عناصر المقال
شرح قصيدة وزائرتي كأن بها حياء مع الصور الفنية، حيث إنّ الشعر العربي هو كلام موزون مقفى يتكلم عن المشاعر الداخلية التي يكر الإنسان فيها وربما حتى اظروف الخارجية التي تعترضه، وفي هذا المقال سيكون الوقوف مع مجموعة من المعلومات الهامة الخاصة بهذه القصيدة وما أحلى الصور الفنية التي وردت فيها، بالإضافة لومضات على المعاني الخاصة بمفردات هذه القصيدة.
من هو المتنبي
احمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي الكوفي الكندي ابو الطيب المتنبي عاش ما بين عام (303هـ-354هـ/915م-965م) كانت حياة المتنبي الأدبية معرضًا دسمًا للدراسات الأدبية في وقفة مفصلة للكلام عن الأسباب الداخلية والخارجية التي ساهمت في جعل صورة المتنبي بهذه القوة والدقة في الشعر العربي، وقد ولد الشاعر في الكوفة ونشأ في الشام ثم ذهب إلى البادية يطلب منها فصاحة اللسان وقوة الكلمة.
عُرف المتنبي على أنّه واحد من الشعراء الذين استطاعوا أن يطؤوا بلاط الملوك بل أن يبدعوا في مدحهم فقد وصف سيف الدولة الحمداني وصفًا عظيمًا لم يرتق الناس إليه بعد، ويُقال أنه مدح كافور الإخشيدي حتى يوليه إحدى الوزارات ولكنّه لم يوليه فمضى عنه وهو يجوه بألذع الكلام، وقد تسابق الكُتّاب القدماء والحديثين للكلام عن المتنبي ودراسته من جوانب متعددة.
شرح قصيدة وزائرتي كأن بها حياء
المتنبي سيد الكلمة الأدبية حيث يستطيع أن يصور ما في نفسه كما يُصور الآخرون ما يجري خارجًا، وواحدة من أشعاره قد سخرها المتنبي للكلام عن الحمى التي أصابته وما يأتي شرح القصيدة بشكل تفصيلي:
-
وَزائِرَتي كَأَنَّ بِها حَياءً
فَلَيسَ تَزورُ إِلّا في الظَلامِ
الآن يتكلم المتنبي عن المصاب الذي أصابه والألم الذي حلّ به وكأنّه شيء عظيم لا يقدر على الخلاص منه ولا ينتهي فيقول أنّ هذه الحمى التي أصابته لا تأتي لتنغض عليه عيشه سوى في الليل وهنا يشبهها بالفتاة الحيية الخجولة التي لا تأتي عند محبها إلا في الليل لما تنام العيون وتغفو.
-
بَذَلتُ لَها المَطارِفَ وَالحَشايا
فَعافَتها وَباتَت في عِظامي
ثم يتكلم الشاعر عن أنواع الفراش وأنواع البسط الذي وفرها لتلك الزائرة حتى تكون بعيدة عنه ولكنها لفرط شرها لم تقبل إلا ان تبيت في عظامه وتوجعه الفراش فالحمى هي من أصعب الآفات التي يمكن أن تحل بالإنسان فتدمر له صحته وقوته.
-
يَضيقُ الجِلدُ عَن نَفسي وَعَنها
فَتوسِعُهُ بِأَنواعِ السِقامِ
إنّ الذي يشعر بالحمى والحرارة يكاد جلده ينشق عنه لفرط ذلك الألم وقسوته فيحس كأنّما يصعد في السماء وكأنه يرغب بأن يخلع جلده لفرط تلك الحرارة حتى يكاد الجلد يضيق عنه وعن الحمى التي أصابته، ولكن لفرط خبث تلك الحمى فإنّها تحاول أن تجد طريقة أخرى لتوسع لها مكانًا فيكون من خلال زيادة الأمراض والأسقام.
-
إِذا ما فارَقَتني غَسَّلَتني
كَأَنّا عاكِفانِ عَلى حَرامِ
منذ الصورة الأولى التي ابتدأها المتنبي في الكلام عن الحمى فقد شبهها بالمرأة الخجولة التي تزور حبيبها في غسق الليل حتى لا يراها أحد، فيكمل الصورة في هذا البيت أنّ الحمى لما تخف عنه وبعد أن تُفارقه يُغسلونه وهو هنا يشبهها باغتسال الرجل لما يُفارق المرأة.
