حكم من مات ولم يحج وله مال وعليه دين

حكم من مات ولم يحج وله مال وعليه دين
حكم من مات ولم يحج وله مال وعليه دين

حكم من مات ولم يحج وله مال وعليه دين، إنَّ الحجَّ هو خامسُ الأركانِ الَّتي يُبنى عليها الدِّينُ الإسلاميُّ الحنيفُ، وهو الفريضةُ الَّتي فرضَها اللهُ -سبحانَهُ وتعالى- على عبادهِ القادرينَ على تأديتها، ووعدَ من يؤدِّيها منهم بالثَّوابِ العظيمِ، ومع اقترابِ موسمِ الحجِّ في كلِّ عامٍ تكثُرُ الأسئلةُ الَّتي يطرحُها النَّاسُ عن بعضِ تفاصيل هذهِ الفريضةِ وأحكامِها، وفي هذا المقالِ سنُسلِّطُ الضَّوءَ لحضراتكم على حكم من مات ولم يحج وله مال وعليه دين وبعضِ الأُمورِ المُرتبطةِ بذلكَ.

الحج في الإسلام

الحجُّ هو الرُّكنُ الخامسُ مِنْ أركانِ الإسلامِ، وقد عرَّفَهُ العلماءُ وأهلُ الاختصاصِ بما يأتي: [1]

  • الحجُّ لغةً: هو كَثْرَةُ القصدِ (الذَّهاب) إلى مَنْ تُعظِّمُهُ.
  • الحجُّ اصطلاحاً (شرعاً): هو الذَّهابُ إلى الكعبةِ المُشَرَّفةِ وزيارتُها في وقتٍ معيَّنٍ مِنَ السَّنةِ (أشهر الحجِّ؛ شوَّال، وذو القعدة، والعشر الأوائل مِنْ ذي الحجَّةِ) لأداءِ أفعالٍ ومناسِكَ معيَّنةٍ؛ كالطَّوافِ، والوقوفِ بعرفة، ورمي الجمار… وما إلى ذلك.

وعلى رأيِ أكثرِ العلماءِ؛ فإنَّ الحجَّ قد فُرِضَ على المُسلمينَ في عامِ الوفودِ (أي: في أواخرِ السَّنةِ التَّاسعةِ الهجريَّة) وذلكَ مع نزولِ الآيةِ الكريمةِ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [2] إلَّا أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قد أخَّرَ الحجَّ في هذهِ السَّنةِ لعذرٍ؛ وهوَ نزولُ هذهِ الآيةِ بعدَ فواتِ الوقتِ.

حكم من مات ولم يحج وله مال وعليه دين

ذهبَ العلماءُ وأهلُ الشَّرعِ في حكم من مات ولم يحج وله مال وعليه دين مذاهبَ عدَّة: [3]

  • أوَّلها: تقديمُ الحجِّ على غيرهِ (وهو الأصحّ)؛ وذلكَ استناداً إلى حديثِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- الَّذي قالَ فيهِ: “أَتَى رَجُلٌ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ له: إنَّ أُخْتي قدْ نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، وإنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لو كانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أكُنْتَ قَاضِيَهُ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاقْضِ اللَّهَ، فَهو أحَقُّ بالقَضَاءِ”. [4]
  • وثانيها: تقديمُ قضاءِ دينِ الآدميِّ؛ وذلكَ لأنَّنا لو قدَّمنا قضاءَ دَيْنِ اللهِ (الحجّ) وكانَ الآدميُّ صاحبُ الدَّيْنِ شحيحاً أو محتاجاً فلن يُسامحَ الميِّتَ وقد يدعو عليهِ ويُعذَّبُ في قبرهِ بسببِ هذا الدَّين، بينما الله -عزَّ وجلَّ- هو الكريمُ القادرُ الَّذي قد يُحاسِبُ عبدَهُ على تقصيرهِ في عبادةِ الحجِّ وقد يعفو عنهُ ويُسامِحُهُ لأنَّهُ غيرُ مستطيعٍ، وهذا رأيُ الحنابلةِ.
  • وثالثها: أَنْ يُقسَّمَ المالُ الَّذي تركَهُ الميِّتُ بينَ دَيْنِ اللهِ -سبحانَهُ وتعالى- ودَيْنِ الآدميِّ.

هل يجوز الحج عن الميت

رأى جمهورُ العلماءِ أنَّ الإنسانَ الَّذي يتوفَّاهُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- إليهِ قبلَ أن يؤدِّي واجبَ الحجِّ فإنَّ هذا الواجبَ يبقى في ذمَّتهِ، ويجبُ على ورثتهِ أن يُخرجوا مبلغاً مِنْ مالهِ لقضاءِ هذا الواجبِ عنهُ وتبرئةِ ذمَّتهِ، سواءٌ أتركَ وصيَّةً تنصُّ عى ذلكَ أم لا، وهذا رأيُ الحنابلةِ والشَّافعيةِ والظَّاهريَّة… وغيرهم، وأدلَّةُ ذلك ما يأتي:

مِنَ القرآنِ الكريمِ قالَ اللهُ -تباركَ في علاهُ- في المواريث: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً} [5] فإنَّ الحجَّ هو دينٌ على الإنسانِ وينبغي لورثتهِ سدادُهُ كغيرهِ مِنَ الدُّيونِ إن لم يكن أحقَّ.
مِنَ الحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ عن عبدِ اللهِ بنِ بُريدةَ، عن أبيه -رَضِيَ اللهُ عنه- قال: “بيْنَما أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- إذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقالَتْ: إنِّي تَصَدَّقْتُ علَى أُمِّي بجَارِيَةٍ، وإنَّهَا مَاتَتْ، قالَ: فَقالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ المِيرَاثُ، قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه كانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قالَ: صُومِي عَنْهَا، قالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قالَ: حُجِّي عَنْهَا”.[6]
مِنَ الأثرِ عَنِ ابن عبَّاسٍ -رضي اللهُ عنهما-: “أنَّ امْرَأَةً مِن جُهَيْنَةَ جاءَتْ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حتَّى ماتَتْ؛ أفَأَحُجُّ عَنْها؟ قالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْها؛ أرَأَيْتِ لو كانَ علَى أُمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ؛ فاللَّهُ أحَقُّ بالوَفاءِ”. [7]

شروط الحج عن الميت

للحجِّ عَنِ المُتوفَّى شروطٌ عدَّة، لعلَّ أبرزَها ما يأتي: [8]

  • نيَّةُ الحجَّةِ عَنِ المُتوفَّى.
  • أنْ يكونَ المُتوفَّى مسلماً، والَّذي سينوبُ عنهُ في الحجِّ مسلماً مثلهُ.
  • أنْ يكونَ المالُ الَّذي سيُحجُّ بِهِ مِنْ أموالِ المُتوفَّى أو مِنْ أموالِ الورثةِ سواءٌ أأوصى بذلكَ أم لم يوصِ؛ لأنَّ الحجَّ دينٌ للهِ -عزَّ وجلَّ- في رقبتهِ.
  • أنْ يكونَ الحاجُّ قد حجَّ عَنْ نفسِهِ أوَّلاً ومن ثمَّ يحجُّ عَنِ المُتوفَّى.
  • أنْ يكونَ الحاجُّ مِنْ أهلِ الصِّدقِ والخيرِ والأمانةِ والعلمِ بمناسكِ الحجِّ.
  • الأفضلُ والأولى أن يحجَّ الولدُ عَنْ والديهِ والقريبُ عَنْ قريبهِ وما إلى ذلكَ.

مقالات قد تهمك

شروط النيابة في الحج وما حكمها في المذاهب الأربعة
هل يجوز الحج عن الحي المريض وهل يجوز الحج عن أكثر من شخص
ما هو حكم حج من ارتكب الكبائر بعد حجه في الإسلام

إلى هنا نكونُ قد وصلنا -وإيَّاكم- إلى نهايةِ مقالنا حكم من مات ولم يحج وله مال وعليه دين، وقد سلَّطنا الضَّوءَ مِنْ خلالِ فقراتهِ وسطورهِ على تعريفِ الحجِّ، ومن ثمَّ تطرَّقنا إلى الحديثِ عَنْ بعضِ أحكامِ الحجِّ وشروطهِ المرتبطةِ بالميَّتِ.

المراجع

  1. ^ alukah.net، مفهوم الحج والعمرة، 19/05/2023
  2. ^ سورة آل عمران، الآية: 97.
  3. ^ shamela.ws، شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة - حطيبة، 19/05/2023
  4. ^ صحيح البخاري، عبدالله بن عباس، البخاري، 6699، صحيح.
  5. ^ سورة النساء، الآية: 11.
  6. ^ صحيح مسلم، بريدة بن الحصيب الأسلمي، مسلم، 1149، صحيح.
  7. ^ صحيح البخاري، عبدالله بن عباس، البخاري، 1852، صحيح.
  8. ^ islamqa.info، ضوابط وأحكام حج البدل، 19/05/2023

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *