هل يجوز الصلاة على جنابة في البرد

هل يجوز الصلاة على جنابة في البرد
هل يجوز الصلاة على جنابة في البرد

هل يجوز الصلاة على جنابة في البرد وهو موضوع هذا المقال، حيثُ يعتبر من الأحكام الشرعية التي يجدر على كل مسلم ومسلمة معرفتها، حتى يتم التأكد من صحة العبادات التي تتعلق بالطهارة، فالجنابة من الأمور التي تنقض الوضوء ولا تُزال إلا بالاغتسال الذي يتطهّر به الإنسان من الحدث الأكبر، وسوف نتعرف في هذا المقال على ما هي الجنابة في الإسلام، وعلى حكم الصلاة على جنابة في البرد، وعلى طريقة الاغتسال الصحيحة من الجنابة في الإسلام وما إلى هنالك من معلومات وتفاصيل متعلقة.

الجنابة في الإسلام

يقصد في الجنابة الحالة التي يكون عليها الشخص بسبب الجماع بين الزوجين أو بسبب الاحتلام ليلًا أثناء النوم، وسمّيت الجنابة بهذا الاسم لأنها تبعد العبد عن الصلاة، وقد حرم الله -تعالى- العديد من العبادات والطاعات على المسلم في حالة الجنابة، فقد قال -تعالى- في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا}[1]، ويجدر بالذّكر أنّ الغسل من الجنابة فرض على كلّ مسلم ومسلمة، وقد وضح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّ التقاء الزوج والزوجة وحدوث الإيلاج بينهما يوجب الغسل حتى لو لم يحدث نزول للمني، فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا جَلَسَ بيْنَ شُعَبِها الأرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَها فقَدْ وجَبَ الغَسْلُ”[2]، وبناءً على ذلك يتوجب على المسلم الاغتسال من الجنابة قبل أداء العديد من الطاعات والعبادات.[3]

هل يجوز الصلاة على جنابة في البرد

لا يجوز الصلاة على جنابة سواء كان ذلك في البرد أو في ظروف أخرى، حيث لا تصحّ صّلاة المسلم وهو جنب، لأنها حالة من عدم الطّهارة، والطّهارة من الجنابة فرض عينٍ على المسلم، وقد أطلق أهل العلم عليها الحدث الأكبر، ودليل ذلك ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: “أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إلَيْنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا قَامَ في مُصَلَّاهُ، ذَكَرَ أنَّه جُنُبٌ، فَقالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا ورَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا معهُ”[4]، فإن لم يجد المسلم الماء للاغتسال، أو كان الجوّ باردًا فخاف من البرد والمرض، ولم يجد ما يسخّن به الماء، أو إن كان مريضًا، فيجوز له التّيمّم بما أباح الله تعالى، ودليل ذلك ما روى عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: “احتلَمتُ في ليلةٍ باردةٍ في غزوةِ ذاتِ السَّلاسلِ فأشفَقتُ أن أغتسلَ فأَهْلِكَ فتيمَّمتُ ثمَّ صلَّيتُ بأصحابي الصُّبحَ فذَكَروا ذلِكَ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ يا عمرُو صلَّيتَ بأصحابِكَ وأنتَ جنُبٌ فأخبرتُهُ بالَّذي مَنعَني منَ الاغتسالِ وقلتُ إنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يقولُ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا فضحِكَ النبي صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ولم يقُل شيئًا”[5]، وبناءً على ذلك فإن الصّلاة بعد الجنابة لا تجوز إلّا بعد الاغتسال أو التيمم في الحالات الخاصّة.[6]

شاهد أيضًاحكم عدم الاغتسال من الجنابة لعدة أيام

هل يجوز التيمم من الجنابة بدلا من الغسل بسبب البرد

يجوز للمسلم أن يتيمم من الجنابة بدلًا من الغسل بسبب البرد بشروط معينة، وهي عدم وجود الماء، أو إذا كان استخدامه للماء يترتب عليه ضرر بسبب المرض، فقد قال -تعالى- في محكم تنزيله: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[7]، فقد جعل الله -سبحانه وتعالى- التيممُ عِوَضًا عن الماء في التطهر لاستباحة ما لا يُستباح إلا بالطهارة؛ كالصلاة وتلاوة القرآن وغيرها، وهكذا يكون التيمم من الجنابة بدلًا من الغسل والوضوء معًا، ولكن إن كان المسلم قادرًا على تسخين الماء حال البرد فلا يجوز له التيمم [8]، أما طريقة التيمم من الجنابة فهي ذات طريقة التيمم من الحدث الأصغر أو الحيض كما وضحها النبي عليه الصلاة والسلام في السنة النبوية، وهي ضرب التراب باليد مرة واحدة، ثمّ مسح الوجه كاملًا والكفّين ظاهراً وباطناً بها إلى الكوعين أي الرسغين، بدليل ما رواه عبد الرحمن بن أبزى -رضي الله عنه- فال: “أنَّ رَجُلًا أتَى عُمَرَ، فَقالَ: إنِّي أجْنَبْتُ فَلَمْ أجِدْ مَاءً فَقالَ: لا تُصَلِّ. فَقالَ عَمَّارٌ: أما تَذْكُرُ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إذْ أنَا وأَنْتَ في سَرِيَّةٍ فأجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً، فأمَّا أنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وأَمَّا أنَا فَتَمَعَّكْتُ في التُّرَابِ وصَلَّيْتُ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّما كانَ يَكْفِيكَ أنْ تَضْرِبَ بيَدَيْكَ الأرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بهِما وجْهَكَ، وكَفَّيْكَ…”[9].

