شرح قصيدة شربنا على ذكر الحبيب مدامة لابن الفارض

شرح قصيدة شربنا على ذكر الحبيب مدامة لابن الفارض هذه القصيدة المميزة التي تُعدّ من بين أجمل القصائد التي كتبها الشاعر ابن الفارض في تجربته الشعرية، وهي من القصائد التي انتشرت بشكل كبير لما فيها من معانٍ صوفية مميزة، وفي هذا المقال سوف نُسلّط الضوء على ابن الفارض كاتب هذه القصيدة ثم سوف نمر على شرح أبيات هذه القصيدة والصور الفنية الموجودة فيها، وسوف نتحدث عن شرح مفردات هذه القصيدة وسوف نقدم رابط تحميل ملف بي دي إف يضمّ شرح هذه القصيدة كاملة.

من هو كاتب قصيدة شربنا على ذكر الحبيب مدامة

إنّ كاتب قصيدة شربْنا على ذِكر الحَبيبِ مُدامة هو الشاعر ابن الفارض أبو حفص شرف الدين عمر بن علي بن مرشد الحموي، وهو المولود في مصر سنة 576 هجرية الموافقة لسنة 1181 ميلادية، وهو من الشعراء المتصوفين المشهورين في تاريخ الأدب العربي، عُرف بأشعاره التي ذكر فيها العشق الإلهي، حتّى حمل لقب سلطان العاشقين، كان والده من مدينة حماة في سوريا ولكنه هاجر إلى مصر، وهناك ولد ابن الفارض، درس ابن الفارض الفقه الشافعي ودرس الحديث الشريف عند ابن عساكر، ثم تصوف ومال في حياته إلى الزهد، وقد انتقل إلى مكة المكرمة وهناك اعتزل عن الناس جميعًا في واد بعيد، كتب في هذه العزلة أشعاره في الحب الإلهي، وعاد إلى مصر بعد خمسة عشر عامًا، وقد عاش ابن الفارض قرابة 66 عامًا، حيث توفي في سنة 632 هجرية وهي السنة التي وافقت سنة 1235 ميلادية في مصر، وفيها دفن إلى جانب جبل المقطم. ^[1]

شرح قصيدة شربنا على ذكر الحبيب مدامة

تتألف قصيدة شربْنا على ذِكر الحَبيبِ مُدامة من واحد وأربعين بيتًا، نظمها الشاعر ابن الفارض على البحر الطويل ورويّ الميم، وفيما يأتي نذكر أشهر أبيات هذه القصيدة ونشرحها بالتفصيل:

• شَرِبْنَا على ذكْرِ الحبيبِ مُدامَةً / / / سكِرْنَا بها من قبل أن يُخلق الكَرْمُ
  لها البدرُ كأسٌ وهيَ شمسٌ يُدِيرُهَا / / / هلالٌ وكم يبدو إذا مُزِجَتْ نَجم

يقول الشاعر ابن الفارض في مطلع أو مستهل هذه القصيدة: شربنا بذكر الحبيب وهو الني محمد صلّى الله عليه وسلّم مدامة تُسكر أكثر من شرب الخمر، مدامة تُسكر من قبل أن يُخلق الخمر في هذه الأرض، ثم يصف هذه المدامة بأنّها مدامة في كأس هو البدر تشبه الشمس، يديرها علينا الهلال، ومتّى ما صُبّت ظهرت النجوم فيها.

• فإن ذُكرَتْ في الحَيّ أصبحَ أهلُهُ / / / نَشاوى ولا عارٌ عليهمْ ولا إثمُ
  وإن خَطَرَتْ يوماً على خاطرِ امرىءٍ / / / أقامتْ به الأفراحُ وارتحلَ الهمُّ
  ولو نَضحوا منها ثرَى قبرِ مَيّتٍ / / / لعادتْ اليه الرّوحُ وانتَعَشَ الجسمُ
  ولو طَرَحُوا في فَيءِ حائطِ كَرْمِها / / / عليلاً وقد أشفى لفَارَقَهُ السّقمُ
  ولو قَرّبُوا من حانِها مُقْعَداً مشَى / / / وتنطِقُ من ذِكْرَى مذاقتِها البُكْم

يقول الشاعر: إنّه إذا ذكر الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام في الحي صار أهل الحل نشاوى وليس عليهم في هذا عار ولا إثم، وإن خطرَ النبي في بال امرئ تملكه الفرح وغاب عنه الهمّ والحزن، ولو نضحوا بذكره الثرى في قبر ميت لعادت الروح إلى هذا الميت وانتعش جسمه من جديد، ولو رموا عليلًا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام لأضحى وقد شُفي من العلة أو السقم الذي ابتلي به، ولو قرّبوا من ذكر الحبيب مُقعدًا لا يستطيع المشي لمشى ولو ذُكر اسمه على البكم لنطقوا بإذن الله رب العالمين.

• ولو عَبِقَتْ في الشرق أنفاسُ طِيبِها / / / وفي الغربِ مزكومٌ لعادَ لهُ الشَّمُّ
  ولو أنّ رَكْباً يَمّموا تُرْبَ أرْضِهَا / / / وفي الرّكبِ ملسوعٌ لمَا ضرّهُ السّمّ
  ولو رَسَمَ الرّاقي حُرُوفَ اسمِها على / / / جَبينِ مُصابٍ جُنّ أبْرَأهُ الرسم

يقول الشاعر في هذه الأبيات: إنّه إذا عبقت في أقصى الشرق أنفاس طيب ذكر الحبيب، لشفي المريض بالزكام في أقصى الغرب، ولو أنّ مجموعة من الرجال قصدوا أرض الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام وبينهم ملسوع، لما ضر هذا الملسوع السم الذي يسري في جسده، ولو قام من يرقّي الناس بالآيات القرآنية برسم اسم الحبيب على جبين مصاب لبرئ بإذن الله رب العالمين.

• تُهَذّبُ أخلاقَ النّدامى فيّهْتَدي / / / بها لطريقِ العزمِ مَن لا لهُ عَزْمُ
  ويكرُمُ مَن لم يَعْرِف الجودَ كَفُّه / / / ويحلُمُ عند الغيظ مَن لا لهُ حِلمُ

يقول الشاعر: إن ذكر الحبيب محمد -صلّى الله عليه وسلّم- تهذب أخلاق المتسامرين المتنادمين، فيصير كل من ليس له عزم، يصير له عزم عظيم، ويكرم من لم يعرف الكرم والجود كفه يومًا، أي تغير طباع البشر من البخل إلى الجود والكرم، ويصير حليمًا من كانت صفته الأولى الغضب.

• يقولونَ لي صِفْهَا فأنتَ بوَصفها / / / خبيرٌ أَجَلْ عِندي بأوصافها عِلم
  صفاءٌ ولا ماءٌ ولُطْفٌ ولا هَواً / / / ونورٌ ولا نارٌ وروحٌ ولا جِسْمٌ
  تَقَدّمَ كُلَّ الكائناتِ حديثُها / / / قديماً ولا شكلٌ هناك ولا رَسم

يقول الشاعر: إن الناس يقولون لي صف هذا الذكر العظيم، فأقول: نعم عندي بها علم وبأصافها خبر، ثم يبدأ بالوصف، فيقول: هي صافية ولكنها ليست ماءً ولطيفة ولكنها ليست نسمة هواء، وهي كالنور ولكنها ليست نارًا وهي روح من غير جسد، ثم يقول: إن حديثها تقدم حديث كل الكائنات منذ القدم ولا شكل لديها ولا رسم.

• ولا قبلَها قبل ولا بَعْدَ بَعْدَهَا / / / وقَبْليُّة الأبْعادِ فهْي لها حَتْم
  محاسِنُ تَهدي المادِحينَ لوَصْفِهَا / / / فَيَحْسُنُ فيها منهُمُ النّثرُ والنّظم
  ويَطْرَبُ مَن لم يَدْرِهَا عند ذِكْرِهَا / / / كَمُشْتَاقِ نُعْمٍ كلّما ذُكرَتْ نُعم

يتابع الشاعر هنا الوصف، فيقول: إنّه لا يوجد قبلها وجود ولا بعدها وجود، وفيها من المحاسن ما تهدي طريق المادحين لكي يصفوها بأحسن الأوصاف، فيصير الشعر والنثر حسنًا في وصفها، ويطرب كل السامعين بها، كمن يشتاق نعم وهو اسم فتاة، كلما ذكر اسم نعم أمامه.

• وقالوا شَرِبْتَ الإِثمَ كلاّ وإنّما / / / شرِبْتُ التي في تركِها عنديَ الإِثم
  وعنديَ منها نَشْوَةٌ قبلَ نشأتي / / / معي أبداً تبقى وإنْ بَليَ العَظْم

يقول الشاعر: قال الناس إنك شربت الإثم كله، فقلت إنما شربت التي إن تركها فعلت الإثم الذي تقصدون، وعندي منها نشوة قبل أن أنشأ في هذه الحياة الدنيا، نشوة باقية معي وإن بلي العظم كله.

• فما سكنَتْ والهمَّ يوماً بموضعٍ / / / كذلك لم يسكُنْ مع النَّغَم الغَمُ
  وفي سكرةٍ منها ولَوْ عُمْرُ ساعةٍ / / / تَرَى الدَّهْرَ عبداً طائعاً ولك الحُكْم
  فلا عَيْشَ في الدُّنْيا لمَن عاشَ صاحياً / / / ومَن لم يَمُتْ سُكْراً بها فاته الحزمُ
  على نفسه فليَبْكِ مَن ضاع عُمْرُهُ / / / وليسَ لهُ فيها نَصيبٌ ولا سهمُ

يقول الشاعر: إنها لم تسكن في يوم مع الهم في موضع واحد، وكيف يسكن الغم مع النغم في الأصل، ثم يقول: إنّ لحظة السكرة منها إذا مرت ولو كانت على مدى ساعة واحدة، ترى الدهر مطيعًا لها، ثم يقول الشاعر: لا يوجد في هذه الدنيا عيش لمن ظل صاحيًا وكل من لم يمت سُكرًا بها فاته الكثير من الحظ، وعليه أن يبكي على عمره الضائع، لأنّه لم يحصل على أدنى نصيب منها.

الصور الفنية في قصيدة شربنا على ذكر الحبيب مدامة

نبين من خلال النقاط الآتية مجموعة من الصور الفنية التي وردت في قصيدة الشاعر ابن الفارض التي يقول في مستهلها: شَربنا على ذكرِ الحبيبِ مُدامة:

• في قول الشاعر (لها البدرُ كأسٌ وهيَ شمسٌ يُدِيرُهَا / / / هلالٌ وكم يبدو إذا مُزِجَتْ نَجم) شبه الشاعر الهلال بالإنسان الذي يدير الخمر، فحذف المشبه به وهو الإنسان وكنّى عنه بشيء من صفاته على سبيل الاستعارة المكنية.
• في قول الشاعر (ولو عَبِقَتْ في الشرق أنفاسُ طِيبِها / / / وفي الغربِ مزكومٌ لعادَ لهُ الشَّمُّ) طباق بين كلمتي الشرق والغرب وهذا من المحسنات البديعية المميزة في علم البلاغة، وهو كثير في نص ابن الفارض هذا.
• في قول الشاعر (صفاءٌ ولا ماءٌ ولُطْفٌ ولا هَواً / / / ونورٌ ولا نارٌ وروحٌ ولا جِسْمٌ) حسن تقسيم في البيت الشعري الواحد، فالقصيدة على البحر الطويل وهو من البحور الصافية، فهو يتألف من تفعيلتين مكررتين وهما: فعولن مفاعيلن.
• في قول الشاعر (وقالوا شَرِبْتَ الإِثمَ كلاّ . . .) شبه الشاعر الإثم بالشراب الذي يُشرب، فحذف المشبه به وهو الشراب وكنّى عنه بشيء من صفاته على سبيل الاستعارة المكنية.

شرح مفردات قصيدة شربنا على ذكر الحبيب مدامة

وردت في هذه القصيدة المميزة للشاعر ابن الفارض العديد من المفردات الصعبة التي تتطلب شرحًا وتوضيحًا حتّى يصير فهم النص أسهل على القارئ:

• الكَرْمُ: العنب، وهي النبتة التي يُستخرج منها الخمر.
• ثرَى قبرِ مَيّتٍ: أي تراب قبر ميت.
• مزكومٌ: أي مصاب بداء الزكام.
• الغيظ: أي الغضب.
• النّظم: يُقصد به الشعر.

شرح قصيدة شربنا على ذكر الحبيب مدامة pdf

يسعى الكثيرون إلى الحصول على شرح قصيدة شَربنا عَلى ذِكر الحَبيب مُدامة في ملق بي دي إف، فالحصول على هذا الملف يسهّل عملية الاطلاع على هذه القصيدة وعلى شرحها، كما يمكن الشخص من طباعة شرح هذه القصيدة على ورق خارجي؛ فإلى كل من يرغب بالحصول على هذا الملف يمكن الحصول عليه بشكل مباشر “من هنا“.

مقالات قد تهمك

إلى هنا نصل إلى نهاية وختام هذا المقال الذي مررنا فيه بالتفصيل على ابن الفارض كاتب هذه القصيدة ثم مررنا على شرح قصيدة شربنا على ذكر الحبيب مدامة لابن الفارض ثم ألقينا فيه الضوء على الصور الفنية في هذه القصيدة وشرح المفردات الصعبة فيها، ثم مررنا على رابط ملف بي دي إف يتضمن شرح هذه القصيدة.