عناصر المقال
هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب، فقد أمر الله تعالى بالاستغفار للمسلمين في القرآن الكريم على لسان نبيّه المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن هل يمكن للاستغفار أن يمحو كبائر الذنوب التي يرتكبها الإنسان، أو إنّ الإنسان يحتاج إلى أمر آخر غير الاستغفار كي يغفر الله تعالى له الذنوب الكبائر التي قد ارتكبها في حياته، وفي هذا المقال سوف يكون هنالك وقفة مع بيان الكيفية التي يغفر الله تعالى بها الكبائر هل تكون بالاستغفار أم بشيء آخر.
ما هي كبائر الذنوب
إنّ كبائر الذنوب كما عرّفها العلماء هي كل ما كبر من المعاصي وعظم من الذنوب، وضابطها الذي تُعرَف به هو أنّها كل ذنب ورد فيه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة من عذاب أو غضب أو عقاب أو تهديد أو لعن في كتاب الله تعالى أو في سنة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ذلك الشرك بالله تعالى وقتل النفس التي حرّم الله بغير حق وترك الصلاة والزكاة وقذف المحصنات والتولي يوم الزحف والزنا واكل الربا وأكل مال اليتيم واليمين الغموس ونحوها.[1]
وأعظم الكبائر هي السبع المذكورة في الحديث الصحيح الذي يقول فيه عليه الصلا والسلام: “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ”،[2] ولا تقتصر الكبائر على ما جاء في هذا الحديث، فقد قال بعض العلماء إنّها نحو من سبعين كبيرة، وأوصلها بعض العلماء -مثل ابن حجر الهيتمي- إلى 400 كبيرة وفق الضابط المذكور آنفًا.[1]
شاهد أيضًا: حديث صحيح عن الاستغفار ، أحاديث قدسية عن الاستغفار
هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب
إنّ الاستغفار له فضل عظيم، وله أثر كبير في حياة المسلم، ولكنّ الاستغفار وحده دون أن يكون مصحوبًا بالتوبة لا يمحو كبائر الذنوب، فالاستغفار الذي يمحو الذنوب هو الاستغفار المصحوب بالتوبة التي تستوفي جميع شروطها “من ندم على الذنب، والإقلاع عنه، ومجاهدة النفس لعدم العودة إليه” فهذا الاستغفار الذي يمحو الكبائر.[3]ويوضّح ذلك الإمام ابن حجر العسقلاني فيقول: “فَإِنْ قِيلَ إِنَّ اسْتِغْفَارَهُ رَبَّهُ تَوْبَةٌ مِنْهُ، قُلْنَا: لَيْسَ الِاسْتِغْفَارُ أَكْثَرَ مِنْ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ، وَقَدْ يَطْلُبُهَا الْمُصِرُّ وَالتَّائِبُ، وَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ تَائِبٌ مِمَّا سَأَلَ الْغُفْرَانَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ حَدَّ التَّوْبَةِ الرُّجُوعُ عَنِ الذَّنْبِ، وَالْعَزْمُ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَيْهِ، وَالْإِقْلَاعُ عَنْهُ، وَالِاسْتِغْفَارُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِك”، والله أعلم.[3]
ما هو الاستغفار الذي يمحو الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر
إنّ الله عزّ وجل غفور رحيم وقد قال جلّ في علاه في كتابه الكريم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}،[4] وقد جاء في صحيح الحديث عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “من قال أستغفرُ اللهَ الَّذي لا إلهَ إلَّا هو الحيُّ القيُّومُ وأتوبُ إليه غُفِر له وإن كان فرَّ من الزَّحفِ”.[5]
ولكنّ الذنوب التي تغفر هي الصغائر فقط، أمّا الكبائر فلا تغفر إذ تحتاج إلى توبة صادقة مع الاستغفار، وأيضًا ما يغفر هو الذنوب التي ليس لها علاقة بالعباد وحقوقهم، فالذنوب المتعلقة بالعباد تحتاج لصفح منهم ليغفرها الله عزّ وجل، فالذنوب التي تغفر هي الصغائر فقط والتي تكون من حقوق الله، وما ينبغي معرفته أنّ هذا الفضل لهذه الأذكار يبلغه العبد إذا ما كان متقٍّ لله طائعٌ له، أمّا إرسال هذه الأذكار على اللسان مع الإصرار على الذنوب فلا فائدة منه والله أعلم كما قال أهل العلم.[6]
شاهد أيضًا: كيفية الاستغفار في الأسحار وفضله
ذكر يكفر كبائر الذنوب
ليس هناك ذكر يكفّر كبائر الذنوب، إنّما تكفّر الكبائر بالتوبة الصادقة لله تعالى، فإذا ما تاب الإنسان الذي يرتكب الكبائر غفر الله له كل كبيرة قد ارتكبها، من الشرك بالله إلى ما دون ذلك، فتكفير كبائر الذنوب يحتاج إلى توبة صادقة، وذلك بأن يندم على الماضي، ويقلع عن الذنب، ويجاهد نفسه لئلا يعود إليه، وإن كان الذنب متعلّقًا بالعباد وحقوقهم ينبغي له أن يتحلّل من هذا الذنب لتقبل توبته ويغفر ذنبه، أي أن يعيد الحق لأصحابه وفقًا لشريعة الله.[7]
ما هو التسبيح الذي يغفر الذنوب
لقد جاء عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “مَن قال: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، في يَومٍ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ حُطَّتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ”،[8] ولكن هذه التسبيحات تغفر من الذنوب صغيرها دون كبيرها، لأنّ الكبائر تحتاج إلى توبة، وقد وضّح ذلك قوله عزّ وجل: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا}،[9] فقد اشترط جلّ في علاه المغفرة باجتناب الكبائر، وعليه فهذه التسابيح تغفر الذنوب مالك تكن من الكبائر.[10]
شاهد أيضًا: دعاء التوبه من العاده السریه مكتوب
عمل يمحو جميع الذنوب
إنّ العمل الذي يمحو جميع الذنوب هو التوبة النصوح، وهذه التوبة تكون بالندم على الذنب، والإقلاع عنه، وجهاد النفس على عدم العودة إليه مرة أخرى، وأن يتبع ذلك كلّه بعمل الخير، يغفر الله له ذنوبه ويبدل سيئاته حسنات، فقد قال الله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}.[11]وقال أيضًا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}،[12] والله أعلم.[13]
شاهد أيضًا: متى تظهر نتائج الاستغفار ، أهم فوائد الاستغفار للمسلم
علامات قبول التوبة من الكبائر
لعلّ أبرز علامات قبول التوبة عند الله جلّ في علاه هي أن يسير المرء على الطريق المستقيم، وأن يفعل ما أمره الله ويجتنب ما نهاه عنه، فهنا يكون الدليل على قبول الله تعالى لتوبته، وتوفيقه في اتباع الطريق القويم، فإن كان لا يصلي مثلًا داوم على الصلاة، وإن كان عاقًّا فإنّه يبرّ والديه، وإن كان سيئ المعشر أصبح حسن الخلق، وهكذا تظهر علامات القبول والتوفيق من الله عزّ وجل.[14]
وبهذا يكون قد تم مقال هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب بعد الوقوف على جواب هذه المسألة، وبعد الوقوف على بعض المسائل الأخرى المتعلقة بالتوبة والاستغفار والكبائر ونحو ذلك مما يتصل بموضوع المقال الرئيس.
المراجع
- ^ islamweb.net، الكبائر.. ضابطها.. أنواعها وعددها، 23/03/2023
- ^ صحيح البخاري، أبو هريرة، البخاري، 2766، حديث صحيح.
- ^ islamweb.net، لا يكفي الاستغفار في محو الكبائر بل لا بد لها من توبة، 23/03/2023
- ^ سورة الزمر، الآية: 54
- ^ الترغيب والترهيب، زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، المنذري، 2/385، حديث إسناده جيد متصل.
- ^ islamweb.net، توضيح حول غفران الذنوب بالتسبيح وغيره من الأذكار، 23/03/2023
- ^ binbaz.org.sa، ما هي مكفرات الكبائر؟، 23/03/2023
- ^ صحيح البخاري، أبو هريرة، البخاري، 6405، حديث صحيح.
- ^ سورة النساء، الآية: 31
- ^ binbaz.org.sa، تكفير التسبيح لصغائر الذنوب دون كبيرها، 23/03/2023
- ^ سورة طه، الآية: 82
- ^ سورة الفرقان، الآية: 68 - 71
- ^ binbaz.org.sa، التوبة النصوح يمحو الله بها جميع الذنوب، 23/03/2023
- ^ binbaz.org.sa، علامات قبول التوبة والأعمال الصالحة، 23/03/2023
التعليقات