عناصر المقال
حكم التهنئة بالكريسماس وهو ما سيتم بيانه في سطور وفقرات هذا المقال، فهو من الأسئلة الشرعيَّة المهمة التي ينبغي على المسلم معرفتها، حتّى لا يقع فيما حظره الإسلام وما لم يبحه الشّرع، ومع اقتراب عيد الكريسماس للنصارى يشارك بعض المسلمين معهم ويهنئونهم في العيد دون معرفة حكم ذلك في الشريعة الإسلامية، وسوف يتم إدراج لمحة عن يوم الكريسماس، وسوف يتم إدراج حكم تهنئة المسيحيين بالكريسماس، وهل يجوز التهنئة بالكريسماس ورأس السنة، إضافة إلى معرفة الدليل على تحريم تهنئة الكفار باعيادهم، والدليل على جواز الاحتفال بالكريسماس وسوف يتم التفصيل في الاحتفال بأعياد الكفار وحكم تهنئتهم بها وما إلى هنالك.
معلومات عن عيد الكريسماس
يعتبر الكريسماس من أهمِّ الاحتفالات عند أتباع الديانة المسيحية في جميع أنحاء العالم، حيثُ يدلُّ هذا اللفظ على عيد ميلاد يسوع وهو السيد المسيح -عليه السلام- وذلك حسب اعتقادهم، فهو يأتي في تاريخ الخامس والعشرين من شهر ديسمبر / كانون الأول من كل عام وذلك حسب أكثر مذاهب الديانة المسيحية، بالرغم من أن ليس هناك تاريخ مُحدد لميلاد المسيح في الكتاب المُقدس، ولكن قام آباء الكنسية بتحديد هذا الموعد منذ عام 325م، ومن الجدير بالذّكر أن الكنائس التي تتبع التقويم اليولياني تحتفل في الكريسماس في السابع من يناير من كل عام ميلادي.[1]
حكم التهنئة بالكريسماس
اتفق أهل العلم على أنّ التَّهنئة بالكريسماس حرام قطعًا؛ لأنَّ فيه دعمًا وتأكيدًا لمعتقدات النصارى، وموافقة على ما يؤمنون به، ولا بدّ من الحذر لأن اعتقادهم فيه كفرٌ والعياذ بالله، حيثُ يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره، لأن الله -سبحانه وتعالى- لا يرضى بذلك [2]، فقد قال الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في تعقيبه على تلك المسألة: “وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول : عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب ، بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه”، ومن الجدير بالإشارة إلى أن هناك بعضًا من الناس قد يتساهلون في هذه الأمور من خلال تهنئة النصارى مجاملة دون قصد مشاركتهم، ولكن المجاملة على الباطل لا تجوز، والواجب إنكار المنكر والسعي في تغييره.[3]
حكم تهنئة النصارى باعيادهم المذاهب الأربعة
اتفق فُقهاء المذاهب الأربعة على حرمة مشاركة المسيحيين بأعيادهم وتهنئتهم، فقد نقل الإمام ابن القيّم -رحمه الله- الاتّفاق على ذلك، وفيما يأتي سيتم بيان آرائهم وهي كالآتي:[4]
- الحنفيَّة: ذهبوا إلى تحريم تهنئة غير المسلمين في أعيادهم، لما ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من تشبّه بقوم فهو منهم”[5].
- المالكيَّة: حيث قال ابن القاسم -رحمه الله- في ذلك: “لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحة عيدهم؛ لا لحماً، ولا إداماً، ولا ثوباً، ولا يعارون دابة، ولا يعانون على شيء من دينهم…”، ثم قال: “وهو قول مالك وغيره لم أعلم أحدا اختلف في ذلك”.
- الشّافعيَّة: فقد أوضحوا بمعاقبة من يُهنِّئ غير المسلمين بأعيادهم بالتعزير، حيثُ قال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي -رحمه الله تعالى- في باب الردة:من أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم بالتشبه بأكلهم والهدية لهم وقبول هديتهم فيه…”
- الحنابلة: قالوا بحرمة تهنئتهم في أعيادهم؛ لأنَّ ذلك يعتبر تعظيمًا لهم كالسّلام، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله -تعالى- وسخطه.
حكم تهنئة المسيحيين عند العلماء المعاصرين
اختلف العلماء المعاصرون المتمثلون بدائرة الإفتاء الأردنية والإماراتية والمصرية، وكل من الشيخ القرضاوي والشيخ ابن باز والشيخ ابن عيثميين في حكم تهنئة المسيحيين، فقد انقسموا بين مبيحين ومانعين على النحو الآتي:
- المبيحون لتهنئة المسيحيين: وهم دائرة الإفتاء الأردنية والمصرية والإماراتية والقرضاوي وغيرهم، فقد احتجوا على أنّ الشريعة الإسلاميَّة دعت المُسلمين إلى مُعاملة غيرهم بالعدل والإحسان، بشرط أن يكونوا مُسالمين غير مُقاتلين، ومن صور الإحسان للغير التهنئة فهي من إظهار سماحة الإسلام وتقبّله للآخر ولا تعني الموافقة في العقائد، لدليل قوله تعالى: “لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَم يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”[6].
- المانعون لتهنئة المسيحيين: وهم الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين -رحمهم الله- وغيرهم، فقد أوضحوا أنّه لا يجوز تهنئة المسيحيين في أعيادهم بأيّ طريقة كانت، ففي أعيادهم شعائر لا ترضي الله -تعالى- ولا ترضي رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ففي ذلك مشاركة لهم وتهنئتهم بعقائد وطقوس دينية محرّمة، وهو من باب التّشبّه بهم وهذا لا يجوز، حيثُ ينبغي على المسلم أن يبتعد عن هذا الأمر حرصًا منه على دينه، والله أعلم.[7]
حكم الاحتفال بالكريسماس
اتفق العلماء والمشايخ على أنّ الاحتفال بالكريسماس هو أمر غير جائز، ومحرّم على جميع المُسلمين؛ لأن هذا الاحتفال يُعدُّ موافقة من المسلمين على ما يعتقد به المسيحيين من أنَّ عيسى -عليه السلام- هو ابن الرب أو الرب، وقد دلَّ على تحريم الاحتفال بتلك الأعياد قول الله -تعالى- في كتابه العزيز: “وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا”[8]، حيثُ فسَّر مجاهد والضحاك أنَّ المقصود بالزُّور أعياد المشركين، كما ذهب ابن سيرين -رحمه الله- إلى أنَّه يقصد بالزور عيد الشَّعانين وهو أحد الأعياد الدينية عند المسيحيِّين، وذلك دليل على أنَّ الله -تعالى- أمر بعدم الاستماع إلى تلك الأعياد أو حضورها وبالتالي يحرم الاحتفال بها.[9]
حكم تهنئة الكفار بأعيادهم
بيَّن الشَّرع الإسلاميّ الحنيف أنّه لا يجوز تهنئة الكفار بأعيادهم وهو حرام بالاتفاق [10]؛ لأنَّ فيها إقرارًا لمعتقداتهم الباطلة التي يقيمون فيها تلك الأعياد، فهي من الأمور التي لا يرضاها الله -تعالى- لأنها إما تكون مبتدعة في دينهم، أو مشروعة لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمدًا -صلى الله عليه وسلم- إلى جميع الخلق، فقد قال الله -تعالى- في محكم تنزيله: “إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم“[11]، ومن الجدير بالقول أنَّه يُحرم على المسلمين التّشبه بالكفار من خلال إقامة الحفلات أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى ونحوه، لما ورد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من تشبّه بقوم فهو منهم”[5].
الدليل على تحريم تهنئة الكفار باعيادهم
- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: “قدِمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ ولَهم يومانِ يلعَبونَ فيهما فقالَ ما هذانِ اليومانِ قالوا كُنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليَّةِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إنَ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهِما خيرًا مِنهما يومَ الأضحى ويومَ الفطرِ”[12].
- عن عطاء بن دينار أنّه قال: “قال عمرُ: لا تَعلَّموا رطانةَ الأعاجمِ، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسِهم يومَ عيدِهم فإنَّ السَّخْطةَ تنزِلُ عليهم”[13].
- قال تعالى: “وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا”[8].
- قال تعالى: “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”[14].
حكم تهنئة النصارى باعيادهم الأزهر الشريف
ذهب علماء الأزهر الشريف إلى جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم وجواز الاحتفال بعيد الكريسماس لأنه عيد ميلاد السيح المسيح عليه السلام، والمسلمون كما ورد في كتاب الله تعالى لا يفرقون بين أنبياء الله تعالى، فقد قال تعالى: “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ”،[15] ويفرحون لمثل هذه المناسبات لأنه ولادة نبي من أنبياء الله تعالى، كما يفرحون بيوم عاشوراء ويصومونه لأن الله تعالى نجى فيه نبيه موسى عليه الصلاة والسلام، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أولى بموسى من اليهود، قال أيضًا أنه أولى بعيسى عليه السلام، فقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في الحديث الشريف: “أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ”، ولذلك ذهب الفقهاء من علماء الأزهر الشريف إلى جواز الاحتفال بالكريسماس وأنه لا حرج فيه، ويقول مفتي مصر السابق الشيخ علي جمعة في ذلك: “إن شراء شجرة الكريسماس جائز، كون صناعة شجرة الكريسماس وتداولها هو نوع من الثقافة التى تؤخذ بالعرف، كما أن الاحتفال بمولد المسيح عيسى -عليه السلام- مشروع، خاصة أن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يفرح بالأنبياء -عليهم السلام-“، ومما ورد على موقع دار الإفتاء المصرية:[13]
“الاحتفال ببداية السنة الميلادية المؤرخ بيوم ميلاد سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام بما يتضمنه من مظاهر الاحتفال والفرح جائزٌ شرعًا، ولا حرمة فيه؛ فهو من جملة التذكير بأيام الله، وصار مناسبة اجتماعية ومشاركة وطنية، وما دامَ أنَّ ذلك لا يُلزِم المسلمين بطقوسٍ دينيةٍ أو ممارسات تخالف عقائد الإسلام أو يشتمل على شيء محرم فليس هناك ما يمنعه من جهة الشرع”.
مقالات قد تهمك
إلى هنا أعزّاءنا القرّاء نصل وإيّاكم إلى نهاية هذا المقال الذي قدمناه لكم بعنوان حكم التهنئة بالكريسماس، فقد عرفنا في هذا المقال بعضًا من المعلومات حول الكريسماس، وقد أدرجنا لكم الإجابة الصحيحة حول السُّؤال المطروح، ثمّ تعرفنا على حكم تهنئة الكفار بأعيادهم، وعرفنا حكم تهنئة النصارى باعيادهم المذاهب الأربعة كما عرفنا حكم تهنئة النصارى باعيادهم المذاهب الأربعة إسلام ويب والدليل على تحريم تهنئة الكفار باعيادهم وما إلى هنالك.
المراجع
- ^ saaid.ne، هل تعرف معنى كلمة (كريسماس) و(بابا نويل) ؟!، 23/10/2024
- ^ ar.islamway.net، التهنئة بعيد الكريسماس ، 23/10/2024
- ^ islamqa.info، تهنئة النصارى في أعيادهم، 23/10/2024
- ^ saaid.net، ماذا قال ساداتنا العلماء عن تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم ؟، 23/10/2024
- ^ صحيح أبي داود، عبدالله بن عمر، الألباني، 4031 ، حسن صحيح.
- ^ سورة الممتحنة، الآية 8
- ^ binbaz.org.sa، حكم تهنئة الكفار بأعيادهم، 23/10/2024
- ^ سورة الفرقان ، الآية 72
- ^ islamweb.net، حكم الاحتفال بعيد أول السنة الميلادية الكريسمس، 23/10/2024
- ^ islamqa.info، حكم تهنئة الكفار بأعيادهم، 23/10/2024
- ^ سورة الزمر، الآية 7
- ^ اقتضاء الصراط المستقيم، أنس بن مالك، ابن تيمية، 485/ 1، إسناده على شرط مسلم.
- ^ مسند الفاروق ، عطاء بن دينار، ابن كثير، 2/494، إسناده صحيح.
- ^ سورة المائدة ، الآية 3
- ^ سورة البقرة، الآية 285
- ^ dar-alifta.org، حكم الاحتفال ببداية السنة الميلادية، 23/10/2024
التعليقات