زوجتي ترفض إعطائي حقوقي الشرعية في الشتاء بسبب البرد، سؤال يتردد كثيرًا في البيوت، خاصة مع تغيّر الفصول واختلاف الظروف الجسدية والنفسية، وهو سؤال يحتاج إلى فهم عميق ومتزن لأحكام الشريعة الإسلامية، بعيدًا عن الغضب أو الاتهام أو تحميل النصوص ما لا تحتمل. فكثير من هذه الأسئلة لا تنبع من رغبة في الظلم أو التقصير، بل من حيرة حقيقية في كيفية التوفيق بين الحقوق الشرعية والواقع اليومي المتغيّر.
العلاقة الزوجية في الإسلام لم تُبنَ على الصراع ولا على فرض الحقوق بالقوة، بل قامت على السكن والمودة والرحمة. فالله سبحانه وتعالى حين ذكر الزواج، جعله آية من آياته، وأساسه الطمأنينة النفسية قبل أي شيء آخر. ولهذا فإن أي حديث عن الحقوق لا بد أن يكون محاطًا بروح المعروف، التي تُعد الميزان الحقيقي في التعامل بين الزوجين، والتي تمنع تحوّل الحياة الزوجية إلى ساحة نزاع أو شدّ وجذب دائم.
الحقوق الشرعية بين الزوجين ثابتة في أصلها، لكن الشريعة لم تجعلها جامدة أو منفصلة عن الواقع. فالإسلام لا ينظر إلى الإنسان كآلة تؤدي واجباتها دون اعتبار للتعب أو المرض أو الظروف المحيطة، بل يراعي الطبيعة البشرية بكل ضعفها وقوتها. ولذلك فإن الحقوق الزوجية ليست أوامر قهرية، وإنما التزامات متبادلة تُؤدى في إطار القدرة والاستطاعة، ومع غياب الضرر، لأن الضرر منفي شرعًا، ومرفوع بنصوص واضحة.
ومن هذا المنطلق، فإن للزوج حقًا شرعيًا، كما أن للزوجة حقًا شرعيًا، ولا يجوز تقديم أحد الطرفين على الآخر دون نظر إلى السياق الكامل للحياة الزوجية. فالمعاشرة بالمعروف هي الأساس الذي يضبط هذه العلاقة، والمعروف لا يعني مجرد أداء الواجب، بل يشمل حسن الخلق، واللين، والتفهم، ومراعاة الأحوال، والقدرة على التنازل المؤقت أحيانًا حفاظًا على استقرار الأسرة.
عندما نأتي إلى مسألة البرد في فصل الشتاء، نجد أن الشريعة الإسلامية لا تنفصل عن الواقع، ولا تتجاهل تأثير الظروف المناخية على الإنسان. فالبرودة الشديدة قد تؤثر على صحة الإنسان، وقد تكون سببًا في المرض أو الإرهاق، خصوصًا إذا اقترنت بضعف الجسد، أو قلة التدفئة، أو تراكم التعب النفسي. وفي مثل هذه الحالات، فإن امتناع الزوجة المؤقت لا يُعد مخالفة شرعية ولا تقصيرًا، بل يُنظر إليه كعذر معتبر، تُرفع به المشقة، ويُرفع معه الحرج، لأن الشريعة لا تقوم على الإعنات، بل على التيسير.
الإسلام دين يرفع الحرج، ولا يكلّف النفس ما لا تطيق، ولهذا فإن أي تصرف يؤدي إلى ضرر جسدي أو نفسي لا يُطلب شرعًا، بل يُنهى عنه. فإذا كان البرد شديدًا، أو كانت الزوجة تعاني من تعب أو مرض، فإن التفهم والصبر في هذه الحالة أقرب إلى مقاصد الشريعة من الإلحاح أو التضييق. بل إن الصبر هنا يُعد عبادة يؤجر عليها الإنسان إذا احتسبها عند الله.
وفي المقابل، فإن استخدام الظروف كذريعة دائمة دون سبب حقيقي، ومع غياب الحوار والتفاهم، قد يؤدي إلى خلل في العلاقة الزوجية. وهنا لا يكون الحكم واحدًا في كل الحالات، بل يختلف باختلاف النية والواقع. فالشريعة تفرق بين العذر الحقيقي الذي يُراعى ويُقدّر، وبين الامتناع غير المبرر الذي قد يُلحق الضرر بالطرف الآخر، ويؤدي إلى فتور العلاقة وتراكم المشكلات.
⬅️ قبل أن نكمل…
ما سبق يوضح الإطار العام للحكم الشرعي، لكن التفاصيل التي تُغيّر الحكم، ومتى يكون الامتناع مبررًا شرعًا ومتى لا يكون كذلك، وكيف يُحل الخلاف دون أن يتحول إلى صدام دائم داخل البيت، كل ذلك سنفصّله بدقة في الصفحة التالية.
تابع التفصيل الكامل في الصفحة التالية (2)![]()

التعليقات