عناصر المقال
حكم الشماته في موت الظالم، في زمن يكثر في الظلم والقهر، وسلب الحقوق من أصحابها، والتعدّي عليهم، والتسلّط على أحلامهم، ولا مانع لهذا الظلم والشر إلا الموت، فإن الله تعالى يمهل ولا يهمل، فيتخلص المظلومون من البطش الذي كان يحاصرهم، ويفرحون بموت الظالم ويشمتون به، وفي هذا المقال سنعرف ما هو حكم الشماتة في موت الظالم.
حكم الشماتة في الموت
إنَّ الشماتة بالموت لا تجوز، فالموت حقُّ على كل الناس ولن يكون أي شخص في هذا الكون بمنأى عنه، لذلك لا يجوز الشماتة فيه إلّا إذا كان هذا الموت هو موت شخص كافر ظالم يؤذي الناس ويبطش بهم بطلمه وشروره حينها تجوز الشماتة، ولا حرج فيها، ومع جواز الفرح بموت الفاجر ونحوه، فعلى المؤمن أن يتعظ، ويعتبر، ويجتهد في الاستعداد للموت الذي هو ملاقيه، وأن يسأل الله حسن الخاتمة، ولا يشغله ذلك الفرح، أو الشماتة عن النظر في مصير نفسه، والعمل لنجاتها في الآخرة، وعلى ما تقدم فإن نفى الشماتة في الموت باعتبار أن كل الناس ملاقٍ هذا المصير؛ فهذا معنى صحيح، ومن هذا المعنى قول الشاعر: “فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا”، نسأل الله تعالى أن يُخرجنا منها كفّافين لا لنا ولا علينا. [1]
شاهد أيضًا: حكم لعب الشطرنج على الهاتف
حكم الشماته في موت الظالم
إنَّ حكم الشماتة في موت الظالم جائزٌ ولا حرج فيه، لا سيّما إذا كانت الموت هو تخليص من شرور هذا الظالم وضرره على الناس، فكم من مظلوم ومغلوب على أمره بسببه سوف يفرح بموته، وهذا الفرح جزاء ما اقترف من ظلم وشرور، ولو كان إنسانًا صالحًا محبًا للناس لما شمتوا بموته، والشماتة هي سرور النفس بما يصيب غيرها من الأضرار، وقد نص الفقهاء على جواز الفرح بما يصيب الظالم من البلايا لانقطاع شره، ولا ملام بالفرح بموت العدو، من حيث انقطاع شره وكفاية ضرره، وقد كان السلف الصالح يفرحون بموت الظالمين، ومن ذلك ما رواه ابن سعد في طبقاته: “عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: بَشَّرْتُ إِبْرَاهِيمَ بِمَوْتِ الْحَجَّاجِ فَسَجَدَ قَالَ: وَقَالَ حَمَّادٌ: “مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ أَحَدًا يَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ حَتَّى رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ يَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ”، والله تعالى أعلم. [2]
حكم الفرح بموت أعداء الإسلام
الفرح بموت أعداء الإسلام وهلاكهم جائز وهو أمر مشروع لا حرج فيه، وكذلك أهل المجاهرة بالفجور وأهل البدع المغلظة، وهذا الفرح هو الفرح بنعمة من نعم الله عز وجل على الناس، فقد قال جلّ جلاله، في كتابه العزيز: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً”[3]، وفي الآية بيان أن إهلاك أعداء الله تعالى من نعَمه عز وجل على المسلمين التي تستوجب الحمد والشكر، وقد ورد في الحديث النبوي الشريف عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “(وَجَبَتْ) ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: (وَجَبَتْ)، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ ؟ قَالَ: هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ”[4]، والله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم أعلم. [5]
شاهد أيضًا: حكم زيارة القبور في العيد للشعراوي
حكم الفرح بموت المسلم الظالم
إن حكم الفرح بموت المسلم الظالم جائز ومشروع ولا حرج فيه؛ لأن الظلم مفسدة في الأرض لا يرضى بها أحد وهو تسلّط وجبروت دون وجه حق، وطغيان في الأرض يُعاقب عليه الله عز وجل، حتى وإن كان الظالم مُسلمًا؛ فالظلم ليس من أخلاق الإسلام ولا من تعاليمه، فالمسلم من سلم الناس لسانه ويده، والظلم بعيدٌ جدًا عن هذا، فإن كان قتل هذا المسلم يؤدي إلى تقليل الشر والفساد، ولا يحل محله ظلم أكبر منه، فالفرح بموته مشروع؛ لأنه فرح بتقليل الشر والفساد، واندفاع الظلم عن المسلمين، وفي الصحيحين من حديث أبي قتادة- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: “العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ”[6]، فالفرح بموت الظالم الفاجر لأجل ما يحصل من زوال مفسدته، مشروع كما ذكرنا، سواء مات حتف أنفه، أو قتله مسلم، أو كافر؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر”، والله ورسوله أعلم. [7]
هل يجوز الفرح بالمصائب التي تصيب الناس
الفرح في هذه المسألة له سبب وتأويل، فمن فرح فرحًا يرضي الله تعالى ورسوله، يكون فرحه محمودًا، ومن فرح فرحًا يُغضب الله ورسوله، يكون فرحه مذمومًا، وبالتالي يعود الفرح إلى سبب ما، فإذا فرح المسلم بما يصيب الظلمة والكفرة من المصائب؛ لكون ذلك يقلل من فسادهم وشرهم، أو يكف شيئًا من بأسهم، أو يكون عبرة وذكرى لهم ولغيرهم، أو غير ذلك مما يوافق مراد الشرع، ولا يخالف الفطرة، ففرحه هذا محمود، ويختلف حكم الفرح بما يصيب الكفرة والظلمة من المصائب بحسب سببه والحامل عليه وما يؤول إليه، الظاهر من حال الإنسان أنه يفرح بمصاب عدوه لأجل الاستراحة منه، والشماتة به، لا لأجل المعصية؛ ولذلك يتحقق فرحه، وإن كانت المصيبة سماوية، فلو قُتِل عدو الإنسان ظلمًا وتعديًا، فسَرَّه قتلُه، وفَرح به، هل يكون ذلك سرورًا بمعصية الله أم لا؟ يكون فرحًا بكونه تخلصًا من شره، وتخليصًا للناس من ظلمه وغشمه، والله تعالى أعلم. [8]
شاهد أيضًا: حكم تاخير اخراج الزكاة عن وقت وجوبها لغير عذر
هل يجوز تمني الموت للغير
لا يجوز للمؤمن أن يتمنى لإنسان الموت ولا ينبغي له ذلك، فالموت يكون بأمر من الله سبحانه وتعالى، وتقريب الأجل يكون بأمر منه، ولا نفع للأمنيات في هكذا أمر، ولا صحة لها؛ لأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فقد يدخل هذا في هذا، فلا يجوز أن يتمنى شيء لا يرضاه لنفسه، وهذا خطأ عليه، ولذلك عليه التوبة والاستغفار، ولا يوجد ذنب في ذلك، فقط خطأ؛ لأن تمنى الموت ليس من الدعاء، وليس من الظلم، تمني الموت لا يضر الناس، تمني الموت إنما يتعب صاحبه، أما التمني فلا يضر المتمنى له الشيء، فلو تمنيت أن الإنسان يكون فقيرًا أو كذا، قد يقال في هذا أنه من باب تعاطي ما لا ينبغي للمؤمن؛ لأن المؤمن إنما يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والمؤمن لا يحب لنفسه الموت؛ فلا يحبه لأخيه. [9]
هل يجوز الترحم على الكفار
لا يجوز الترحم على الكفار أو غير المسلمين أيًا كانت ملّتهم، وهذا ما أجمع علماء المسلمين، وقد ورد ذلك في كتابه العزيز القرآن الكريم من خلال قوله تعالى في سورة التوبة: “مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ”[10]، فمن خلال هذه الآية الكريمة يتبين عدم جواز الترحم على غير المسلمين الذين آمنوا بالله سبحانه وتعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ولا يجوز الاستغفار للكفار، وقد ورد ذلك في الحديث النبوي الشريف، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: “اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أنْ أسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، واسْتَأْذَنْتُهُ أنْ أزُورَ قَبْرَها فأذِنَ لِي”[11]، وذلك على الرغم من أنّ والدة النبي صلى الله عليه وسلم كانت قد توفّيت قبل الإسلام. [12]
ومن خلال هذا المقال نكون قد بيّنا لكم أنَّ حكم الشماته في موت الظالم جائزٌ ولا حرج فيه، لا سيّما إذا كانت الموت هو تخليص من شرور هذا الظالم وضرره على الناس،حينها يكون فرحًا وسعادة للمظلومين.
أسئلة شائعة
المراجع
- ^ islamweb.net، هل في الموت شماتة؟، 18/03/2021
- ^ islamqa.info، هل يجوز الفرح بموت أعداء الإسلام وبما يصيبهم من مصائب دنيوية ؟، 18/03/2021
- ^ سورة الأحزاب، الآية 9
- ^ صحيح مسلم، أنس بن مالك،مسلم،949،صحيح
- ^ /ar.islamway.net، جواز الفرح والشماتة بموت العدو والظالم، 18/03/2021
- ^ صحيح النسائي، أبو قتادة الحارث بن ربعي،1929،صحيح
- ^ islamweb.net، حكم الفرح بمقتل مسلم ظالم قاتل على أيدي غير المسلمين، 18/03/2021
- ^ islamweb.net، حكم الفرح بما يصيب الناس من مصائب، 18/03/2021
- ^ binbaz.org.sa، حكم تمني الموت للغير، 18/03/2021
- ^ سورة التوبة، الآية 113
- ^ صحيح مسلم، أبو هريرة،مسلم،976،صحيح
- ^ islamweb.net، الترحم على الكافر والصلاة عليه، 18/03/2021
التعليقات