عناصر المقال
هل يجوز صلاة الاستخارة بعد الوتر هو ما سيتناوله موضوع هذا المقال، حيث تعدّ صلاة الاستخارة من الصلوات التي يحرص جميع المسلمين على تعلمها وأدائها في كلّ وقتٍ وحين، لاختيار المولى عز وجلّ لهم الخير بين أمرين قد احتاروا فيهما، ولكن قد يحتار المسلم في الوقت اللازم لصلاة الاستخارة فيما إذا كان قبل الوتر أو بعده أو في ساعات النهار، وعبر هذا المقال ستتم الإجابة على التساؤل هل يجوز صلاة الاستخارة بعد الوتر وقبله.
صلاة الاستخارة
قبل بيان هل يجوز صلاة الاستخارة بعد الوتر لا بدّ من الحديث قليلًا عن صلاة الاستخارة ومشروعيتها في الدين الإسلامي الحنيف، فالاستخارة في اللغة هي أن يطلب المرء الخيرة في الشيء، وفي الشرع هو طلب صرف الهمة لما يختاره المولى بالصلاة والدعاء، كما أنّ صلاة الاستخارة من السنن المستحبة، فقد روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- في الصحيح من الحديث، قال:[1]
“كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا، كما يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يقولُ: إذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بالأمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِن غيرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي – أوْ قالَ عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ – فَاقْدُرْهُ لي ويَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي – أوْ قالَ في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أرْضِنِي قالَ: «وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ»”.[2]
هل يجوز صلاة الاستخارة بعد الوتر
بيّنت دار الإفتاء في الأردن إجابة سؤال هل يجوز صلاة الاستخارة بعد الوتر بأنّه أمر مباح ومقبول في الشريعة الإسلامية قبل الوتر وبعده، وقد أرجع أهل العلم ذلك إلى أنّ صلاة الاستخارة مقبولة وجائزة في كلّ وقتٍ وحين، وتحرم فقط في الأوقات التي نهى فيها الإسلام عن صلاة النافلة فيها، كصلاة بعد العصر وعند طلوع الشمس، وعند اصفرار الشمس حتّى غروبه، ووقت خطبة الجمعة وعند الإقامة لصلاة الفريضة.[3]
كما بيّن الإمام ابن باز -رحمه الله- أنّه لا بأس بأداء أي صلاة نافلة أو فريضة بعد صلاة الوتر، وقد قال في ذلك رحمه الله:[4]
نعم لا بأس بالصلاة بعد الوتر، إذا أوتر الإنسان في أول الليل، أو في وسط الليل، ثم يسر الله له القيام في آخر الليل؛ فإنه يشرع له أن يصلي ما قسم الله له، كركعتين أو أكثر من ذلك، ويكفيه الوتر الأول، لا حاجة إلى وتر ثاني، يقول النبي ﷺ: لا وتران في ليلة فإذا استيقظ المؤمن أو المؤمنة في آخر الليل وقد أوتر في أول الليل؛ فإنه يشرع له أن يصلي ما كتب الله له، ولا يعيد الوتر الأول، فإذا صلى ركعتين أو أربع أو أكثر، كل هذا طيب ولا بأس به، لكن يكون مثنى مثنى؛ لقول النبي ﷺ: صلاة الليل مثنى مثنى يعني: ثنتين ثنتين.
وقد ثبت عنه ﷺ: أنه صلى ركعتين بعدما أوتر في آخر الليل؛ ليعلم الناس أن الصلاة بعد الوتر جائزة، وإنما الأفضل أن يكون الوتر آخر الشيء، كما قال ﷺ: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا فالأفضل أن يكون الوتر هو آخر شيء، لكن إذا صار هناك سعة، وصلى بعد الوتر ركعتين أو أكثر؛ فلا حرج في ذلك، والحمد لله، نعم.
هل تجوز صلاة الاستخارة بعد قيام الليل
كذلك الخوض في بيان هل يجوز صلاة الاستخارة بعد الوتر يدفع البعض إلى التساؤل حول صلاة الاستخارة وحكمها بعد قيام الليل، فقد ذكر أهل العلم والفقهاء أنّ صلاة الاستخارة جائزة في كلّ وقتٍ وحين لأنّ الدين الإسلامي لم يربطها بوقتٍ معيّن، وعلى المسلم فقط أن يجتنب صلاتها في الأوقات المكروهة بها صلاة النوافل، كما تعدّ صلاتها في الثلث الأخير من الأمور الحسنة لما في هذا الوقت من البركة والفضل، ويسنّ أن تكون قبل صلاة الوتر، لأنّ السنّة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن تكون صلاة الوتر هي آخر صلاة الليل، والله ورسوله أعلم.[5]
متى لا تقبل صلاة الاستخارة
تقبل صلاة الاستخارة من المسلمين في كلّ وقتٍ وحين فيما عدا الأوقات التي نهى فيها الدين الإسلامي عن أداء صلاة النوافل، فقد ثبت في الأثر النهي عن صلاة النافلة في العديد من الأوقات، منها ما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة والتي سيتمّ ذكرها فيما يأتي:[6]
- الحديث الأول: والذي نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس، ووقت استوائها في كبد السماء قبل الزوال، وعند ميلانها وقربها من الغروب، وفي ذلك روى عقبة بن عامر -رضي الله عنه- في الصحيح من الحديث، قال: “ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حتَّى تَغْرُبَ”. [7]
- الحديث الثاني: والذي نهى عن صلاة النافلة بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس، وبعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس، وفي ذلك روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس”.[8]
هل يجوز صلاة الاستخارة بعد الفجر
كما أسلف المقال الإجابة على سؤال هل يجوز صلاة الاستخارة بعد الوتر سيتمّ بيان حكمها ومشروعيتها بعد الفجر، فقد نهى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن صلاة النوافل بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وتعدّ صلاة الاستخارة من صلاة السنن والنوافل، لذا الأولى على المسلم أن يترك صلاتها في هذا الوقت، والله ورسوله أعلم.
دعاء الاستخارة
أمّا عن دعاء الاستخارة فهو الدعاء الوارد في الحديث الشريف: “اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي – أوْ قالَ عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ – فَاقْدُرْهُ لي ويَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي – أوْ قالَ في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أرْضِنِي قالَ: «وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ»”.[2]
هل يجوز صلاة الاستخارة بعد الفرض
ذهب الفقهاء من أهل العلم إلى جواز صلاة الاستخارة بعد الفرائض وفي جميع الأوقات عدا الأوقات المكروهة والتي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها، مثل بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر، فبعد هاتين الفريضتين لا تجوز صلاة الاستخارة ولا غيرها، ولكن في بقية الفرائض يجوز للمسلم أن يصلي صلاة الاستخارة، وقد أشار الفقهاء إلى ذلك بقول: “ولا نعلم ما يمنعك من صلاة الاستخارة في الليل، بعد المغرب، أو قبل العشاء أو بعدها أو في أي جزء من الليل! وعلى أية حال، فإن صلاة الاستخارة لا تشرع في أوقات النهي، فقد صرح أهل العلم بكونها بعد العصر أو الفجر مكروهة، جاء في المجموع للنووي: ولو توضأ في هذه الأوقات فله أن يصلي ركعتي الوضوء، صرح به جماعة من أصحابنا منهم الرافعي، ويكره فيها صلاة الاستخارة، صرح به البغوي وغيره”.[9]
مقالات قد تهمك
هل يجوز صلاة الاستخارة بعد الوتر مقالٌ فيه تمّ التعريف بماهية الاستخارة وصلاتها، وذكر المقال المشروعية والحكمة من صلاة الاستخارة بأنّ المولى عزّ وجل يختار للمسلمين الخير بين أمرين قد حاروا بينهما، ليختم المقال بذكر الدعاء المسنون في هذه الصلاة.
المراجع
- ^ islamqa.info، صلاة الاستخارة، 26/11/2024
- ^ صحيح البخاري، جابر بن عبد الله، البخاري، 1162، صحيح
- ^ aliftaa.jo، هل تجوز صلاة الاستخارة بعد الوتر؟، 26/11/2024
- ^ binbaz.org.sa، حكم صلاة شيء بعد صلاة الوتر، 26/11/2024
- ^ islamweb.net، تصلى الاستخارة في كل وقت إلا وقت نهي عن الصلاة فيه، 26/11/2024
- ^ islamweb.net، أوقات الكراهة وحكم صلاة النافلة فيها، 26/11/2024
- ^ صحيح مسلم، عقبة بن عامر، مسلم، 831، صحيح
- ^ صحيح مسلم، أبو سعيد الخدري، مسلم، 827، صحيح
- ^ islamweb.net، صلاة الاستخارة في أوقات النهي مكروهة، 26/11/2024
التعليقات