هل يجوز الاجهاض وما ضوابط جواز الإجهاض

هل يجوز الاجهاض وما ضوابط جواز الإجهاض، وهو ما سيتم بيانه في هذا المقال، حيثُ يعتبر أحد الأحكام الشرعية التي ينبغي على كل مسلم معرفتها، فقد قصدت الشريعة الإسلامية إلى حفظِ خمسةُ أمور وهيّ الدينُ، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، حيثُ كان الحرصُ على النفس الإنسانية عظيمًا، إذ دعت التشريعات الناظمة للحياة إلى صيانة وحماية الإنسان، وقد أوضح الإسلام حكم الإجهاض ووضع له قوانين وأحكام تتصل به حتى لا يقع الإنسان بالحرام دون علم منه، ومن خلال هذا المقال سوف يتم بيان مفهوم الإجهاض وما حكمه في الإسلام.

ما معنى الاجهاض

إنّ الإجهاض في اللغةِ مصدرٌ من الفعل أجهض، ويُقصد به انتهاء الحمل وفقدان الجنين قبل تمام مدة الحمل، أو هو إسقاط الجنين قبل اكتمال خلقه، وهذا التعريف اللغوي للإجهاض يكون في حال كان الإجهاض طبيعيًّا من دون تدخل من الأم أم بفعل فاعل، وقد يعبّر عن الإجهاض بألفاظ مرادفة كالإسقاط والإلقاء والطرح والإملاص وغيرها، ويجدر بالذّكر أنَّ الإجهاض يحدث خلال الفترة الأولى من الحمل، أي قبل الأسبوع الثاني عشر من الحمل، وقد بيّنت الدراسات أنّ احتمالية حدوث الإجهاض تقل خلال الثُلث الثاني من الحمل، أي خلال الفترة الواقعة بين الشهر الثالث والشهر السادي ويُعرف الإجهاض في هذه الفترة من الحمل بالإجهاض المتأخر.^[1]

هل يجوز الاجهاض

أجمع العلماء على أن الإجهاض بعد نفخ الروح لا يجوز، وهو حرام شرعًا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة، ولكن اختلف العلماء في إجهاض الطفل في الفترة السابقة لنفخ الروح، حيث إنّ إسقاطه بعد نفخ الروح يعتبر قتلاً، فلا يجوز بعد الشهر الرابع إسقاطه أبدًا، فقد أصبح الجنين نفسًا لها كرامتها، كما قال -تعالى- في محكم تنزيله: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}^[2]، وقد روى ابن جزي -رحمه الله- في قوانينه الفقهية: “وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له، وأشد من ذلك إذا تخلق، وأشد من ذلك إذا نفخ فيه الروح فإنه قتل نفس إجماعاً”، كما ذهب أهل العلم إلى أنه لو كان في الحمل خطر على حياة الأم، فإنّه لا يجوز الإجهاض، فقال ابن عابدين -رحمه الله- في ذلك: “لَوْ كَانَ الْجَنِينُ حَيًّا، وَيُخْشَى عَلَى حَيَاةِ الأُْمِّ مِنْ بَقَائِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَقْطِيعُهُ؛ لأَِنَّ مَوْتَ الأُْمِّ بِهِ مَوْهُومٌ، فَلاَ يَجُوزُ قَتْل آدَمِيٍّ لأَِمْرٍ مَوْهُومٍ”، والله أعلم.^[3]

شاهد أيضًا: دعاء العوض بعد الاجهاض

حكم الإجهاض في القرآن

بين الدين الإسلامي الحنيف من خلال الأدلة الشرعية في القرآن الكريم أنَّ الأصل في الحمل وجوب احترامه والمحافظة عليه وعدم الاعتداء عليه، فقد قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}^[4]، حيث منع الله -تعالى- إجهاض الجنين في جميع مراحل نموه؛ من وقوع النطفة في الرحم إلى نفخ الروح، وقد ذكر في القرآن أنّ الإجهاض حرام شرعًا قبل نفخ الروح وبعده، والدليل على ذلك قوله الله عز وجل: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}^[5]، حيثُ إنّ الإجهاض يعتبر إحدى صور إهلاك النسل الذي انعقدت أسبابه وبدأ نموه، كما ورد في القرآن ما يدل على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح^[6]، قول الله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}^[7].

