هل يجوز الدعاء للكافر بالشفاء

هل يجوز الدعاء للكافر بالشفاء هو أحد الأسئلة والأحكام الشرعية المهمة بالنسبة للمسلمين وذلك من أجل معرفة الحكم الشرعي فيما يتعلق بموضوع الدعاء للكافر في الإسلام، وهل يجوز للمسلم أن يدعو للكافر بالهداية أو بالشفاء أو بأي دعاء آخر، وينبغي على المسلمين معرفة الرأي الشرعي بهذه الأحكام من أجل الحرص على عدم الوقوع في المحرمات بسبب الجهل بالأحكام، وفي هذا المقال سوف نتحدّث عن الدعاء للكافر وحكمه في الإسلام بالتفصيل وسنمرّ على أحوال الدعاء للكافر في الإسلام.

هل يجوز الدعاء للكافر بالشفاء

أفتى علماء المسلمين بأنّه يجوز للمسلم أن يدعو للكافر بالشفاء في الإسلام بشرط ألّا يكون الكافر محاربًا أي يحارب ضد المسلمين، بل يجب أن يكون مسالمًا، وأفتوا بهذا قياسًا على جواز تعزية الكافر بمصابه إنْ كان مسالمًا، وجدير بالقول إنّه لا يجوز للمسلم أن يدعو للكافر بالرحمة والمغفرة من الله رب العالمين يوم القيامة، ولا يجوز أن يدعو له بأي دعاء من أدعية الآخرة، وفي هذا قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ” وأما الصلاة على الكافر، والدعاء له بالمغفرة، فحرام بنص القرآن والإجماع”، واستدلّ علماء المسلمين في هذه الفتوى بقول الله تعالى في سورة الممتحنة: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ^[1]والله تعالى أعلم. ^[2]

هل يجوز الدعاء للكافر بالجنة

أجمع علماء المسلمين على عدم جواز الدعاء للكافر بالجنة أو الدعاء له بأي أمر من ثواب الآخرة، فلا يجوز أن يستغفر المسلم للكافر ولا أن يدعو له بالرحمة والمغفرة ولا يجوز أن يترحم عليه أبدًا، والأدلة على هذا الحكم كثيرة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الشريفة، ومنها ما سيأتي: ^[3]

• عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “والَّذي نفسي بيدِه لا يسمعُ بي رجلٌ من هذه الأمَّةِ ، ولا يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ثمَّ لم يؤمِنْ بي إلَّا كان من أهلِ النَّارِ”. ^[4]
• قال تعالى في سورة البينة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}. ^[5]
• قال تعالى في سورة آل عمران: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}. ^[6]
• قال تعالى في سورة فاطر: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ}. ^[7]

حكم الدعاء للكافر بالهداية والصلاح

أفتى علماء المسلمين بجواز الدعاء بالهداية والصلاح للكافر والعاصي، فالهداية من الله رب العالمين مطلوبة للمسلم والكافر، وقد ثبت في السنة النبوية الشريفة أنّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- دعا للكافرين بالهداية، ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: “جاء الطُّفَيلُ بنُ عمرٍو الدَّوسيُّ إلى نبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رسولَ اللهِ إنَّ دوسًا قد عصَتْ وأبَتْ فادعُ اللهَ عليهم فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اللَّهمَّ اهدِ دَوْسًا وائتِ بهم” ^[8]وفي هذا الحديث الشريف دعاء رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لقوم كافرين وهم قوم دوس، وفيما يأتي نذكر نصّ فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- في هذه المسألة الفقهية المهمة: ^[9]

وإذا كان ظالمًا مؤذيًا دُعي عليه بالهلاك أيضًا، يجوز الدعاء عليه بالهلاك والدعاء له بالهداية، هذا جائز وهذا جائز، ولاسيما إذا آذوا الناس وأضروا الناس؛ فهم أوْلى بأن يدعى عليهم بالهلاك لبُعد هدايتهم، وإذا كانوا كفّوا شرهم دُعي لهم بالهداية وأن الله يهديهم للحق وأن الله يبصّرهم.

أحوال الدعاء للكافر في الإسلام

تنقسم أحوال الدعاء للكافر في الشريعة الإسلامية إلى أربعة أقسام، وهي: الدعاء للكافر بالرحمة والمغفرة والدعاء له بالهداية والدعاء له بالأمور الدنيوية والدعاء عليه، وفيما يأتي سوف نمرّ بالتفصيل على كل قسم من هذه الأقسام الأربعة: ^[10]

الدعاء للكافر بالرحمة والمغفرة

أجمع علماء المسلمين على تحريم الدعاء للكفار بالرحمة والمغفرة، وهذا ما نقله الإمام النووي بالإجماع عن أئمة المسلمين في المذاهب الإسلامية الأربعة، واستدلّ أهل العلم في تحريم الدعاء للكافر بالرحمة والمغفرة بقول الله تعالى في سورة التوبة: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} ^[11]وفي الحدث الشريف قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: “اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أنْ أسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، واسْتَأْذَنْتُهُ أنْ أزُورَ قَبْرَها فأذِنَ لِي” ^[12]والله تعالى أعلم.

الدعاء للكافر بالهداية

إنّ الراجح في أقوال العلماء هو أنّه يجوز للمسلم أن يدعو للكافر بالهداية ولكن بشرط ألّا يكون هذا الكافر من المحاربين للإسلام، بل يجب أن يكون مسالمًا، فقد ثبت في صحيح السنة النبوية الشريفة أنّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالهداية لكثير من الأقوال الكافرة، مثل قوم دوس وثقيف، كما أنّه دعا بالهداية لأم أبي هريرة رضي الله عنه، قال العيني في هذه المسألة: “لا شك أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- رحمة للعالمين، ومع هذا كان يحب دخول الناس في الإسلام، فكان لا يعجل بالدعاء عليهم ما دام يطمع في إجابتهم إلى الإسلام، بل كان يدعو لمن يرجو منه الإنابة” والله أعلم.

الدعاء على الكافر

إنّ الدعاء على الكفار جائز ويكون عندما تصدر الأذية من الكافرين للمسلمين، حينها يجوز للمسلم أن يدعو على الكافر بالهلاك ويدعو الله رب العالمين أن يكفيهم شرهم وأذيتهم، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: “وقد أخبرَ الله سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة معلومة من القرآن عن الأنبياء صلواتُ الله وسلامُه عليهم بدعائهم على الكفّار”، وقد ثبت في الشرع الإسلامي أنّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- دعا على الكافرين يوم الخندق فقال: “ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا، كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتّى غابت الشّمس”، والله تعالى أعلم.

الدعاء للكافر بالأمور الدنيوية

إنّ الدعاء للكفار بالأمور الدنيوية محل خلاف بين المسلمين، حيث أفتى أكثر أهل العلم بأنّه يجوز للمسلم أن يدعو بالأمور الدنيوية للكافر غير المحارب، أي الذي لم يشارك في أذيّة المسلمين، أمّا الكافر المحارب فلا يجوز الدعاء له بأي دعاء من الأمور الدنيوية كما لا يجوز الدعاء له بالهداية ولا الدعاء له بالرحمة والمغفرة، والله أعلم وأحكم.

هل يجوز الدعاء للكافر بطول العمر

ذهب علماء المسلمين إلى تحريم الدعاء للكفار بطول العمر ولو كان الكافر مسالمًا، فقد ذكر بعض السلف الصالح أنّ الدعاء للكفار بطول العمر هو كالدعاء بمعصية الله تعالى فقد قيل: “من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله”، وجدير بالقول إنّ الأولى أنّ يدعو المسلم للكافر غير المحارب أي المسالم بالهداية وليس بطول العمر، فقد ثبت عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنّه دعاء بالهداية للكفار، والله أعلم. ^[13]

هل تجوز الصلاة على الكافر

أجمع علماء المسلمين على أنّه لا يجوز للمسلم أن يصلي على الكافر أبدًا، وقد ورد في كتاب المهذب وهو أحد كتب المذهب الشافعي أنّ سبب تحريم الصلاة على الكافر لأنّ الصلاة طلب للمغفرة من الله رب العالمين للميت، ولا يجوز للمسلم أن يستغفر لأحد من الكفار، قال تعالى في سورة التوبة: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} ^[14]وجاء عن الإمام النووي -رحمه الله تعالى- أنّه قال: “وأجمعوا على تحريم الصلاة على الكافر”، وقال ابن العربي في كتابه أحكام القرآن: “قوله تعالى: وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم.. الآية: نص في الامتناع من الصلاة على الكفار”، والله أعلم. ^[15]

هل يجوز الدعاء للكافر بالرزق

ذهب الفقهاء في الإسلام إلى جواز الدعاء بالرزق للكافر كما عرفنا أنه يجوز له الدعاء بالشفاء وغيرها من أمور الدنيا مثل الهداية والصحة وما إلى هنالك، وذلك إذا لم يكن محاربًا بل مسالمًا، وقد استدلوا بجواز تعزيته، وقد أشار موقع إسلام ويب إلى ذلك بقول: “أما الدعاء له بمنافع الدنيا من مال وولد وشفاء ونحوها، فلا يجوز إن كان محارباً، وإلا فلا بأس بالدعاء له بذلك، بدليل جواز تعزيته في مصابه حيث كان جاراً بالدعاء له بالإخلاف عليه، ونحو ذلك”، لكن لا تجوز الصلاة عليه ولا الدعاء له بالرحمة والمغفرة، والله أعلم.^[16]

مقالات قد تهمك

إلى هنا نصل إلى نهاية وختام هذا المقال الذي ألقينا فيه الضوء على هل يجوز الدعاء للكافر بالشفاء ومررنا من خلاله على مجموعة مباركة من الأحكام الشرعية التي تتعلق بهذا الحكم، مثل: هل يجوز الدعاء للكافر بالجنة ومررنا فيه على أحوال الدعاء للكافر في الشريعة الإسلامية.