عناصر المقال
حكم دعاء غير الله تعالى من الأولياء والصالحين وهو ما سيتم بيانه في سطور هذا المقال، وهو من أهم الاحكام التي ينبغي على المسلم معرفتها للتفقه بها والابتعاد عن الشرك بالله تعالى، حيث يتمثل الدعاء لغير الله بأن يدعو الإنسان معتقدًا أنّ النفع والضر بيد غير الله سبحانه وتعالى، ومن خلال هذا المقال سيتم بيان حكم دعاء غير الله تعالى من الأولياء والصالحين، إضافة لبيان العديد من المسائل المتعلقة بهذا الموضوع من حيث الحكم الشرعيّ له، ومعرفة هل يدخل في باب الإشراك بالله تعالى.
الوساطة في الدعاء
قبل أن نعرف حكم دعاء غير الله تعالى من الأولياء والصالحين، فيعتبر الدُّعاء بأنه من أجلّ وأعظم العبادات التي يمكن للعبد أن يتقرّب بها من رب العالمين، فهو ما أكّد على أهميته الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وبينه في كثير من الأحاديث الصحيحة، إلا أنّه من أكثر العبادات التي شرّك الناس فيها بين الله وبين خلقه، حيث هناك العديد من الناس قد وقعوا في دعاء غير الله والاستغاثة بهم، وهو من الأمور غير الجائزة فقد بينت الأدلة الصحيحة وجوب دعاء الله وحده وترك دعاء من سواه، فقد قال -تعالى- في كتابه الكريم: “فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا“[1]، حيثُ ينبغي على المسلم التّضرع الى الله -سبحانه وتعالى- بكل ما يشاء، أما لجوء المسلم الى وسيط ما من أجل قبول الدعاء هذا لا يجوز بالشّرع مطلقًا.[2]
حكم دعاء غير الله تعالى من الأولياء والصالحين
في الحديث عن حكم دعاء غير الله تعالى من الأولياء والصالحين، إنّ دعاء غير الله -تعالى- من الأولياء والصالحين غير جائز في الشريعة الإسلامية [3]، حيثُ إنّ دعاء غير الله -تعالى- يدخل في باب الشرك الأكبر والعياذ بالله، فقد ورد في حاشية ابن القاسم على الأصول الثلاثة، عند قوله تعالى: “وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا”[1] قال: “{أَحَدًا} نكرة في سياق النهي شملت جميع ما يدعى من دون الله، سواء كان المدعو من دون الله صنمًا أو وليًا أو شجرةً أو قبرًا أو جنيًّا، أو غير ذلك، فإن دعاء غير الله هو الشرك الأكبر، والذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة منه”، ولذلك ينبغي على المؤمن أن يلجأ ويتضرع الى الله وحده ويسأله ما يشاء، فهو من يجيب المضطر، ويكشف السوء، ويجود على عباده، حيث قال الله سبحانه وتعالى:”وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ “[4].
شاهد أيضًا: هل يجوز الدعاء للكافر بالشفاء
حكم دعاء الأولياء والصالحين لتفريج الكروب
بعد أن بيّنا حكم دعاء غير الله تعالى من الأولياء والصالحين، فلا يجوز دعاء الأولياء والصالحين من أجل تفريج الكروب، لأن الله -سبحانه وتعالى- ، فهو الذي يجيب المضطر ويرفع الضّر عن من وقع به الأذى [3]، فقد قال -تعالى- في محكم تنزيله: “أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ”[5]، فقد يلجأ العديد من الناس إذا أصابتهم مصيبة إلى دعاء أشخاص ليفرّجوا عنهم ما هم فيه، فينادي الواحد منهم: “يا شيخ فلان” أو “يا ولي الله فلان” ثم يسأله أن يفرج عنه ما أصابه، ففي هذه الحال أوضح أهل العلم بأنّ هذا الفعل من الشرك الأكبر، لأنّ العبد مأمور بألّا يدعو غير الله -تعالى- وحده، لقوله تعالى: “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ”[6].
شاهد أيضًا: ثمرات التوكل على الله
حكم التوسل
بينا في مستهل مقالنا حكم دعاء غير الله تعالى من الأولياء والصالحين، أما حكم التوسل فيعتبر التوسُّل الى الله -تعالى- بأسمائه وصفاته وتوحيده هو التوسل المشروع، ولكن للتوسّل أنواع عدة أقسام منها جائزة في الدّين الإسلاميّ وأقسام لاتجوز مطلقًا، حيثُ إنّ التوسُّل من خلال الاستغاثة بالأموات شركٌ أكبر فهو يُخرج المرء من ملة الإسلام، فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: “إن الاستغاثة بالأموات ودعاءهم من دون الله أو مع الله شرك أكبر يخرج من ملة الإسلام، سواء كان المستغاث به نبيا أم غير نبي”، أمّا التوسُّل من خلال أحد المسلمين، أو بجاه النبي محمد أو بجاه الأنبياء والصالحين هو شرك أصغر ولا يجوز في الشريعة الإسلامية ويعدُ من وسائل الشرك الأكبر، ولذلك ينبغي على المسلم ان يتوسل الى الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته فهو الذي بيده الأمر كله.[7]
شاهد أيضًا: حكم الاستغاثة بالحي الحاضر القادر
حكم التبرك بالاولياء والصالحين
بعد ان أجبنا على حكم دعاء غير الله تعالى من الأولياء والصالحين، فقد أوضح الشيخ ابن باز -رحمه الله بأنه لا يجوز التبرّك بالأولياء والصالحين، حيثُ إنّ التبرك خاص حيثُ إنّ التبرُّك خاص بالنبي دون غيره ما جعل الله له من جسده وما مسّه من خير وبركة، ولهذا لم يرد التبّرك بغير النبي عن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا في حياته ولا بعد وفاته [8]، وما يدل على جواز التبرك بآثار النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ورد عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- قالت: “هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ، فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا” [9]، فقد جعل الله في آثاره -صلى الله عليه وسلم- كثوبه وطعامه وشرابه وشعر وماء وضوئه الشفاء والبركة، فقد ثبت عن أم عطية -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى إزاره للنساء اللاتي غسلن ابنته وقال لهن: “أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ”، فقد قال النووي: “الحكمة في إشعارها به تبريكها”[10].
شاهد أيضًا: عبارات عن حسن الظن بالله
الآيات الناهية عن الاستغاثة بغير الله
تعرفنا حكم دعاء غير الله تعالى من الأولياء والصالحين، وهناك العديد من الآيات القرآنية التي تدل على عدم سؤال غير الله تعالى، واللجوء إلى الله وحده في السُّراء والضرّاء، فهو وحده الضّار والنّافع، وأيضًا المّعطي والمانع، ومن تلك الآيات التي تدل على النّهي عن الاستغاثة بغير الله ما يأتي:
- قوله تعالى: “لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ”[11].
- قوله تعالى: “وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”[12].
- قوله تعالى: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ”[13].
- قوله تعالى: “فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ”[14].
- قوله تعالى: “قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ”[15].
- قوله تعالى: “وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا”[1].
- قوله تعالى: “يَدْعُو مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ”[16].
- قوله تعالى: “وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ”[17].
- قوله تعالى: “هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”[18].
- قوله تعالى: “فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”[19].
بهذا نصل إلى ختام مقالنا حكم دعاء غير الله تعالى من الأولياء والصالحين، والذي ذكرنا لكم فيه الإجابة الصحيحة على ذلك السؤال حكم دعاء غير الله تعالى من الأولياء والصالحين، كما تطرقنا إلى بيان حكم دعاء غير الله عزّ وجل من الأولياء لتفريج اكروب، كما تم بيان أدلة من القرآن الكريم تبين النهي عن الاستغاثة بغير الله، ونختم بالإجابة عن سؤال حكم التبرك بالاولياء والصالحين.
المراجع
- ^ سورة الجن ، الآية 18
- ^ saaid.net، كشف الغطاء عن عيني من جعل بينه وبين الله واسطة في الدعاء، 01/10/2022
- ^ binbaz.org.sa، حكم دعاء الأولياء والصالحين لتفريج الكروب، 01/10/2022
- ^ سورة يونس ، الآية 106
- ^ سورة النمل ، الآية 62
- ^ سورة البينة ، الآية 5
- ^ binbaz.org.sa، التوسل المشروع والممنوع، 01/10/2022
- ^ binbaz.org.sa، حكم التبرك بالعلماء والصالحين وآثارهم، 01/10/2022
- ^ صحيح مسلم ، مسلم ، أسماء بنت أبي بكر، 2069، صحيح.
- ^ صحيح البخاري، البخاري، أم عطية نسيبة بنت كعب ، 1254، صحيح.
- ^ سورة الرعد ، الآية 14
- ^ سورة يونس ، الآية 107
- ^ سورة غافر ، الآية 60
- ^ سورة الأعراف ، الآية 37
- ^ سورة غافر، الآية 66
- ^ سورة الحج، الآية 12
- ^ سورة الأحقاف، الآية 5
- ^ سورة غافر ، الآية 65
- ^ سورة غافر ، الآية 14
التعليقات