-
كَأَنَّ الصُبحَ يَطرُدُها فَتَجري
مَدامِعُها بِأَربَعَةٍ سِجامِ
ولمّا يشق الفجر الليل وتنتهي الظلمة تبدأ الحمى بالتسلل مبتعدة عن المتنبي فمن المعروف أن الحمى تكون رفيقة الليل وفي النهار ينشط الإنسان وتخف عنه، ولكن مع ذلك هي تُعاني من ذلك الفراق وتألم له ألمًا عظيمًا وتحزن عليه وتبكي بكاء كثيرًا لأنّها ترفض فراق المتنبي ذلك الشخص الذي تحب.
-
أُراقِبُ وَقتَها مِن غَيرِ شَوقٍ
مُراقَبَةَ المَشوقِ المُستَهامِ
إنّ الإنسان يراقب الوقت في حالةٍ واحدة لمّا يكون منتظرًا شيئًا ما يحبه ويألفه، والآن المتنبي يُشبه حاله بحالة الرجل الذي يراقب الشيء الذي يحب ويتصبر من اجل رؤيته، ومع ذلك فهو ليس مشتاق لها ولا مترقب لرؤيتها ولكن ما باليد حيلة فالإنسان هكذا يحيا ما بين رجاء وخوف.
-
وَيَصدُقُ وَعدُها وَالصِدقُ شَرٌّ
إِذا أَلقاكَ في الكُرَبِ العِظامِ
إنّ من أعظم الصفات التي يتصف بها الإنسان ويدعو لها الناس عامة القريب والبعيد هي صفة الصدق، والمتنبي الآن يعلم حقيقة صدق الحمى فهي صادقة الوعد تأتي إليه في كل ليلةن ولكن على عكس ما قد يظنه البعض فإنّ صدق المرض هو صدق أليم شديد على النفس لا يتمناه أي إنسان.
-
أَبِنتَ الدَهرِ عِندي كُلُّ بِنتٍ
فَكَيفَ وَصَلتِ أَنتِ مِنَ الزِحامِ
لما يضيق الأمر بالإنسان وينزل به مصاب شديد أو حزن أو حتى ألم فإنّه لا يكتفي بذلك الألم أو ذلك المصاب بل يبدأ بالتفتيش عن مصائبه كلها، ولمّا جرد المتنبي مصائبه وعلم كثرتها تعجب كثيرًا أن كيف بقي للحمى متسع تصل من خلاله إليه بعد كل ما حل به من الأحزان والأسقام.
-
جَرَحتِ مُجَرَّحاً لَم يَبقَ فيهِ
مَكانٌ لِلسُيوفِ وَلا السِهامِ
عادة ما يألم الناس من طعنات السيوف او من جروح السهام ولكن يختلف الحال الآن بالنسبة للمتنبي، فإنّ جسده لم يعد به متسع لسيف ولا لسهم لكثرة الآلام والجراحات التي ألحقتها الحمى به، فبدلًا أن يكون في الحرب بين دقات السيوف الآن هو طريح الفراش من أثرها.
-
أَلا يا لَيتَ شَعرَ يَدي أَتُمسي
تَصَرَّفُ في عِنانٍ أَو زِمامِ
الآن إنّ هذا البيت الشعري هو بمثابة الكناية، فهو يتساءل هل يمكن أن يصح ويعود إلى ما كان عليه من القوة والمنعة لما كان يجول الرض على الخيل ويسافر على الإبل، وهو الآن لا مستقر له سوى الفراش وهذا من باب التعجب الذي يشعر به الإنسان لما ينزل به مرض ما.
الصور الفنية في قصيدة وزائرتي كأن بها حياء
لقد عُرف عن شعر المتنبي قوة الصور الفنية التي يستعملها حتى أنّه سمي في ذلك الوقت بشاعر الحكمة، والحكمة لا تتأتى إلا من خلال الصور البديعة التي يأتي بها الشاعر فلا تكون مطروقة قبل ذلك ولا متداولة، ومن بين تلك الصور:
- وَزائِرَتي كَأَنَّ بِها حَياءً فَلَيسَ تَزورُ إِلّا في الظَلامِ: جعل الشاعر المتنبي مثل الإنسان الذي يزور غيره ومثل الضيف الذي يحل على الآخرين أي إنّه شخصنها، استعارة مكنية حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو الزيارة.
- يَضيقُ الجِلدُ عَن نَفسي وَعَنها فَتوسِعُهُ بِأَنواعِ السِقامِ: جعل الجلد مثل الإنسان الذي يضيق بأمرٍ ما أو بحاجة ما وهذا من أبلغ الصور في تشبيه الحمى، استعارة مكنية حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو الضيق.
- إِذا ما فارَقَتني غَسَّلَتني كَأَنّا عاكِفانِ عَلى حَرامِ: جعل الحمى مثل الإنسان الذي يزور غيره أو يأوي إليه وهذا من شدة الألم الذي خلفته الحمى لديه، استعارة مكنية حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو الفراق.
- كَأَنَّ الصُبحَ يَطرُدُها فَتَجري مَدامِعُها بِأَربَعَةٍ سِجامِ: في هذا البيت الشعري يصور المتنبي على أنّ الحمى هي مثل الإنسان الذي يُطرد والصبح مثل الإنسان الذي يطرد غيره، استعارة مكنية حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو الطرد.
- وَيَصدُقُ وَعدُها وَالصِدقُ شَرٌّ إِذا أَلقاكَ في الكُرَبِ العِظامِ: جعل الشاعر في هذا البيت الشعري الحمى مثل الإنسان الذي يعد الآخر بوعدٍ ما فهو إمّا أن يصدق في ذلك الوعد أو يكذب فيه، استعارة مكنية حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو الصدق.
- وَمَلَّنِيَ الفِراشُ وَكانَ جَنبي يَمَلُّ لِقاءَهُ في كُلِّ عامِ: هنا يتكلم الشاعر عن الفراش ويعتبره مثل افنسان الذي يمل من الآخرين أو لا يمل منهم وهنا يُعطي للفراش صفة الإنسان الذي يشعر وتعتريه المشاعر الداخلية،
- فَإِن أَمرَض فَما مَرِضَ اِصطِباري وَإِن أُحمَم فَما حُمَّ اِعتِزامي: في هذا البيت الشعري جعل الشاعر الصبر والعزم مثل الإنسان الذي يعتريه نوع من أنواع الوهن أو الضعف وهو ما ينفيه عن صبره الذي لم ولن يمرض وعن عمه وقوته الذي لن يُحم مثلما أصابه هو، استعارة مكنية حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو المرض أو الحمى.
شرح المفردات في قصيدة وزائرتي كأن بها حياء
إنّ القصيدة العربية لتضيق بأنواع الجمال الذي خلفه الشاعر المتنبي فيها من كثرة الصور الشعرية ذات المنظر الرائع البديع والمفردات الرنانة التي تعبر عن الحال التي يمر بها، ومن تلك المفردات:
- المطارف: معنى المطارف أي الأفضل من كل شيء وكأنّه يقصد في هذه الكلمة أنّه فرش لها أحسن الفراش وأودعها في أحسن المكان وتركها في أحسن المطارح.
- سجام: أي سالت من الدمع كثيرًا والسجام هو سيلان الدمع وهنا الحمى قد سالت الدمع الكثير على فراق المتنبي في الصباح.
- عنان: العنان هو الشيء من الدابة الذي يمسك فتجر به ويُقال له ايضًا اللجام وهذا ما قصده المتنبي في قصيدته.
قصيدة وزائرتي كأن بها حياء pdf
إنّ القصيدة العربية هي ما ينسجه الشاعر العربي من المشاعر الداخلية التي تعتريه والمشاعر النفسية التي تحيط فيه، ومن بين ذلك المتنبي في قصيدته العريقة والتي يصف فيها الحمى التي اعترت قلبه واعترت روجه واعترت حياته، وفي هذا المقال كان تفصيل معاني القصيدة والتي يثمكن تحميلها عبر الضغط “من هنا“.
مقالات قد تهمك
ما يزال الشعر العربي هو الحقيقة التي يبحث الناس عن معانيها في بطون الكتب وبين السطور، وفيما سيكون الوقوف مع أهمّ المقالات ذات الصلة:
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقال شرح قصيدة وزائرتي كأن بها حياء مع الصور الفنية ونكون قد تكلمنا فيه عن أهمّ المعلومات التي يجب على الشخص معرفتها عن قصيدة وزائرتي وما أهمّ المفردات التي لا بدّ من الإحاطة بها والوقوف معها.
التعليقات