هل يصح حج من أراد الحج والعمل معًا

هل يصح حج من أراد الحج والعمل معًا

هل يصح حج من أراد الحج والعمل معًا، فالحجُّ هو الفريضةُ الَّتي فَرَضها اللهُ -سبحانَهُ وتعالى- على مَنْ استطاعَها مِنْ عبادهِ المؤمنينَ بوحدانيَّتهِ والسَّاعينَ -آناءَ اللَّيلِ والنَّهارِ- إلى نيلِ الأجرِ الكبيرِ الَّذي وعدَهُم بِهِ، ومع اقترابِ موسمِ الحجِّ في كلِّ عامٍ تكثرُ الأسئلةُ والاستفساراتُ عَنْ بعضِ تفاصيل هذهِ الفريضةِ الَّتي لا تجيءُ إلَّا مرَّةً واحدةً في السَّنةِ، وفي هذا المقالِ سنُسلِّطُ الضَّوءَ لحضراتكم على تعريفِ الحجِّ ومن ثمَّ سنتطرَّقُ إلى الإجابةِ عَنْ سؤالِ هل يصح حج من أراد الحج والعمل معًا وغير ذلك.

تعريف الحج

إنَّ الحجَّ هو الفريضةُ الَّتي فَرَضها اللهُ -تبارَكَ في علاهُ- على المسلمينَ مرَّةً واحدةً في العمرِ، وهو الرُّكنُ الخامسُ مِنْ أركانِ الدِّينِ الإسلاميِّ الحنيفِ الَّتي قالَ فيها رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في الحديثِ الشَّريفِ: “شهادةِ أن لا إله إلا الله، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصيامِ رمضانَ” [1] وقد وضعَ علماءُ اللُّغةِ والشَّرعِ تعريفاتٍ عديدةً للحجِّ، لعلَّ أبرَزَها ما يأتي: [2]

  • في اللُّغةِ: الحجُّ هو كثرةُ الذَّهابِ إلى مَنْ تُعظِّمُهُ وتحبُّهُ.
  • في الشِّرعِ: هو زيارةُ مكَّة المكرَّمة والكعبة المُشرَّفة في وقتٍ محدَّدٍ مِنَ السَّنةِ (في شوَّال، وذي القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجَّة) لممارسةِ طقوسٍ وأداءِ أفعالٍ ومناسكَ محدَّدةٍ.

ولا بدَّ مِنَ الإشارةِ إلى أنَّ أوَّل سنةٍ فرضَ فيها اللهُ -عزَّ وجلَّ- الحجَّ على المُسلمين هي السَّنةُ التَّاسعةُ وذلكَ مع نزولِ قولِهِ الكريمِ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [3] لكنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لم يؤدِّ الحجَّ في هذهِ السَّنةِ وأجَّلَهُ إلى السَّنةِ العاشرةِ؛ بسببِ نزولِ الآيةِ بعدَ فواتِ الوقتِ المُخصَّصِ للحجِّ، وهذا رأيُ أكثرِ العُلماءِ والفُقهاءِ.

هل يصح حج من أراد الحج والعمل معًا

ذهبَ العلماءُ إلى صحَّةِ حجِّ مَنْ جمعَ بينَ الحجَّ والتِّجارةِ في وقتٍ واحدٍ؛ [مرجع: ] وذلكَ استناداً إلى قولِ اللهِ -سبحانَهُ وتعالى- في مُحكمِ تنزيلهِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} [5] فكلمةُ الفضل في الآيةِ السَّابقةِ تدلُّ -بحسبِ المُفسِّرينَ- على الأعمالِ الَّتي يُحصِّلُ الإنسانُ من خلالِها شيئاً مِنَ الرِّزقِ الحلالِ، وهي تُبيحُ للحاجِّ أنْ يعملَ في أثناءِ حجِّهِ، وقد ثَبُتَ عَنِ ابن عبَّاسٍ -رضيَ اللهُ عنهما- أنَّ هذهِ الآيةَ قد نزلتْ بُعيدَ خوفِ المُسلمينَ مِنَ التِّجارةِ في أسواقِ الجاهليَّةِ في أثناءِ موسمِ الحجِّ؛ إذ يقولُ: “كَانَتْ عُكَاظُ، ومَجَنَّةُ، وذُو المَجَازِ أسْوَاقاً في الجَاهِلِيَّةِ، فَتَأَثَّمُوا أنْ يَتَّجِرُوا في المَوَاسِمِ، فَنَزَلَتْ: {ليسَ علَيْكُم جُنَاحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِن رَبِّكُمْ}[6] في مَوَاسِمِ الحَجِّ” [7] فالجمعُ بينَ الحجِّ والتِّجارةِ ليسَ شركاً أو ممنوعاً ولكن بشرطِ ألَّا يقصدَ الحاجُّ الأُمورَ الدُّنيويَّة؛ مِنَ المُراءاة والسُّمعةِ ونحوهما، وإنَّما ينبغي أنْ يكونَ قصدُهُ خالصاً للهِ تعالى.

هل يجوز الحج بتأشيرة عمل

رأى أكثرُ العلماءِ أنَّ الحجَّ ينبغي أَنْ يكونَ من خلالِ التَّأشيرةِ المُخصَّصةِ لَهُ؛ وذلكَ لأنَّها من جملةِ الأنظمةِ والقوانين الَّتي وُضعتْ حديثاً للحفاظِ على سلامةِ الحجَّاج وتحقيقِ مصالحهم، والتَّحايلُ على هذهِ الأنظمةِ والقوانين والتَّزويرُ أمرٌ مُحرَّمٌ يؤثمُ المؤمنُ عليهِ مع النَّظرِ في صحَّةِ حجَّتهِ، وقد قالَ اللهُ -سبحانهُ وتعالى- في كتابهِ الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [8] أمَّا مَنْ حجَّ بتأشيرةٍ مزوَّرةٍ وأدَّى مناسكَ الحجِّ وأركانَهُ وشروطَهُ كلَّها من غيرٍ علمٍ منهُ بهذا التَّزويرِ فإنَّ حجَّتهُ مقبولةٌ إن شاءَ اللهُ. [9]

الحكمة من الحج

تعدُّ فريضةُ الحجِّ ركناً مِنْ أعظمِ أركانِ الإسلامِ وأقدسِها؛ لأنَّ اللهَ -تباركَ وتعالى- قد خصَّصَ كثيراً مِنْ سورهِ وآياتهِ للحديثِ عَنْ هذا الرُّكنِ والتَّفصيلِ فيهِ، ولا شكَّ في أنَّ لهذهِ الفريضةِ كثيراً مِنَ الحِكَمِ والمقاصد، نذكرُ منها: [10]

  • الإخلاصُ للهِ -سبحانهُ وتعالى- وتحقيقُ التَّوحيدِ والعبوديَّةِ لَهُ وحدَهُ، يقولُ تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}. [11]
  • تنقيةُ النَّفسِ مِنَ الأدرانِ والأخلاقِ السَّيئة الَّتي قد تشوبها، يقول تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}. [12]
  • حثُّ المسلمين على تعظيمِ شعائر اللهِ وتقديسها قدسيَّةً لائقةً، يقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}. [13]
  • تنبيهُ المسلمينَ على الاستعدادِ لليومِ الآخرِ، يقول تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}. [14]
  • دعوةُ المُسلمينَ إلى ذكرِ اللهِ وربطِ قلوبهم بِهِ، يقولُ تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}. [15]

مقالات قد تهمك

هل يعيد الحج من ارتد ثم عاد إلى الإسلام
ما هو حكم حج من ارتكب الكبائر بعد حجه في الإسلام
ما هي الذنوب التي لا يكفرها الحج وهل الحج يكفر الزنا

إلى هنا نكونُ قد وصلنا -وإيَّاكم- إلى نهايةِ مقالنا هل يصح حج من أراد الحج والعمل معًا، وقد سلَّطنا الضَّوءَ مِنْ خلالِ فِقْراتهِ وسطورهِ على تعريفِ الحجِّ والحكمةِ منهُ وعلى حكم الجمعِ بين التِّجارةِ والحجَّةِ في وقتٍ واحدٍ وحكم الحجِّ بتأشيرةِ عملٍ.

المراجع

  1. ^ صحيح النسائي، عبدالله بن عمر، الألباني، 5016، صحيح.
  2. ^ alukah.net، مفهوم الحج والعمرة، 20/05/2023
  3. ^ سورة آل عمران، الآية: 97.
  4. ^ ferkous.com، في حكم التشريك بين إرادة الحج والتجارة، 20/05/2023
  5. ^ سورة البقرة، الآية: 198.
  6. ^ سورة البقرة، الآية: 198.
  7. ^ صحيح البخاري، عبدالله بن عباس، البخاري، 4519، صحيح.
  8. ^ سورة النساء، الآية: 59.
  9. ^ elwatannews.com، حكم الحج بتأشيرة تجارية، 20/05/2023
  10. ^ tafsir.net، مقاصد الحج في ضوء القرآن الكريم، 20/05/2023
  11. ^ سورة الحج، الآية: 26.
  12. ^ سورة البقرة، الآية: 197.
  13. ^ سورة الحج، الآية: 32.
  14. ^ سورة البقرة، الآية: 197.
  15. ^ سورة الحج، الآية: 27- 28.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *