عناصر المقال
لماذا سميت الأيام البيض بهذا الاسم، إنَّ مصطلح الأيام البيض يُطلق على عددٍ من الأيام الخاصة بالأشهر القمرية، ولهذه الأيام مكانة عظيمة في الشهر الحنيف، وفي هذا المقال سيتمُّ بيان ما هي هذه الأيام، والسبب الذي من أجله سُميت بهذا الاسم، كما سيتمُّ بيان بعض الأحكام والمعلومات المتعلقة بالأيام البيض، مثل حكم وفضل والحكمة من صيامهن، وحكم صيامهن إن وافقن الأيام المنهي عن صيامها، بالإضافة إلى بيان حكم قطع صيام الأيام البيض، وفي ختام هذا المقال سيجد القارئ سبب تسمية الأيام البيض بالأيام الغر.
لماذا سميت الأيام البيض بهذا الاسم
يعدُّ مصطلح الأيام البيض لفظٌ مركبٌ يدل في الشرع الحنيف على ثلاثة أيام من منتصف الشهر القمري، وهنَّ: اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، ويرجع سبب تسمية هذه الأيام بهذا الاسم إلى ابيضاض لياليهما بالقمر؛ إذ أنَّ القمر بتلك الليالي يطلع من أولها إلى آخرها، وقد شرع الله -عزَّ وجلَّ- صيام هذه الأيام،[1] وفيما يأتي من فقرات سيكون الحديث مفصلًا عن مشروعية صيام هذه الأيام.
شاهد أيضًا: لماذا سميت تكبيرة الاحرام بهذا الاسم
صيام الأيام البيض
لقد أوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاحبه أبا هريرة بصيام ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهرٍ، ودليل ذلك الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-: حيث قال: “أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بثَلَاثٍ: صِيَامِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ، ورَكْعَتَيِ الضُّحَى، وأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أنْ أنَامَ”،[2] وقد جاءت هذه الأيام في هذا الحديث على إطلاقها، ولم تُخصص بأيامٍ معينة، لكن جاءت أحاديث أخرى تدلُّ على استحباب صيام الثلاث البيض على وجه الخصوص، وفيما يأتي ذكرها:
- ما رُوي عن ملحان القيسي -رضي الله عنه- حيث قال: “أنه كان يأمرُ بصيامِ البِيضِ : ثلاثَ عشرةَ ، وأربعَ عشرةَ ، وخمسَ عشرةَ”.[3]
- ما روي عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- حيث قال: “إذا صُمْتَ من الشَّهرِ ثلاثًا فصُم ثلاثَ عَشرةَ ، و أربعَ عَشرةَ ، و خَمسَ عشرةَ”.[4]
الحكمة العلمية من صيام الأيام البيض
قبل بيان الحكمة العلمية من صيام هذه الأيام، لا بدَّ من التنبيه إلى أنَّ المسلم إنَّما يقوم بعبادة الله -عزَّ وجلَّ- وفق ما شرع طاعة لله تعالى، وتطبيقًا للغاية التي خُلق من أجلها والمتمثلة في قول الله تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”، ومن هذا المنطلق فإنَّ المسلم يصوم الأيام البيض عبادةً لله تعالى أولًا، ثمَّ بعد ذلك يصومها لنيل الفوائد المرجوة منها، ويُمكن القول أنَّ الحكمة العلمية من مشروعية صيام هذه الأيام على وجه الخصوص، أنَّ الجسد تصيبه رطوبة في الأيام البيض، ويحتاج إلى إخراج الفضلات الناتجة عن ذلك، وإنَّ السبيل إلى إخراجها هو صيام الأيام البيض.[5]
فضل صيام الأيام البيض على وجه الخصوص
لقد عدَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صيام الأيام البيض مثل صيام الدهر، ودليل ذلك الحديث الذي رواه ملحان القيسي -رضي الله عنه- والذي قال فيه: “أنه كان يأمرُ بصيامِ البِيضِ : ثلاثَ عشرةَ ، وأربعَ عشرةَ ، وخمسَ عشرةَ ، ويقولُ : هو كصومُ الدهرِ ، أو كهيئةِ صومِ الدهرِ”،[3] حيث أنَّ الحسنة بعشر أمثالها، وصيام يومٍ يعدل صيام عشر أيام، وبناءً على ذلك فأنَّ صيام ثلاثة أيامٍ يعدل صوم ثلاثين يوم، وبهذه الحسبة البسيطة فإنَّ من صام ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهرٍ، كأنَّه صام الدهر كلِّه.[]
شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة البروج بهذا الاسم
فضل صيام الأيام البيض على وجه العموم
إنَّ ترتيب أجرٍ مخصوصٍ على العبادة لا يعني عدم نيل المسلم للفضلِ المترتب على عموم تلك العبادة، ومعلومٌ أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قد رتب فضلًا عظيمًا وأجرًا كبيرًا على صيام يومٍ في سبيله، وبناءً على ذلك فإنَّ من صام الأيام البيض فإنَّه ينال -غير الأجر المخصوص المترتب على صيامهنَّ- الأجر العام المترتب على الصيام، وفيما يأتي بيان فضلِ الصيام على وجه العموم:
- المباعدة عن نار جهنم سبعين خريفًا، ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَن صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا”.[6]
- نيل محبة الله -عزَّ وجلَّ- ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: “وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ”.[7]
- الدخول يوم القيامة من باب الريان، ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “نَّ في الجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ له: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ منه أحَدٌ”.[8]
- حفظ دين المرء، حيث أنَّ الصيام سببٌ من أسباب كسر شهوة الشاب غير القادر على الزواج، ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ”.[9]
شاهد أيضاً: لماذا سميت سورة الحشر بهذا الاسم
صيام الأيام البيض إن وافقت الأيام المنهي عن صيامها
لقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن إفراد بعض الأيام بالصيام، مثل يوم الجمعة والسبت، لكن إن وافق يوم الجمعة أو يوم السبت أحد الأيام البيض فيجوز للمسلم صيامه من غير كراهة؛ إذ أنَّه يصوم ذاك اليوم لأنَّه من الأيام البيض، وليس لكون يومَ جمعةٍ أو سبت، والله تعالى أعلى وأعلم.[10]
صيام اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة
حيث أنَّ الراجح من أقوال أهل العلم هو حرمة صيام أيام التشريق، فإنَّه لا يجوز للمسلم صيام اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، والذي يوافق أحد الأيام البيض، وقد استحبَّ بعض أهل العلم قضاء صيام هذا اليوم في اليوم السادس عشر من شهر ذي الحجة، كما يجوز لمن اعتاد صيام هذه الأيام الاكتفاء بصوم اليومين الرابع عشر والخامس عشر في هذه الحالة.[11]
قطع صيام أيام البيض
حيث أنَّ صيام أيام البيض يندرج تحت صيام التطوع، فإنَّه يجوز للمسلم قطعه إن بدا له ذلك، ودليل ذلك الحديث الذي روته السيدة عائشة -رضي الله عنها- حيث قالت: “قالَ لي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ يَومٍ: يا عَائِشَةُ، هلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ؟ قالَتْ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما عِنْدَنَا شيءٌ، قالَ: فإنِّي صَائِمٌ، قالَتْ: فَخَرَجَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ -أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ- قالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ -أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ- وَقَدْ خَبَأْتُ لكَ شيئًا، قالَ: ما هُوَ؟ قُلتُ: حَيْسٌ، قالَ: هَاتِيهِ، فَجِئْتُ به فأكَلَ، ثُمَّ قالَ: قدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا”.[12]
شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الإسراء بهذا الاسم
لماذا سميت الأيام البيض بالأيام الغرّ
إنَّ من الأسماء التي تُطلق على الأيام البيض أيضًا اسم الأيام الغُرَّ، ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “فأين أنت عن البيض الغر ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة؟”،[13] ويرجع سبب تسمية هذه الأيام بالأيام الغر، إلى المعنى اللغوي لكلمة الغرّ، حيث أنَّها تُطلق على البياض، وحيث أنَّ القمر يكون مكتملًا في هذه الأيام مما يجعل ليالي هذه الأيام بيضاء، والله تعالى أعلى وأعلم.[14]
وبذلك تمَّ الوصول إلى ختام هذا المقال، والذي يحمل عنوان لماذا سميت الأيام البيض بهذا الاسم، حيث تمَّت فيه الإجابة على هذا السؤال المطروح، كما تمَّ بيان بعض الأحكام والمعلومات المتعلقة بصيام هذه الأيام، وفي ختام هذا المقال تمَّ بيان سبب تسمية هذه الأيام بالأيام الغر.
المراجع
- ^ islamweb.net، سبب تسمية الأيام 13 -14 - 15 بالبيض، 22/12/2022
- ^ صحيح البخاري، البخاري، أبو هريرة، 1981، صحيح
- ^ صحيح ابن ماجه، الألباني، ملحان القيسي وقيل المنهال، (75/2)، صحيح لغيره
- ^ صحيح الجامع، الألباني، أبو ذر الغفاري، 673، صحيح
- ^ islamweb.net، الحكمة من صيام ثلاثة أيام في الشهر
- ^ صحيح البخاري، البخاري، أبو سعيد الخدري، 2840، صحيح
- ^ صحيح البخاري، البخاري، أبو هريرة، 6502، صحيح
- ^ صحيح البخاري، البخاري، سهل بن سعد الساعدي، 1896، صحيح
- ^ صحيح البخاري، البخاري، عبدالله بن مسعود، 5065، صحيح
- ^ islamweb.net، أحوال صيام الأيام البيض، 22/12/2022
- ^ islamweb.net، حكم صوم الثالث عشر من ذي الحجة لمن اعتاد صوم أيام البيض، 22/12/2022
- ^ صحيح مسلم، مسلم، عائشة أم المؤمنين، 1154، صحيح
- ^ صحيح النسائي، الألباني، أبو ذر الغفاري، 4322، حسن
- ^ dorar.net، شرح الحديث، 22/12/2022
التعليقات