هل يجوز الصيام عن شخص آخر حي

هل يجوز الصيام عن شخص آخر حي هو سؤال شرعي من أسئلة الفقه الإسلامي الخاص بشهر رمضان المبارك، والذي يكثر الحديث عنه والسؤال به والاهتمام برأي الشرع الإسلامي به في شهر رمضان المبارك، وبسبب الأهمية الكبيرة لهذا الموضوع في المجتمعات الإسلامية فإننا سوف نقوم من خلال فقرات هذا المقال بالحديث عن حكم الصيام عن شخص آخر حي، وسنقدم مجموعة من المعلومات عن بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بموضوع الصيام عن شخص حي.

هل يجوز الصيام عن شخص آخر حي

لا يجوز الصيام عن شخص آخر حي في الشريعة الإسلامية، فالقاعدة الإسلامية تقول: ” لا يصوم أحد عن أحد في حياته” مهما كان العذر والسبب، وهنا تجب الإشارة إلى أنّ الشرع الإسلامي لا يحمّل النفس البشرية فوق حملها ولا يكلف نفسًا إلى وسعها، فمن لم يستطع صيام شهر رمضان المبارك فعدة من أيام آخر، قال تعالى في سورة البقرة: “أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ”^[1]والله تعالى أعلى وأعلم.^[2]

حكم إهداء أجر الصيام لشخص حي

ذهب غالبية أهل العلم إلى أنّه لا يجوز للمسلم أنْ يقدم أجر الصيام لشخص حي، فهذا غير وارد في الشرع الإسلامي، فلا يصوم أحد عن أحد في الشرع الإسلامي، وهذه قاعدة إسلامية ثابتة وواضحة المعنى، ولا بدّ من القول إنّ الإمام النووي -رحمه الله تعالى- قال في شرح صحيح الإمام مسلم: “وقال القاضي وأصحابنا أجمعوا على أنه لا يصلي عنه -أي الميت- صلاة فائتة وعلى أنه لا يصام عن أحد في حياته وإنما الخلاف في الميت”، ولا بدّ من القول إنّ الحنفية والحنابلة ذهبوا إلى أنّه يمكن للحي أن يهدي أجر وثواب الصيام إلى شخص حي، وينتفع الحي من هذا الأجر والثواب، قال الزيلعي في هذه المسألة:^[3]

الأصل في هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة صلاة كان أو صوماً أو حجاً أو قراءة قرآن أو أذكار إلى غير ذلك من جميع أنواع البر ويصل ذلك إلى الميت وينفعه.

أقوال العلماء عن إهداء الصيام لشخص حي

نظرًا لأنّ موضوع إهداء ثواب وأجر الصيام لشخص حي أو إهداء ثواب وأجر الصلاة أو إهداء ثواب وأجر أي عمل آخر إلى شخص حي من أكثر المواضيع التي يهتم بها المسلمون، فإنّنا من خلال النقاط القادمة سوف نسرد أقوال مجموعة من أهل العلم في هذه المسألة، ومن خلال أقوالهم يمكن استنباط الأحكام الشرعية التي خلص إليها الشرع الإسلامي في هذا الموضوع:^[3]

• قال زكريا الأنصاري في كتاب “أسنى المطالب”:

ولا يصح الصوم عن حي بلا خلاف معذوراً كان أو غيره، واختلفوا في الصوم عن الميت على ثلاثة أقوال . . .

• قال الكاساني في هذا الموضوع:

 من صام أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات والأحياء جاز، ويصل ثوابه إليهم عند أهل السنة والجماعة، وعلى هذا القول يجوز أن يصوم شخص صيام تطوع ويهدي ثوابه لآخر، ويصل ثوابه إليه . . .

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: 

 ومع هذا فلم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعًا وصاموا وحجوا أو قرأوا القرآن يهدون ثواب ذلك لموتاهم ولا لخصوصهم بل كان عادتهم، كما تقدم، فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل . . .

هل يجوز الصيام عن المريض العاجز عن الصيام

لا يجوز للمسلم أن يصوم عن المريض العاجز عن الصيام، فالحكم الشرعي في هذه المسألة هو أن يطعم المريض الذي لا يُرجى الشفاء من مرضه عن كل يوم يفطر فيه مسكينًا من قوت أهل البلد، وهذا الأصل الشرعي والأساس في هذه المسألة، أمّا إذا مات المسلم وعليه صيام فيمكن أن يصوم عنه وليه، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الشريف الذي روته السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: “مَن مَاتَ وعليه صِيَامٌ صَامَ عنْه ولِيُّهُ” ^[4]ولا بدّ من ذكر فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- في هذا الموضوع للاستزادة من التوضيح:^[5]

مادام موجوداً وهو عاجز عن الصوم بتقرير الأطباء أنه عاجز ولا يرجى زوال هذا المرض، فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً، مثل الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة العاجزين، يطعم عنهما عن كل يوم مسكيناً ما استطاع من التمر أو غيره من قوت البلد، فهكذا المريض الذي لا يرجى برؤه، يعجز عن الصوم ولا يرجى برؤه فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً فقط ولا يصام عنه إلا إذا مات ولم يصم فهم بالخيار؛ إن صاموا عنه فهم محسنون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من مات وعليه صيام صام عنه وليه وإن أطعموا عنه كفى”.

هل يجوز الصيام عن الميت في الإسلام

اتفق الفقهاء وأهل العلم على أنّه يجوز للمسلم أن يصوم عن الميت الذي مات وعليه صيام لم يقضه، والدليل في إباحة الصيام عن الميت في الإسلام حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- الذي قال فيه: “مَن مَاتَ وعليه صِيَامٌ صَامَ عنْه ولِيُّهُ”^[4]وقد ورد عن الإمام النووي -رحمه الله تعالى- أنّه قال في شرح هذا الحديث الشريف وفي تعليقه على هذه المسألة الفقهية:^[6]

ولو كان عليه قضاء شيء من رمضان فلم يصم حتى مات نظرت، فإن أخره لعذر اتصل بالموت لم يجب عليه شيء، لأنه فرض لم يتمكن من فعله إلى الموت فسقط حكمه كالحج، وإن زال العذر وتمكن فلم يصمه حتى مات أطعم عنه لكل مسكين، ومن أصحابنا من قال: إنه يصام عنه

هل يجوز الصيام عن الوالدين

إنّ الصيام عن الوالدين الأحياء ليس جائزًا في الشرع الإسلامي، أمّا الصيام عن الوالدين الأموات إذا وافتهما المنية وعليهما صيام لم يقضوها فالصيام عنهما مشروع، لأنّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “مَن مَاتَ وعليه صِيَامٌ صَامَ عنْه ولِيُّهُ”^[4]ولأنّ قضاء دين الله تعالى أحق بالوفاء من قضاء دين الناس، فإذا كان المسلم يقضي دين أبيه وأمه للناس بعد وفاتهما، فالأحق أن يقضي دين الله تعالى، والصيام دين الله تعالى،  جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: “جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قالَ: أَرَأَيْتِ لو كانَ علَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ، أَكانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا؟ قالَتْ: نَعَمْ، قالَ: فَصُومِي عن أُمِّكِ” ^[7]والله تعالى أعلم.^[8]

هل يجوز الصيام عن شخص مريض

لا يجوز ولا يشرع الصيام عن الشخص المريض الذي لا يرجى برؤه، لأن المريض إذا كان مرضه عاديًا يرجى برؤه يفطر ويقضي ما أفطر بعد أن يتعافى، وأما المريض الذي لا يرجى برؤه يدفع كفارة الصيام وليس عليه شيء غير ذلك، ولا يشرع أن يصوم عنه أحد، وقد أشار ابن باز إلى ذلك بقول: “مادام هو موجود وعاجز عن الصوم بتقرير الأطباء أنه عاجز ولا يرجى زوال هذا المرض فإنه يطعم عن كل يوم مسكينًا مثل الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة العاجزين عن الصوم، يطعم عنهما عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من التمر أو غيره من قوت البلد، وهكذا المريض الذي لا يرجى برؤه لا يصام عنه إلا إذا مات ولم يصم، فلهم الخيار إذا صاموا عنه فهم محسنون”، والله تعالى أعلم.^[9]

مقالات قد تهمك

بهذه الأحكام الشرعية المهمة نختم هذا المقال الذي قدمنا من خلال فقراته معلومات عن هل يجوز الصيام عن شخص آخر حي بالإضافة إلى الحديث عن مجموعة من المسائل الفقهية الإسلامية المهمة التي تتعلق بالصيام عن الحي والصيام عن الميت في الإسلام.