عناصر المقال
لماذا سميت سورة التغابن بهذا الاسم هذه السورة المباركة التي ينبغي على كل مسلم معرفة سبب تسميتها باسمها الحالي، وهذا ما يُعرف باسم علوم القرآن الكريم، فأية معلومة إسلامية عن سور القرآن الكريم مثل: سبب النزول وسبب التسمية وغير ذلك يدخل ضمن علوم القرآن الكريم، ومن خلال هذا المقال سوف نقوم بتعريف سورة التغابن، ثمّ سوف نلقي الضوء على سبب تسمية سورة التغابن بهذا الاسم بالإضافة إلى الحديث عن مقاصد سورة التضامن ومضامينها والحديث عن الدروس المستفادة من سورة التغابن.
ما هي سورة التغابن
يمكن القول في تعريف سورة التغابن بأنّها سورة مباركة من سور القرآن الكريم المدنية، اي من السور التي نزلت على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بعد الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ويرى بعض أهل العلم أنّها سورة مكية ويرى آخرون أنها مكية مدنية، أي نزل قسم منها في عهد الدعوة وقسم آخر بعد الهجرة، وهي من سور المفصل، يبلغ عدد آياتها 18 آية، وهي السورة الرابعة والستون من سرو المصحف من حيث الترتيب، حيث تقع في الجزء الثامن والعشرين من أجزاء كتاب الله تعالى، ولا بدّ من القول إنّ سورة التغابن هي من السور المسبحات، وذلك لأنّه تبدأ بالتسبيح، قال تعالى في مستهلّ هذه السورة: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [1]والله تعالى أعلم. [2]
شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الجاثية بهذا الاسم
لماذا سميت سورة التغابن بهذا الاسم
سُميت سورة التغابن بهذا الاسم لأنّ لفظة التغابن وردت في هذه السورة فقط من بين كل سور القرآن الكريم، والتغابن هو اسم من أسماء يوم القيامة، وقد ورد هذا اللفظ في قول الله تعالى في الآية التاسعة من سورة التغابن: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [3]وكلمة التغابن الواردة في هذه الآية من سورة التغابن لم ترد في أي آية أخرى من آيات القرآن الكريم، لذلك سُمّيت السورة بهذا الاسم. [4]
شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الجن بهذا الاسم
سبب نزول سورة التغابن
لقد وردت عدّة أسباب لنزول سورة التغابن، وكل سبب من هذه الأسباب له دلائل في السنة النبوية الشريفة، وفيما يأتي سوف نذكر هذه الأسباب مع الأقوال والأدلة التابعة لكل سبب: [2]
- جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه في عهد النبي محمد -صلّى الله عليه وسلم- وفي زمن الهجرة، كان الرجل إذا أسلم وأراد أن يهاجر مع المسلمين، كانت هجرته مرتبطة بترك أهله وعياله في مكة، فكان لوم الناس له لتركه أهله يحرك مشاعر الحب تجاه أهله فيرق لهم ويترك الهجرة، فأنزل الله تعالى على النبي الآية الآتية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. [5]وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه في هذه القصة: “أنّه أسلم أقوامٌ من أهل مكة ولم يُهاجروا بسبب أهلهم وأولادهم، ثُمّ قدموا إلى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في المدينة، فرأوا الناس قد تعلموا منه، وفقهوا عنه، فأرادوا أن يُعاقبوا أبناءهم، فأمرهم الله -تعالى- بالعفو والصفح عنهم”.
- جاء عن بعض صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه لما نزل الأمر الإلهي بتقوى الله تعالى حق تقاته، صار المسلمون يقومون الليل كله حتّى تورمت أقدامهم وتقرحت جباههم من كثرة الصلاة والوقوف، فأنزل الله رب العالمين الآية الآتية من سورة التغابن: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. [6]
شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الفيل بهذا الاسم
مضامين سورة التغابن
إنّ المقصود بمضامين سورة التغابن هي الموضوعات التي تحدثت عنها هذه السورة، وفي النقاط الآتية سوف نمر بالتفصيل على موضوعات سورة التغابن كاملة باختصار: [7]
- ورد في سورة التغابن تسبيح الله جل في علاه في أول السورة، قال تعالى في مطلعها: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [1]
- تتحدث سورة التغابن عن أن الله رب العالمين هو الذي خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان وخيره بين الحق والباطل، والإنسان حر في اختياره، قال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ۚ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}. [8]
- تتحدث سورة التغابن عن جمع الناس يوم القيامة، وعن مصير الكافرين وعن مصير المسلمين المؤمنين، قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}. [9]
- تتحدث سورة التغابن عن فتنة الولد وفتنة المال، وأنّه قد يكون زوج الرجل وأهله عدوًا له، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. [10]
مايستفاد من سورة التغابن
لا شكّ أنّ هناك الكثير من العبر والدروس التي يمكن للمسلم أن يستخلصها من سورة التغابن، وأهم هذه الدروس هي الدروس الآتية: [7]
- الدرس الأول: إنّ الله رب العالمين هو الخالق وهو الذي يستحق من الناس العبادة، فهو الملك لا إله إلّا هو، لا ينازعه في الملك إله آخر في السماوات ولا في الأرض، وهو القادر على كل شيء جل في علاه.
- الدرس الثاني: إنّ الله تعالى هو الرحمن الرحيم، هو الذي يرحم عباده رحمة واسعة سبحانه وتعالى.
- الدرس الثالث: إنّ الإنسان الذي ينفق في سبيل الله تعالى بنية طيبة سوف ينال من الله رب العالمين أجرًا مضاعفًا، فالله تعالى عدل في حكمه وقضائه سبحانه وتعالى.
- الدرس الرابع: إنّ المال والولد الزوج بلاء من الله رب العالمين، ليميز الله رب العالمين عباده ويعرف الحسن من القبيح منهم.
فضل سورة التغابن
لم يرد في السنة النبوية فضل مخصص لهذه السورة الكريمة دون غيرها من السور، ولكن الوارد في السنة هو حديث في فضل المُسبّحات، والمُسبّحات هنّ السور القرآنية التي تبدأ بتسبيح الله تعالى، وهن سورة الإسراء وسورة الحديد وسورة الحشر وسورة الصف وسورة الجمعة وسورة التغابن وسورة الأعلى، والحديث الوارد في فضل هذه السور هو حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، والذي قال: “إنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يقرأُ المسبِّحات قبلَ أنْ يَرقدَ، وقالَ: إنَّ فيهِنَّ آيَةً أفضلَ منْ ألفِ آية”. [11]
وجدير بالقول إنّ قراءة سورة التغابن له فضل قراءة سائر سور القرآن الكريم، ففي قراءة القرآن الكريم يتجلى الفضل العظيم من الله رب العالمين، فمن قرأ حرفًا من كتاب الله كان له به حسنة والحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ “ألم” حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ” [12]والله تعالى أعلم. [13]
شاهد أيضًا: لماذا سميت اية الكرسي بهذا الاسم
ما هو يوم التغابن
في ختام الحديث عن لماذا سميت سورة التغابن بهذا الاسم جدير بالقول إنّ يوم التغابن هو يوم القيامة، فالتغابن هو اسم من أسماء يوم القيامة، وهو الذي تنتهي فيه حياة البشر على هذه الأرض وتبدأ الحياة الآخرة، حياة الحساب على ما قدم كل إنسان في هذه الحياة الدنيا، وقد ذكر يوم التغابن في سورة التغابن ولذلك سُميت السورة باسمه، قال تعالى في الآية التي ذُكر بها هذا اليوم: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [3]وفيما يأتي نذكر بعض أقوال أهل العلم عن معنى التغابن: [14]
- قال القرطبي رحمه الله تعالى: وسمي يوم القيامة يوم التغابن؛ لأنه غبن فيه أهل الجنة أهل النار، أي: أن أهل الجنة أخذوا الجنة، وأخذ أهل النار النار على طريق المبادلة، فوقع الغبن لأجل مبادلتهم الخير بالشر، والجيد بالرديء، والنعيم بالعذاب.
- قال البغوي رحمه الله: “يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ، يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجْمَعُ فِيهِ أَهَّلَ السموات وَالْأَرْضِ، ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ، وَهُوَ تَفَاعُلٌ مِنَ الْغَبْنِ وَهُوَ فَوْتُ الْحَظِّ، وَالْمُرَادُ بِالْمَغْبُونِ مَنْ غُبِنَ عَنْ أَهْلِهِ وَمَنَازِلِهِ فِي الْجَنَّةِ فَيَظْهَرُ يَوْمَئِذٍ غَبْنُ كُلِّ كَافِرٍ بِتَرْكِهِ الْإِيمَانَ، وَغَبْنُ كُلِّ مُؤْمِنٍ بِتَقْصِيرِهِ فِي الْإِحْسَانِ”.
- قال الشنقيطي: “وقد بين العلماء حقيقة الغبن في هذا المقام، بأن كل إنسان له مكان في الجنة ومكان في النار، فإذا دخل أهل النار النار بقيت أماكنهم في الجنة، وإذا دخل أهل الجنة الجنة بقيت أماكنهم في النار، وهناك تكون منازل أهل الجنة في النار لأهل النار، ومنازل أهل النار في الجنة لأهل الجنة يتوارثونها عنهم، فيكون الغبن الأليم، وهو استبدال مكان في النار، بمكان في الجنة؛ ورثوا أماكن الآخرين الذين ذهبوا إلى النار”.
- قال ابن عثيمين في إجابته عن معنى التغابن: التغابن هو الغلبة بالغبن، وقد ذكر الله عزَّ وجلَّ في هذه السورة أن يوم التغابن حقيقة هو يوم القيامة، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}، التغابن الحقيقي هو التغابن في الآخرة حيث يكون فريقٌ في الجنة، وفريقٌ في السعير، أما التغابن في الدنيا فليس بشيء بالنسبة للتغابن في الآخرة، ولهذا قال الله تعالى: {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً}.
إلى هنا نصل إلى نهاية وختام هذا المقال الذي قمنا في أوله بتعريف سورة التغابن، ثمّ مررنا فيه بالتفصيل على لماذا سميت سورة التغابن بهذا الاسم ثمّ مررنا فيه على سبب نزول سورة التغابن وعلى مقاصد هذه السورة ومضامينها وتحدثنا بالتفصيل عن الدروس والعبر المستفادة من هذه السورة.
المراجع
- ^ سورة التغابن، الآية 1.
- ^ wikiwand.com، سورة التغابن، 04/01/2023
- ^ سورة التغابن، الآية 9.
- ^ islamweb.net، مقاصد سورة التغابن، 04/01/2023
- ^ سورة التغابن، الآية 14.
- ^ سورة التغابن، الآية 16.
- ^ alukah.net، تفسير سورة التغابن كاملة، 04/01/2023
- ^ سورة التغابن، الآية 7، 8.
- ^ سورة التغابن، الآية 9، 10.
- ^ سورة التغابن، الآية 14، 15، 16.
- ^ سنن أبي داود، العرباض بن سارية، أبو داود، 2/296، حديث مسكوت عنه.
- ^ صحيح الترمذي، عبد الله بن مسعود، الألباني، 2910، صحيح.
- ^ alukah.net، فضائل بعض السور القرآنية، 04/01/2023
- ^ islamqa.info، معنى : ( التغابن )، 04/01/2023
التعليقات