حكم الصدق في المزاح وما هي ضوابط المزاح

حكم الصدق في المزاح وما هي ضوابط المزاح
حكم الصدق في المزاح

حكم الصدق في المزاح وما هي ضوابط المزاح، وهو ما سيتم بيانه في هذا المقال، ويعتبر من الأسئلة الفقهية المهمّة للمسلمين، حيثُ إنَّ المزاح من الأمور التي أجازها دين الإسلام وجعل لها ضوابط وأحكام تراعي حقوق المسلمين وتحفظ خصوصياتهم، ومن خلال هذا المقال سنوضح مفهوم المزاح وأنواعه، والإجابة عن السؤال المطروح الذي ينص على حكم الصدق في المزاح، وأيضًا التطرق لحكم الكذب في المزاح، والمزاح في الدين، والعديد من الأحكام الشرعية ذات العلاقة بالموضوع.

مفهوم المزاح

يعتبر المزاح بأنَّه الإِتْيان بكلام من شَأْنه أن يُضْحِك ويُسلِّي الآخرين، ولكن مع الابتعاد عن الاستهزاء والسخرية، والحرص على عدم الإكثار منه لئلّا يخدش المروءة والهيبة، وله أهمية عظيمة فهو يُساهم في التَّخفيف عن النَّفس، وتحسين النفسية، وإدخال السُّرور علي قلوب الآخرين، وأيضًا تجديد النشاط العقلي وتحريك الذهن[1]، كما أنَّ للمزاح في الإسلام نوعين أساسين وهما كالآتي:[2]

  • المزاح المحمود: أو يُسمى بالمزاح المشروع، وهو المزاح المباح الذي لا يُخالف الأحكام والشريعة الإسلامية، وليس فيه كذب أو اعتداء على حقوق الآخرين، ويتّصف بالاعتدال والنية الحسنة، فقد كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يمزحه مع صحابته الكرام -رضوان الله عليهم- ويمزح مع أهل بيته ويداعب صبية المسلمين.
  • المزاح المذموم: أو ما يسمى  المزاح الممنوع، هو المزاح المخالف للأحكام والتشريعات الإسلامية، ويتمثل بالمزاح الذي يتجاوز المرء فيه حدود الله -تعالى- ويعتدي فيه على حرمات الدِّين فيستهزئ به، أو يكون فيه سخرية واستهزاء بالآخرين أو الاعتداء على حقوقهم وخصوصياتهم، بالإضافة إلى إنَّ مخالفة أي ضابط من ضوابط المزاح يجعل من المزاح مذمومًا.

حكم الصدق في المزاح

إنّ الصّدق هو مطابقة الكلام للواقع، وفي هذه الحالة بيّنت الشريعة الإسلامية بأنه يجوز الصّدق بالمزاح [3]، فلا حرج في المزاح ما لم يتضمن أمرا محرمًا كالكذب وترويع المسلم أو أذيته، حيثُ ينبغي أن يكون الإنسان صادقًا ولا يكون في مزاحه كذب، وقد كان المزاح  من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيثُ يمزح بما يُدخل السرور، ويُزيل الحزن على قلوب الصحابة رضوان الله عليهم، فقد صحّ عن الصحابة -رضي الله عنهم- أنّهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: “يا رسولَ اللَّهِ إنَّكَ تداعِبُنا؟! قالَ: إنِّي لا أقولُ إلَّا حقًّا” [4]، ويجدر بالذّكر أنه ينهى عن الإفراط فيه أو المداومة عليه، فقد قال الإمام الغزالي -رحمه الله- في الإحياء: “فاعلم أن المنهي عنه الإفراط فيه أو المداومة عليه، أما المداومة فلأنه اشتغال باللعب والهزل فيه واللعب مباح، ولكن المواظبة عليه مذمومة، وأما الإفراط فيه فإنه يورث كثرة الضحك، وكثرة الضحك تميت القلب وتورث الضغينة في بعض الأحوال وتسقط المهابة والوقار فما يخلو عن هذه الأمور فلا يذم”.

شاهد أيضًا: حكم صيام ليلة النصف من شعبان

حكم الكذب في المزاح

إنّ الكذب يتمثل بالإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، وهو من الأمور المحرمة في الدين الإسلامي، حيثُ إنّ الكذب لإضحاك الآخرين وممازحتهم؛ مما يُخالف تعاليم الدين، فلا يُدخِل المازح الكذب من أجل إضحاك من حوله[5]، وهو مما نهى عنه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقد قال: “ويلٌ للذي يحدِّثُ فيكذبُ لِيُضحكَ بهِ القومَ، ويلٌ لهُ، ويلٌ لهُ”[6]، ويجدر بالذّكر أنه النكت التي ليس لها أصل تدخل في الكذب في المزاح، فهي تكون في الأغلب تعبِّر عن سخرية بطائفة معينة، وقد تكون في بعض الأحيان سخريةً بأمر من أمور الدين، وقد حذّر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن هذا الكذب، فهو المسلك الذي اعتاده بعض المهرجين، فقد قال أبو هريرة -رضي الله عنه- إنّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: ” إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ يُضْحِكُ بِهَا جُلَسَاءَهُ ، يَهْوِي بِهَا مِنْ أَبْعَدِ مِنَ الثُّرَيَّا”[7].

شاهد أيضًا: حكم البيتكوين هيئة كبار العلماء

حكم المزاح في الدين

لا يجوز المزاح في أمور الدين؛ لأنّ تعاليم الدين الإسلامي مُنزّهة عن المُزاح والاستهزاء[8]، فقد قال -تعالى- في محكم تنزيله: {وَلاَ تَتَّخِذُوَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}[9]، لذلك لا يجوز الاستهزاء بدين الله -تعالى- ودينِ المسلمين ومَن يجب تعظيمه، وكل ذلك جَهل وصاحبه مستحقٌّ للوعيد، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عن حكم المزاح في أمور الدين فأجاب:[10]

فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم، لا يجوز لأحد أن يعبث فيه لا باستهزاء ولا بإضحاك ولا بسخرية، فإن فعل فإنه كافر؛ لأنه يدل على استهانته بالله عز وجل وكتبه ورسله وشرعه، وعلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع؛ لأن هذا من النفاق، فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر ويصلح عمله ويجعل في قلبه خشية الله عز وجل وتعظيمه وخوفه ومحبته.

حكم المزاح بالكلام الفاحش

بيّن الشبخ ابن باز -رحمه الله- أنه لا يجوز المزاح بالكلام الفاحش، والواجب المزاح بالكلام المباح، فلا يجوز للمرء أن يمزح باللّعن، أو بالشتم، أو بالكذب[11]؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: “ويلٌ للذي يحدِّثُ فيكذبُ لِيُضحكَ بهِ القومَ، ويلٌ لهُ، ويلٌ لهُ[6]، كما أنّ المزاح بالكلام البذيء والقذف من الأمور المحرمة في الشّرع، فقد قال الإمام النووي ـرحمه الله تعالى- في رياض الصالحين: “اعْلَمْ أنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ جَميعِ الكَلامِ إِلاَّ كَلاَمًا ظَهَرَتْ فِيهِ المَصْلَحَةُ، ومَتَى اسْتَوَى الكَلاَمُ وَتَرْكُهُ فِي المَصْلَحَةِ، فالسُّنَّةُ الإمْسَاكُ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الكَلاَمُ المُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في العَادَةِ، والسَّلاَمَةُ لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ”.[12]

شاهد أيضًا: حكم طلب الطلاق بسبب مشاهدة الأفلام الإباحية

ضوابط المزاح

يستطيع المسلم أن يمازح أخيه المسلم ولا حرج في ذلك على الإطلاق، فمن الجميل أنْ يكون الإنسان ذو روح جميلة فيرسم الابتسامة على وجه الآخرين، ولكن هناك مجموعة من الشروط التي يتوجب على المسلم تحقيقها ليكون المزاح مباحصا بإذن الله، وتتمثل هذه الشروط والضوابط الإسلامية كالآتي:[13]

  • أن يخلو مزاح الإنسان من الغيبة أو النميمة.
  • اختيار الوقت المناسب للمزاح فلا يكون مزاحه في وقت غير مناسب ومُستهجن.
  • أن يُحافظ المزاح على مقدار معيّن، بحيث لا تزيد عن مقدار رش الملح على الطعام، لأنّ كثرة الضحك تميت القلب.
  • الصدق في المزاح والابتعاد عن الكذب، فقد نهى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن الكذب بهدف إضحاك الآخرين.
  • معرفة مقدار الناس، بحيث يعطي المزاح كلّ ذي حق حقه، فلا يتطاول على أحد، فللعلم حق، وللشيخ حق، والكبير في السن حق.
  • عدم المبالغة وإفراط في المزاح فيصبح صفة تلازم الإنسان، فقد قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- في ذلك: “اتقوا المزاح ، فإنه حمقة تورث الضغينة “.
  • ألّا يكون المزاح فيه تخويف للآخرين وترويع لهم، فهو من الامور المنهي عنها في الدين الإسلامي، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “لا يحلُّ لمسلِمٍ أنْ يُروِّع مسلِمًا”[14].
  • تجنب المزاح بالكلام الذي يمسُّ الدين أو يستهزئ به، لأن ذلك من نواقض الإسلام، فقد قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: {وَلَئِن سَأَلتَهُم لَيَقولُنَّ إِنَّما كُنّا نَخوضُ وَنَلعَبُ قُل أَبِاللَّـهِ وَآياتِهِ وَرَسولِهِ كُنتُم تَستَهزِئونَ* لا تَعتَذِروا قَد كَفَرتُم بَعدَ إيمانِكُم}[15]، ومن فعل ذلك يتوجب عليه التوبة والرجوع إلى الله.
  • ألّا يكون في المزاح سخرية على شخص آخر، بحيث يقوم البعض بالهمز واللمز واستغلال ضعف ما عند الإنسان، فقد نهى الله تعالى عنه، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[16].

إلى هُنا نكون قد وصلنا معكم إلى نهاية هذا المقال الّذي تحدّثنا فيه عن حكم الصدق في المزاح وما هي ضوابط المزاح، ومن ثمّ تنقّلنا في الحديث عن مفهوم المزاح وأنوعه، إضافةً إلى بيان الإجابة الصحيحة حول السؤال المطروح، كما قمنا ببيان حكم الكذب في المزاح، وأيضًا حكم المزاح بالكلام الفاحش، لنختتم المقال بتعريف الزائر الكريم بضوابط المزاح الشرعي.

أسئلة شائعة

أسئلة شائعة
لماذا لا يجوز الكذب في المزاح؟
إنّ الكذب من الأمور المذمومة ولا يصلح في جد ولا هزل، وقد نهى الله عزّ وجل- ورسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- عن الكذب في المزاح حتى لا يتم وضع أكاذيب ملفقة على أشخاص معينين يؤذيهم الحديث عنهم، كما أن اصطناع الكذب وإشاعته يساهم في اختلاط الحقّ بالباطل والباطل بالحقّ.
ما صحة حديث لعن الله الكاذب ولو كان مازحا؟
إنّ هذا الحديث لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ورد في النخبة البهية في الأحاديث المكذوبة على خير البرية للعلامة محمد الأمير الكبير المالكي قال: "لم يعرف من السنة".
هل كثرة المزاح يقلل الهيبة؟
نعم، حيثُ إنّ الإفراط في المزاح يورث كثرة الضحك، وهكذا تسقط المهابة والوقار، فقد قال العلماء في ذلك: "لا خير في كثرة المزاح ولو كان مباحا؛ لأن الإكثار منه يميت القلب ويجلب الضغائن.. ويسقط مهابة".
هل يغفر الله الاستهزاء بالدين؟
أن من استهزأ بالدين تقبل توبته ويغفر الله -عزّ وجل- ذنبه إذا تاب توبة صادقة، فقد قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

المراجع

  1. ^ dorar.net، معنى المزَاح لغةً واصطلاحًا، 04/03/2023
  2. ^ saaid.net، المزاح بين المشروع والممنوع، 04/03/2023
  3. ^ islamweb.net، المزاح.. ضوابطه وآدابه، 04/03/2023
  4. ^ سنن الترمذي، أبي هريرة، الترمذي، 1990، صححه الألباني.
  5. ^ islamweb.net، الكذب في المزاح، 04/03/2023
  6. ^ صحيح أبي داود ، معاوية بن حيدة القشيري، الألباني، 4990، حسن.
  7. ^ تخريج الإحياء للعراقي، أبو هريرة، العراقي ، 3/143 ، إسناده حسن.
  8. ^ alukah.net، تعريف المزاح المحرم وأمثلة عليه، 04/03/2023
  9. ^ سورة البقرة، الآية 231
  10. ^ binothaimeen.net، حكم المزح في أمور الدين، 04/03/2023
  11. ^ binbaz.org.sa، النهي عن المزاح بالكلام المحرم، 04/03/2023
  12. ^ islamweb.net، حكم المزاح الجنسي والتكلم بالكلمات ذات الإيحاءات الجنسية، 04/03/2023
  13. ^ islamqa.info، شروط المزاح الشرعي، 04/03/2023
  14. ^ سنن أبي داود، عبدالرحمن بن أبي ليلى، أبو داود، 5004، صحيح.
  15. ^ سورة التوبة ، الآية 65-66
  16. ^ سورة الحجرات ، الآية 11

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *