شرح قصيدة واحر قلباه واهم الافكار فيها

شرح قصيدة واحر قلباه واهم الافكار فيها
شرح قصيدة واحر قلباه

شرح قصيدة واحر قلباه واهم الافكار فيها، فالشعر العربي هو الكلمة القائمة بذاتها والتي تقاتل عليها العرب منذ القدم وقد حاولا جهدهم أن يقفوا في هذا المضمار وقفة الأسد الباسل حتى هذه اللحظة على الرغم من اختلاف متطلبات الحياة، وفي هذا المقال سيكون الكلام عن شرح هذه القصيدة بالتفصيل بالإضافة للكلام عن قائل هذه القصيدة والتفصيل في الكلام عنه.

من هو المتنبي

المتنبي كما يُقلب واسمه الكامل الحسين بن الحسن الكوفي الكندي، وقد عاش ما بين عام 303 للهجرة إلى عام 354 للهجرة، وهو من الشعراء المعروفين بحكمتهم العلية وقوتهم في الأدب ولسانهم العذب وكأنه غيث السماء، ولمّا يُقال المتنبي فإنّ أول ما يقفز إلى الفكر هو شعر الحكمة ومدح سيف الدولة الحمداني، وهو من شعراء العصر العباسي المعروف في بلاط الملوك وقد وفد على سيف الدولة الحمداني في عام 337 للهجرة وقال فيه شعرًا كثيرًا.

لقد استطاع المتنبي ان يشق طريقه في الشعر من عمر التاسعة حيث استطاع أن يقول الدب والكلام العظيم في رحلته الدبية وكان يتسم بشجاة كبيرة وبأس شديد ولا يهاب سلطان الملوك بل يمدح من استطاع أن يخط طريق النصر، وقد أثرت الفتيرة الزمنية التي عاش فيها المتنبي كثيرًا في شعره فهو عاش في فترة صعبة بعض الشيء حيث كان يُسجل فيها تفكك الدولة العباسية وانهيارها وتفرقها غلى دويلات ومع ذلك فقد كان ذلك العصر بمثابة النضج الحضاري الأدبي الحقيقي، وقد كان السبب الحقيقي لتفرد المتنبي في الشعر والأدب هو الذكاء الفطري الذي تمتع به وهذا ما اطلق لسانه كثيرًا في قول الشعر والأدب.

قصيدة واحر قلباه

إنّ الملوك كانت تُقاتل بعضها بعضًا من أجل بيت من الشعر وكانت كلمة واحدة في قصيدة كفيلة أن ترفع قبيلة وتخفض الثانية، أي إنّ للشعر العربي وزنه الكبير في تلك الآونة، وما يلي واحدة من عيون الشعر العربي في ذلك الوقت:

واحرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ

وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

مالي أكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي

وتَدَّعي حبَّ سيفِ الدَولَةِ الأمَمُ

إن كانَ يَجمَعُنا حبٌّ لِغُرَّتِهِ

فليتَ أنَّا بِقَدْرِ الحبِّ نَقتسِمُ

قَد زُرتُهُ وسيوفُ الهندِ مُغمَدَةٌ

وقد نظرتُ إليه والسُيوفُ دَمُ

فَكانَ أحْسنَ خَلق الله كلِّهِمُ

وكانَ أحسنَ مافي الأحسَنِ الشِّيَمُ

فوتُ العدوِّ الذي يَمَّمْتُه ظَفَرٌ

في طيّه أسَفٌ في طيّه نِعَمُ

قد نابَ عنكَ شديدُ الخوفِ واصْطنَعَتْ

لكَ المهابةُ ما لا تَصنعُ البُهَمُ

ألزَمتَ نفسَكَ شيئاً ليس يَلْزَمُها

أن لا يوارِيَهمْ أَرضٌ ولا عَلَمُ

أكُلَّما رُمتَ جيشاً فانْثَنى هَرَباً

تَصرَّفَت بكَ في آثارِه الهِمَمُ

عليكَ هَزمُهُمُ في كلِّ مُعتركٍ

وما عليكَ بِهِمْ عارٌ إذا انهزَموا

أما تَرى ظَفراً حُلْواً سِوى ظَفَر

تَصافحَتْ فيه بيضُ الهِندِ واللمَمُ

شرح قصيدة واحر قلباه

إنّ بعض من القصائد العربية التي مر عليها وقت طويل وفيها شيء من الألفاظ الغريبة والصور الغامضة لا بدّ من الوقوف مع شرحها وبيانها على الوجه التفصيلي، وما يأتي سيكون ذلك:

  • واحرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ
    وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

    مالي أكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي
    وتَدَّعي حبَّ سيفِ الدَولَةِ الأمَمُ

يبدأ المتنبي قصيدته بما يبتدئ به عادة كلامه وهو المديح، مديح سيف الدولة الحمداني الذي ندر له من الشعر شيئًا كثيرًا فيشتكي من حر حبه لسيف الدولة الحمداني ومن لظى الشوق لذلك الرجل الذي خط قلمه في الحروب واستطاع أن ينسج قصة شجاعته، ويتساءل عن سبب تكتمه عن ذلك الحب وكل مَن حوله يدعون حبه ويجاهرون فيه.

  • إن كانَ يَجمَعُنا حبٌّ لِغُرَّتِهِ
    فليتَ أنَّا بِقَدْرِ الحبِّ نَقتسِمُ

    قَد زُرتُهُ وسيوفُ الهندِ مُغمَدَةٌ
    وقد نظرتُ إليه والسُيوفُ دَمُ
    فَكانَ أحْسنَ خَلق الله كلِّهِمُ
    وكانَ أحسنَ مافي الأحسَنِ الشِّيَمُ

الآن يُتابع المتنبي كلامه عن ذلك العشق وذلك الحب الذي برى جسده وبرى روحه وقلبه ويتمنى لو أنّ في ذلك الأمر عدل فهو يرى نفسه مظلومًا لم يأخذ من ذلك الحب حقه كما أخذ المدعون، ثم يتكلم عن الطلعة الأولى لسيف الدولة فقد رآه أول مرة والسيوف في غمدها ثم ما لبث أن رأى السيوف تقطر دمًا هذا لشدة بأس جيشه شجاعته ومع ذلك فهو أحسن الناس خُلقًا في الحرب أو في السلم فلا يظلم ولا يجور ولا يخرج عن الصراط المستقيم.

  • فوتُ العدوِّ الذي يَمَّمْتُه ظَفَرٌ
    في طيّه أسَفٌ في طيّه نِعَمُ

    قد نابَ عنكَ شديدُ الخوفِ واصْطنَعَتْ
    لكَ المهابةُ ما لا تَصنعُ البُهَمُ
    ألزَمتَ نفسَكَ شيئاً ليس يَلْزَمُها
    أن لا يوارِيَهمْ أَرضٌ ولا عَلَمُ
    أكُلَّما رُمتَ جيشاً فانْثَنى هَرَباً
    تَصرَّفَت بكَ في آثارِه الهِمَمُ

الآن يضيء الشاعر على حروب سيف الدولة الحمداني فيقول له: إنّ الجيش الذي هرب منك هذا نصر حقيقي لك ومع ذلك أعلم أن في داخلك أسف لأنك لم تقتلهم ولكن في ذلك الهروب نعم أن حُقنت دماء جيشك، ولولا خوفك الشديد الذي ينوب عنك في المعارك لما هربوا وذلك الخوف يصنع في أعدائك ما قد تعجز الجيوش عن صنعه، ومن جديد تُحاول أن تلزم نفسك اللحاق بهم وقتلهم وهذا شيء لا يلزمك وفيه إرهاق، فكيف يمكنك أن تلاحق كل الجيوش التي فرت منك فتفترسها وتشردها.

  • عليكَ هَزمُهُمُ في كلِّ مُعتركٍ
    وما عليكَ بِهِمْ عارٌ إذا انهزَموا

    أما تَرى ظَفراً حُلْواً سِوى ظَفَر
    تَصافحَتْ فيه بيضُ الهِندِ واللمَمُ

يُكمل المتنبي كلامه عن هيبة سيف الدولة الحمداني وقدرته في المعارك وبأسه وبأس جيشه، ويذكره أنّه على الجيش الذي يدخل المعركة الانتصار وهذا هو شأن جيش سيف الدولة الحمداني، ومع ذلك فلو هرب جيش العدو فإنّ هذا الأمر يعد انتصارًا كبيرًا لسيف الدولة الحمداني وجيشه وليس فيه عار، ثم يدخل في صورة تثير العجب فيقول له متعجبًا: هل من المعقول أنّك لا ترى النصر الحقيقي إلا إن صافحت السيوف اللمم والمقصود باللمم هنا الشعر الذي تجاوز شحمة الأذن ولم يبلغ الكتف وفي ذلك صورة بأن سيف الدولة لا يرى النصر إلا إن رمى أعناق أعدائه.

التحليل الموضوعي لقصيدة واحر قلباه

في هذه القصيدة يتحدث المتنبي عن المعارك والحروب والنصر والظفر وقد اتسمت عباراته في ذلك الصعيد بالعمق والدقة وما لبث أن عرج في كلامه على شيء آخر مختلف وهو الحب والهويام الذي يكنه لسيف الدولة الحمداني وقد ضمن شعره مجموعة من الصور الفنية الرائعة التي وهبت القصيدة قيمة فنية عالية، ولم تخل قصيدة المتنبي من الحكمة والفهم مثال على ذلك: “وما انتفاعُ أخي الدُّنيا بناظرِهِ إذا استَوَت عندَهُ الأنوارُ والظُّلَمُ” ولعل هذا من أعظم أبيات الشعر التي تحوي على الحكمة، إذ كيف للإنسان أن يستفيد من عقله أو يستفيد من فكره إن كان عقله يصور له أنّ النور مثل الظلام وفي هذه الصورة مدح للمتنبي وكأنه يتكلم أنّه يملك هو تلك الحكمة.

العاطفة التي سيطرت على هذه القصيدة هي عاطفة الحب والفخر والاعتزاز بالنفس والثقة حيث يُتابع المتنبي -في هذه القصيدة- ما اعتاده في كافة قصائده وهو مدح الذات ولكن بصيغة أقوى منباقي القصائد فيقول له إنّني أنا خير الناس التي تمشي على الأرض وتسعى بها، ثم يوضح بشكل مبطن سبب تفضيل ذاته على غيره لأنّه جاء بأدب لم يستطع أن يأتي به الأولون.

الدلالة اللغوية لقصيدة واحر قلباه

إنّ المُتتبع لمعاني قصيدة واحر قلباه يرى بشكل مباشر المعجم اللغوي القوي الذي جعله المتنبي في قصيدته فكان يميل إلى الألفاظ الجزلة القوية ذات المعنى الراسخ والثابت والقوة في العبارة، بمعنى آخر قد استطاع المتنبي أن يخلق اتجاهًا مختلفًا لهذه القصيدة عن باقي قصائد مدح الملوك بسبب مناوراته ما بين مدح ذاته ساعة ومدح الملك ساعة، ومن الألفاظ القوية التي استعملها في القصيدة: “الليث، مفترس، القلعة، موج المنايا، الأعمى، الليث، نيوب” وغيرها من الألفاظ الأخرى التي استطاعت من خلال تشابكها معًا أن تصنع لوحة فنية متينة المعنى.

وقد مال المتنبي كثيرًا إلى استعمال المرادفات في الكلام أي استخدام الألفاظ المترادفة مثل المنايا والموت وهذا يدل بشكل مباشر على محاولة المتنبي لتأكيد المعنى الذي يريد الالتفاف حوله وهو أنّ الموت هو الصديق الوفي للحروب والغزوات والملوك، ولو كان يقصد في ظاهر الكلام مديحًا إلا أنّه استطاع تصوير ساحات الوغى بدقة عالية، وكذلك نوع بالكلمات بناء على المعنى الذي يريد طرحه فساعة يتكلم عن الموت وساعة يتكلم عنن الحياة وأخرى عن الحرب وبعدها عن الملوك وكأنه من خلال الكلمة يصور تقلبات الدنيا.

صور من قصيدة واحر قلباه

إنّ الصورة الشعرية أو الأدبية هي من أبلغ من الكلام العادي لأنّ الصورة تثير الخيال عند المتلقي، ومن أجمل الصور التي وردت في القصيدة:

  • قد نابَ عنكَ شديدُ الخوفِ واصْطنَعَتْ: جعل الشاعر الخوف مثل الإنسان الذي ينوب عن غيره، حذف المشبه به وأبقى شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.
  • أما تَرى ظَفراً حُلْواً سِوى ظَفَر تَصافحَتْ فيه بيضُ الهِندِ واللمَمُ: جعل السيوف والأعناق مثل الإنسان الذي يصافح غيره من الناس، حذف المشبه به وأبقى شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.
  • أعيذُها نظراتٍ منكَ صادقةً أن تَحْسبَ الشَّحمَ فيمَن شَحْمُهُ وَرَمُ: جعل النظرات مثل الإنسان الذي يعو نفسه أو يعوذه الآخرون، حذف المشبه به وأبقى شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.
  • موج الموت يلتطم: جعل للموت أمواجًا مثل البحر حذف المشبه به وكنى بشيء من لوازمه وهو ما يطلق عليه الاستعارة المكنية.

مقالات قد تهمك

إنّ الشعر العربي هو أجمل ما امتازت به العرب فصار المتأخرون يتنافسون في شرحه وفهمه وكثرت الكتب التي تستعرض تجليله واستخراج تشبيهه وما إلى ذلك، وما يلي ذكر بعض المقالات ذات الصلة بالموضوع:

شرح قصيدة بانت سعاد فقلبي اليوم متبول لكعب بن زهير انشودة المولد النبوي الشريف مكتوبة .. اجمل قصائد وأشعار وأناشيد المولد النبوي
انشودة عن يوم المعلم كتابة .. قصيدة في حب المعلم واحترامه من هو الشاعر ابن خويلد بن سعود الصليمي الهذلي.. قصة قصيدة من 700 سنة
تحليل قصيدة البارودي في رثاء زوجته نشيد المولد النبوي مكتوب .. أجمل أشعار عن المولد النبوي الشريف

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقال شرح قصيدة واحر قلباه واهم الافكار فيها ونكون قد تكلمنا فيه بمعلومات واسعة وهامة عن قصيدة المتنبي وما أجمل المعاني التي وردت فيها ومن هو المتنبي وما إلى ذلك من الأمور التي لا يسع طالب اللغة العربية جهلها.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *