هل يجوز التوسل بالنبي وحكم التوسل عند المذاهب الأربعة

هل يجوز التوسل بالنبي وحكم التوسل عند المذاهب الأربعة
هل يجوز التوسل بالنبي

هل يجوز التوسل بالنبي وحكم التوسل عند المذاهب الأربعة، من المعلومات الدينية التي يجهلها كثير من المسلمين في العالم الإسلامي، ولا بدَّ أن يتعرف المسلم على ما يتعلق بمثل هذه الأمور حتى لا يقع فيما لا يرضي الله تعالى، وحتى لا يقع في الشرك والعياذ بالله تعالى، وسوف نقدم في هذا المقال معلومات عن حكم التوسل بغير الله في الإسلام، وعلى حكم التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى حكم التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام بعد وفاته، وحكم التوسل بالصالحين وغير ذلك من الأحكام المتعلقة.

حكم التوسل بغير الله

ذهب الفقهاء من أهل العلم في الإسلام إلى أنَّ التوسل يشير إلى طلب العون والمساعدة من الله تعالى بطرق غير مباشرة، حيث يعتمد الشخص تقربًا إلى الله تعالى على التوسل ويتقرب إلى الله تعالى ويدعوه بجاه فلان أو ما إلى هنالك، وقد قسم الفقهاء التوسل في الإسلام إلى قسمين هما التوسل المشروع والتوسل غير المشروع، فالتوسل المشروع في الإسلام هو التوسل بصفات الله تعالى وأسمائه الحسنى وبالعمل الصالح والإيمان بالله تعالى، بالإضافة إلى التوسل بدعاء أحد الأولياء والصالحين في المصائب العامة، فقد توسل الصحابة بالعباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه كانَ إذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بالعَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، فقالَ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وإنَّا نَتَوَسَّلُ إليكَ بعَمِّ نَبِيِّنَا فاسْقِنَا، قالَ: فيُسْقَوْنَ”،[1] أمَّا التوسل غير المشروع فهو التوسل الذي حرمه الله تعالى وهو التقرب إلى الله تعالى بما يعتقده المسلم أنه مبارك وذو مكانة عظيمة عند الله تعالى، وقد أشار الفقهاء إلى أنه أحد أنواع الشرك، والله تعالى أعلم.[2]

شاهد أيضًا: هل يجوز الدعاء عند قبر الرسول

هل يجوز التوسل بالنبي

ذهب جمهور الفقهاء من أهل العلم إلى جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى هذا ذهبت المذاهب الأربعة الشافعية والمالكية والحنابلة والحنفية، وذلك لأنَّ مقام النبي صلى الله عليه وسلم عظيم ومكانته وشفاعته ثابتة في الكتاب والسنة، وقد ذكر ذلك الإمام السبكي شافعي المذهب رحمه الله تعالى ذلك، وأشار إلى أنَّ التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم جائز بالإجماع وأنه لم ينكر ذلك أحد من السلف ولا من الخلف، رغم معارضة بعض الفقهاء له، وقد أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ذلك، وقد استدلَّ الفقهاء الذين أجازوا ذلك بالحديث الصحيح عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه: “أنَّ رجلًا ضريرَ البَصرِ أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ : ادعُ اللَّهَ أن يعافيَني قالَ : إن شئتَ دعوتُ ، وإن شِئتَ صبرتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ . قالَ : فادعُهْ ، قالَ : فأمرَهُ أن يتوضَّأَ فيُحْسِنَ وضوءَهُ ويدعوَ بِهَذا الدُّعاءِ : اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ محمَّدٍ نبيِّ الرَّحمةِ ، إنِّي توجَّهتُ بِكَ إلى ربِّي في حاجَتي هذِهِ لتقضى ليَ ، اللَّهمَّ فشفِّعهُ فيَّ”،[3] وغير ذلك من الأدلة والله تعالى أعلم.[4]

هل يجوز التوسل بالنبي بعد وفاته

ذهب جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة إلى جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، بينما عارض بعض الفقهاء من أهل العلم هذا الرأي كما سبق وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد استند الفقهاء الذين أجازوا ذلك إلى حديث الأعمى وإلى غيره من الأدلة، ويقول الإمام النووي رحمه الله تعالى خلال حديثه عن آداب زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتوسل به في حق نفسه، ويتشفَّع به إلى ربه سبحانه وتعالى”، والكمال ابن همام يقول في ذلك أيضًا: “يسأل الله تعالى حاجته متوسلا إلى الله بحضرة نبيه عليه الصلاة والسلام”، وغيرها من الأدلة.[5]

شاهد أيضًا: ماذا يقال عند زيارة قبر الرسول

هل يجوز التوسل بالصالحين

يرى جمهور الفقهاء من أهل العالم من الحنابلة والمالكية والشافعية جواز التوسل بالصالحين، وهو مثل قول: اللهم إني أسألك بجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أدعوك بحق فلان أو فلان وما إلى هنالك، وقد ورد عن ابن تيمية أنه عارض ذلك ولكنه أشار إلى أنَّ هذا النزاع لا ينفي حقيقة أن كل فريق لديه أدلته واجتهاده، فقال رحمه الله تعالى: “وساغ النزاع في السؤال بالأنبياء والصالحين دون الإقسام بهم، لأن بين السؤال والإقسام فرقا، فإن السائل متضرع ذليل يسأل بسبب يناسب الإجابة، والمقسم أعلى من هذا، فإنه طالب مؤكد طلبه بالقسم، والمقسم لا يقسم إلا على من يرى أنه يبرُّ قسمه”، وهو بذلك سوَّغ النزاع ولم ينكر على من فعل ذلك رغم أنه لم يجز التوسل بالأنبياء والصالحين والله أعلم.[6]

حكم التوسل عند المذاهب الأربعة

اختلف الفقهاء في حكم التوسل في الإسلام، رغم أنَّ جمهور الفقهاء والمذاهب الأربعة ذهبوا إلى جواز ذلك، ولكن وجدت آراء أخرى غير الجواز مطلقًا، ولكل من هذه لأقوال أدلته، وفيما يأتي سيتم التفصيل في حكم التوسل بالأنبياء والصالحين في المذاهب الأربعة:[4]

جواز التوسل بالأنبياء والصالحين

كما سبق فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز ذلك واستدلوا بالعديد من الأحاديث منها حديث الأعمى الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله ويتوسل إلى الله بالنبي عليه الصلاة والسلام، ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي قال فيه: “فَبيْنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْطُبُ في يَومِ جُمُعَةٍ قَامَ أعْرَابِيٌّ، فَقالَ يا رَسولَ اللَّهِ: هَلَكَ المَالُ وجَاعَ العِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وما نَرَى في السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، ما وضَعَهَا حتَّى ثَارَ السَّحَابُ أمْثَالَ الجِبَالِ”.[7]

جواز التوسل بالنبي فقط

ذهب بعض الفقهاء إلى جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم فقط دون غيره من الناس، ومن الذين ذهبوا إلى ذلك الإمام أبي محمد عز الدين ابن عبد السلام رحمه الله تعالى وآخرون، وقد ورد في كتاب الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد للشوكاني رحمه الله: “وأما التوسل إلى الله سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه: فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام إنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم إن صح الحديث فيه”.

جواز التوسل مع الاعتقاد أن النافع والضار هو الله

ذهب بعض الفقهاء من أهل العلم وعلى رأسهم الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى إلى جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم وبغيره من الصالحين، مع ضرورة الاعتقاد بأنَّ الله تعالى وحده هو النافع والضار، فقد ورد عنه في تحفة الذاكرين قوله: “وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى وأنه المعطي المانع، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن”.

كراهية التوسل بالأنبياء والصالحين

ذهب أبو حنيفة إلى أنَّ التوسل بالأنبياء والصالحين مكروهًا، فقد ورد عن ابن أبي العز قوله في شرح الطحاوية مفسرًا وجهة نظر الإمام في هذه المسألة: “وإن كان مراده الإقسام على الله، فذلك محذور أيضا، لأن الإقسام بالمخلوق على المخلوق لا يجوز، فكيف على الخالق؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم: من حلف بغير الله فقد أشرك ـ ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه رضي الله عنهم: يكره أن يقول الداعي: أسألك بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام، والمشعر الحرام، ونحو ذلك حتى كره أبو حنيفة ومحمد “.

عدم جواز التوسل مطلقًا

ذهب ابن تيمية رحمه الله تعالى وغيره كثيرون من الفقهاء إلى أنَّه لا يجوز مطلقًا التوسل بالأنبياء والصالحين، وقد نقل ابن تيمية رحمه الله تعالى هذا الحكم عن أبي حنيفة وأصحابه، فقد قال أبو حنيفة أنَّ ذلك مكروه، واعتبر ابن تيمية أنَّ الكراهية كان السلف يقولونها ويقصدون بها التحريم، ويقول شيخ الإسلام في هذا الشأن: “التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته، فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه ـ لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره ـ ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة، أو عمن ليس قوله حجة ـ كما سنذكر ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ وهذا هو الذي قال أبو حنيفة وأصحابه إنه لا يجوز ونهوا عنه، حيث قالوا لا يسأل بمخلوق ولا يقول أحد أسألك بحق أنبيائك”.

شاهد أيضًا: حكم دعاء غير الله تعالى من الأولياء والصالحين

هل يجوز التوسل بالنبي ابن باز

ذهب الإمام ابن باز رحمه الله تعالى إلى أنَّه لا يجوز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بأحد غيره من الخلق، لأنه لم تكن هذه الوسيلة أو الطريقة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته رضي الله عنهم، ولذلك هي بدعة محدثة من باب الشرك حسب رأيه، وقد تكون ضلالة والعياذ بالله، لأنَّ مثل هذه الأمور في العبادات هي من الأمور التوقيفية وطالما لم ترد لا يجوز للمسلم أن يبتدع فيها، ويقول رحمه الله في ذلك: “التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم أو بحقه أو بذاته، مثل أن يقول الإنسان: أسألك يا الله بنبيك أو جاه نبيك أو حق نبيك أو جاه الأنبياء أو حق الأنبياء أو جاه الأولياء والصالحين وأمثال ذلك، فهذا بدعة ومن وسائل الشرك، ولا يجوز فعله معه صلى الله عليه وسلم ولا مع غيره؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يشرع ذلك، والعبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما دل عليه الشرع المطهر”.[8]

وإلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام مقال هل يجوز التوسل بالنبي وحكم التوسل عند المذاهب الأربعة وقد تعرفنا على حكم التوسل لغير الله تعالى في الإسلام، وعلى حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعرفنا حكم التوسل بالصالحين، وحكم التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، وحكم التوسل في المذاهب الأربعة وغير ذلك من المعلومات المتعلقة.

المراجع

  1. ^ صحيح البخاري، أنس بن مالك، البخاري، 1010، البخاري
  2. ^ alukah.net، حكم التوسل بغير الله، 26/04/2023
  3. ^ صحيح الترمذي، عثمان بن حنيف، الألباني، 3578، صحيح
  4. ^ islamweb.net، مذاهب العلماء في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، 26/04/2023
  5. ^ aliftaa.jo، حكم التوسل بجاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، 26/04/2023
  6. ^ islamweb.net، آراء العلماء في التوسل بالأنبياء والصالحين قبل ابن تيمية، 26/04/2023
  7. ^ صحيح البخاري، أنس بن مالك، البخاري، 933، صحيح
  8. ^ binbaz.org.sa، ما يشرع في التوسل بالنبي وما لا يشرع، 26/04/2023

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *