حكم تكرار العمرة في سفر واحد

حكم تكرار العمرة في سفر واحد من الأحكام التي تشغل كثير من المسلمين من الذين يتوجهون لأداء العمرة في مكة المكرمة، خصوصًا في الظروف الصعبة فيما يخص السفر وغيرها من إجراءات متعلقة بالعمرة، وسوف نقدم في هذا المقال معلومات عن حكم العمرة في الإسلام، ونتعرف على حكم الاعتمار أكثر من مرة في السفر الواحد وعلى فضل تكرارها في الإسلام وغير ذلك من الأحكام المتعلقة.

حكم العمرة في الإسلام

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنَّ العمرة من العبادات المشروعة في الإسلام، وأنَّ لها فضل كبير، ولكنَّهم اختلفوا في أنَّ العمرة واجبة أم لا، فقد ذهب الإمام مالك والإمام أبو حنيفة النعمان إلى أنَّ العمرة سنَة مستحبة فقط وليست واجبة، واستدلوا على ذلك بحديث جابِرٍ بن عبد الله حيث ورد عنه: “أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ ؟ قَالَ : لا ، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ”،^[1] وقد ضعف بعض الفقهاء والمحدثين هذا الحديث وقالوا بأنه لا يحتجُّ ولا يستَدلُّ به، بينما ذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد أنَّ العمرة واجبة، ودليل ذلك عندهم أيضًا حديث صحيح عن السيدة عائشة رضي الله عنها حيث قالت: “قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَة”،^[2] وقول الله تعالى: “وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ”،^[3] وإلى هذا القول ذهب معظم الصحابة مثل ابن عباس وجابر بن عبد الله وابن عمر وغيرهم، ووردت كثير من الأقوال تشير إلى أنَّ العمرة واجبة، ويرى كثيرون أنها واجبة في العمر مرة واحدة مثل الحج، وهذا ما أيَّده ابن باز وابن عثيمين وغيرهما.^[4]

شاهد أيضًا: حكم لبس البنطلون للنساء تحت العباءة في العمرة

حكم تكرار العمرة في سفر واحد

اختلف الفقهاء من علماء وأئمة المسلمين في حكم تكرار العمرة في سفرة واحدة، وحدث جدل كبير بينهم في حكم الخروج من مكة من أجل القيام بعمرة من التنعيم، ويعود سبب هذا الخلاف إلى الاختلاف في فهم الحديث الذي ورد عن السيدة عائشة في ذلك، ففي الحديث الصحيح عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: “خَرَجْنا مُوافِينَ لِهِلالِ ذِي الحِجَّةِ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن أحَبَّ أنْ يُهِلَّ بعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ، فإنِّي لَوْلا أنِّي أهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بعُمْرَةٍ فأهَلَّ بَعْضُهُمْ بعُمْرَةٍ، وأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بحَجٍّ، وكُنْتُ أنا مِمَّنْ أهَلَّ بعُمْرَةٍ، فأدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وأنا حائِضٌ، فَشَكَوْتُ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: دَعِي عُمْرَتَكِ، وانْقُضِي رَأْسَكِ، وامْتَشِطِي وأَهِلِّي بحَجٍّ، فَفَعَلْتُ حتَّى إذا كانَ لَيْلَةُ الحَصْبَةِ، أرْسَلَ مَعِي أخِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أبِي بَكْرٍ فَخَرَجْتُ إلى التَّنْعِيمِ، فأهْلَلْتُ بعُمْرَةٍ مَكانَ عُمْرَتِي”،^[5] وفيما يأتي سيتم إدراج التفصيل في كلا القولين:^[6]

تحريم تكرار العمرة في سفر واحد

ذهب بعض الفقهاء من أهل العلم في الإسلام إلى أنَّه لا يجوز تكرار العمرة في سفر واحد، وقد اعتبروا أنَّ حديث السيدة عائشة رضي الله عنها خاص بها فقط، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أجاز لها ذلك حتى يطيب خاطرها ويجبر كسر قلبها بعد أن فاتتها العمرة بسبب الحيض، ولذلك حصروا جواز التكرار بها،  ومن الذين منعوا تكرار العمرة في السفرة الواحدة الإمام الشافعي، وقد ورد عن الإمام النووي أنه قال: “واحتج الشافعي والأصحاب وابن المنذر وخلائق على جواز تكرار العمرة”، أي أنهم رفضوا تكرار العمرة ولم يبيحوه.

