حكم الدعاء في الصلاة بأمور الدنيا والآخرة

حكم الدعاء في الصلاة بأمور الدنيا والآخرة
حكم الدعاء في الصلاة بأمور الدنيا والآخرة

حكم الدعاء في الصلاة بأمور الدنيا والآخرة ، وهو يعتبر من الأحكام الفقهية المهمة لكل مسلم، فالصلاة هي أحد أركان الإسلام الخمسة، وتم ثبوت فرضيتها خلال ليلة الإسراء والمعراج، فإذا صلحت صلاة العبد صلحت الدّنيا بعده، وإن فسدت فقد فسدت أمور العبدِ بعده، وتعتبر الصلاة بأنها عبارة عن مجموعة من الخطوات التي يؤديها المسلم في أوقات محددة من اليوم، ومن خلال هذا المقال سيتم بيان مفهوم الدعاء وأهميته للمسلم، ومعرفة الحكم الصحيح للدعاء في الصلاة بأمور الدنيا والآخرة.

الدعاء

إن الدعاء في اللغة هو الطلب، بينما في الشرع هو توجه العبد إلى الله -عز وجل- وطلب ما يحتاجه لتيسير دينه ودنياه، ويعتبر الدعاء من العبادات العظيمة التي يتقرب بها المسلم من ربه، فيستشعرُ به، ويناجيهِ، ويسأله الاستجابة، والإكثار من الدعاء في كل وقت من الأمور التي أرشد إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأن الدعاءُ أساس العبادة ويقينها، وهو من أهم العوامل التي تساعد على رفع البلاء، وكذلك التخلص من الذنوب[1]، ويجدر بالذّكر أنه لا يوجد هناك وسيلة للعباد لكي يتوصلوا إلى مطالبهم غير سؤال خالقهم ومدبر حالهم، حيث قال تعالى في كتابه الكريم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[2].

حكم الدعاء في الصلاة بأمور الدنيا والآخرة

إنّ حكم الدعاء في الصلاة بأمور الدنيا والآخرة هو أمر جائز شرعًا، ولا حرج في ذلك على الإطلاق، فقد ذهب أهل العلم إلى أنّ الإنسان يستطيع أن يدعو لنفسه أو لغيره سواء كان متعلقا بأمور الدنيا والآخرة في الصلاة[3]، واستندوا في ذلك إلى ما جاء في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- لما ذكر التشهد قال: “ثم يتخير من المسألة ما شاء”[4]، حيثُ يقصد بقوله “ما شاء” لفظ عام؛ لأن ما اسم موصول يفيد العموم، وبهذه الحالة يجوز للمسلم الدّعاء بما شاء من أمور الدين وأمور الدنيا والآخرة، وقد ذكر ابن عثيمين -رحمه الله- أنّه يجوز للإنسان أن يسأل في صلاته الفريضة والنافلة ما يتعلق بأمور الدنيا؛ لأن عموم الأحاديث تدل على هذا، واستدل بقول النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث: “أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء؛ فإنه قمن أن يستجاب لكم”[5]، فلم يخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعاء دون دعاء، والصواب في هذه المسألة جواز دعاء الإنسان بما شاء من خير الدنيا والآخرة في صلاته.[6]

شاهد أيضًا: هل يجوز الدعاء للكافر بالشفاء

هل يجوز الدعاء بعد الرفع من الركوع في الفريضة

يجوز للمسلم الدّعاء بعد الرفع من الركوع في الفريضة، فقد صحَّ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنَّه كان يدعو الله بعد الرفع من الركوع[7]، حيثُ جاء في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: “وثبت عنه في الصحيح أنه كان يدعو إذا رفع رأسه من الركوع، وثبت عنه: الدعاء في الركوع، والسجود، سواء كان في النفل أو في الفرض، وتواتر عنه الدعاء آخر الصلاة”، ومن الأدعية المأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم بعد الرَّفع من الرُّكوع، قول: “اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ مِلْءُ السَّماءِ، ومِلْءُ الأرْضِ، ومِلْءُ ما شِئْتَ مِن شيءٍ بَعْدُ اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بالثَّلْجِ والْبَرَدِ، والْماءِ البارِدِ اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ والْخَطايا، كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الوَسَخِ”[8].

