عناصر المقال
شرح قصيدة ولادة لابن زيدون واجمل الصور الشعرية فيها، فالشعر العربي هو المتنفس الذي يأوي إليه الإنسان في كل ساعة وحين طالبًا منه شيئًا من الحب والرحمة ويأوي إليه الشاعر كما يأوي الرضيع إلى أمّه الحنون، وفي هذا المقا سيكون الوقوف مع مجموعة من المعلومات الخاصة عن قصيدة ابن زيدون وما هي أروع الصور الشعرية الواردة فيها وغير ذلك.
من هو ابن زيدون
هو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب ابن زيدون، المخزومي الأندلسي، أبو الوليد وهو واحد من الودوه المعروفة في الأندلس وقد عُرف كاتبًا وشاعرًا عظيمًا لا يُشق له غبار، وقد مر في مجموعة من المحن في حياته من بينها محنة اتهام ابن جهور له بأنّه يميل إلى المعتضد بن عباد حتى حبسه حبسًا طويلًا، وصار فيما بعد يميل ابن زيدون لاستعطاف ابن عباد استعطافًا طويلًا فلم يعطف عليه حتى كان مصيره الهرب من ذلك السجن.
ولما هرب اتصل بالمعتضد بن عباد فولاه على أمور مملكته وسلمه وزارته وعاش معززًا مكرمًا إلى أن توفي في زمن المعتمد على الله بن المعتضد، وقد عُرف عنه غزله الطويل بولادة بنت المستكفي وكان له عداء طويل مع ابن عبدوس بسبب محاولة تقربة من ولادة بنت المستكفي، وقد لقبه الناس في ذلك الزمان ببحتري المغرب لشدة جمال شعره وقوته ورصافته.
شرح قصيدة ولادة لابن زيدون
ولادة صاحبة الحب العظيم الذي كنّه ابن زيدون لها في ثنايا شعره حتى استطاع شعره أن يكون غرة على وجه الزمان، وهو صاحب الكلمة القوية التي تقف المغرب كلها من أجل سماع ىخر قصيدة له، ويُقال إنّ ولادة هي التي هربته من سجنه الذي حُكم عليه به، وما يأتي قصيدة ابن زيدون في حب ولادة مع شرحها:
- أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا
وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا
في هذا البيت الشعري يستهل الشاعر كلامه في الحديث عن الحزن والألم والوجد الذي يُعانيه من جراء ذلك البعد القاسي والظالم الذي حكم في علاقتهما بعد أن كان الحب والاهتمام والجمال هو سيد الموقف، صار الآن الجفاء وقسوة الكلمة هو النائب الحقيقي عن العطف والحنان والتداني ما بين الشاعر ومحبوبته.
- بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا
شَوقاً إِلَيكُم وَلا جَفَّت مَآقينا
الآن يتكلم الشاعر عن حال ذلك الغياب وأثره على ابن زيدون فيُقال ها هي الحال قد آلت لهذا السوء فابتعدتم عنا وابتعدنا عنكم من دون أن يكون هناك أي صلة فلا قلوبنا استطاعت أن تبتل برؤيتكم بل بقيت جافة قاسية، ولا عيوننا جفت من الدموع وذلك لأنّ الإنسان لما يشتاق ويألم فإنّ عيونه تترجم ذلك الشوق بسكب الدموع وغيره.
- نَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا
يَقضي عَلَينا الأَسى لَولا تَأَسّينا
يستمر الشاعر بوصف كلمات الحزن والألم التي تعتصر روح الشاعر وتعتصر قلبه وفؤاده فهو الآن بعيد منفي عن ذلك الحب وعن تلك المراة التي يعشقها وليس بوسعة إلا أن يقف حزينًا ضعيفًا متمنيًا على الله أن يخرجه من ذلك الضيق إلى أوسع طريق، ويكاد الحزن والأسى يقتل الإنسان قتلًا لولا تسليه بتلك الأيام الخوالي التي مرت ورغبته وشوقه لأن تعود ويعود ذلك الحب كما كان.
- حالَت لِفَقدِكُمُ أَيّامُنا فَغَدَت
سوداً وَكانَت بِكُم بيضاً لَيالينا
الآن يتكلم الشاعر ويعقد مقارنة واضحة المعالم ما بين حياته الأولى وهذه الحياة التي يعيشها حزينًا أليمًا بعد أن خلفت له ولادة ألوان الأم كلها تلك وألوان الحزن والفراق فصارت أيام نهاره المشرقة المضيئة سوداء قاتمة لأنّ السواد احتل نفسه وقلبه وروحه، وقبل ذلك كانت الليالي السوداء التي عاشها الشاعر بيضاء مضيئة بجمال رائع فتان.
- إِذ جانِبُ العَيشِ طَلقٌ مِن تَأَلُّفِنا
وَمَربَعُ اللَهوِ صافٍ مِن تَصافينا
يعرج الشاعر الآن في كلامٍ له عن الماضي الذي عاشه مع المحبوبة والحياة الرائعة الفتانة التي كان يحوز عليها بعيدًا عن كل منغصات الحياة وكدرها، فكانت ولادة معه في حياة مضيئة مثل شمس الصباح فلا يوجد وقت سوى للمرح والحب والتحلي بأنواع الجمال، وكأنّ الأرض كلها صافية مشرقة لهما وحدهما، والأرض تصفو لكل عاشقين معًا.
- لِيُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السُرورِ فَما
كُنتُم لِأَرواحِنا إِلّا رَياحينا
الآن يتكلم الشاعر عن العهد الجميل ذاك حينما كان هو ومحبوبته يطلان مع بعضهما البعض على الحياة مثل طلل الشمس الجميلة على الدنيا ويتمنى أن تفي المرأة المحبوبة للذكريات الجميلة وتزورها وتسقيها وفي ذلك الطواف على الذكرى دليل واضح على حب الشاعر لها ورغبته بأن تُسقى تلك الذكريات وتعود الحياة بينهما كانت قبل ذلك.
- لا تَحسَبوا نَأيَكُم عَنّا يُغَيِّرُنا
أَن طالَما غَيَّرَ النَأيُ المُحِبّينا
يعود الشاعر في هذا المقام للكلام عما ساد من القواعد بين الناس عن الحب والعشق فيقول لا تظني أيتها المرأة القوية والجميلة أن البعد عني أو بعدك عني سوف يغيرني وسوف أتخلى عن ذلك الحب الذي أفني عمري فيه، ولو رأيت من المحبين غيري ذلك الفعل -أي أن البعد ينسي- فإنّ هذا الأمر شأنهم وليس شأني.
- وَاللَهِ ما طَلَبَت أَهواؤُنا بَدَلاً
مِنكُم وَلا اِنصَرَفَت عَنكُم أَمانينا
يحاول الشاعر أن يعود ليؤكد نفس الفكرة للمحبوبة وكأنه يخسى أن تكون قد نسيته بعد ذلك الفراق أو تظن أنها نسيها، فيقول لها أيتها الشاعرة العظيمة المحبوبة إنّ حبي وقلبي لم يطلب غيرك من النساء أبدًا وحتى أمانينا لم تنصرف إلى غيركم على الإطلاق فأنت ما تزالين المرأة المتربعة على شغاف قلبي وروحي.
- يا سارِيَ البَرقِ غادِ القَصرَ وَاِسقِ بِهِ
مَن كانَ صِرفَ الهَوى وَالوُدُّ يَسقينا
الآن يُخاطب الشاعر الطبيعة الصامتة والبرق دائمًا يكون مصاحبًا للمطر فهو وكأنه يقسم عليه أن ييمم ناحية القصر ويحاول أن يسقي أصحاب ذلك القصر من الحب والعشق والهويام الذي كان الشاعر يسقي به المرأة ويتمنى لو كان ذلك الماء الذي يستقي القصر به يحرك شيئًا من مشاعر تلك المرأة وقلبها الدافئ وهي التي كانت تسقي الشاعر ألوان الهوى وأصنافه.
- وَيا نَسيمَ الصَبا بَلِّغ تَحِيَّتَنا
مَن لَو عَلى البُعدِ حَيّا كانَ يُحَيّينا
في الكلام في هذه القصيدة يتكلم الشاعر إلى نوع آخر من أنواع الطبيعة الصامتة وهو البرق حيث يقول: أن يا نسيم الصبا حاول أن توصل سلامنا لى تلك المحبوبة سيدة الروح والقلب والفؤاد ولو أنّها حيت ولو كان ذلك في بعدها وجفائها فإنّ تلك التحية هي لنا لا محالة.
الصور الفنية في قصيدة ولادة لابن زيدون
إنّ الصور الفنية هي سيدة الموقف في العبارة الشعرية لأنّ لها قدرة عجيبة على إثارة خيال المتلقي بشكل سهل ومحاولة الحصول على خيال المتلقي كله وأسره بين يديه، ومن تلك الصور الفنية بديعة المنظر:0عارة مكنية.
- أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا: لقد استطاع الشاعر في هذا البيت الشعري أن يؤنسن الزمان اي يجعله مثل الإنسان الذي يُضحك غيره ويُحزنه وغير ذلك، وهذا مما يُطلق عليه اسم استعارة مكنية فقد حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا: في هذه الصورة يتخيل الشاعر أو يتصور انّ الدهر يشاركه المتاعب التي تحصل حتى إن الدهر لو تكلم لقال آمين على كلام ابن زيدون، وهذا مما يُطلق عليه اسم استعارة مكنية فقد حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- كُنّا نَرى اليَأسَ تُسلينا عَوارِضُهُ وَقَد يَئِسنا فَما لِليَأسِ يُغرينا: جعل الشاعر اليأس مثل الإنسان الذي يُسلي غيره ويغريه بأنواع الكلام والخطوب وغير ذلك، اسم استعارة مكنية فقد حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- نَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا يَقضي عَلَينا الأَسى لَولا تَأَسّينا: جعل الأسى مثل الإنسان الذي يقضي على الآخر بشيء ما وبذلك يكون قد أنسن صفة ما وشخصنها، ويُطلق على هذه النوع من الاستعارات استعارة مكنية فقد حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
شرح المفردات في قصيدة ولادة لابن زيدون
لم يستعمل ابن زيدون كثيرًا منن الألفاظ غير المفهومة أو المتقرعة وذلك لقرب عهده بالحضارة وبعده كل البعد عن الوان وصنوف الجاهلية، ومما عسر فهمه من المفردات:
- التنائي: أي البعد والجفاء وهو عكس التقارب والتداني.
- البين: أي البعد والفراق وأن كل واحد منهما بطف فلا يلتقيان.
- مآقينا: وهي التي تعني العيون ويُقال عنها المآقي وهي مرادفة للعيون كما ذكر.
- تجافينا: الجفاء هو الكراهية أو أن ينفر الشخص من الآخر بسبب أو بدون سبب.
- أنسًا: إنّ معنى الإنس أي الألفة والطمأنينة، ويُقال هذا الشخص آلفه أي أحبه وأطمئن إليه وأطمئن إلى وجوده وإلى ما يقوله.
شرح قصيدة ولادة لابن زيدون PDF
إن ابن زيدون أو ما يُلقب ببحتري الأندلس هو صاحب القصيدة العربية الفريدة في غزل النساء حتى نسج قصائد يصعب على القريب والبعيد أن يأتي بمثلها، وقد تعرض هذا المقال لواحدة من أجمل القصائد الأدبية التي قيلت في ولادة بنت المستكفي التي تُيم بها ابن زيدون زمنًا طويلًا، ولمّا دعت الحاجة لوجود مقال تُشرح فيه القصيدة بشكل أدبي واف كان هذا فيما يلي حيث يمكن تحميله عير الضغط “من هنا“.
مقالات قد تهمك
إنّ الشعر العربي هو الأداة العظيمة التي استلها الأدباء منذ العصر الجاهلي وحتى هذه اللحظة مستعينين في ذلك بما درج على ألسنتهم من الفاظ جميلة فريدة في معناها وفي صورتها، وفيما يلي مجموعة من المقالات التي ورد فيها الكثير من يمكن للقارئ أن يستفيد منه:
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى آخر مقال شرح قصيدة ولادة لابن زيدون واجمل الصور الشعرية فيها متكلمين فيه عن قصيدة ابن زيدون الشعرية ذات الأدب الرفيع والوصف العميق التي دارت الأرض فما وجد الناس في بهائها ولا في جمالها، مع الإضاءة على أجمل الصور الفنية التي وردت بها.
التعليقات