عناصر المقال
حكم زيارة المقابر للحائض ، ضوابط زيارة المرأة للمقابر، تحن القلوب لوصال من فارقوها إلى دريار الحق وتأنس بزيارة قبورهم وحتى لو لم تجدهم أجسادًا، تستشعر وجودهم وتبوح لهم عما يتقلب فيها من مشاعر وحنين، تشكو لهم أوجاعها ولو لم يكن لهم الأمر في إصلاح حالهم، ولذلك يبحث المسلمون عن حكم زيارتهم للقبور، وتتعمق النساء في البحث خوفًا من وقوعهنَّ في الحرام، ولقد أخذ موقع تصفح على عاتقه تبيان حقيقة هذا الأمر بالتفصيل وحكمه الشرعي والآراء المختلفة حوله، فكونوا بالقرب.
حكم زيارة المقابر للحائض
قد اختلف العلماء بشأن زيارة المرأة بشكل عام للمقابر سواء كانت حائض أم لا، فمنهم من قال بالكراهة ومنهم من قال بالتحريم ومنهم من قال بالجواز، ولكن القول الأصح وهو قول الجمهور بأنه يجوز للمرأة زيارة المقابر، وقد حدث الخلاف في حكم جواز زيارة المرأة للمقابر نتيجة ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام عن لعنة زوارات القبور في الحديث الذي قال فيه: “لعنَ اللَّهُ زوَّاراتِ القبورِ” [1] ، ولكن هذا الحديث نسخه حديث بعده جوّز فيه النبي صلوات الله وسلامه عليه زيارة المقابر للعموم ولم يخص الرجال دون النساء فقال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّي كنتُ نهيتُكم عن زيارةِ القبورِ ؛ فزوروها ، فإِنَّها تذكرُكمُ الآخرةَ” [2] ، وقد ظهر جليًّا في شرح الحديث الأول أن اللعنة على من تكثر زيارة القبور بسبب لفظ زوّارات وهي صيغة مبالغة تعني مكثرات الزيارة، ومن هنا نستدل أن النبي أجاز زيارة النساء للمقابر من غير إكثار أو تفريط، وكذلك فإن إقراره للمرأة التي رآها تبكي عند قبر ولم ينهاها عن وجودها في هذا المكان بل أمرها بالصبر وهذا فيما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وهي تَبْكِي، فَقالَ: اتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي.” [3] ، وفي هذا أكبر دليل على جواز زيارة المرأة للمقابر فعدم إنكاره لهذا يجيزه. والله أعلم. [4]
ماذا نقول عند زيارة المقابر وكيف نسلم على الأموات
الدعاء المسنون عند زيارة المقابر هو أكثر ما يدل على جواز زيارة المقابر من غير زيادة أو تفريط ففي الحديث الصحيح الذي ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها حينما علمها النبي صلى الله عليه وسلم الصيغة التي تسلم بها على الأموات حينما تحضر مقابرهم وقد نزل الحديث في أهل البقيع، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة رضوان الله عنها: “أن جبريل قال له: إنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ البَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لهمْ، قالَتْ: قُلتُ: كيفَ أَقُولُ لهمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: قُولِي: السَّلَامُ علَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ المُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وإنَّا -إنْ شَاءَ اللَّهُ- بكُمْ لَلَاحِقُونَ” [] ، فبهذا الحديث يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نسلم على الأموات حال زيارتهم وبالتالي لو كانت زيارتهم أمرًا محرّمًا لما فعل ذلك ولكنه أمر جائز من غير إكثار. []
شاهد أيضًا: حكم زيارة القبور في العيد للشعراوي
ضوابط زيارة المرأة للمقابر
إن الضوابط التي وضعها الشرع للمرأة لتكون شرطًا لزيارتها للمقابر ليست سوى حفظًا دينها وبدنها وعرضها، لأن المرأة قد فطرت على رقة القلب وكثرة الجزع وقلة احتمال النوازل والتأثر الشديد الذي قد يضر صحتها ودينها، لذلك فمن الأمور المهمة التي يجب أن تراعيها المرأة عند زيارتها للمقابر: [6]
- أن تتجنب الفتنة فلا تخرج متعطِّرة متزيِّنة وأن ترتدي ملابس محتشمة ساترة لا تصف ولا تشف.
- ألا تختلط بالرجال وألا ترد السلام على من تشك بسوء نيتهم من الرجال إن تعرضت لهذا الموقف.
- ألا تذهب بمفردها بل بصحبة أحد محارمها إذا كانت المقبرة بعيدة أو موحشة.
- أن تتجنب العويل والصراخ واللطم وتلتزم السكينة والوقار وليكن تأثرها واعتبارها بدمع عينها من غير صوت عال أو عويل.
- أن تكون الزيارة للاعتبار وتذكر الآخرة وتزهد في الدنيا وسبيل للتوبة والإنابة.
- ألا تكون المرأة معتدَّة وحتى إن كانت عدَّتها عن وفاة زوجها وحتى إن قصدت زيارة زوجها، فعليها التحلل من العدة ومن ثم فلتزر من تشاء.
شاهد أيضًا: هل يجوز رش القبر بالماء
حكم زيارة المرأة لقبر النبي -صلى الله عليه وسلم-
لا فرق في زيارة القبور بين قبر النبي عليه الصلاة والسلام وغيره من القبور في حكم الزيارة، إلا عند الحنابلة الذين قالوا إلا قبر النبي وأصحابه فاستثنوهم من تحريم الزيارة، وكما رأينا في الفقرات السابقة فإن في حكم زيارة القبور اختلاف كبير بين أهل العلم بين الكراهة والتحريم والجواز وكل منهم قد استدل بأحاديث صحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام ولكن قول الجمهور الذي يؤخذ به فهو بالجواز لأن حديث اللعن للزوارات نسخه حديث تعميم السماح بالزيارة كما أسلفنا، وبالتالي فمن أخذ بقول الجمهور رأى بجواز الزيارة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره [1] ، ومن لم يجيزوا زيارة المقابر ولكنهم أجازوا زيارة النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه قالوا بأنها ليست زيارة لأن بين المرأة وبين قبر النبي صلى الله عليه وسلم إن وقفت أمامه العديد من الحواجز والجدران الفاصلة فهذه لا تعتبر زيارة ولهذا أباحوها، و أما البعض الآخر الذين لم يجيزوا زيارة القبور فقالوا بعدم جواز زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام أيضًا لأن النبي قد لعن زوارات القبور وحتى إن لم تكن زيارة في الحقيقة وبينها وبين القبر حواجز فهي عرفًا زيارة، وهنا نجد أن في الأمر شبهة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن اتقى الشبهاتِ فقد استَبْرَأَ لدينِه و عِرْضِه.” [7] ، ولا بد من القول بأن الصلاة والسلام عليه تصله وحتى وإن كان المصلي في آخر بقاع الأرض لقوله عليه الصلاة والسلام: “صلُّوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني حيثُ كنتم” [8] ، والله ورسوله أعلم. [9]
شاهد أيضًا: حكم التبرك بالاولياء والصالحين
حكم حضور الحائض غسل الميت أو تغسيله
لا ضير في حضور الحائض غسل الميت أو تغسيله ولا شبهة في ذلك ولا يوجد نص يحرم ذلك من آيات قرآنية أو أحاديث شريفة وردت عن نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولم يحرم أئمة المذاهب الأربعة أمرًا كهذا فهو أمر مباح ولا شك في ذلك، ولكن كره بعض السلف كالحسن وابن سيرين ذلك، ولكن هذا لا يعني تحريمه، وللجنب والنفساء الحكم ذاته في جواز حضورهم أو تغسيلهم للميت لأنهم طاهرون، وقد ذكر الشافعية في بعض كتبهم ذلك هو كتاب تحفة المحتاج فقالوا: “ويغسل الجنب والحائض الميت بلا كراهة لأنهما طاهران.” ، واستحب المالكية ترك تغسيل الميت للحائض والجنب، والله ورسوله أعلم. [10]
الفائدة من زيارة المقابر
و تُسن زيارة المقابر لما فيها من فائدة للحي والميت على حد سواء، فهي تُرّقِّقُ قلب الحيِّ وتُدمع عينه وتذكره بالآخرة وتزهِّده بالدنيا وتحول نظره عنها فتوقع في قلبه أهمية التوبة والإنابة إلى مولاه والاستغفار عن ذنبه فكفى بالموت واعظًا ، وذلك فيما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “كنتُ نهيتُكم عن زيارَةِ القبورِ ألا فزورُوها ، فإِنَّها تُرِقُّ القلْبَ ، و تُدْمِعُ العينَ ، وتُذَكِّرُ الآخرةَ ، ولا تقولوا هُجْرًا” [11] ، وفائدتها للميت تكسبه دعاء الحي وسلامه عليه والاستغفار له، فإن من السنة زيارة القبور والسلام عليهم ففي هذا السلام تخفيف عن الميت عذاب قبره ويسلمه من بعضه، وأما الدعاء والاستغفار له فيصله ثوابه وينتفع فيه بإذن الله، ويكون سببًا في غفران ذنبه وتخفيف عذابه. والله ورسوله أعلم. [12]