شاهد أيضًا: هل يجوز الدعاء بدون وضوء

هل يجوز الدعاء في السجود في صلاة الفريضة

بيّن أهل العلم أنَّه يجوز للمسلم أن يدعو الله -تعالى- في السجود  في صلاة الفريضة أو صلاة النافلة[9]، فقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من الدعاء في السجود لما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم[5]، فالسجود هو أفضل مواضع الدعاء في الصّلاة بدليل ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ”[10]، لذا ينبغي الإكثار منه، فالدعاء بالسجود ليس له حد، بل يستطيع المسلم أنّ يدعو بما يسر الله -تعالى- له بما تقتضيه حاجته، ولكن من الأفضل أن يدعوا بالدعوات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويجدر بالذّكر أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- علَّم أصحابه بالدّعاء بالسّجود بقول: “اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ”[11].

شاهد أيضًا: هل الدعاء وقت نزول المطر مستجاب

هل يجوز الدعاء في كل سجدة

يجوز للمسلم الدعاء في كل سجدة، حيثُ إن كثرة الدعاء في الصلاة خاصة، والإلحاح على الله -تعالى- مرغب فيه شرعاً وهو من أسباب الإجابة، وقد جعل الله -تعالى- أفضل محل للدعاء هو عند السّجود[12]، فقد ثبت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (…ألَا وإنِّي نُهِيتُ أنْ أقْرَأَ القُرْآنَ رَاكِعًا، أوْ سَاجِدًا، فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فيه الرَّبَّ عزَّ وجلَّ، وأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ)[5]، كما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  أن المسلم يكون أقرب إلى الله -تعالى- في السجود؛ لأن فيه تضرع لله -عزّ وجلّ- واستعلاءً لمكانته ومنزلته العالية والعظيمة، فعلى المصلِّي الساجد أن يقوم بفعل ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيبدأ سجوده بالأدعية المأثورة والأذكار والتسابيح، ثم يكثر بعدها من الدّعاء بما شاء من أمور الدنيا والآخرة، من أفضل الدعاء أن يقول المسلم: “ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار”[13]، و “اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره”[14].

حكم الدعاء بالعامية في الصلاة

إنّ الدعاء بالعامية جائز ولا حرج في ذلك على الإطلاق، لأنّ الله -سبحانه وتعالى- يعلم قصد الداعي ومراده بإختلاف اللغات، ولكن إذا أراد المسلم الدعاء بالمأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم-  فالأفضل الالتزام بالفصحى، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في ذلك: “من دعا الله مخلصا له الدين بدعاء، سمعه اللَّهُ وَأَجَابَ دُعَاءَهُ، سَوَاءٌ كَانَ مُعْرَبًا أَوْ مَلْحُونًا. وَالْكَلَامُ الْمَذْكُورُ لَا أَصْلُ لَهُ؛ بَلْ يَنْبَغِي لِلدَّاعِي إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَتُهُ الْإِعْرَابَ أَنْ لَا يَتَكَلَّفَ الْإِعْرَابَ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إذَا جَاءَ الْإِعْرَابُ ذَهَبَ الْخُشُوعُ. وَهَذَا كَمَا يُكْرَهُ تَكَلُّفُ السَّجْعِ فِي الدُّعَاءِ، فَإِذَا وَقَعَ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ فَإِنَّ أَصْلَ الدُّعَاءِ مِن الْقَلْبِ، وَاللِّسَانُ تَابِعٌ لِلْقَلْبِ..”، ويجدر بالذّكر أنّ الدعاء بالعامية في الصلاة لا يبطل الصلاة، ولكن الأولى تجنب ذلك في الصلاة.[15]

شاهد أيضًا: هل الدعاء ليلة النصف من شعبان مستجاب

هل يجوز الدعاء بالثراء

يجوز للمسلم الدعاء لله -تعالى- بالثراء، فلا حرج على المسلم في أن يسأل الله أن يرزقه المال الحلال، حيثُ إنّ الدعاء هو رأس العبادة، ويستطيع المسلم أن يدعو الله -تعالى- بأشياء تتعلق بأمور الحياة[16]، فقد أمر الله -سبحانه وتعالى- عباده بدعائه ووعدهم بالإجابة فقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[17]، وقال أيضًا: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}[18]، ولا حرج على المسلم أن يسعى بكل وسيلة مشروعة إلى الغنى وإلى الحياة الكريمة، فقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، وقد قال النووي -رحمه الله- إنّ الغنى عنده -صلى الله عليه وسلم- غنى النفس، ولم يكن يدعو الله الغنى بمغنى كثرة المال.

وهكذا نصل وإيّاكم إلى نهاية هذا المقال الذي قدمناه لكم بعنوان حكم الدعاء في الصلاة بأمور الدنيا والآخرة، فقد قمنا ببيان بعضًا من المعلومات حول مفهوم الدعاء وأهميته للمسلم، وقد بيّنا للزوار الكرام حكم الدعاء في الصلاة بأمور الدنيا والآخرة، كما أدرجنا الغجابة الصحيحة حول سؤال هل يجوز الدعاء في السجود في صلاة الفريضة، وبعد الرفع من الركوع، ثمّ بيّنا هل يجوز الدعاء في كل سجدة، كما ختمنا مقالنا بالإجابة عن هل يجوز الدعاء بالثراء، نرجو أن نكون قد وفقنا في الإجابة على هذا السؤال وأن نكون حملنا لكم الفائدة في هذا المقال.

أسئلة شائعة

أسئلة شائعة
هل يجوز طلب المستحيل من الله؟
ذهب بعض أهل العلم إلة أن طلب المستحيل من الله حرام؛ فهو من صور الاعتداء في الدعاء، لما فيه من سوء الأدب مع الله تعالى، فقد قال الحصكفي -رحمه الله- في الدر المختار: ويحرم سؤال العافية مدى الدهر، أو خير الدارين، ودفع شرهما، أو المستحيلات العادية، كنزول المائدة، قيل: والشرعية".
ما هي الاشياء التي تمنع استجابة الدعاء؟
هناك بعض من الأشياء التي يقوم بها المسلم وتكون سببًا في عدم استجابة الدعاء ومنها، أكل المال الحرام، والذنوب والمعاصي، وتعجيل الإجابة وترك الدعاء، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأيضًا الدعاء بإثم أو قطيعة رحم.
كيف اعرف ان الله قد استجاب دعائي؟
لم يرد في القرآن أو السنة النبوية الشَّريفة علامات استجابة الدُّعاء، ولكن ذكر بعض العلماء علامات تدل على ذلك، ومنها الدُّعَاء والخشية والبكاء والقشعريرة، وربما تحصل الرعدة والغشي والغيبة، ويكون عقيبه سكون الْقلب وَبرد الجأش وظهور النشاط باطنا والخفة ظَاهرا حتَّى يظنّ الدَّاعي أَنه كان على كتفيه حملة ثقيلة فوضعها عَنهُ.
هل يجوز ذكر اسم الشخص عند الدعاء له؟
يجوز للمسلم عندما يدعو أن يذكر اسم الشخص، فقد دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قنوته لبعض من الصحابة وذكر أسمائهم، ولكن الأحوط الاكتفاء بتعميم الدعاء بدلاً من ذكر اسم الشخص للخروج من خلاف من يرى من أهل العلم عدم جواز تعيين الشخص في الدعاء في الصلاة.

المراجع

  1. ^ islamweb.net، الدعاء معناه وأهميته وأسباب استجابته، 06/03/2023
  2. ^ سورة البقرة ، الآية 186
  3. ^ al-maktaba.org، [هل يجوز الدعاء بأمور الدنيا في الصلاة]، 06/03/2023
  4. ^ أحكام القرآن لابن العربي، عبدالله بن عباس، ابن العربي ، 4/425 ، صحيح.
  5. ^ صحيح مسلم، عبد الله بن مسعود ، مسلم، 402، صحيح.
  6. ^ binothaimeen.net، حكم الدعاء في الصلاة بملاذ الدنيا، 06/03/2023
  7. ^ islamweb.net، حكم الدعاء في القيام بعد الركوع، 06/03/2023
  8. ^ صحيح مسلم، عبدالله بن أبي أوفى، مسلم ، 476، صحيح.
  9. ^ binbaz.org.sa، حكم الدعاء أثناء السجود ، 06/03/2023
  10. ^ صحيح مسلم، أبي هريرة، مسلم ، 482، صحيح.
  11. ^ صحيح البخاري، أبي بكر الصديق، البخاري ، 6326، صحيح.
  12. ^ islamweb.net، الدعاء في السجود، 06/03/2023
  13. ^ صحيح البخاري، أنس بن مالك، البخاري ، 4522، صحيح.
  14. ^ صحيح مسلم، أبو هريرة، مسلم، 843، صحيح.
  15. ^ islamweb.net، الدعاء بالعامية، 06/03/2023
  16. ^ islamweb.net، حكم سؤال الله الرزق بغير كد ولا تعب، 06/03/2023
  17. ^ سورة غافر، الآية 60
  18. ^ سورة النساء ، الآية 32

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *