هل يجوز سجود التلاوة بدون وضوء وحجاب

هل يجوز سجود التلاوة بدون وضوء وحجاب، يتحرى المؤمن كل ما من شأنه أن يزيد قربه من مولاه ولا يخفى أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد لذلك شرع الله السجود في أماكن محددة من كتابه العظيم يذكر فيها السجود لله والافتقار له والتذلل لعبادته وذم من يستكبر عن السجود لعظمته سبحانه، ولهذه السجدة ثوابها العظيم عند الله تعالى ففي كل سجدة يرتفع العبد درجة في دنياه وآخرته، وولكن هل لهذه السجدة شروط كشروط الصلاة أم لا؟ هذا ما سيوضحه لكم موقع تصفح إن شاء الله.

ما هو سجود التلاوة

سجود التلاوة هو السجود الذي يقوم به المسلم عند قراءته لآيات و مواضع السجدة في القرآن الكريم التي تتلخص في خمس عشرة آية في كامل القرآن الكريم، ويتم ذلك سواء كان في صلاته أو يتلو القرآن من غير صلاة، فإن كان في الصلاة سجد ثم عاد للقيام وإكمال تلاوته أو إن شاء ركع مباشرة من غير إكمال في التلاوة، أما إن كانت أثناء التلاوة من غير صلاة فيسجد المسلم عندها سجدة واحة ثم يعاود تلاوته، ولا يخفى أن سجود التلاوة سمي بهذا الاسم لأنه سجود خاص بتلاوة القرآن الكريم يقوم المسلم بفعله عند الوصول إلى موضع السجود أثناء تلاوة القرآن أو استماعه في الصلاة أو خارجها اقتداء بسنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع العلماء على جواز سجود التلاوة واستدلوا في ذلك بما روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- حيث قال: “كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ، فِيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ ونَسْجُدُ، حتَّى ما يَجِدُ أحَدُنَا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ.” ^[1] ، والله تعالى أعلم. ^[2]

شاهد أيضًا: ما حكم قول رب اغفر لي بين السجدتين وهل يجوز الدعاء عندها

هل يجوز سجود التلاوة بدون وضوء

اختلف الفقهاء في حكم سجود التلاوة من غير وضوء وذهب أكثرهم إلى عدم جواز ذلك لأن سجود التلاوة له حكم صلاة النافلة من طهارة وله شروطها أيضًا من طهارة من حدث وخبث وستر للعورة واستقبال للقبلة لأنها صلاة، وذهب البعض إلى جواز سجود الطهارة من غير وضوء مثل سجود الشكر الذي لا تلزم فيه الطهارة لعدم وجود الدليل، وبالتالي لو قرأ المسلم آية سجدة أو سمعها يسجد ولو لم يكن طاهرًأ فإذا سجد القارئ يسجد معه ولو كان على غير طهارة، كما كان يفعل الناس حينما كان يقرأ النبي القرآن فيمر على سجدة تلاوة فيسجد ويسجد معه الناس ولم يقل لهم ألا يسجد منهم إلا طاهر رغم أنه قد يحوي المجلس على ذلك، ولو كانت الطهارة لزامًا لبينها النبي -صلى الله عليه وسلم- لحرصه الشديد على إيصال الحق للناس، وقد كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يسجد وهو على غير طهارة كما اختار هذه القول ابن تيمية وهو الأصح على الاغلب لعدم وجود الدليل بعدم الجواز فسجدة التلاوة ليست صلاة كاملة وإنما جزء من صلاة. ^[3]

هل يجوز سجود التلاوة بدون حجاب

في ذلك اختلاف كبير بين أهل العلم ولا شك أن الأحوط والأفضل والأورع أن يراعى في سجود التلاوة ما يراعى في الصلاة، وترك غير ذلك للحاجة الملحة فقط، وذلك لقوة الخلاف، فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن سجود التلاوة يشترط له ما يشترط لصلاة النافلة من طهارة من الحدث والنجس وستر العورة واستقبال القبلة والنية، وقد أجمع أهل العلم أن على المرأة البالغة الحرة أن تخمر رأسها إذا أرادت الصلاة وإن صلت من غير حجاب فصلاتها فاسدة، وبالتالي فإن المرأة عند من جعلوا حكم سجود التلاوة كحكم الصلاة عليها أن تتحجب وإلا صلاتها وسجود تلاوتها فاسد عندهم، وهذا مما جاء به ابن قدامة وقال أنه لم يعلموا خلافًا لذلك إلا ما رُوي عن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه في الحائض تسمع السجدة فتومئ برأسها وتقول: اللهم لك سجدت، بينما ذهب بعض أهل العلم إلى أن سجود التلاوة ليس صلاة ولا يشترط له ما يشترط لها من وضوء وستر عورة واستقبال قبلة حيث جعلوه بحكم سجود الشكر لا يمنع من السجود وإن لم يكن على طهارة وإن لم تكن من المرأة بحجاب لأنه ليس من جنس الصلاة وإنما جزء منها فهو ذل واستكانة لله ولها حكم الذكر والتسبيح والتهليل وقراءة القرآن وهذا ما ذهب إليه ابن بار وابن تيمية وابن عثيمين وعبد الله بن عمر وقول لعثمان بن عفان كما أسلفنا وهو القول الأصح ولكن الأحوط أن يؤخذ بالقول الأول. ^[4]

شاهد أيضًا: هل يجوز سجود الشكر للحائض

هل يجوز سجود التلاوة للحائض والنفساء

هناك اختلاف كبير بين الفقهاء في حكم سجود التلاوة للحائض والنفساء كما هناك خلاف في حكم تلاوة القرآن للحائض والنفساء فإن افترضنا أننا أخذنا بقول العلماء بعدم جواز قراءة القرآن للحائض والنفساء فبديهيًا لن يكون هناك سجود تلاوة على الوجه الأكمل وإن سمعت تلك التلاوة من قارئ فإنها تومئ برأسها ساجدة عند ورود سجدة تلاوة وهذا مما رُوي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عند سماعها لسجدة التلاوة تومئ برأسها ^[4]، بينما من أجاز للحائض والنفساء تلاوة القرآن الكريم بحكم أن تلك الفترة تطول وحتى لا تُحرم من القرآن حفظًا ومراجعة وحتى وإن قرأته عن ظهر قلب أو بوجود حائل فلا تلمس المصحف فإن مرت بسجدة تلاوة فإما أن تسجد وإما فلا وهذا لاختلاف الآراء في ذلك فإن أكثر أهل العلم جعلوا سجود التلاوة بحكم صلاة النافلة ويشترط لها الطهارة وستر والعورة واستقبال القبلة وهو الوجه الأسلم، وذهب بعضهم إلى أن سجود التلاوة كسجود الشكر إنما هو ذل بين يدي الله واستعانة به وإقرار بالعبودية له سبحانه وبالتالي له حكم الذكر والتهليل والتكبير وقراءة القرآن وهو جزء من الصلاة وليس صلاة كاملة ^[5]، والله تعالى أعلم. ^[6]

هل يشترط استقبال القبلة في سجود التلاوة

هناك اختلاف شاسع بين الفقهاء في حكم استقبال القبلة في سجود التلاوة فذهب الأكثرية إلى وجوب ذلك لكونها شرط من شروط صحة الصلاة وذلك لأنهم جعلوا سجود التلاوة كصلاة النفل يجب أن يتحرى فيها الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة، بينما أفتى البعض بعدم ضرورة استقبال القبلة وإن كان استقبالها هو الأولى فإن لم تستطع فبإمكانك عدم استقبالها وسبب ذلك هو أن سجود التلاوة هو جزء من الصلاة وليس صلاة كاملة وبالتالي لا يأخذ أحكامها وشروطها ولكون سجود التلاوة كسجود الشكر إنما هو إذعان بالعبودية لرب الأكوان وافتقارًا وذلًا بين يديه وإنما هو من الذكر والدعاء وقراءة القرآن وليس من الصلاة في شيء. والله ورسوله أعلم. ^[4]

شاهد أيضًا: هل يجوز صلاة المرأة بالبنطلون وما حكم الصلاة فيه للرجال

حكم سجود التلاوة

أجمع جمهور الفقهاء من المذاهب الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أن حكم سجود التلاوة سنة مؤكدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- للقارئ والمستمع واستدلوا بذلك بما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا قَرَأَ ابنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطانُ يَبْكِي، يقولُ: يا ويْلَهُ، وفي رِوايَةِ أبِي كُرَيْبٍ: يا ويْلِي، أُمِرَ ابنُ آدَمَ بالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الجَنَّةُ، وأُمِرْتُ بالسُّجُودِ فأبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ. وفي رواية: فَعَصَيْتُ فَلِيَ النَّارُ.” ^[7] ، وكما استدلوا بما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما كان يخطب بالناس فقرأ آية سجدة في سورة النحل فنزل عن منبره وسجد ثم قرأها في الجمعة التالية فلم يسجد وقال للناس: “إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء”، وذلك لما ورد عن زيد بن ثابت حينما قرأ آية السجدة في سورة النجم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد ولو كان واجبًا لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود ^[8]، بينما ذهب الحنفية إلى وجوب السجود عند تلاوة آية سجدة أو سماعها لوجود الأمر بالسجود في بعض آيات السجود ولوجود الذم في بعض هذه الآيات بمن لم يسجد فكلاهما يقتضي وجوب السجود كقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْءَانُ لَا يَسْجُدُونَ ۩} ^[] ، والله ورسوله أعلم. ^[]

دعاء سجود التلاوة

يقال في سجود التلاوة ما يقال في سجود الصلاة من تسبيح ودعاء، كأن يقال سبحان ربي الأعلى مرة وهي الواجبة أو ثلاث أو خمس وهي الأكمل، وقد ورد في السنة النبوية أحاديث مأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقولها في سجود التلاوة، ومن هذه الأدعية: ^[11]

• كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ في سُجودِ القُرآنِ باللَّيلِ: “سَجَد وَجهي لِلَّذي خَلَقَه، وشَقَّ سَمْعَه وبَصَره بحَولِه وقُوَّتِه، فتَبارَكَ اللهُ أحسَنُ الخالِقين.” ^[12]
• جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يرو له منامًا رآه في دعاء دعته الشجرة ودعاه بعدها فأقر النبي ذلك الدعاء وبات يدعوه في سجود التلاوة وهذا الدعاء يقول: “اللهم اكتُبْ لي بها عندك أجرًا واجعلْها لي عندك ذُخرًا ، وضَعْ عني بها وِزرًا ، وتقبَّلْها مني كما تقبَّلتَها من عبدِك داودَ” ^[13]

شاهد أيضًا: ثواب صلاة التسابيح للشعراوي وما هي فضائل صلاة التسابيح

مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم

هناك العديد من مواضع سجود التلاوة الواردة في القرآن الكريم، والتي يبلغ عددها خمسة عشر موضعاً كما روي عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، نذكرها فيما يأتي: ^[14]

• قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }.^[15]
• قال تعالى: { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ }. ^[16]
• قال تعالى: { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ }. ^[17]
• قال تعالى: { وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا }. ^[18]
• قال تعالى: { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا }. ^[19]
• قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }. ^[20]
• قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }. ^[21]
• قال تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا }. ^[22]
• قال تعالى: { أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ }. ^[23]
• قال تعالى: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ }. ^[24]
• قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }. ^[25]
• قال تعالى: { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ* وَأَنتُمْ سَامِدُونَ* فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا }. ^[26]
• قال تعالى: { وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ }. ^[27]
• قال تعالى: { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ }. ^[28]
• قال تعالى: { كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب }. ^[29]

وبذلك نصل معكم زوارنا الكرام إلى ختام هذا المقال النافع بإذن الله تعالى هل يجوز سجود التلاوة بدون وضوء وحجاب، تناولنا فيه إجابة كافية عن هذا الموضوع وغيره من المواضيع المتعلقة به وعرفنا سجود التلاوة حكمه ودعاءه المأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ومواضع سجود التلاوة وعرّجنا على حكم سجود التلاوة للحائض والنفساء و إن كان يشترط لهذا السجود استقبال القبلة أم لا، نسأل الله القبول والسداد وأن يزيدكم في كل سجدة قربًا ويرفعكم مع كل سجدة درجة إنه ولي ذلك والقادر عليه.