حكم إجهاض الجنين قبل 40 يوم

يجوز إسقاط الجنين قبل الأربعين يومًا عند وجود مبرر شرعي ‏أو من أجل دفع ضرر متوقع، وهو ما ذهبوا إليه هيئة كبار العلماء، فإذا ظهر أنّ الجنين فيه تشوه، وتمّ إثباته طبيًا فلا حرج بإسقاطه، أما إذا كان مجرد احتمال فلا يجوز إسقاطه، فقد قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في لقاءات الباب المفتوح: :بعد أن يتبين فيه خلق الإنسان فلا يجوز لها إسقاطه، اللهم إلا لو تبين أن هذا الجنين فيه آفة كتشويهٍ لا يحتمل، ورأى الأطباء أن يُنزل، فلا بأس “، كما بينوا أن إسقاط الجنين في هذه المدة بسبب المشقة في تربية الأولاد أو ‏اكتفاء الزوجين بما لديهم من الأولاد فذلك غير جائز، وإنْ زاد الحمل عن أربعين يومًا حرم إسقاطه؛ لأنه بعد الأربعين يوم يكون علقة وهو بداية خلق الإنسان، وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة في تعقيبها على هذه المسألة:^[8]

“الأصل في حمل المرأة أنه لا يجوز إسقاطه في جميع مراحله إلا لمبرر شرعي ، فإن كان الحمل لا يزال نطفة وهو ما له أربعون يوماً فأقل ، وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر يتوقع حصوله على الأم – جاز إسقاطه في هذه الحالة ، ولا يدخل في ذلك الخشية من المشقة في القيام بتربية الأولاد أو عدم القدرة على تكاليفهم أو تربيتهم أو الاكتفاء بعدد معين من الأولاد ونحو ذلك من المبررات الغير شرعية”.

حكم إجهاض الجنين من الزنا

إنّ الزنا من أعظم الكبائر عند الله سبحانه وتعالى، وقد حرم الله -تعالى- الإجهاض سواء كان الحمل من زنى، أو من زواج صحيح، حيث يُحرم الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين لأنه في هذه الحالة يكون قتلًا للنفس، ولكن إذا كان الزِّنا قد وقع كرْهًا أي حالة اغتصاب، وكان الجنين لم يُنفخ فيه الرّوح يمكِنُ للمرأة أن تجهض الجنين إذا كان لا يُمكن تحمُّلُه، أو سيجلب لها الخزي والعار، أما إذا وقع الزّنا برضاها فلا يجوز الإجهاض لما يتضمَّنُه من فتح باب الرذيلة ونشر الفاحشة والفساد، كما أنَّ في ذلك إعانة لتلك المرأة على معصيتها، والتيسير الطريق لها للخلاص من فعلتها الشنيعة.^[9]

فقد قال الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس في تعقيبه على تلك المسألة: “ولو كان يجوز إجهاضُ الجنين بِقَصْدِ التستُّر على فاحشةٍ اقْترفَتْها أمُّه لأمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الغامديَّةَ بإجهاضِ جنينِها، ولم يأمُرْها بالاهتمام به حتى تتوافر له أسبابُ الحياة مستقلاًّ عنها، أمَا وقد أمرها بالاهتمام به فهذا يدلّ على حرمة إجهاض الجنين للتستر على الفاحشة؛ لأن الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده، ولا يُعَدُّ إجهاض الجنين في هذه الحالة من قبيل الإجهاض لعذر، ومن ثَمّ فإن إجهاضه في هذه الحالة يقتضي الإثم ويوجب الضمان”، ويجدر بالذّكر إلى أنه لا يجوز أن يضحَّى بجنين بريء لا ذنب له من أجل ذنب اقترفه غيره، حيث قال -تعالى- في محكم تنزيله: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}^[10]، والله أعلم.^[9]

هل يجوز إسقاط الجنين في الأسبوع الأول

تعددت آراء أهل العلم في حكم إسقاط الجنين في الأسبوع الأول أي قبل الأربعين وقبل نفخ الروح، وجاء اختلافهم على قولين، وهما كالآتي:^[11]

• القول الأول: يجوز إسقاط الجنين، فقد ذهب أصحاب هذا القول إلى أنه يمكن إسقاط الجنين قبل التخليق، أي قبل نفخ الروح، ولكن إذا نفخ الروح فيه لا يجوز إسقاطه، فقد قال الرملي -رحمه الله- في نهاية المحتاج: ” الراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا وجوازه قبله”، كما جاء في حاشية قليوبي: “يجوز إلقاؤه (الحمل) ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه ، خلافاً للغزالي “، وهو قول جماعة من الحنفية والشافعية وبعض الحنابلة.
• القول الثاني: لا يجوز إسقاط الجنين مطلقًا، حيثُ ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ إسقاط الجنين الذي نفخ فيه الروح حرام، فقد قال الدردير -رحمه الله- في الشرح الكبير: ” لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا “، وهو قول المالكية وبعض الحنفية والشافعية والحنابلة.

شاهد أيضًا: هل يجوز المسح على الشراب الشفاف عند تعذر خلعهما في الوضوء

حكم الإجهاض بعد نفخ الروح

إنّ إجهاض الجنين بعد نفخ الروح حرام بالإجماع، ويقصد بنفخ الروح أي بعد مرور مائة وعشرين يومًا منذ التلقيح، حيثُ عدّ العلماء إجهاض الجنين بعد نفخ الروح بحكم القتل؛ لأنه الجنين أصبح نفسًا وله كرامته،  حيث قال تعالى: {وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ}^[12]، وقال سبحانه وتعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}^[2]، كما جاء في نهاية المحتاج: ” … ويقوى التحريم فيما قرب من زمن النفخ لأنه جريمة ، ثم إن تشكل في صورة آدمي وأدركته القوابل وجبت الغرة “، وهكذا يتبين أنَّ الإجهاض بعد نفخ الروح جريمة لا يجوز لأي مسلم الإقدام عليها إلا في حالة الضرورة القصوى مع التيقن منها، بحيث يكون بقاء الجنين خطراً على حياة الأم، والله أعلم.^[13]

حكم الإجهاض بسبب الفقر

أوضح العلماء أنّ الإجهاض بسبب الفقر غير جائز شرعًا، لأنّ خشية الفقر وعبء المعيشة لا يعتبر عذرًا للإجهاض، فقد قال الله -تعالى- في القرآن: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}^[14]، كما قال تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}^[2]، وذكر بعض العلماء أنّ الإجهاض بسبب الخوف من الفقر يعتبر من سوء الظن بالله وضعف اليقين، كما أنّ كل مولود يولد إلا وكتب الله رزقه وأجله وهو في بطن أمه، فقد قال الإمام الطبري: “وقد كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفاقة, فوعظهم الله في ذلك, وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولادهم على الله فقال نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا”، ويجدر بالذّكر أنه يجب على الزوجين إن فعلا هذا التوبة النصوح إلى الله تعالى، والرجوع إلى الله -عزّ وجل- والعزم على عدم العوودة لهذا الأمر، والإكثار من الاستغفار.^[15]

شاهد أيضًا: هل يجوز العزاء قبل الدفن وما هي مدة العزاء في الإسلام

ضوابط جواز الإجهاض

بين الشرع الحنيف بأنّ بأنّ هناك بعضًا من الضوابط التي يمكن من خلالها إجهاض للجنين، ولكن ينبغي معرفة أنّ غير هذه الضوابط يُعتبر الإجهاض محرمًا، فقد قال -تعالى- في الكتاب: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}^[7]، وتتمثل هذه الضوابط على النحو الآتي:^[16]

• إذا كان الحمل يشكِّل خطرًا على حياة الأم:  ويتم إثبات ذلك بتقرير من طبيب مأمون موثوق بخبرته، فقد قال -تعالى- في محكم تنزيله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}^[17].
• موت الجنين في بطن الأم: فبهذه الحالة يجوز إجهاض الجنين، ولكن إذا كان الجنين مريض الجنين ولم يمت في بطن الأم لا يجوز إجهاضه مطلقًا، فالمرض بيد الله -تعالى- وهو وحده القادر على شفائه.

وهكذا نصل وإيّاكم إلى نهاية هذا المقال الذي قدمناه لكم بعنوان هل يجوز الاجهاض وما ضوابط جواز الإجهاض، فقد عرفنا في هذا المقال بعضًا من المعلومات حول مفهوم الإجهاض، وقد أدرجنا لكم الإجابة الصحيحة حول السُّؤال المطروح، كما أوضحنا حكم الإجهاض في القرآن الكريم، وهل يجوز إسقاط الجنين في الأسبوع الأول، وهل يجوز إجهاض جنين عمره شهر، وحكم الإجهاض بسبب الفقر، وختمنا مقالنا ببعض المعلومات عن ضوابط جواز الإجهاض، نرجو أن نكون قد وفقنا في الإجابة على هذا السؤال وأن نكون حملنا لكم الفائدة في هذا المقال.