عناصر المقال
حكم قول يعلم الله وهو كاذب، فالكذب عادة مكروهة بين الناس، تودي بصاحبها إلى دروب الخزي والهوان، حيث يفقد ثقة القريب قبل البعيد، ولا يؤتمن على أي شيء، وكثير من الناس يكون في تضمين للكذب، سواء بقصد أو غير قصد، ولا يعلمون سوءة ما يفعلون، والواجب التخلص من هذه العادة السيئة، وفي هذا المقال سنعرف ما هو حكم قول يعلم الله وهو كاذب.
حكم قول يعلم الله وهو كاذب
يوجد خلاف بين العلماء في هذه المسألة، حيث يجب معرفة نية القائل في ذلك، فالشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- رأى أن من يقول ذلك، فهو كاذب، وهذا محرم دون أدنى شك وخطير جدًا، ولكنه لم يرجح الكفر، فالخطب شديد والأمر خطير، والخطب أغلظ من عموم الكذب، لكنه لا يصل إلى الكفر، وهذا القول هو الصواب، وقد رجحه الحنفية أيضًا، حيث قال السمرقندي في تحفة الفقهاء: “اختلف المشايخ فيه، والصحيح أنه لا يكفر”. وكما في الأجوبة النجدية، قال الشيخ عبد الله بن محمد آل الشيخ: إنما الإثم والحرج على من قال: يعلم الله كذا وكذا، وهو كاذب، فهو كذب وافتراء، ولا يبلغ إلى الكف”. ومن الأدلة التي وردت في الفقه الإسلامي أنه يكفر إذا علم أن قوله هذا مكفر؛ لأنه بالإقدام عليه صار مختارًا للكفر واختيار الكفر كفر، لذلك ينبغي عند الحكم بالكفر على قائل ذلك كاذبًا، أن يقيد بعلم القائل بلازم قوله من نسبة الجهل لله تعالى، أو أن يعلم أن هذا القول كفر ثم يتعمد قوله، كما في حاشية قليوبي: “لو قال: يعلم الله أو يشهد الله، فإن كان صادقًا فلا بأس, وإن كان كاذبًا فحرام، بل إن قصد أن الله يعلم ذلك, وهو كاذب فيه كفر”، والله تعالى أعلم. [1]
شاهد أيضًا: ما هو حكم قول لولا الله وفلان أو بفضل الله ثم فلان
حكم من قال يعلم الله لن أفعل هذه المعصية ثم فعلها
أجمع جمهور العلماء والفقهاء على أنه لا يقع الكفر على من قال:” يعلم الله أني لن أفعل كذا، ثم فعله، ولكن وقع الخلاف في حمله على اليمين، فهل تلزم فيه الكفارة أم لا، فانقسم بعضهم إلى أنه تلزم فيه الكفارة، والبعض الآخر قال لا كفارة فيه، وقد قال القرافي في الذخيرة وفي البيان: “يعلم الله لا فعلت، استحب له مالك الكفارة احتياطا، تنزيلا له منزلة أيم الله تعالى، وقال سحنون: إن أراد الحلف وجبت الكفارة، وإلا فلا”، وأمّا في شرح مختصر خليل للخرشي، فقد جاء ما يأتي: “وقول الحالف: علم الله أو يعلم الله، ليس بيمين، خلافا لصاحب الخصال في الثاني، كما أفاده كلام البيان، على ما نقل بعض شيوخنا عن بعض شيوخه، نعم تستحب الكفارة احتياطًا، تنزيلا له منزلة علم الله مصدرا، ما لم يرد الحلف، وإلا وجبت الكفارة”، والله سبحانه وتعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام أعلم. [2]
حكم من قال يشهد الله لن اسمع الموسيقى ثم سمعها
إنما الأعمال بالنيات، وكل امرئ يحاسب حسب نيته فمن كان يبيت الكذب في نيته أثناء قوله يشهد الله لن أقعل كذا، ثم فعله، فقد اقترف ذنبًا عظيمًا، وهو الافتراء على الله عز وجل، وهذا يُقاس على من قال أنه لن يسمع الموسيقى وتاب عن ذلك، ولكنه في حقيقة الأمر هو كاذب يريد تبرئة نفسه، ويريد أن يتخلص من مذمة الناس وعيبهم، ولكن إذا كان الإنسان صادقاً في نيته فلا بأس عليه ولا حرج، فقد جاء في حاشية قليوبي ما يأتي: “ولو قال: يعلم الله أو يشهد الله، فإن كان صادقًا فلا بأس، وإن كان كاذبًا فحرام، بل إن قصد أنَّ الله يعلم ذلك، وهو كاذب فيه كفر، كما قال النووي”، وقال علاء الدين السمرقندي رحمه الله: “إِذا قال: يعلم الله أَنه فعل كَذَا، وهو يعلم أَنه لم يفعل، اخْتلف المشايخ فيه، وَالصَّحِيح أَنه لَا يكفر”، وعلى ما سبق، فإن كان القائل صادقًا في قوله فلا بأس، وإن كان كاذبًا فهذا حرام، ولو عرف القائل معنى قوله لكان قوله هذا كفرًا؛ لأن مقتضى كلامه أن الله يعلم الأمر على غير ما هو عليه، فيكون وصفًا لله بالجهل، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. [3]
شاهد أيضًا: ما حكم قول اللهم اني نويت صيام رمضان كاملا
هل يجوز قول يعلم الله كذا وكذا
الله سبحانه وتعالى هو علام الغيوب، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ويعلم كل شيء في هذه الحياة، وعليه يجوز أن يقول الشخص يعلم كذا وكذا ولا بأس في ذلك ولا حرج، ولكن إذا كان الشخص كاذبًا، وقال يعلم الله كذا والحقيقة بخلاف ذلك، فهذا أمر خطير، ففي كتب الحنفية من يقول ذلك والحقيقة مخالفة صار كافرًا خارجًا عن الملة، فإذا قلت: “يعلم الله أني ما فعلت هذا” وأنت فاعله، فمقتضى ذلك أن الله يجهل الأمر، “يعلم الله أني ما زرت فلانًا” وأنت زائره صار الله لا يعلم بما يقع، ومعلوم أن من نفى عن الله العلم فقد كفر، ولهذا قال الشافعي -رحمه الله- في القدرية قال: “جادلوهم بالعلم فإن أنكروه كفروا، وإن أقروا به خصموا”، وعلى ما سبق، فإن قول القائل: “يعلم الله” إذا قالها والأمر على خلاف ما قال، فإن ذلك خطير جدًا وهو حرام بلا شك، وأمّا إذا كان صادقًا، والأمر على وفق ما قال فلا بأس بذلك، لأنه صادق في قوله ولأن الله بكل شيء عليم، وهذا ما قاله الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم. [4]
هل يجوز قول يعلم الله وهو صادق
الإنسان الصادق مع الله سبحانه وتعالى وصادق مع نفسه يجوز له أن يقول يعلم الله من أجل تأكيد كلامه الصادق، فالله عز وجل يعلم كل شيء، وهو علام الغيوب، فقد قال جلّ جلاله في القرآن الكريم: “قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ”[5]، فهذا القول لا بأس فيه، وليس هناك حرج على صاحبه، ولكن الأمر الخطير والطامة الكبرى من قال: “يعلم الله، وهو كاذب”، فهذا قول محرّم، ويعدُّ صاحبه كافرًا خارجًا عم الملّة بحسب كتب الحنفية، فمن قال: “يعلمُ الله أني ما فعلتُ هذا”، وهو فاعله؛ فمقتضى ذلك أن الله يجهل الأمر، وصار سبحانه وتعالى لا يعلم بما يقع، ومعلوم أنَّ من نفى عن الله عز وجل العلم فقد كفر، ولهذا قال الشافعي -رحمه الله- في القدَرية: “جادِلُوهم بالعلم فإنْ أنكروه كفروا، وإنْ أقرُّوا به خُصِمُوا”، والحاصل من هذا أن قول القائل: “يعلمُ الله”، إذا قالها وهو صادق، والأمر على مطابقة ما قال، فإنَّ ذلك يجوز، ولا بأس منه، ولا حرج فيه، وأمّا إذا قال ذلك، وهو كاذب، فهذا حرامٌ بلا شكّ، والله سبحانه وتعالى أعلم. [6]
شاهد أيضًا: ما هو حكم قول لولا الله وفلان أو بفضل الله ثم فلان
ومن خلال هذا المقال نكون قد بيّنا لكم أنَّ حكم قول يعلم الله وهو كاذب، هو محل خلاف بين العلماء، فمنهم من رأى أن دلك محرم وخطير جدًا، لكنه لم يرجع الكفر، ومنهم من رأى آثم وعليه حرج كبير، والعليم اليقين عند الله تعالى ورسوله الكريم.
المراجع
- ^ islamweb.net، حكم قول القائل: يعلم الله. وهو كاذب، 02/04/2023
- ^ islamweb.net، حكم من قال: يعلم الله لا أفعل هذه المعصية ثم فعلها، 02/04/2023
- ^ /islamqa.info، حكم قول القائل : " يشهد الله أني تائب من الموسيقى " ثم يعود إلى استماعها .، 02/04/2023
- ^ ar.islamway.net، ما حكم قول بعض الناس: "يعلم الله كذا وكذا"؟ ، 02/04/2023
- ^ سورة يس، الآية 16
- ^ alukah.net، حكم استعمال تعبير (يعلم اللَّه) للتأكيد، 02/04/2023
التعليقات