عناصر المقال
ما حكم العادة سرية في رمضان وما كفارتها، من الأسئلة التي يبحث عن جوابها الكثير من النّاس، فالله -سبحانه وتعالى- خلق عباده وجعل فيهم الشّهوة، وشرّع لهم الزّواج بعقدٍ شرعي يبيح للزوجين الاستمتاع ببعضهما، ولكن للأسف فقد انتشرت الفتن والمعاصي بين الناس مما جعل البعض يلجأ إلى ممارسة العادة السرية، والكثير يجهلون حكم العادة السرية في الإسلام وما رأي الشرع فيها سواءً كانت في رمضان أم في غيره، ولذلك في مقالنا الآتي سنتعرف على ما حكم العادة السرية في رمضان.
ما المقصود بالعادة سرية
العادة السرية لها تعريفان أحدهما لغوي والآخر شرعي وفيما يأتي تفصيل ذلك:[1]
- العادة السرية لغةً: يعني طلب الشّيء أو طلب خروج الشّيء، والعادة السرية هو لفظٌ استُحدث ليُطلق على ما يسّمى عند أهل العلم بالاستمناء.
- العادة السرية شرعاً: في الاصطلاح الشرعي تعني إخراج المني من الجسد بغير جماعٍ أو مباشرةٍ من الزّوج لزوجته ومن غير اتّصالٍ جنسيٍّ بينهما، وتكون العادة بالاستمناء بتعمّد بقصد إنزال المني بشهوة باليد أو بغيره من الجمادات أو بمتابعة نظر لمحرَّم، أو سماع ما يؤثِّر لتحريك الشهوة، أو بمجرد التفكير بقصد خروج المني.
ما حكم العادة سرية في رمضان
العادة السرية في رمضان من الأمور المحرّمة، والتي أجمع العلماء على أنها مبطلة للصيام، وسبب التحريم في ذلك أنّ الصيام يكمُن في الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة، والعادة السرية أو الاستمناء وخروج المني هو من الشهوة، وكما يُستدلّ على بطلان الصيام بالاستمناء قياساً على بطلانه بالقيء عمداً وبالاحتجام بخروج الدم، حيث إنّ كلا الأمرين يسببان ضعف الجسد والبدن، فخروج الطعام يسبب خلوّ المعدة من الطعام والشراب ويؤدي إلى الجوع والعطش، وكذلك فإنّ خروج المني يسبّب الضعف والفتور للجسم، ولذلك أُمر بالاغتسال بعد خروجه لاستعادة النشاط والقوة، وبناءً على ما سبق فالاستمناء مبطلٌ للصيام.[2]
كفارة العادة سرية في رمضان
العادة السرية من المحرمات في رمضان ولكنّ إذا ضعف المرء وأتى بها فإنّه لا يترتّب عليها أي كفارة إلا التوبة والاستغفار عن ذلك، وقضاء هذا اليوم الذي فسد صيامه بسبب العادة السرية أو الاستمناء، وهذا ينطبق على كل من الرجل والمرأة بحد سواء، وقد اتفق على ذلك المذاهب الفقهية، ولا يختلف الحكم إن كان السبب في نزول المني تقبيل الرجل لزوجته أو ملامستها في نهار رمضان، وقد سئل الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- عن حكم من فعل العادة السرية في نهار رمضان فأجاب:[3]
العادة السرية ما فيها إلا قضاء ما فيها كفارة، العادة السرية فيها القضاء فقط، قضاء اليوم والتوبة والاستغفار والحمد لله.
حكم العادة السرية أو الاستمناء
العادة السرية أو الاستمناء هو من الأمور المحرّمة في الشريعة الإسلامية، ويستدل على ذلك بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وفيما يأتي ذكر لهذه الأدلة وهي كالآتي:[4]
- الدليل الأول: في قول الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُون}،[5] وفي هذه الآيات حدد الله عز وجل الاستمتاع وحصره بالاستمتاع بالزوجة والأَمَة؛ وكل استمتاع آخر فهو استمتاع محرم، وقد سمى الله -سبحانه وتعالى- من أراد المتعة وابتغاها بغير هذين الطريقين بالمعتدي، والاعتداء لا يكون إلا حراماً.
- الدليل الثاني: هو ما جاء في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ”، [6] وموضع الاستدلال أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حثَّ من استطاع الباءة – وهي القدرة على الوطء – على الزواج، فإن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وقاية من الفتن، ومن الوقوع في الحرام، ولو كان الاستمناء جائزاً لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولَمَا وجّه الشباب إلى الصوم مع إمكانية الاستمناء.
- الدليل الثالث: قد ثبت أن للعادة السرية أضراراً صحية تلحق بمن يُمارسها، وأكد أهل الاختصاص من الأطباء أنها تؤثر على كفاءة الرجل في حق زوجته في المستقبل، كما أنها قد تؤدي إلى العقم وإلى ضعف التركيز، وغير ذلك من الأضرار الصحية التي لا تُحمد عقباها.
هل يغفر الله ممارس العادة سرية في رمضان
إنّ ممارسة العادة السرية من الأمور القبيحٌة والمحرمة شرعاً، ويتوجب على المسلم أن يقلع عنها وأن يتوب إلى الله -عز وجل- منها، وفعل العادة سرية في رمضان أشدّ قبحًا من غيره من الأوقات وذلك نظراً لحرمة هذا الشّهر، فإن مارسها المرء في نهار رمضان يلزمه التوّبة منها وقضاء يومه لأنّها تفسد الصيام، وقد ورد عن أهل العلم أنّ الله -سبحانه وتعالى- يغفر الذّنوب جميعًا إلا أن يُشرك به، فمن يبادر إلى التوبة النصوح سيجد أنّ الله عز وجل غفورٌ رحيم، فالله يغفر الذنب للعبد التائب ما لم يشرك بالله في عبادته، ، وقد استدلّ على أنّ الله يغفر للمارس العادة في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: “إنَّ عَبْدًا أصابَ ذَنْبًا – ورُبَّما قالَ أذْنَبَ ذَنْبًا – فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ – ورُبَّما قالَ: أصَبْتُ – فاغْفِرْ لِي، فقالَ رَبُّهُ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ أصابَ ذَنْبًا، أوْ أذْنَبَ ذَنْبًا، فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ – أوْ أصَبْتُ – آخَرَ، فاغْفِرْهُ؟ فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أذْنَبَ ذَنْبًا، ورُبَّما قالَ: أصابَ ذَنْبًا، قالَ: قالَ: رَبِّ أصَبْتُ – أوْ قالَ أذْنَبْتُ – آخَرَ، فاغْفِرْهُ لِي، فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثًا، فَلْيَعْمَلْ ما شاءَ”،[7] وقد ورد عن النووي قوله أنّه لو كرّر العبد ذنبه ما شاء ثمّ استغفر ربّه لغفر له، فلا ييأس من يرتكب إثم العادة وليسارع لتركها وليتب إلى الله عز وجل، فالتوبة هي الحل ليغفر الله -سبحانه وتعالى- الذنب لممارس العادة في رمضان.
دعاء التوبة من العادة السرية
الإسلامُ دِينُ الحَنيفيَّةِ السَّمْحةِ، وقدْ راعَى فِطرةَ الإنسانِ، وأوجَدَ المَسالِكَ الصَّحيحةَ لِحاجاتِهِ، والعِلاجَ لِمُشكلاتِهِ؛ فلمْ يَطلُبْ مِن المُسلِمِ أنْ يَكبِتَ غَرائزَهُ وشَهَواتِهِ، وفي الوَقتِ ذاتِهِ لم يُطلِقْ لِشَهَواتِه العِنانَ، فيَرتَعَ كالبَهائمِ دُونَ حَسيبٍ أو رَقيبٍ، فالإنسان ضعيف أمام شهواته وقد يقع في المعصية ويرتكب الذنوب، والله عز وجل رحيم بعباده شرع لهم التوبة للعودة إليه والإقلاع عن المعصية وفي مايلي نردج بعض من الأدعية التي يمكن الدعاء بها للتوبة من العادة السرية:
- اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بذَنْبِي، فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأخْلَاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ ليسَ إلَيْكَ، أَنَا بكَ وإلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ.
- اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ.
- اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
- اللهم اغفرْ لِي ، وتُبْ عَلَيَّ ، إِنَّكَ أنتَ التوابُ الغفورُ، وإنّه لا يغفر الذنوب إلى أنت.
- يارب اغفر لي ذنبي واسرافي في أمري، يا رب هذّبني وأصلحني وكفَ عني الشّهوات، اللّهم أبعدني عن المحرّمات والمعاصي، تغشّاني برحمتك يا الله.
- يا الله يا رحمن يا رحيم يا عفو يا غفور أبعد عني المحرمات والشُّبهات واحفظني يارب من رفقاء السّوء ومن شرورهم.
- اللهم يا رحيم أرحمني وأبعدني عن المحرمات، وقرّبني إلى الطاعات يارب وفقني إلى ما كل تُحبه وترضاه.
- اللهم إني استغفرك من كل ذنب عظيم أذنبته، وأسألك التوبة النّصوح من كل سيئة اقترفتها، اللّهم لك ملكوت كل شيء وإن من أسمائك الرحمن الرحيم فبرحمتك تُب علي واغفر لي وارحمني وأبعد عني المحرّمات كلها، فإن لم تغفر لي وترحمني لأكونَّن من الخاسرين.
- يارب عَصيناك كثيراً فاغفرلنا إنَّك أنت الغفور الرحيم، يارب تُب علينا وجنّبنا المحرّمات يارب العالمين، يارب لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا واغفرلنا وارحمنا.
- اللهم أغنني بحلالك عن حرامك، اللهم سامحني واغفر جهلي وإسرافي في أمري، اللهم اهدني وأبعدني عن المعاصي، أنا عبدك الفقير ليس لي سواك.
- اللهم علّق قلبي بالقرآن الكريم وبذكرك وبالصلاة، وأبعدني عن دُروب المحرمات، وأرزقني الثبات حتى ألقاك.
أضرار ناتجة عن ممارسة العادة السرية
إنّ للعادة السرية الكثير من الأضرار والمخاطر، والكثير من الناس من يجهلون مخاطرها وأضرارها، فكم من شخصٍ أصبح ضعيفًا بعد زواجه وغير قادر على الاستمتاع بزوجته، وتأثّرت نفسيّته وانهارت ثقته بنفسه، فالاستمرار فيها يؤدي إلى مشكلات نفسية وجسمية كثيرة، ومن أضرارها:[8]
- الشعور بعقدة الذنب والإثم والندم، والشعور بالحقارة والقذارة.
- سرعة الانفعال وزيادة التوتر الدائم والإصابة بالوسواس والاضطّراب النفسي.
- العزلة عن الناس، والارتياب في الآخرين.
- الإصابة بالضعف والبرود الجنسي، فيكون الجماع مع الزوجة خاليًا من أيّ نشوة بعد الزواج.
- تسلب العادة الغيرة والشّهامة وتنقص المروءة.
- تسبب نقص الحيوية وزيادة الخمول وضعف البصر والسمع، وانحلال القوة الجسمانية.
- تسبب العادة فقر الدم واصفرار الوجه وانسداد الشهية وضعفًا في الذّاكرة، وضعف في الأعصاب والهزال والدوران.
- الأمراض الجنسية المتنوعة، من التهابات واحتقان وتضخم في البروستات.
- تسبب سرعة القذف وحساسية مجرى البول.
مقالات قد تهمك
وبهذا نكون قد وصلنا إلى ختام مقال ما حكم العادة سرية في رمضان وما كفارتها، والذي سلّط الضّوء على معنى العادة السرية ومفهومها، وبيّن عدّة أحكام شرعية بخصوص العادة السرية مثل حكمها وكفارتها وهل يغفر لممارس العادة سرية في رمضان، وبيّن بعض الأدعية للتوبة منها، وختم المقال بذكر بعض الأضرار الناجمة عن ممارسة العادة السرية.
المراجع
- ^ islamweb.net، معنى (العادة السرية) لغة وشرعاً، 02/03/2023
- ^ islamweb.net، حكم الاستمناء في رمضان وهل تلزم منه الكفارة، 02/03/2023
- ^ binbaz.org.sa، حكم من فعل العادة السرية في نهار رمضان، 02/03/2023
- ^ aliftaa.jo، ما حكم (العادة السرية)؟، 02/03/2023
- ^ سورة المؤمنون ، آية 5-6-7
- ^ صحيح مسلم، عبدالله بن مسعود، مسلم، 1400، صحيح
- ^ صحيح البخاري ، أبو هريرة، البخاري، 7507، صحيح
- ^ alukah.net، العادة السرية ( أضرارها - حكمها - أسبابها - علاجها )، 02/03/2023
التعليقات