شاهد أيضًا: هل يجوز تصوير الميت
آداب زيارة المقابر
إن لزيارة القبور آداب معينة على المسلمين الإلتزام بها رجالًا ونساءً، وهذه الآداب هي كالتالي: [13]
- السلام على أهل المسلمين والمؤمنين منهم والدعاء لهم، فذلك كما علمنا النبي عليه الصلاة والسلام فعن بريدة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “السلامُ عليكم أهلَ الدِّيارِ مَِنَ المؤمنينَ والمسلمينَ ، وإنَّا إنْ شاء اللهُ بكم لاحِقونَ ، نسألُ اللهَ لنا ولكم العافيةَ.” [14]
- تجنب الجلوس على القبور، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لأَنْ يَجْلِسَ أحَدُكُمْ علَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيابَهُ، فَتَخْلُصَ إلى جِلْدِهِ، خَيْرٌ له مِن أنْ يَجْلِسَ علَى قَبْرٍ.” [15]
- أن لا يمشي بين القبور منتعلًا، فعن بشير بن معبد قال: “أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رأى رجلًا يمشي بين القبورِ في نعلَينِ فقال ويحك يا صاحبَ السِّبتيَّتينِ ألقِ سِبتِيَّتيكَ” [16] ، إلا أن يكون هناك ضرر من السير حافيًا كأن تكون الشمس حارة وفيها رمضاء أو كانت المقبرة فيها أشواك أو أي شيء يؤذي الأقدام فحينها يمكن الانتعال من باب دفع الضرر بضرر أخف منه، بشرط ألا يطأ على القبور ففي ذلك تفريد واضح واجتراء، وقدد علل بعض أهل العلم كراهة انتعال النعل بين القبور لما فيه من الخيلاء وانتعال السبتيتين من جلود البقر المدبوغة هو لباس أهل الترف، وزائر القبور ينبغي أن يكون عليه لباس التواضع والخشوع.
إلى هنا نكون قد وصلنا معكم رواد موقعنا الأكارم إلى ختام مقال حكم زيارة المقابر للحائض ، ضوابط زيارة المرأة للمقابر تناولنا فيه بيانًا للحكم الشرعي من زيارة النساء للقبور وماذا نقول عند زيارة المقابر وكيف نسلم عليهم وكما تناولنا الضوابط الشرعية عند زيارة المرأة القبور والحكم من زيارة النساء قبر النبي عليه الصلاة والسلام والفائدة من زيارة القبور للرجال والنساء وبينا أيضًا حكم حضور غسل الميت وتغسيله والآداب التي يجب التحلي بها عند زيارة القبور للرجال والنساء أيضًا، نسأل الله لموتانا وموتاكم الرحمة والمغفرة ولقلوبكم الصبر والسلوان.
أسئلة شائعة
المراجع
- ^ مجموع الفتاوى، أبو هريرة،ابن تيمية،24/360،صحيح
- ^ النصيحة، علي بن أبي طالب،الألباني،157،صحيح بشواهده
- ^ صحيح البخاري، أنس بن مالك،البخاري،1252،صحيح
- ^ islamweb.net، أدلة جواز زيارة المرأة للقبور، 15/03/2023
- ^ صحيح مسلم، عائشة أم المؤمنين،مسلم،974،صحيح
- ^ shamela.ws، كتاب شرح صحيح البخاري،أسامة سليمان،باب زيارة القبور، 15/03/2023
- ^ إرواء الغليل، النعمان بن بشير،الألباني،2075،صحيح
- ^ فتح الباري لابن حجر، أبو هريرة،ابن حجر العسقلاني،562/6،إسناده صحيح
- ^ shamela.ws، كتاب دروس الحرم المدني للعثيمين،ابن عثيمين،ج5 ص11، 15/03/2023
- ^ islamweb.net، حكم تولي الحائض أو الجنب غسل الميت، 15/03/2023
- ^ صحيح الجامع، أنس بن مالك،الألباني،4584،صحيح
- ^ islamweb.net، هل يستفيد الميت من زيارة الأحياء لقبره، 15/03/2023
- ^ islamweb.net، آداب زيارة القبور، وهل يشعر الميت بمن يزوره ؟، 15/03/2023
- ^ شرح الطحاوية، بريدة بن الحصيب الأسلمي،الألباني،453،شرح الطحاوية
- ^ صحيح مسلم، أبو هريرة،مسلم،971،صحيح مسلم
- ^ شرح معاني الآثار، بشير بن معبد بن الخصاصية،الطحاوي،1/510،صحيح
التعليقات