عناصر المقال
من هو النبي الذي تمنى الموت ؟ لقد قصّ علينا الله سير الأنبياء والمرسلين لتكون لنا منارةً نهتدي بنورها في حياتنا الدنيا ونسير بها في طريقنا إليه، ومن هؤلاء الانبياء من أخبرنا عنهم الله في قرآنه ومنهم من لم يخبرنا عنهم، ولكنّ وبالرغم من أن الأنبياء هم خيرة خلق الله وصفوة البشر، إلا أن أحدهم قد تمنّى الموت، وفي هذا المقال سنتعرف على النبي الذي تمنّى الموت ونتعرف على السبب الذي دفعه لتمني الموت وما هو حكم تمنّي الموت.
من هو النبي الذي تمنى الموت
النبي الذي تمنى الموت هو يوسف عليه السلام، وقد تمنى نبي الله يوسف – عليه السلام – الموت عندما تكاملت عليه النعم وجمع الله له شمله وأعلى مقامه بين شعب مصر وآتاه ملكاً وحكماً وعلماً فعندما تكاملت عليه نعم الدنيا علم نبي الله أن هذه النعم إنما هي متاع الحياة الدنيا الزائل وأن السعادة الحقيقية هي بلقاء الله عز وجل فاشتاق إلى لقاء ربه فتمنى الموت، قال الحافظ عن قتادة في “الفتح” : “لم يتمن الموت أحد إلا يوسف عليه السلام، حين تكاملت عليه النعم وجمع له الشمل اشتاق إلى لقاء الله”، وقال مجاهد: ” إن يوسف لما جُمع بينه وبين أبيه وإخوته وهو يومئذ ملك مصر، اشتاق إلى الله وإلى آبائه الصالحين فقال: رب قد آتيتني من الملك… الآية. وقال غير هؤلاء: إنه لم يتمنَّ الموت وإنما تمنى الوفاة على الإسلام، أي إذا جاء أجلي توفني مسلماً”.[1]
هل يجوز تمنّي الموت
” يُكرَه تمنِّي الموتِ لِضُرٍّ نَزَلَ به، أمَّا إذا كان لِخَوْفِ فتنةٍ في الدِّينِ فلا يُكْرَه“[2]، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعة الشافعية والمالكية والحنابلة والحنفية، ودليل ذلك من كتاب الله عزّ وجلّ هو تمنّي مريم ابنة عمران للموت في قوله تعالى: ” يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا”[3]، ومن السنّة النبوية الشريفة فيوجد العديد من الأدلة على كراهية تمنّي الموت ومنها حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ مِن ضُرٍّ أصابَهُ، فإنْ كانَ لا بُدَّ فاعِلًا، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أحْيِنِي ما كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لِي”[4]، عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ” لَنْ يُدْخِلَ أحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ. قالوا: ولا أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: لا، ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بفَضْلٍ ورَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وقارِبُوا، ولا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ: إمَّا مُحْسِنًا، فَلَعَلَّهُ أنْ يَزْدادَ خَيْرًا، وإمَّا مُسِيئًا، فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتَعْتِبَ”.[5]
شاهد أيضاً: من هو ابو الانبياء ولماذا سمي بهذا الاسم
قصة يوسف عليه السلام
وبعد أن عرفنا من هو النبي الذي تمنى الموت وأنه هو النبي يوسف عليه السلام، سنذكر لكم فيما بقي من فقرات مقالنا ما تيسر لنا من قصته والأخبار والقصص التي وردت عنه عليه السلام:[6]
نسب النبي يوسف
يوسف هو نبي الله وهو النبي ابن النبي ابن النبي ابن النبي، فهو ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وكان ليعقوب – عليه السلام – اثنا عشر ولداً، كان منهم يوسف وبن يامين من أمٍّ واحدة هي راحيل، وكان باقي الأخوة من زوجات يعقوب الباقيات، وقد كان نبي الله يوسف حسن الوجه، وقد أثنى عليه الله ووصفه بالاستقامة والنزاهة والصبر والإخلاص قال تعالى: كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ “[7] وفي كتاب الله سورة يوسف التي ذكر الله لنا فيها قصة هذا النبي وجعل فيها الكثير من الحكم والعبر، قال تعالى: ” لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ”.[8]
رؤيا يوسف عليه السلام
وعندما كان يوسف عليه السلام صبيّاً ابن اثني عشرة سنة رأى حلماً كان فيه أنه رأى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر جميعهم يسجدون له، وذكر المفسرون أن الشمس والقمر هما أمه وأبوه، والكواكب هم أخوته، فقصّ يوسف هذه الرؤيا على أبيه يعقوب عليه السلام، ولكن يعقوب أخبره بألا يخبر أخوته بما رآه خشية أن يغاروا منه ويغويهم الشيطان فيكيدوا له، قال تعالى : ” إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”،[9] فنبي الله يعقوب عليه السلام علم أن يوسف سيكون له شأنٌ عظيمٌ وسينال رتبةً عاليةً في الدنيا والآخرة.
كيد أخوة يوسف وإلقاؤه في البئر
كان ليوسف وبنيامين محبةٌ خاصةٌ في قلب يعقوب عليه السلام وكان حبه ليوسف ظاهراً جلياً، وعندما شعر إخوته بمحبة أبيه الزائدة شعروا بالغيرة وحسدوه على هذه المحبة، وبدأوا يتشاورون فيما بينهم عن الطريقة التي يستطيعون بها التخلص من يوسف لكي يعود أبوهم عن انشغاله بيوسف وتعود محبته لهم، فمنهم من اقترح أن يقتلوا يوسف ويتخلصوا منه ولكن أحدهم اقترح أن يرموه في غيابات الجب فيلتقطه بعض المارة ويأخذوه معهم وبذلك يصرفون يوسف ويتخلصون منه، ” إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ”.[10]
وعندما أجمعوا أمرهم واتفقوا على إلقاءه في البئر استأذنوا أباهم أن يأخذوه معهم للمرعى لكي يلعب ويرتع معهم، وبعد أن ألقوه في البئر دبروا مكيدةً وادعوا أنهم ذهبوا يستبقون وتركوا يوسف عند متاعهم، فأكله الذئب وهم غافلون عنه، ثم قاموا بذبح جديٍ وجاؤوا منه بدمٍ كاذبٍ وألقوه على قميص يوسف لكي يقنعوا أباهم بأن الذئب قد أكله، وجاءوه عشاءً وهم يبكون وأخبره بأن الذئب قد أكل يوسف، ولكن نبي الله يعقوب لم يصدق وقال لهم أتوني بقميصه، فأتوه بالقميص الذي عليه الدم الكاذب ولم يكن فيه خرق، فقال لهم أبوهم: “ما أحلم هذا الذئب الذي أكل ابني دون أن يمزق ثوبه!!” وقد قال ذلك الكلام إذعاناً منه بأنه لم يصدق الرواية التي جاء بها، ” فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ* وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ”.[11]
شاهد أيضاً: من هو النبي ابن النبي ابن النبي ابن النبي
نجاة يوسف من البئر وبيعه في مصر
وبعد أن غادر إخوة يوسف أذن الله أن ينجي نبيه وأرسل له قافلةً بعد ثلاثة أيام، أتوا إلى البئر طلباً للماء، وعندما ألقى الساقي دلوه تعلق به يوسف وخرج من البئر، واستبشر أهل القافلة به وأسّروا أن يبيعوه وأخفوه عن أصحابهم لكيلا يشاركوهم في هذه التجارة، ثمّ ذهبت به القافلة إلى مصر وباعوه إلى وزير مصر الذي استبشر فيه خيراً وأخبر امرأته أن تكرم مثواه، ثمّ آتاه الله العلم والقوة وبدأ يوسف ينشأ في بلاط الملك ويتعلم العلوم المختلفة، ثمّ وقع ما وقع من محنته مع امرأة العزيز إذ راودته عن نفسه لولا أن نجاه الله وثبته، ثمّ اتهمته بنفسها، فدخل بسببها السجن ولبث فيه بضع سنين، إلى أن رأى حاكم مصر حلماً غريباً كان فيه سبع بقراتٍ سمان يأكلهنّ سبعٌ عجاف وسبع سنبلاتٍ خضر يانعات وآخر يابسات، ” وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ” [12]، عندما فشل مفسرو الملك عن تفسير هذا الحلم قام خادم الملك بإخباره عن يوسف وعلمه وأنه عالمٌ بتأويل الأحلام، فأحضروا يوسف وقام بتفسير حلم الملك وكان تفسيره أنه يمر على مصر سبع سنينٍ من الخير يتبعها سبع سنينٍ من القحط والجفاف ولكي ينجوا من سنين الجفاف عليهم أن يعملوا ويدخروا في سنين الخير ويجهزا أنفسهم لسبع سنينٍ من القحط والجفاف،” قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ”[13] ولمى سمع حاكم مصر تأويل يوسف للحلم اقتنع به وصدقه وجعله وزيراً على خزائن مصر لكي يكون هو المسؤول عن الحصاد والتخزين في سنين الخير والإنفاق وتوزيع الطعام في سنين الجفاف.
قدوم إخوة يوسف إلى مصر طلباً للمؤونة
ثمّ تتالت السنوات ولما بدأت سنين القحط، أصاب أرض كنعان التي كان يمكث فيها يعقوب وأبناؤه ما أصاب أرض مصر من القحط والجفاف وقلت المياه والطعام والمراعي، وعندما علمت قبائل بلاد الشام بأن ملكاً صالحاً في مصر يبيع الحبوب والمؤونة للمحتاجين طلب يعقوب من أبنائه أن يذهبوا إلى مصر ويشتروا الحبوب والمؤونة، فلما رآهم يوسف عرفهم ولم يعرفوه هم لما كان عليه من لباس الملك وهيبة الحكم التي لم يروها من قبل، وقد أعطاهم يوسف البضاعة واستضافهم وأكرم ضيافتهم ثمّ استدرجهم ليعلم عن حال أبيه ولكي يطلب منهم أن يحضروا معهم أخاه بنيامين في المرة المقبلة، وقبل أن يغادروا أمر فتيانه أن يضعوا بضاعة إخوته في رحالهم خشية ألا يجدوا ما يدفعونه في المرة المقبلة فيمتنعون عن المجيء، فذهب إخوة يوسف إلى أبيهم وقصّوا عليه ما حصل معهم من استضافة حاكم مصر وإكرامه لهم، وأنه طلب إليهم أن يأتوه بأخ لهم من أبيهم وكانوا يقصدون بن يامين، فأبى نبي الله يعقوب أن يرسل بنيامين معهم خشية أن يصيبهم ما أصاب يوسف من قبل،” وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ * وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ * فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ * قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ * وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” [14]ولكنه عندما نظر إلى ما أصاب البلاد من شدة القحط والجدب لم يجد سبيلاً إلا أن يرسل معهم بنيامين ولكنه أخذ منهم ميثاقاً وشهادةً بأن يعيدوا بنيامين إليه وألا يفرطوا فيه مهما حصل، وأخبرهم أنهم عندما يصلوا إلى مصر ألا يدخلوا من بابٍ واحد وأن يدخلوا من أبوابٍ متفرقة لكي لا يصيبهم عينٌ أو حسد أو ما شابه فقد كانوا ذوي جمالٍ وقامة وكانوا إخوة مجتمعين.
شاهد أيضاً: من هو الصحابي الجليل الذي حج سرا
لقاء يوسف بأخيه
وبعد أن وصل إخوة يوسف بصحبة بنيامين إلى مصر استضافهم يوسف مرة أخرى وأكرم ضيافتهم، ثمّ أعد مكيدةً لكي يبقي أخاه بنيامين عنده، فأمر فتيانه أن يضعوا صواعه في رحل أخيه، وعندما همّوا بالمغادرة نادى منادٍ أن صواع الملك قد ضاع وبدأوا يبحثون عنه، فقالوا لهم إننا ما أتينا إلى مصر لنسرق، فقال لهم يوسف فما جزاء من وجد في رحله؟ فقالوا إن جزاء من وجد في رحاه فهو جزاؤه، أي أن جزاء من يسرق يُسرق أي يصبح عبداً أو يحبس، فبحثوا في رحالهم إلى أن استخرجوه من رحل بنيامين، وكانت مقولتهم هي ما أتاح ليوسف أن يحتجز أخاه بنيامين عنده لأن قانون مصر في تلك الفترة كان يعاقب على السرقة بالضرب والغرامة وليس بالحبس والاحتجاز، وقد حاول إخوة يوسف أن يعيدوا معهم أخاهم بنيامين بكل الطرق فأبى يوسف ذلك، وكان ذلك لحكمةٍ تترتب عليها الكثير من الأمور العظيمة من مجيء أبيه وأهله فيما بعد، ” قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ* قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ *قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ ۚ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ”.[15]
شاهد أيضاً: أدعية مستجابة في آخر ساعة من يوم الجمعة
لقاء يوسف بأهله وتحقق رؤيته
وبعدها عاد إخوة يوسف إلى أبيهم وأخبروه بما جرى مع أخيهم بنيامين، فحزن يعقوب حزناً شديداً حتّى ابيضت عيناه وفقد بصره من شدّة الحزن، ولكنه – عليه السلام – لم يقنط من رحمة الله وأخبر أبناءه أن يعودوا إلى مصر ويتحسسوا أخبار أخويهم يوسف وبنيامين، فرجعوا إلى مصر وقابلوا يوسف من جديد وأخبروه بما مسّ أبيهم وأهلهم من الضرّ والحزن على فراق بنيامين، فعندها كشف يوسف – عليه السلام – عنّ سرّه وأخبر إخوته بأنه هو يوسف وذكّرهم بما فعلوه به وبأخيه من قبل، فاعترفوا بذنوبهم وشعروا بالحسرة والندامة على ما اقترفته أيديهم، واعترفوا له بالفضل وأن الله قد آثره وكرّمه عليهم، فسامحهم ولم يعيّرهم بما فعلوه، ولمّا سألهم عن حال أبيه أخبروه بأن جسده هزل وقوته ضعفت وعيناه ابيضت من الحزن، فأعطاهم قميصه وأخبرهم أن يذهبوا ويلقوا هذا القميص على وجه أبيه يعقوب، ولمّا أن خرجوا من أرض مصر هبّت نسائم ريح يوسف بإرادة الله ومشيئته إلى أبيه رغم المسافة التي بينهما، وعندما وصل إخوة يوسف إلى أبيهم ألقوا على وجهه قميص يوسف فارتدّ بصيراً بإذن الله وقدرته، وجاء يعقوب عليه السلام وقبيلته إلى مصر وقابلوا يوسف عليه السلام وسجدوا له سجود تحيّة لا سجود عبادة وتحققت رؤية يوسف، ولمّا أن اجتمعت كل نعم الحياة الدنيا عند النبي يوسف – عليه السلام – اشتاق للقاء ربّه فتمنّى الموت وبذلك أصبح هو النبي الذي تمنّى الموت، ” فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ”.[16]
إلى هنا تنتهي رحلتنا في مقالنا من هو النبي الذي تمنى الموت ، وقد عرفنا في هذا المقال أن النبي الذي تمنّى الموت هو النبي يوسف – عليه السلام، ثمّ بينّا لكم حكم تمنّي الموت عند المذاهب الأربعة وأدرجنا لكم ما تيسّر لنا من قصة النبي يوسف – عليه السلام ، فهذا ما تهيّأ جمعه وأعان الله على تقديمه، فنرجو أن تجدوا فيه المتعة والفائدة، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم بالعلم النافع والقلب الخاشع إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
المراجع
- ^ islamweb.net، يوسف عليه الصلاة والسلام.. وتمني الموت، 07/09/2022
- ^ dorar.net، حُكمُ الأنينِ وتمنِّي الموت، 07/09/2022
- ^ سورة مريم، الآية 23
- ^ صحيح البخاري ، أنس بن مالك، البخاري، 5671، صحيح
- ^ صحيح البخاري ، أبو هريرة، البخاري، 5673، صحيح
- ^ darulfatwa.org.au، نبي الله يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام، 07/09/2022
- ^ سورة يوسف ، الآية 24
- ^ سورة يوسف، الآية 7
- ^ سورة يوسف، الآية 4 – 5
- ^ سورة يوسف، الآية 8-10
- ^ سورة يوسف، الآية 15 – 17
- ^ سورة يوسف، الآية 43
- ^ سورة يوسف، الآية 47- 49
- ^ سورة يوسف، الآية 58 - 63
- ^ سورة يوسف، الآية 71- 76
- ^ سورة يوسف، الآية 99-101
التعليقات