جواز تكرار العمرة في سفر واحد

ذهب جمهور الفقهاء والعلماء في الإسلام إلى أنَّ تكرار العمرة في سفر واحد جائز ولا حرج فيه، استنادًا إلى فعل السيدة عائشة رضي الله عنها، وقد سمح لها رسول الله صلى عليه وسلم بذلك، وذهبوا إلى أنَّ هذا الحديث عام وينطبق على كل مسلم، كما أنَّ العمرة هي عبادة وفعل خير، ولا بأس في تكرار فعل الخير والعبادات في شرع الله تعالى، وعن ابن عبد البر أنه قال: “لا أعلم لمن كره العمرة في السنة مرارًا حجة من كتاب ولا سنة يجب التسليم لمثلها”، ولذلك الراجح أن تكرار العمرة في السفرة الواحدة جائز ولا حرج فيه، والله تعالى أعلم.

شاهد أيضًا: هل يجوز نية العمرة لاكثر من شخص

حكم الاعتمار لأكثر من شخص في سفرة واحدة

إنَّ حكم الاعتمار عن أكثر من شخص في سفرة واحدة يأخذ حكمه نفس الحكم السابق، فقد منع الذين ذهبوا إلى عدم جواز التكرار هذا الفعل، وقالوا بأنَّ ذلك مخالف لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، بينما ذهب الذين أجازوا تكرار العمرة إلى أنَّه يجوز للمسلم أن يعتمر عن أكثر من شخص في سفر واحد، لكن شرط أن يكون الشخص ميتًا أو عاجزًا لا يقدر على أداء العمرة مثل كبار السن أو المريض مرض مقعد لا يرجى برؤه، ويجب أن يعتمر الشخص عن نفسه أولًا، ثمَّ يعتمر عن الأشخاص الآخرين كل على حدة، حتى لو كانوا أكثر من شخص.^[7]

هل يجوز عمل عمرة لشخصين بنية واحدة

يلجأ بعض الناس إلى عمل عمرة واحدة عن عدة أشخاص مثل الوالدين والإخوة، حيث يرغب بأنَّ يقوم بعمرة واحدة وحج واحد عنهم جميعًا، وهذا الفعل لا يجوز، حيث أنَّ الحج أو العمرة لا تكون إلا عن شخص واحد، ولا يجوز إداء العمرة عن أكثر من شخص، ولا بدَّ من القول إنَّ الشخص المعتمر عنه يجب أن يكون ميتًا أو مريضًا عاجزًا لا يستطيع القيام بعمرة بنفسه.^[8]

شاهد أيضًا: كيفية أداء مناسك العمرة خطوة بخطوة بالصور للنساء والرجال

هل يجوز عمل عمرة كل يوم

يجوز تكرار العمرة في اليوم أكثر من مرة ولا حرج في ذلك، كما يجوز تكرار العمرة في الأسبوع أو في العشرة أيام أكثر من مرة، ولكن ذلك لم يكن من عمل السلف الصالح والصحابة رضي الله عنه أجمعين، والأفضل ألا يلجأ المسلم إلى القيام بذلك، لأنَّ هذا يسبب ازدحام أكثر ويضطر فيه الشخص لمزاحمة الناس خصوصًا في موسم الحج، ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحدد زمن بين العمرة والعمرة، ويرى بعض الفقهاء أنَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما يشير إلى أنَّ بينهما يجب أن يكون هناك فاصل، ولكنَّ في النهاية لا حرج في التكرار رغم أنَّ الأفضل عدم فعل ذلك حتى لا يشق المسلم على الناس وعلى نفسه.^[9]

فضل تكرار العمرة

وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم العديد من الأحاديث الشريفة التي تبين فضل العمرة، فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ”،^[10] وهذا يشير إلى أنَّ العمرة كفارة للذنوب وتكرارها يمحو الذنوب عن المسلم ويطهره من الخطايا، وفي حديث آخر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه قال: “تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ ، كما ينفي الْكيرُ خبثَ الحديدِ والذَّهبِ والفضَّةِ وليسَ للحجِّ المبرورِ ثوابٌ دونَ الجنَّةِ”،^[11] وقد ذهب معظم العلماء إلى أنَّ فضل تكرار العمرة المذكور والمأثور هي العمرة التي تكون من الميقات في سفرة واحدة، لأنَّ هذا كان فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، وفي ذلك يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “والإكثار من الطواف من الأعمال الصالحة، فهو أفضل من أن يخرج الرجل من الحرم ويأتي بعمرة مكية، فإن هذا لم يكن من أعمال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ولا رغَّب فيه النبي – صلى الله عليه وسلم – أمتَه؛ بل كرهه السلف”، والله تعالى أعلم.^[12]

في ختام مقال حكم تكرار العمرة في سفر واحد تعرفنا على حكم العمرة في الإسلام، كما تعرفنا على حكم تكرار العمرة في السفرة الواحدة وعلى حكم تكرار العمرة عند الشافعية وعند جمهور الفقهاء، كما تعرفنا على فضل تكرار العمرة وعلى حكم العمرة في كل يوم وغير ذلك من الأحكام.