زوجتي ترفض حقوقي الشرعية في الشتاء بسبب البرد… فما الحكم؟

زوجتي ترفض حقوقي الشرعية في الشتاء بسبب البرد… فما الحكم؟

ومن المهم التأكيد على أن الإسلام يرفض الإكراه في العلاقة الزوجية رفضًا قاطعًا، لأن الإكراه يناقض المودة، ويهدم السكينة، ويحوّل الزواج من نعمة إلى عبء نفسي. فالحقوق الشرعية لا تُنتزع بالقوة، ولا تُفرض بالإجبار، وإنما تُؤدى بالتراضي والتفاهم، لأن المقصود منها تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي، لا مجرد الأداء الشكلي الخالي من الروح.

وفي مثل هذه الحالات، يكون على الزوج أن يتعامل بحكمة، وأن يسأل نفسه قبل غيره: هل وفّرت أسباب الراحة؟ هل راعيت الحالة الصحية والنفسية؟ هل اخترت الوقت المناسب؟ فكثيرًا ما يكون التقصير في هذه الجوانب سببًا رئيسيًا في المشكلة، وليس مجرد البرد وحده. وقد يكون تغيير بسيط في الظروف كافيًا لتجاوز الخلاف دون حاجة إلى تصعيد.

كما أن الصبر في الحياة الزوجية عبادة عظيمة، يؤجر عليها الإنسان إذا احتسب، خصوصًا في الأمور التي لا تدوم، كاختلاف الفصول أو العوارض الصحية المؤقتة. فالزواج رحلة طويلة، لا تُقاس بلحظة، ولا تُدار بمنطق المكسب والخسارة، بل تُدار بالحكمة والنظر البعيد.
وفي الوقت نفسه، فإن الزوجة مطالبة أيضًا بمراعاة زوجها، وعدم إهمال حقوقه دون سبب، والسعي إلى التوازن قدر المستطاع. فكما يُطلب من الزوج التفهم، يُطلب من الزوجة الحرص على استقرار الأسرة، وعدم تحويل الأعذار المؤقتة إلى حالة دائمة تخلق فجوة في العلاقة، لأن الإهمال المستمر قد يترك آثارًا نفسية عميقة يصعب علاجها لاحقًا.

ومع التأمل في هذه القضايا، يتضح أن كثيرًا من الخلافات الزوجية لا تنشأ من المسألة نفسها، بل من طريقة التعامل معها. فحين تُطرح الحقوق بلغة جافة، وتُناقش الأحكام دون اعتبار للمشاعر، تتحول المسألة من حوار شرعي إلى صراع نفسي. ولهذا فإن الشريعة الإسلامية حين نظّمت العلاقة الزوجية، لم تفصل بين الحكم الفقهي والبعد الإنساني، بل جمعتهما جمعًا متوازنًا.

فالإنسان بطبيعته يتأثر بالبيئة، وتتغير طاقته ونشاطه بتغير الفصول، ويضعف جسده أحيانًا، وتثقل نفسه أحيانًا أخرى. وهذه التغيرات ليست نقصًا في الإيمان ولا تقصيرًا في الدين، بل جزء من الطبيعة البشرية. ولهذا جاءت الأحكام الشرعية مرنة، تراعي هذه التغيرات، وتسمح بالتكيّف معها دون شعور بالذنب أو الضغط.

وفي فصل الشتاء على وجه الخصوص، يعاني كثير من الناس من آلام جسدية، واضطرابات في النوم، وشعور عام بالإرهاق، وكل ذلك ينعكس على الحياة اليومية، بما فيها العلاقة الزوجية. ومن هنا نفهم أن الشريعة حين راعت المرض والتعب والمشقة، كانت تعالج واقعًا معاشًا، لا حالات افتراضية نادرة.
كما أن الاحتياج النفسي والعاطفي للزوج أمر حقيقي لا يجوز تجاهله، لأن إهماله قد يؤدي إلى آثار سلبية على العلاقة الزوجية وعلى الجو الأسري العام. ولهذا فإن الميزان الشرعي يقوم على الجمع بين مراعاة العذر الحقيقي، وعدم الإهمال المتعمد، بحيث لا يُظلم أحد الطرفين باسم الدين أو العرف.

إن كثيرًا من المشكلات الزوجية كان يمكن حلها بحوار صادق في وقت مناسب، أو بتغيير بسيط في الظروف، أو بإظهار اهتمام صادق. ولهذا ركّز الإسلام على حسن العشرة، وجعلها أساس الاستقرار، لأن المعاملة الطيبة تفتح القلوب، وتخفف من حدة الخلافات، وتمنع تراكم الضغوط.
وعندما تطول المشكلة، وتتحول إلى توتر مستمر، وتغيب لغة الحوار، هنا ينبغي التوقف وإعادة النظر، لأن استمرار الخلاف دون علاج قد يؤدي إلى آثار نفسية واجتماعية أعمق. وفي هذه المرحلة، يكون اللجوء إلى المشورة الأسرية أو إلى شخص حكيم خطوة إيجابية تهدف إلى الإصلاح، لا إلى التصعيد أو تحميل طرف واحد المسؤولية.

ومن الأخطاء الشائعة في مثل هذه القضايا، اقتطاع النصوص الدينية واستخدامها كوسيلة ضغط، أو المقارنة بين البيوت، أو تضخيم المشكلة بدل البحث عن جذورها الحقيقية. فالدين جاء ليُصلح ويُيسّر، لا ليُستخدم سلاحًا في الخلافات الزوجية أو أداة لإثبات الغلبة.
وخلاصة القول، أن الإسلام يقيم ميزان العلاقة الزوجية على العدل والرحمة، ويُراعي الظروف، ويقدّم المعروف على الجمود، ويجعل الحوار أساس الحل. فالحقوق لا تُلغى، لكنها تُؤدى في إطار الإنسانية، والبرد قد يكون عذرًا شرعيًا معتبرًا إذا كان حقيقيًا، ولا يكون كذلك إذا تحوّل إلى وسيلة إهمال أو قطيعة.
الزواج في جوهره ميثاق رحمة، ومن فهم هذه الحقيقة، أدرك أن استقرار البيت لا يتحقق بتعداد الحقوق، بل بحسن إدارتها، وأن السكينة تبدأ من القلوب قبل أن تظهر في الأفعال، وأن البيوت التي تُدار بالحكمة قادرة على تجاوز الخلافات في جميع الفصول، شتاءً كان أو صيفًا.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *