حكم السكوت عن قول الحق والظلم وكتم الشهادة

حكم السكوت عن قول الحق والظلم وكتم الشهادة
حكم السكوت عن قول الحق

حكم السكوت عن قول الحق، فمن واجب المسلم أن يكون ناصرًا لله سبحانه وتعالى والنبي صلى الله عليه وسلم ولدين الإسلام، وأن يقف صنديدًا راسخًا في وجه من يتشدق بالباطل، حيث أصبحنا في زمن تكثر فيه المنكرات، ويتباهى الناس بها، دون حسبان عاقبة ذلك، وهما يجب أن تُقال كلمة الحق وتصدح في كل مكان، دون أن تُكتم أبدًا، وفي هذا المقال سنعرف ما هو حكم السكوت عن قول.

حكم السكوت عن قول الحق

لا يجوز السكوت عن الحق وقوله، فذلك ترك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ذم الله سبحانه وتعالى من يسكت عن الحق ويعرض عن القيام به، حيث قال في القرآن الكريم: “إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ”[1]، والسكوت عن الحق يدخل في باب كتمان الشهادة، ومن أسبابه: قلة الوازع الديني، وضعف الإيمان، وعدم الخوف من الله وعدم استشعار مراقبته، وعدم الشفقة على الناس، وانعدام الشعور بالمسؤولية تجاه الأمة، والحرص الشديد على تحصيل الدنيا والخوف عليها، وغير ذلك. وأمّا مظاهره، فهي: شيوع الفواحش والمنكرات بل المكفِّرات في الأمة، وتسلّط أئمة الجور وتنحية الشرع وعدم سياسة الدنيا به، وتضييق العيش على الناس، وغير ذلك، والله تعالى أعلم. [2]

شاهد أيضًا: هل يجوز كتب الكتاب في رمضان وما هو حكم الزواج في شهر رمضان

حكم سكوت أهل العلم عن قول الحق

وظيفة أهل العلم بيان الحق وتبليغه للناس، دون إجبارهم عليه أو إلزامهم به، ومن واجبهم ألّا يسكتوا عن قول الحق ولا يجوز لهم ذلك إلا، لمخافة مضرة محققة، أو دفع مفسدة أعظم، فقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم: “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ”[3]، فقد أخذ الله ميثاق أهل العلم ليبينن الحق للناس ولا يكتمونه، وعليه فالسكوت والكتمان لا يجوز إلا لعذر في ذلك، قال السعدي: “العلماء إذا لبسوا الحق بالباطل فلم يميزوا بينهما، بل أبقوا الأمر مبهما وكتموا الحق الذي يجب عليهم إظهاره، ترتب على ذلك من خفاء الحق وظهور الباطل ما ترتب، ولم يهتد العوام الذين يريدون الحق لمعرفته حتى يؤثروه، والمقصود من أهل العلم أن يظهروا للناس الحق ويعلنوا به ويميزوا الحق من الباطل، ويظهروا الخبيث من الطيب، والحلال والحرام، والعقائد الصحيحة من العقائد الفاسدة ليهتدي المهتدون ويرجع الضالون وتقوم الحجة على المعاندين”، والله تعالى أعلم. [4]

حكم كتم الشهادة

لا يجوز كتم الشهادة لكن يعلم أمرًا ما وسُئل عنه، فقد قال الله جلَّ وعلا: “وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ”[5]، لذلك من كان يعلم فلا يجوز له أن يكتم الشهادة، أمّا إذا كان في شكٍ مما عنده، فلا حرج عليه إذا كتم الشهادة، فالشهادة أمرها عظيم، فإذا كان عند الشخص علم؛ وجب عليه أن يدلي بها، ويحرم عليه الكتمان، ولا يجوز أن يشهد فلان لأجل بالشبهة أو الشك لمصلحة صاحبه، وهذا ما يقع فيه بعض الناس، وهو من أقبح الكبائر، ويدخل في باب شهادة الزور، والعياذ بالله، حيث يأتي أحدهم إلى صديقه، ويقول: أنت صديقي، وتعرف أني صادق، اشهد لي. وهذا لا يجوز إطلاقًا، ولو كان الشخص صادقًت، فلا تجوز الشهادة إلا بالعلم الواضح، فلا بدّ أن يشهد الإنسان بشيء يعلمه، نسأله الله سبحانه وتعالى أن يبعد عنّا كتمان الشهادة أو تزويرها. [6]

