هل يجوز الاستغفار بدون وضوء

هل يجوز الاستغفار بدون وضوء، فالاستغفار من العبادات التي قد حثّ عليها الشرع في كثير من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وهذه العبادة لها فضل عظيم في محو الذنوب وتكفير السيئات ورفع درجات العبد عند ربّه سبحانه وتعالى، ولكن هل تصح هذه العبادة في حال لم يكن العبد قد توضّأ قبلها، في هذا المقال سوف تكون هنالك وقفة مع بيان الجواب عن هذا السؤال، والوقوف مع بعض المسائل المتفرقة المرتبطة بهذا الموضوع.

هل يجوز الاستغفار بدون وضوء

قال العلماء إنّ الوضوء ليس شرطًا للاستغفار أو التسبيح أو التهليل، فالمرء يستطيع أن يسبح أو يستغفر أو يقرأ من القرآن ما يردده دائمًا دون وضوء، بشرط ألّا يقترب من القرآن ولا يمسّه، وإذا كان جنبًا لا يقرأ القرآن أبدًا سواء كان يقرأ من المصحف أم عن ظهر قلب، فلا يقرأ القرآن البتّة حتّى يغتسل ويرفع الجنابة، والله أعلم.^[1]

شاهد أيضًا: هل تركيب الرموش يمنع الوضوء

هل يجوز الدعاء والاستغفار بدون وضوء

إنّ الدعاء والاستغفار لا يشترط الوضوء فيهما، فيستطيع المرء أن يتوجّه لله عزّ وجل بالاستغفار أو الدعاء في أي وقت شاء، فالإنسان بحاجة إلى الدعاء في كل وقت، وهذا كان من رحمة الله عزّ وجل بعباده، ولكنّ الأقرب للإجابة أن يكون الدعاء على وضوء ولا سيّما أن يكون وقت السجود، وذلك لقول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: “أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ”،^[2] والله أعلم.^[3]

هل يجوز الاستغفار بدون حجاب

قال العلماء إنّه يجوز الاستغفار والذكر على أي حال وبدون أي شروط، وذلك بدليل ما جاء عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي ترويه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ علَى كُلِّ أحْيَانِهِ”،^[4] فالاستغفار ليس له شروط، بل يستطيع المرء في أي وقت وعلى أي وضع كان أن يستغفر ربه ويذكره، إلا في محل قضاء الحاجة، وفي الأماكن المكروهة والأوقات المكروهة وتلك تُراجع في مظانّها، وأمّا دون ذلك فكلّه جائز والله أعلم.^[5]

شاهد أيضًا: هل يجوز قراءة سورة الكهف بعد المغرب يوم الجمعة

هل يجوز الاستغفار بدون صوت

يجوز الاستغفار بصوت أو بدون صوت، وقد جعل العلماء الذكر على ثلاث مراتب، فأعلاها ما يجمع بين القلب واللسان، وهذا يجتمع فيه أكثر من جارحة، والمرتبة الثانية ما يكون في القلب، والمرتبة الثالثة ما يكون في اللسان فقط، وقد قال الإمام النووي إنّ الأفضل هو الجمع في الذكر بين القلب واللسان معًا، فقال:

“الذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعا، فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل، ثم لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفا من أن يظن به الرياء، بل يذكر بهما جميعا ويقصد به وجه الله تعالى، قال الفضيل رحمه الله: إن ترك العمل لأجل الناس رياء، ولو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة لانسد عليه أكثر أبواب الخير، وضيع على نفسه شيئا عظيما من مهمات الدين”.^[6]

شاهد أيضًا: هل يجوز قراءة القران من الجوال بدون وضوء

هل يجوز الصلاة على النبي بدون وضوء

إنّ الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أمرٌ بالغ الأهمية، فقد وردت كثير من الأحاديث التي ترغّب بهذا الأمر، وذلك لما له من فضل عظيم، ومن ذلك ما جاء عن الصحابي الجليل أبي بن كعب -رضي الله عنه- أنّه قال:

“كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا ذهب ثُلُثَا الليلِ قام فقال يا أيُّها الناسُ اذكُروا اللهَ اذكروا اللهَ جاءتِ الراجفةُ تَتْبَعُها الرادِفَةُ جاء الموتُ بما فيه جاء الموتُ بما فيه قال أُبَيٌّ قلْتُ يا رسولَ اللهِ إِنَّي أُكْثِرُ الصلاةَ عليْكَ فكم أجعَلُ لكَ من صلاتِي فقال ما شِئْتَ قال قلتُ الربعَ قال ما شئْتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ قلتُ النصفَ قال ما شئتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ قال قلْتُ فالثلثينِ قال ما شئْتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ قلتُ أجعلُ لكَ صلاتي كلَّها قال : إذًا تُكْفَى همَّكَ ويغفرْ لكَ ذنبُكَ”.^[7]

وهذه الصلاة لا تحتاج إلى وضوء أو طهارة، فيستطيع المرء بأي حالٍ كان أن يصلي على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لهذه الصلاة آداب منها طهارة الفم، فقال الإمام النووي: “وينبغي أيضاً أن يكون فمه نظيفاً، فإن كان فيه تَغَيُّر أزاله بالسِّواك، وإن كان فيه نجاسة أزالها بالغسل بالماء، فإن ذكر ولم يغسلها فهو مكروهٌ، ولا يَحرمُ” ومن آدابها كذلك ستر العورة، وأيضًا استحضار القلب والتدبّر وعدم وجود ما يشوّش المسلم وغير ذلك مما يقطع التدبّر والخشوع.^[8]

هل يجوز الاستغفار بدون تحريك اللسان

إنّ الذكر بدون تحريك لسان أمر مختلف عليه، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}،^[9] فقد رأى بعض العلماء أن الذكر إذا كان في القلب ودون تحريك للسان لا يعتبر، وقد استدلوا بذلك على أن الذكر لا يكون في القلب بل يحتاج إلى تحريك للسان، وذهب بعضهم إلى أنّ الذكر يجوز في القلب، ويجوز في اللسان، ويجوز في الاثنين معًا، وهو الأفضل والأكمل.^[8]

شاهد أيضًا: حكم تاخير اخراج الزكاة عن وقت وجوبها لغير عذر

هل خروج الريح يبطل التسبيح

إنّ التسبيح والذكر لا يحتاج الوضوء، فالطهارة ليست شرطًا لصحّته، وعليه فإنّ خروج الريح لا يبطل التسبيح، ولكن المستحب للمسلم أن يحافظ على وضوئه ويبقى على طهارة، وهذا من آداب الذكر لله تعالى، وقد مرّ آنفًا أقوال العلماء في صحّة الذكر على كلّ حال وفي كلّ وقت كان إلّا أن يكون المسلم في مكان يحرم الذكر فيه كالخلاء ونحوه، ومرّ أيضًا أنّ أفضل وقت للذكر هو حال السجود كون المسلم يكون أقرب إلى الله تعالى.

هل يجوز الاستغفار اذا كنت على جنابه

إنّ الاستغفار والذكر والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله سلم لا يشترط بها الطهارة، فيستطيع المسلم أن يستغفر الله ويسبحه ويصلّي على النبي -عليه وآله الصلاة والسلام- وهو جنب، وذلك لقول الله عزّ وجل عندما وصف أولي الألباب: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.^[10]

ومن ذلك أيضًا قول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: “كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ علَى كُلِّ أحْيَانِهِ”،^[4] وإن كان الأفضل أن يقوم المرء بهذه الأمور وهو على طهارة كاملة وأحسن حال، ولكنّ الطهارة ليست شرطًا للصحة، وهذا متعلّق بالذكر فقط دون القرآن الكريم، وأمّا قراءة القرآن الكريم فإنّها تحتاج إلى طهارة حصرًا ولا تصحّ قراءة القرآن الكريم على جنابة، والله أعلم.^[11]

شاهد أيضًا: حكم الشماته في موت الظالم

هل يجوز الدعاء وانا مستلقي على ظهري

يجوز الدعاء والذكر على أي حال، فيجوز للمسلم أن يتوجّه إلى ربه بالدعاء وهو مضطجع، فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه كان يذكر الله على أي حال، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: “كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ علَى كُلِّ أحْيَانِهِ”.^[4]

وجاء أيضًا عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “إذا اضطجعَ أحدُكُم على جنبِهِ الأيمنِ ثمَّ قالَ اللَّهمَّ أسلَمتُ نفسي إليكَ ، ووجَّهتُ وجهي إليكَ ، وألجأتُ ظَهْري إليكَ ، وفوَّضتُ أمري إليكَ ، لا مَنجا منكَ ولا مَلجأَ إلَّا إليكَ ، أومنُ بِكِتابِكَ وبرسولِكَ ، فإن ماتَ مِن ليلتِهِ دخلَ الجنَّةَ”،^[12] فورود ذلك عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وفعله له -عليه وآله الصلاة والسلام- دليل صريح على جواز الدعاء والإنسان مستلقٍ على ظهره.^[13]

شاهد أيضًا: حكم قراءة القران بدون حجاب

هل يجوز الاستغفار من الجوال

إنّ البرامج التي ظهرت في الأوقات الأخيرة على أجهزة الموبايل والتي تحمل التسبيحات وأعدادها يجوز الاستعانة بها؛ إذ هي وسيلة لتذكر التسبيحات وتذكر أعدادها، كما أنها قد تعمل عوضًا عن المسبحة ليحصي المرء تسبيحاته، ويمكن الاستعانة بها كذلك لقراءة صيغ الاستغفار ونحو ذلك من الأذكار التي تهم المسلم، فالأمر جائز في كل ذلك ولا حرج فيه بإذن الله تعالى، والله أعلم.^[14]

وبهذا يكون قد تم مقال هل يجوز الاستغفار بدون وضوء بعد الوقوف على إجابة هذا السؤال، وبعد الوقوف على بعض المسائل الأخرى المتعلقة بالذكر على غير وضوء وغير ذلك مما يتعلق به.