عناصر المقال
تحليل قصيدة البارودي في رثاء زوجته، هو ما سنتناوله في هذا المقال، فإن رثاء محمود سامي البارودي لزوجته في شعره يعتبر من أروع الروائع في شعر الإحيائيين وشعراء الحداثة بصفة عامة، ولم يختلف على ذلك قارئ ولا ناقد، خاصة التدفق الشعوري يكون في أوجه عند الفقد وأي فقد أصعب من الموت.. تحكي المشاعر حينها ما لا يقوله الرجل في صحوته فسكرة الموت تمس بذيلها الأحياء أيضا فتسكرهم وتلوعهم وتجعل الصمت أمرا مستحيلًا، وهنا سنتناول مقتطفات من شعر محمود سامي البارودي برثاء زوجته.
من هو محمود سامي البارودي
هو محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري، ولد في القاهرة لوالدين من أصل جركسي ينحدر من سلالة المقام السيفي نوروز الأتابكي (أخي برسباي)، يعود نسبه “البارودي” على مدينة إيتاي البارود في محافظة البحيرة في مصر حاليًا، لقب باسم فارس السيف والقلم وذلك لكونه قائدًا حربيًا مقدامًا وشاعرًا مجددًا. ظهرت موهبته في مجال الشعر في سن مبكرة نتيجة اطلاعه على التراث العربي وقراءته للشعر العربي والفارسي و التركي مما سقى نتاجه الشعري تجديدًا وشمولية وعمقًا فكان عميدًا للمدرسة التي نهضت بالشعر العربي من كبوته ورائدًا للشعر العربي الحديث فجدد بالقصيدة شكلًا ومضمونًا.[1]
تخرج في المدرسة الحربية، ودرس اللغات الفارسية والتركية في الأستانة، وقاد حملة عظيمة في مساندة القيادة التركية في ثورة جزيرة كريت في عام 1868م، كما كان قائد في الحرب الروسية التركية في عام 1877م، تقلد العديد من المناصب في الدولة فقد تم تعيينه مديرًا لمحافظة الشرقية ثم محافظًا للقاهرة ثم رئيسًا لمجلس النظار خلال فترة الاحتلال الفرنسي الانكليزي على مصر حيث حاول وضع دستورًا قويمًا للبلاد يصلح أحوالها ويرد كرامتها، ثم وزيرًا للمعارف والأوقاف، ثم تسلم وزارة الحربية ثم استقال واشترك في قيادة الثورة العرابية (هوجة عرابي) التي انتهت بالفشل والقبض عليه والحكم عليه بالإعدام ثم تم تخفيف الحكم إلى النفي فقط وتم نفيه مع أصحابه إلى جزيرة سيلان وبقي منفياً سبعة عشر عامًا، ثم عفى عنه النظام في عام 1317هـ بعدما فقد بصره حتى عاد إلى مصر بعدها، فكان منارة للشعر العربي الحديث ومضيفاً للحضارة الشعرية أروع القصائد وأميزها على الإطلاق وجمع شعره في (ديوان البارودي) و(مختارات البارودي).[1]
شاهد أيضًا: شعر حزين عن موت شخص عزيز
أبيات قصيدة البارودي في رثاء زوجته
المتن الكامل للقصيدة الأشهر للبارودي في رثاء زوجته يتعدى الستين بيتاً اخترنا لكم منها بعض الأبيات التي يقول فيها:[2]
أَيَدَ الْمَنُونِ قَدَحْتِ أَيَّ زِنَادِ
وَأَطَرْتِ أَيَّةَ شُعْلَةٍ بِفُؤَادِي
أَسْتَنْجِدُ الزَّفَراتِ وَهْيَ لَوَافِحٌ
وَأُسَفِّهُ الْعَبَرَاتِ وَهْيَ بِوَادِي
يا دَهْرُ فِيمَ فَجَعْتَنِي بِحَلِيلَةٍ
كَانَتْ خُلاصَةَ عُدَّتِي وَعَتَادِي
إِنْ كُنْتَ لَمْ تَرْحَمْ ضَنَايَ لِبُعْدِهَا
أَفَلا رَحِمْتَ مِنَ الأَسى أَوْلادِي
فَخُدُودُهُنَّ مِنَ الدُّمُوعِ نَدِيَّةٌ
وَقُلُوبُهُنَّ مِنَ الْهُمُومِ صَوَادِي
أَسَلِيلَةَ الْقَمَرَيْنِ أَيُّ فَجِيعَةٍ
حَلَّتْ لِفَقْدِكِ بَيْنَ هَذَا النَّادِي
أَعزِزْ عَلَيَّ بِأَنْ أَرَاكِ رَهِينَةً
فِي جَوْفِ أَغْبَرَ قَاتِمِ الأَسْدَادِ
لَوْ كَانَ هَذَا الدَّهْرُ يَقْبَلُ فِدْيَةً
بِالنَّفْسِ عَنْكِ لَكُنْتُ أَوَّلَ فَادِي
جَزَعُ الْفَتَى سِمَةُ الْوَفَاءِ وصَبْرُهُ
غَدْرٌ يَدُلُّ بِهِ عَلَى الأَحْقَادِ
وَلَهِي عَلَيكِ مُصاحِبٌ لِمَسِيرَتِي
وَالدَّمْعُ فِيكِ مُلازِمٌ لِوِسَادِي
أَمْسَيْتُ بَعْدَكِ عِبْرَةً لِذَوِي الأَسَى
فِي يَوْمِ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَحِدَادِ
لامُوا عَلَى جَزَعِي وَلَمَّا يَعْلَمُوا
أَنَّ الْمَلامَةَ لا تَرُدُّ قِيَادِي
سِرْ يَا نَسِيمُ فَبَلِّغِ الْقَبْرَ الَّذِي
بِحِمَى الإِمَامِ تَحِيَّتِي ووِدَادِي
قَدْ كِدْتُ أَقْضِي حَسْرَةً لَوْ لَمْ أَكُنْ
مُتَوَقِّعَاً لُقْيَاكِ يَوْمَ مَعَادِي
فَعَلَيْكِ مِنْ قَلْبِي التَّحِيَّةُ كُلَّمَا
نَاحَتْ مُطَوَّقَةٌ عَلَى الأَعْوَادِ
شاهد أيضًا: كلام مواساة شخص فقد غالي
تحليل قصيدة البارودي في رثاء زوجته
ستجدون في السطور الآتية تحليلًا كاملًا لقصيدة البارودي في رثاء زوجته:
معاني الألفاظ في قصيدة البارودي
فيما يأتي شرح المفردات في قصيدة البارودي في رثاء زوجته:
- المنون: مفردها المنية: الموت، قدحت: أشعلت, الزناد : هي أداة تشعل النار.
- الزفرات: هي الأنفاس الطويلة ذات الصوت المسموع الناتجة عن الحزن والإرهاق .. أستنجد الزفرات: المراد هو أجدد الزفرات لأستعين بها على المصيبة؛ آملًا أن تخفف ألمي.
العبرات: جمع عبرة وهي الدمعة في العين التي تأبى أن تنحدر وهي الحزن المحبوس رغمًا في الصدر.
لوافح: اللُّفَّاحُ هو نبات عُشبيُّ معمِّرٌ سامٌّ طبّيٌّ، فيشبه الشاعر الدمع بأنها سامة مؤلمة وذلك لشدة الحزن.
بوادي: مفردها بادية من الفعل بدا يبدو بهو بادٍ أي ظاهر. - حليلة: الزوجة المحبوبة, عتادي: ما أتزود به للأيام القادمة.
- ضناي : من ضنى يضني، والواحد منه ضنيٌ وضنِ وهو المرض الذي لا ينفك أن يعود كما ظن صاحبه أنه شفي منه, الأسى: شدة الحزن.
- صوادي: جمع كلمة صادية، وهي الأرض العطشى المتشققة المشتاقة للماء المحترقة من حر الشمس، والتشبيه هنا بالقلوب كأنها أرض عطشانة محترقة من شدة الحزن.
- الْقَمَرَيْنِ: يقصد والدي الفقيدة وهنا استعارة تصريحية.
” حَلَّتْ لِفَقْدِكِ بَيْنَ هَذَا النَّادِي” الشطر كله كناية عن دخول الزوجة إلى القبر، ولم يصرح بذلك لشدة وقع ذلك على نفسه المحترقة بالحزن وعلى نفس المتلقي. - سليلة القمرين : ابنة القمرين أو منحدرة من عائلتهما, الفجيعة : المصيبة العظيمة – الموت.
- أغبر قاتم الأسداد: المراد به القبر.
- الجزع: لم يصبر على ما أصابه.
- ولهي عليك: حزني الشديد عليك.
- أقضي حسرة: أموت من حزني على فقدك.
- مطوقة : حمامة, ناحت مطوقة على الأعواد : المقصود بها هدلت الحمامة على الغصن أو أنّت.
شرح أبيات قصيدة البارودي
يظهر الشاعر في هذه الأبيات عاطفة صادقة و حزن ولوعة بعد وفاة زوجته، ويعبر عن قرب زوجته منه باستخدام أداة النداء الألف في قوله: “أَيَدَ الْمَنُون” فالألف في اللغة العربية للنداء القريب, ونجده يصف حزنه بوصف الآثار المترتبة على حزنه هذا فبذلك يقوي المعنى وينعي نفسه.
- يد الموت لقد أشعلت شعلة في قلبي أحرقت كل جميل فيه وأحرقتني.
- ألجأ للأنفاس الطويلة الممزوجة بحزني وألمي لعلها تخفف عني فأراها سمًا و داء لا دواء .. و أنتقص من قيمة الدمعات أحاول إخفاءها عن العيان وهي ظاهرة على وجهي وفي عيني.
- أيها الزمن اللئيم لماذا حرمتني من زوجتي فهي نتاج حياتي الوحيد والزاد الذي كنت أرجو أن تنتهي حياتي بوجوده قربي.
- إن كنت لم ترحم يا شدة سقمي بفقدها الذي لا ينفك عني أبداً فهلّا رحمت أولادي من سطوة فقدهم لأمهم الحبيبة.
- فقد امتلأت وجوههن بالدموع حزناً عليها وتعطشت قلوبهم لرؤيتها وانفطرت لفقدها.
- يا بنت الأقمار يا جميلة المُحَيّا أي مصيبة نزلت بنا بموتك فلو خيرت لما سمحت بأن يحدث هذا.
- يصعب عليّ بأن أراك حبيسة قبر لا يدخله ضوء أو هواء.
- لي أن أفتديك بنفسي لو يخيرني القدر بهذا ولكن حكم الله فوق إرادتنا.
- قلة صبري على فقدانك دليل محبتي ووفائي فمن لا يهمه موت عزيز حقود لئيم غادر.
- شديد حزني عليك سيرافقني في طول الطريق.. وستشهد وسادتي كم أغرقتها الدموع في كل يوم بعد.
- أصبحت مضرباً للأمثال في الحزن والأسى وإن أصاب أحدهم مصيبة وحزن شبهه الناس بي.
- أكثر الناس لومي وعابوا قلة صبري لفقدك ولم يدركوا أن هذا لن يردعني ويعيد رشدي.
- أيها النسيم اذهب إلى قبرها فبلغه كثير محبتي وسلامي.
- لولا يقيني بأني سألتقي بك يوم القيامة لمتُّ من فوري حسرة وألماً ولكن الله وعدني بقوله: يُحشر المرء مع من أَحَب.
- فعليك السلام من قلبي المتيم بك كلما ناحت حمامة على عود الأراك.
شاهد أيضًا: دعاء لامي المتوفية في رمضان
قصيدة البارودي في رثاء أمه
كما رثى البارودي أمه في قصيدة تعد من أجمل ما قيل في الرثاء يظهر فيها انكساره بموت والدته:[3]
هَوَىً كَانَ لِي أَنْ أَلْبَسَ الْمَجْدَ مُعْلَمَا
فَلَمَّا مَلَكْتُ السَّبْقَ عِفْتُ التَّقَدُّمَا
إِذَا كَانَ عُقْبَى كُلِّ حَيٍّ مَنِيَّةٌ
فَسِيَّانِ مَنْ حَلَّ الْوِهَادَ وَمَنْ سَمَا
وَأَيُّ حَيَاةٍ بَعْدَ أُمٍّ فَقَدْتُهَا
كَمَا يَفْقِدُ الْمَرْءُ الزُّلالَ عَلَى الظَّمَا
تَوَلَّتْ فَوَلَّى الصَّبْرُ عَنِّي وَعَادَنِي
غَرَامٌ عَلَيْهَا شَفَّ جِسْمِي وَأَسْقَمَا
وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا ذُكْرَةٌ تَبْعَثُ الأَسَى
وَطَيْفٌ يُوَافِينِي إِذَا الطَّرْفُ هَوَّمَا
وَكَانَتْ لِعَيْنِي قُرَّةً وَلِمُهْجَتِي
سُرُوراً فَخَابَ الطَّرْفُ وَالْقَلْبُ مِنْهُمَا
فَلَوْلا اعْتِقَادِي بِالْقَضَاءِ وَحُكْمِهِ
لَقَطَّعْتُ نَفْسِي لَهْفَةً وَتَنَدُّمَا
وإلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا تحليل قصيدة البارودي في رثاء زوجته، وفي ختام هذا المقال فقد عرضنا تحليل هذه القصيدة، وأدرجنا شرحًا لأبياتها ولمعاني الألفاظ، ثم أضفنا أبياتًا من قصيدة البارودي في رثاء أمه.
المراجع
- ^ marefa.org، محمود سامي البارودي، 13/07/2022
- ^ aldiwan.net، قصيدة أيد المنونقدحت أي زناد البارودي، 13/07/2022
- ^ aldiwan.net، قصيدة هوى كان لي أن ألبس المجد معلما البارودي، 13/07/2022
التعليقات