شاهد أيضًا: حكم طلب الطلاق من المريض النفسي وهل طلاق المريض النفسي يقع

هل الساكت عن الحق شيطان اخرس

يُعدُّ الساكت عن الحق شيطانِا أخرسًا إذا كتم الحق وكان عنده القدرة على أن ينطق به، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وقد قال بعض السلف الصالح في ذلك: “الساكت عن الحق شيطان أخرس، والناطق بالباطل شيطان ناطق”، وقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”[7]، فالذي يسكت عن الحق مع القدرة، ولا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، ولا يغير ما يجب تغييره ويسكت وهو يستطيع أن يتكلم؛ هذا يقال له: شيطان أخرس، من شياطين الإنس يعني؛ لأن الواجب على المؤمن إنكار الباطل والدعوة إلى المعروف، وإذا استطاع هذا وجب عليه، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان”[8]، وعليه، فإن الذي يسكت عن الحق وإنكار المنكر، وهو قادر ليس له مانع؛ هذا هو الشيطان الأخرس، والذي يقول الباطل، ويدعو إليه، هذا هو الشيطان الناطق، والله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم أعلم. [9]

هل يجوز السكوت عن الظلم

يجوز على كل مسلم أن يرد الظلم ويقف بوجه الظالمين وينكر عليهم ظلمهم، إذا كان يستطيع ذلك، وإن لم يكن باستطاعته رد الظلم وإنكار من يقوم بالمعصية، فيجب عليه أن يبتعد عمّن يقوم بذلك؛ كي لا يكون وجوده دليل على موافقته ورضاه بما يفعل من ظلم ومعصية، فهذا يخلص المسلم من عذاب الله عز وجل؛ إذ قال في كتابه العزيز: “وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ”[10]، الركون في هذه الآية، هو المجاملة والمداهنة، والميل إليهم بالمحبة والمودة، وآفة الدنيا هي الركون للظالمين؛ لأن الركون إليهم إنما يشجعهم على التمادي في الظلم، والاستشراء فيه. وأدنى مراتب الركون إلى الظالم ألا تمنعه من ظلم غيره، وأعلى مراتب الركون إلى الظالم أن تزين له هذا الظلم؛ وأن تزين للناس هذا الظلم،وفي ذلك خطورة كبيرة لمن يساعد الظالم في ظلمه؛ حيث قال تعالى: “وَقَدْ نزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا”[11]، والله سبحانه وتعالى أعلم. [12]

شاهد أيضًا: هل الاحتلام يفطر في نهار رمضان ، وهل يجب الاغتسال على من احتلم في رمضان

هل يجوز السكوت عن الباطل

من واجب المسلمين وأهل العلم منهم أن يدافعوا عن الحق ويدحضوا الباطل، ولا يجوز لهم السكوت عنه، وعليهم أن يكونوا بالمرصاد لأهل الباطل؛ كي يردوهم على أدبارهم، ويمحقوا باطلهم، وئلك في أي مكان وفي أي زمان عليهم، أن ينكروا المنكر بالتي هي أحسن، ويعلموا بالتي هي أحسن بالأسلوب الطيب والرفق واللين، حيث قال عز وجل: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ”[13]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه”[14]، فلا يجوز لأهل العلم السكوت وترك الكلام للفاجر والمبتدع والجاهل، فإن هذا غلط عظيم ومن أسباب انتشار الشر والبدع واختفاء الخير وقلته وخفاء السنة، فالواجب على أهل العلم أن يتكلموا بالحق ويدعوا إليه وأن ينكروا الباطل ويحذروا منه، ويجب أن يكون ذلك عن علم وبصيرة، وذلك بعد العناية بأسباب تحصيل العلم من الدراسة على أهل العلم وسؤالهم عما أشكل، مع الإخلاص والنية الصالحة والتواضع، والله تعالى أعلم. [15]

ومن خلال هذا المقال نكون قد بيّنا لكم حكم السكوت عن قول الحق، إذ لا يجوز السكوت عن الحق وقوله، فذلك ترك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ذم الله سبحانه وتعالى من يسكت عن الحق ويعرض عن القيام به، والله سبحانه وتعالى أعلم.

المراجع

  1. ^ سورة البقرة، الآية 159
  2. ^ islamweb.net، السكوت عن الحق، 30/03/2023
  3. ^ سورة آل عمران، الآية 187
  4. ^ islamweb.net، متى يسع العالم السكوت عن الصدع بالحق وبيانه، 30/03/2023
  5. ^ سورة البقرة، الآية 283
  6. ^ binbaz.org.sa، ما حكم كتم الشهادة، 30/03/2023
  7. ^ سورة آل عمران، الآية 104
  8. ^ مجموع الفتاوى، أبو سعيد الخدري،ابن تيمية،10/460،صحيح
  9. ^ binbaz.org.sa، معنى: (الساكت عن الحق شيطان أخرس)، 30/03/2023
  10. ^ سورة هود، الآية 113
  11. ^ سورة النساء، الآية 140
  12. ^ alukah.net، لا تكن عونًا للظالم، 30/03/2023
  13. ^ سورة النحل، الآية 125
  14. ^ صحيح الجامع، عائشة وأنس بن مالك،الألباني،5654،صحيح
  15. ^ binbaz.org.sa، موقف الدعاة من كثرة انتشار الباطل، 30/03/2023

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *