عناصر المقال
حكم تخفيف اللحية في المذاهب الأربعة وهو موضوع هذا المقال، حيث يعد من الأحكام الشرعية الفقهية المهمة والتي ينبغي على كل مسلم معرفتها، واللّحية عبارة عن ذلك الشّعر الذّي ينبت في مناطق الخدّين والذقن، والعنق عند الرّجال، فالبعض منهم يطلقها، أو يخففونها، والبعض الآخر يقوم بحلقها، وقد تعدّدت آراء العلماء والفقهاء حول موضوع إعفاء اللّحى، ومن خلال هذا المقال سوف يتم بيان بعض من المعلومات حول إعفاء اللحية، بالإضافة إلى التطرق لحكم تخفيف اللحية في المذاهب الأربعة.
إعفاء اللحية
إنّ إعفاء اللحية من الشعائر المُتعلِّقة بالدين الإسلامي الحنيف، ولهذه للشعائر مكانةٌ عظيمةٌ؛ إذ إنّ الالتزام بها من علامات تقوى الله -تعالى- وخشيته، كما أنّ اللحية من الفطرة التي حافظ عليها الأنبياء جميعًا -عليهم الصلاة والسّلام- بدليل ما رُوي عن أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وإعْفاءُ اللِّحْيَةِ”[1]، حيث فسّر أهل العلم سنن الفطرة على أنّها السنن القديمة وهي من السنن التي حافظ عليها الأنبياء -عليهم الصلاة والسّلام-، وفي ذلك اتباعٌ لسنّة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين،[2] ويجدر بالذِّكر أنّ في إعفاء اللحية مخالفة المشركين، ففي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى”[3].
حكم تخفيف اللحية في المذاهب الأربعة
اتفق الفقهاء من المذاهب الفقهيّة الأربعة على حرمة حلق اللحية، ولكن اختلفوا في حكم التَّخفيف من اللحية، وفيما يأتي سيتم بيان الاختلاف فيما بينهم على النحو الآتي:[4]
- الشّافعيّة: ذهب الشافعية إلى أنَّ حلق اللحية مكروه، ولا يجوز الأخذ منها سواء طولاً أو عَرضاً؛ استدلالاً بظاهر الأمر بإعفائها وإطلاقها؛ إذ قال الإمام النووي -رحمه الله- في ذلك: “الْمُخْتَارُ تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا، وَأَنْ لاَ يُتَعَرَّضَ لَهَا بِتَقْصِيرٍ وَلاَ غَيْرِهِ”.
- الحنفيَّة: يجوز الأخذ من اللحية وقطع ما زاد عن القبضة منها، أمَّا ما دون ذلك فهو مُحرَّم، واستدلوا بما ورد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- بأنّه كان يأخذ من لحيته وشاربه حين يتحلّل من الإحرام.
- المالكيَّة: يُكره الأخذ من اللحية وحلقها وقصها، أمَّا من أخذ من طولها وعرضها فهو أمرٌ حسن، فقد أباحوا الأخذ من طولها إذا كانت مخالفة للمعتاد، فقد يكون طولها يشكِّل سخرية أو استهزاء من صاحبها.
- الحنابلة: حرَّم الحنابلة حلق اللحية بشكل مُطلق وكامل، وذهبوا إلى جواز التَّخفيف منها، ولكن إن لم يتم استقباح طولها لا يجوز الأخذ منها.
شاهد أيضًا: هل يجوز حلق شعر الساق للرجل
حكم تخفيف اللحية بالماكينة
لا يجوز تخفيف اللحية بالماكينة أو بغيرها، ففيه مخالفة صريحة للأمر النبوي الشريف[5]، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “وَفِّرُوا اللِّحَى”[6]، ويقصد في قوله -صلى الله عليه وسلم- وفروا اللحى أي تكثِيرها، وعدم حلقها، وتركها بلا قص، فقد قال النووي -رحمه الله- في ذلك: “قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَأَرْخُوا) وَمَعْنَاهُ اُتْرُكُوهَا، وَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهَا بِتَغْيِيرٍ … وَجَاءَ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ: (وَفِّرُوا اللِّحَى) فَحَصَلَ خَمْس رِوَايَات: أَعْفُوا، وَأَوْفُوا، وَأَرْخُوا، وَأَرْجُوا، وَوَفِّرُوا. وَمَعْنَاهَا كُلّهَا: تَرْكُهَا عَلَى حَالهَا”، لهذا من الواجب على الرجل المسلم إعفاء اللحية وإرخائها، وألا يتعرض لها بشيء من القص والتَّسوية، بل يتركها ويعفيها كما أمره النبي الكريم عليه الصلاة والسلام. [7]
حكم تقصير اللحية ابن عثيمين
أكّد الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- على وجوب إعفاء اللحية وعدم حلقها أو تقصيرها، وذلك امتثالًا لأمر رسول الله صلَّى الله عليه سلَّم، حيثُ إنَّ في إطلاق اللحى مُخالفة لليهود والنصارى، والأولى للمُسلم اتّباع طريق الأنبياء -عليهم السلام- والابتعاد عن كل أمر فيه تشبّه بالكفار، فقد قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في تعقيبه على هذه المسالة الفقهية:[8]
“القص من اللحية خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (وفروا اللحى) ، (أعفوا اللحى) ، (أرخوا اللحى) فمن أراد اتباع أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، واتباع هديه صلى الله عليه وسلم ، فلا يأخذن منها شيئاً ؛ فإن هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أن لا يأخذ من لحيته شيئاً ، وكذلك كان هدي الأنبياء قبله” انتهى .
شاهد أيضًا: حكم قص الشعر والاظافر للمضحي للنساء
حكم حلق اللحية
اجتمع أهل العلم والفقهاء من المذاهب الفقهيّة الأربعة على حرمة حلق اللحية[9]، حيث أمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الرّجال بإعفاء اللحى واجتناب حلقها كلّها، وذلك في الحديث الصحيح الذي يقول: “أَعْفوا الِّلحَى، وجزوا الشَّوارِبَ، وغيروا شَيْبَكم، ولا تَشَبِّهوا باليهودِ والنصارى”[10]، فحلق اللحى كاملةً لغير ضرورةٍ هو تشبّهٌ باليهود والنّصارى، والتشبه بالكفرة محرّمٌ على المسلمين تحريمًا قطعيًا، أما الرأي القائل بالكراهة فقط فهو رأي ضعيف، والواجب عند التنازع والاختلاف هو اتباع الدليل والرد إلى الله ورسوله، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[11]، ولذلك من الواجب على المسلم الاقتداء بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعدم مخالفته، ويجدر بالإشارة إلى أنه لا يجوز حلق اللحية كاملةً لغير ضرورةٍ كمرضٍ أو غيره، والله أعلم.
شاهد أيضًا: هل يجب حلق شعر الابط والعانة قبل العمرة
أدلة جواز حلق اللحية
إنّ إعفاء اللحية هو من الأمور الواجبة على المسلم، وحلقها يعد من المحرمات، فقد نقل ابن حزم -رحمه الله- اتفاق العلماء على أن حلق اللحية لا يجوز، ولكن أجاز الشرع الحنيف للمسلمين حلق اللحية أو تخفيها للضرورة، وفيما يأتي سيتم بيانها بالتفصيل:
- جواز حلق اللحية أو تخفيفها للعلاج: فقد أجاز الشَّرع لمن كان لديه مرض نفسي أو مشاكل في الوجه بحلق اللحية أو تخفيقها[12]؛ فقد قال الله -تعالى- في كتابه العزيز: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}[13]، وقال أيضًا: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[14]، وعليه يجوز للمريض حلق اللحية أو تخفيفها بشرط تأكد الطبيب من حاجة المريض لهذا العلاج، فعند ظهور حبوب في الوجه أو عند حاجة الفرد لإجراء عملية في الوجه يجوز تخفيفها أو حلقها، ولكن بعد التخلص من هذا المرض ينبغي على المريض العودة إلى العمل بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام- في إعفاء اللحية.
- يجوز تخفيف اللحية أو حلقها إذا كان إعفاؤها يتسبب في حصول الأذى على المسلم، كالقتل أو الحبس أو التشريد وغيرها، بحيثُ إنه لا يستطيع دفع هذه الأضرار إلا بالتخفيف منها أو حلقها، ولكن يجوز ذلك في حالة الظن الراجح، وهكذا يدخل هذا الفعل في باب الضرورة[15]، فقد قال -تعالى- في محكم تنزيله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ}[14]، أو في باب الإكراه لقوله تعالى:{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }[16].
فوائد اللحية في الإسلام
بينّت سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- القولية والفعلية على وجوب إعفاء اللحية، وعدم جواز الأخذ منها، وقد بيّن الشرع الإسلامي بأنَّ هناك بعض من الفوائد لأمررسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإطالة اللحى، ومن أبرزها ما يأتي:[17]
- مخالفة المشركين، ففي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى”[18].
- تعتبر اللحية من الشعائر المُتعلِّقة بدين الإسلام، حيثُ إنّ الالتزام بها من تقوى الله -تعالى- وخشيته.
- التأسي بهدي المرسلين، فقد قال -تعالى- في محكم تنزيله: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي}[19].
- الزينة والوقار، والتمييز بين الرجال والنساء، فقد قال ابن القيم -رحمه الله- في التبيان في أقسام القرآن: “وأما شعر اللحية ففيه منافع منها الزينة والوقار والهيبة ولهذا لا يرى على الصبيان والنساء من الهيبة والوقار ما يرى على ذوي اللحى ومنها التمييز بين الرجال والنساء”.
شاهد أيضًا: حكم حلق الحواجب بالموس ابن باز
حكم حف الشارب
اتفق أهل العلم على أنَّ الأخذ من الشاربِ يعدُّ من سنن الفطرةِ، بدليل ما جاء عن عن أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “قصوا الشوارب وأعفوا اللحى ؛ خالفوا المشركين”[20]، لكن الخلاف وقع بينهم في ضابط الأخذ من الشارب، وفيما يأتي سيتمُّ بيان أقوال الفقهاء:[21]
- الحنفية: حيثُ ذهبوا إلى أنَّ الضابط في الشارب هو القصُّ، وقيل إنَّ الحلقَ عندهم أفضل من القصِّ، واستدلوا بظاهر الألفاظ النبوية الواردة في هذا الباب ، ومنها : “أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، و “جُزُّوا الشَّوَارب”.
- المالكيَّة: ذهب فقهاء المالكية إلى أنَّ السنة في الشارب هو القصُّ لا الحلقُ والإحفاء، واستدلوا بحديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -رضي الله عنه- قَالَ : ” كَانَ شَارِبِي وَفَى – أي زاد – فَقَصَّهُ لِي – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – عَلَى سِوَاكٍ “[22].
- الشّافعيّة: حيثُ ذهبوا إلى أنَّ من السّنة قصُّ الشارب حتى يبدو طرف شفته، ولا يحفُّه من أصله، واستدلوا بقول أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: سمعت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : “الْفِطْرَةُ خَمْسٌ : الْخِتَانُ ، وَالِاسْتِحْدَادُ ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ ، وَنَتْفُ الْآبَاطِ “[1].
- الحنابلة: وقد ذهبوا إلى أنَّ قصَّ الشارب يعدُّ من السنةِ، وأنَّ الحفَّ أولى من القصِّ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ: “قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ “.
وهكذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا الذي كان بعنوان حكم تخفيف اللحية في المذاهب الأربعة، والذي استعرضنا فيه إعفاء اللحية، ثمّ تم بيان الإجابة الصحيحة على السؤال المطروح، كما قمنا بإدراج حكم حلق اللحية، وأيضًا تمّ التطرق لحكم تصير اللحية ابن عثيمين، وأخيرًا أوضحنا فوائد اللحية في الإسلام.
أسئلة شائعة
المراجع
- ^ صحيح مسلم، عائشة أم المؤمنين ،مسلم ،261، صحيح
- ^ alukah.net، اللحية شعار وجمال، 08/02/2023
- ^ صحيح الجامع، عبدالله بن عمر ، الألباني، 2520 ، صحيح.
- ^ islamweb.net، أقوال العلماء في الأخذ من اللحية، 08/02/2023
- ^ islamweb.net، حكم أمر الوالدين بتخفيف اللحية، 08/02/2023
- ^ صحيح الجامع، أبو هريرة، الألباني، 7113، صحيح.
- ^ binbaz.org.sa، حكم تخفيف اللحية وتسويتها، 08/02/2023
- ^ islamqa.info، حكم تقصير اللحية، 08/02/2023
- ^ islamweb.net، القول الراجح في حكم حلق اللحية، 08/02/2023
- ^ صحيح الجامع ، أبوهريرة، الألباني، 1067،صحيح.
- ^ سورة النساء ، الآية 59
- ^ islamqa.info، يجوز حلق اللحية أو تخفيفها إذا اقتضى العلاج ذلك، 08/02/2023
- ^ سورة البقرة، الآية 286
- ^ سورة البقرة، الآية 173
- ^ islamqa.info، هل يجوز له الأخذ من لحيته حتى لا يتعرض للأذى؟، 08/02/2023
- ^ سورة النحل، الآية 106
- ^ islamweb.net، بعض فوائد إطلاق اللحية، 08/02/2023
- ^ صحيح مسلم، عبدالله بن عمر ، مسلم، 259، صحيح.
- ^ سورة طه ، الآية 94
- ^ islamqa.info، حكم حلق الشارب، 08/02/2023
- ^ فتاوى نور على الدرب لابن باز، أبو هريرة، ابن باز، 18/296 ، صحيح.
- ^ مختصر الشمائل ، المغيرة بن شعبة، الألباني، 140، صحيح.
التعليقات