حكم المولد النبوي في المذاهب الأربعة

حكم المولد النبوي في المذاهب الأربعة
حكم المولد النبوي في المذاهب الأربعة

ما هو حكم المولد النبوي في المذاهب الأربعة، فالاحتفال بالمولد النبوي الشريف قد بدأ في القرن الرابع الهجري بصورة واسعة عندما بدأ حكّام الفاطميين يحتفلون بهذا اليوم على الملأ ولكنّ الاحتفال به قد بدأ قبل ذلك من خلال احتفالات فرديّة أو جماعية صغيرة كان الناس يحتفلون من خلالها بالمولد النبوي الشريف، وفي هذا المقال وقفة مع بيان حكم الاحتفال بهذا المولد عند المذاهب الأربعة.

حكم المولد النبوي في المذاهب الأربعة

لم يُذكر في المذاهب الأربعة حكم عن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؛ إذ إنّ المولد قد بدأ في القرن الرابع الهجري بعد وفاة الأئمة الأربعة، فلم يذكروا قولًا في هذه المسألة، ولكن لا يعني ذلك أنّ الاحتفال بالمولد لم يكن على زمان الأئمة الأربعة، فالإمام الجنيد قد ذكر في كلامه الاحتفال بالمولد، وهذا الاحتفال قد كان يفعله بعض الناس بصيغة غير رسمية، بمعنى أنّ هذا الاحتفال لم يكن على مستوى الدولة عامة كما كان أيام الفاطميين، ولكن في منتصف القرن الرابع ظهر هذا الاحتفال على مستوى الدولة أيام الفاطميين، والله أعلم.

شاهد أيضًا: هل يجوز الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف

حكم الاحتفال بالمولد النبوي

إنّ الاحتفال بالمولد النبوي قد أجازه كثير من أئمة الإسلام إن كان في المباحات والأعمال الصالحة، وأمّا إن كان فيه ما تحرّمه الشريعة فلا، وفيما يأتي أقوال بعض الأئمة الذين أجازوا الاحتفال بهذه المناسبة:[1]

  • قول الإمام الجنيد: “من حضر مولد الرسول الأعظم وعظم قدره فقد فاز بالإيمان”.
  • قول الإمام السيوطي: “الجواب عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلون منه وينصرفون من غير زيادة على ذلك من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف”.
  • قول الإمام أبي شامة المقدسي: “ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع مافيه من الإحسان للفقراء مشعر بمحبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم في قلب فاعل ذلك وشكر لله على ما منّ به من إيجاد رسوله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين”.

حكم المولد النبوي في المذاهب الأربعة

شاهد أيضًا: هل يجوز صيام يوم المولد النبوي الشريف

حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عند الإمام ابن حجر

يُعدّ الإمام ابن حجر العسقلاني من أئمة الإسلام الذي ذاع صيتهم حتى صار علمًا من أعلام الأمة، فإذا قيل الحافظ في كتب الحديث فيُقصد به الإمام ابن حجر شيخ الإسلام، وقد كان له كلام نفيس وتأصيل حول فكرة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ومما قاله هنا:[2]

“أَصْلُ عَمَلِ الْمَوْلِدِ بِدْعَةٌ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ، وَلَكِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَحَاسِنَ وَضِدِّهَا، فَمَنْ تَحَرَّى فِي عَمَلِهَا الْمَحَاسِنَ وَتَجَنَّبَ ضِدَّهَا كَانَ بِدْعَةً حَسَنَةً وَإِلَّا فَلَا، قَالَ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي تَخْرِيجُهَا عَلَى أَصْلٍ ثَابِتٍ وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: هُوَ يَوْمٌ أَغْرَقَ اللَّهُ فِيهِ فرعون وَنَجَّى مُوسَى فَنَحْنُ نَصُومُهُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى»”.

“فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ فِعْلُ الشُّكْرِ لِلَّهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ إِسْدَاءِ نِعْمَةٍ أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ، وَيُعَادُ ذَلِكَ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ، وَالشُّكْرُ لِلَّهِ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ كَالسُّجُودِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالتِّلَاوَةِ، وَأَيُّ نِعْمَةٍ أَعْظَمُ مِنَ النِّعْمَةِ بِبُرُوزِ هَذَا النَّبِيِّ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ؟ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَحَرَّى الْيَوْمُ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُطَابِقَ قِصَّةَ مُوسَى فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَمَنْ لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ لَا يُبَالِي بِعَمَلِ الْمَوْلِدِ فِي أَيِّ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ، بَلْ تَوَسَّعَ قَوْمٌ فَنَقَلُوهُ إِلَى يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ، وَفِيهِ مَا فِيهِ. فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَصْلِ عَمَلِهِ”.

“وَأَمَّا مَا يُعْمَلُ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى مَا يُفْهِمُ الشُّكْرَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ التِّلَاوَةِ وَالْإِطْعَامِ وَالصَّدَقَةِ وَإِنْشَادِ شَيْءٍ مِنَ الْمَدَائِحِ النَّبَوِيَّةِ وَالزُّهْدِيَّةِ الْمُحَرِّكَةِ لِلْقُلُوبِ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ، وَأَمَّا مَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ السَّمَاعِ وَاللَّهْوِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مُبَاحًا بِحَيْثُ يَقْتَضِي السُّرُورَ بِذَلِكَ الْيَوْمِ لَا بَأْسَ بِإِلْحَاقِهِ بِهِ، وَمَا كَانَ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا فَيُمْنَعُ، وَكَذَا مَا كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى”.

شاهد أيضًا: هل يجوز الاحتفال بعيد المولد النبوي

فضل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

إنّ الاحتفال بالمولد الشريف له فضل عظيم على الأمّة الإسلامية إن كان وفق حدود الشريعة ولم يتجاوزها إلى المنكرات، ففي كل عام يتعرّف الناس على سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، ويتعلمون منه ما يدفعهم نحو التمسك بدينهم أكثر فأكثر، فيكون دافعًا لهم نحو قراءة السيرة النبوية، ونحو معرفة مكارم الأخلاق التي كان يتحلى بها ومحاولة الالتزام بها والسير على نهجه وتمثل أخلاقه في كل شؤون الحياة، فهذا له فضل عظيم ويربّي الأمّة على التحلي بأخلاقه والتمسك بسنته من خلال تجديد هذه الروح كل عام في هذه الأيام، والله أعلم.

حكم المولد النبوي في المذاهب الأربعة

شاهد أيضًا: نشيد عن المولد النبوي الشريف للاذاعة المدرسية

هل يجوز صيام يوم المولد النبوي الشريف

ذكر بعض أهل العلم أنّه يجوز صيام يوم المولد النبوي الشريف إذا وافق يوم الاثنين؛ وذلك لأنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد صام يوم الاثنين، فيروي أبو قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه “سُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ الاثْنَيْنِ، قالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ”،[3] فإن وافق يوم المولد الإثنين سُنَّ صيامه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يوافق يوم المولد يوم الاثنين فله أن يصوم هذا اليوم من باب صيام النفل المطلق، والله أعلم.

شاهد أيضًا: نشيد المولد النبوي مكتوب .. أجمل أشعار عن المولد النبوي الشريف

هل يجوز مباركة عيد المولد النبوي

لقد أجاز كثير من العلماء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ومن هذا الباب جاز التهنئة فيه لأنّه اليوم الذي قد حمل للبشرية الخير العظيم بولادة خير الرسل والبشر النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، فيجوز المباركة بهذا اليوم من باب الفرح بولادة النبي الأكرم رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

حكم المولد النبوي في المذاهب الأربعة

وإلى هنا يكون قد تم مقال حكم المولد النبوي في المذاهب الأربعة بعد الوقوف على أقوال العلماء في المذاهب الأربعة وأقوال العلماء اللاحقين من الخلف الذين نظروا للمولد النبوي نظرة فاحصة وأصّلوا كلامهم وفقًا لفهمهم للدين.

المراجع

  1. ^ shamela.ws، مجلة الحقائق ص9 - 11، 05/10/2022
  2. ^ shamela.ws، الحاوي للفتاوي، 05/10/2022

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *