاستفراغ إن كان يُنقض الوضوء أم لا، ولكن الرّاجح من الأقوال أنّ الاستفراغ لا ينقض الوضوء، فلا دليل في كتاب الله -تعالى- أو في سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- أو حتّى الآثار يفيد بأنّ الاستفراغ ينقض الوضوء، فقد احتجّ بعض أهل العلم على أنّ الاستفراغ أو القيء يبطل الوضوء ومنهم الإمامان أبو حنيفة وأحمد، غير أن أحمد يشترط لنقض الوضوء أن يكون القيء كثيرا فاحشاً، ولكن استدلوا بأحاديث ضعيفة لا يجوز الاحتجاج بها إطلاقًا، كما ذهب الإمام الشافعي إلى أن القيء لا ينقض الوضوء، فكل ّما يخرج من غير السّلبين كالدّم والقيء والصّديد وماء الجروح فهو ليس من نواقض الوضوء، فلا ينقض الوضوء إلّا الحدث الأكبر أو الأصغر والله أعلم.[8]
هل القيء يبطل الصيام عند المالكية
ذهب المالكيَّة إلى أنّ القيء في شهر رمضان يفطر إن كان متعمدًا، ويلزمه القضاء، أما من تقيأ دون قصد لا يفسد صومه ولا حرج عليه، ووافقهم في ذلك كل من الأحناف والشافعية والحنابلة، واستدلوا بذلك على الأثر الوارد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- حين قال: “مَن ذرعَهُ قَيءٌ وَهوَ صائمٌ، فلَيسَ علَيهِ قضاءٌ، وإن استَقاءَ فليقضِ”[1]، وعليه إذا خرج القيء دون تعمد يكمل المسلم صومه ولا حرج في ذلك، أما لو تقيأ متعمدًا فإن صيامه فسد ويلزمه التوبة إلى الله -سبحانه وتعالى- والقضاء وليس عليه كفارة، فقد ورد في الفواكه الدواني للنفراوي المالكي: “وإن استقاء بالمد أي استدعى خروج القيء فقاء أي خرج منه القيء فعليه القضاء بمجرد خروجه، وظاهره ولو تيقن عدم رجوع شيء منه إلى حلقه، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء، وإن استقاء عمدا فعليه القضاء، رواه أصحاب السنن والحاكم. قال الترمذي: حسن غريب وضعفه البغوي”، والله ورسوله أعلم.[3]
شاهد أيضًا: هل يجوز صيام القضاء قبل رمضان بيوم او يومين
مذاهب العلماء في رجوع القيء من الصائم
وضَّح أهل العلم مسألة رجوع القيء من الصائم، وقد كان لكل منهم رأي مختلف عن الآخر، فلو تعمد المسلم بلع القيء مع إمكانية إخراجه فقد فسد صومه، ولكن لا يجوز إفساد الصوم الواجب بل عليه أن يحافظ على صحته، وجاء تفصل مذاهب أهل العلم كما يأتي:[9]
الشافعية | إن رجوع القيء يبطل الصوم بكل أحواله، فقد ذكر الشافعي -رحمه الله – في ذلك: “بالاستقاءة كأن تقيأ منكوسا (بطل) صومه بناء على أنها مفطرة لعينها لا لعود شيء، ووجه مقابله البناء على أن المفطر رجوع شيء مما خرج وإن قل”. |
الحنفية | فقد ذهبوا إلى أنّ القيء لو حصل دون تعمد من المسلم الصائم حتى لو ملء الفم فإنه لا يفسد صومه، وذلك لعدم وجود الصنع عندهم، فلا توجد صورة الفطر ولا يتغذى به عادةً بل تعافه النفس. |
المالكية | فقد ذهبوا إلى أنّ القيء المفطر هو القيء الراجع، سواءً كان القيء لعلة أو لامتلاء المعدة، ولو قل أو كثر، أو رجع عمدًا أو سهوًا، فهو بكلّ أحواله مفطر وعلى الصائم القضاء. |
الحنابلة | بيّنوا أنه لو عاد القيء بنفسه دون إرادةٍ من المسلم فإنه لا يفطر، أما لو أعاده فإنه يفطر، ويفسد صومه ووجب عليه القضاء. |
وبهذا نكون قد وصلنا إلى ختام مقال حكم الترجيع في الصيام، مذاهب العلماء في رجوع القيء من الصائم فقد قمنا ببيان الإجابة الصحيحة حول السؤال المطروح، كما تمّ بيان بعض من الأحكام الشرعية ذات العلاقة بموضوع القيء في الصيام، وهل القيء يبطل الصيام إسلام ويب، وأيضًا ذكرنا حكم الاستفراغ عمدا، وهل الاستفراغ يبطل الصيام ابن باز، ونختم المقال ببيان هل القيء يبطل صيام القضاء، هل الاستفراغ يبطل الصيام في غير رمضان، نرجو أن نكون قد وفقنا في كتابة هذا المقال وأن نكن حملنا لكم الفائدة.
أسئلة شائعة
المراجع
- ^ صحيح أبي داود، أبو هريرة ، الألباني، 2380، صحيح.
- ^ islamweb.net، الصائم إذا غلبه القيء، 18/03/2023
- ^ dorar.net، الاستِقاءُ، 18/03/2023
- ^ binbaz.org.sa، حكم القضاء على من استقاء في نهار رمضان، 18/03/2023
- ^ binbaz.org.sa، هل القيء يفسد الصوم؟، 18/03/2023
- ^ islamweb.net، هل يؤثر القيء على صوم الحامل، 18/03/2023
- ^ shamela.ws، إذا غلبه القيء ورجع بعضه القيء إلى المعدة من غير قصد فلا يفسد صومه، 18/03/2023
- ^ islamqa.info، القيء لا ينقض الوضوء، 18/03/2023
- ^ islamweb.net، مذاهب العلماء في رجوع القيء من الصائم، 18/03/2023
التعليقات