هل يجوز التطهر من الجنابة بالوضوء

لا يجوز التطهر من الجنابة بالوضوء فقط، لأن الوضوء لا يكفي في رفع الحدث الأكبر، حيث يتوجب على المسلم الاغتسال، لقول الله تبارك وتعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}[10]،كما يجوز للمسلم أن يتطهر بالجنابة من خلال التيمم، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}[1]، وقد أجاز الله التيمم بشروط وهي عدم وجود الماء، أو إذا كان استخدام الماء يترتب عليه ضرر محقَّق، فمن الواجب على المسلم أن يتطهر من الجنابة بالغسل الشَّرعي الذي بينه الله في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.[11]

شاهد أيضًا: هل الاستحمام يغني عن الوضوء

هل يجوز الصلاة على جنابة بالوضوء

أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز صلاة الجنب بالوضوء فقط، لأنّ الوضوء لا يجزئ عن الغسل مطلقًا، فإذا توضَّأ المسلم بعد الجنابة ولَم يغتسل ثمَّ صلَّى، فصلاتُه تكون في هذه الحالة لا تصحّ ولا تُقبل ولا تغني عنه شيئاً، كأنّه لا يصلّي، فقد قال الله -تعالى- في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}[10]، ولا يجوز للمسلم أن يترك الاغتسال من الجنابة إلا بوجود ضرورة؛ فقْد الماء أو العجز عن استعماله، وقد قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: “الطهارة من الجنابة فرْضٌ ليس لأحد أن يصلي جنبًا ولا محدثًا حتى يتطهَّر، ومَن صلَّى بغير طهارة شرعية مستحلاًّ لذلك، فهو كافر، ولو لم يستحلَّ ذلك، فقد اختلف في كفره، وهو مستحق للعقوبة الغليظة، لكن إن كان قادرًا على الاغتسال بالماء، اغتسل، وإن كان عادمًا للماء ويخاف الضرر باستعماله بمرض أو خوف برد، تيَمَّم وصلَّى”، والله أعلم.[11]

حكم ترك صلاة الفجر بسبب الجنابة

لا يجوز ترك صلاة الفجر بسبب الجنابة، حيثُ يأثم المسلم عند تأخير أو عدم الغسل مطلقًا حتى يخرج وقت الفجر، وهذا الفعل محرم في الدين الإسلامي،  لأنه يحرم  المسلم من فعل وأداء العبادات المفروضة على المسلم، مثل الصلاة وقراءة القرآن، كما أنّ فيه تأخير الصلاة  المفروضة على المسلم عن وقتها، وقد قال الله -عز وجل- في محكم تنزيله: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[12]، كما قال أيضًا: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[13]، فالصلاة عمود الدين، وهي أوّل ما يسأل الإنسان عنه يوم القيامة، فإن صلحت فقد صلحَ ما بعدها، وإن فسدت فقد فسدَ ما بعدها، فمن ترك صلاة الفجر أو غيرها من الصلوات المفروضة متعمدًا ومتساهلا فهو آثم ومرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، وعليه الرجوع إلى الله تعالى- وأن يتوب توبة صادقة، ويكثر من الاستغفار، والواجب على من أصبح جنبا أن يغتسل من الجنابة ثم يصلي الفجر ولا يؤخر الاغتسال مطلقًا.[14]

شاهد أيضًا: اذا اذن الفجر وانا على جنابه هل يجوز الصيام وهل يجوز تأخير غسل الجنابة

حكم تأخير الاغتسال من الجنابة

ذهب أهل العلم إلى أنه لا يجوز تأخير الاغتسال من الجنابة إلى شروق الشمس، وويعود السبب في ذلك هو ضياع الصلاة وعدم أدائها على وقتها ممّا يعني عدم نيل الأجر الكامل، فقد قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}[15]، وإنما يجوز تأخير الاغتسال إلى قيام المسلم للصلاة؛ وذلك لأن الاغتسال من الجنابة يعتبر واجبًا وجوبًا متراخيًا، بحيث إنه لا حرج على المسلم إن لم يقم به على الفور، وإنما يجب عند القيام إلى الصلاة، بدليل ما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: “أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقِيَهُ في بَعْضِ طَرِيقِ المَدِينَةِ وهو جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ منه، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقالَ: أيْنَ كُنْتَ يا أبَا هُرَيْرَةَ قالَ: كُنْتُ جُنُبًا، فَكَرِهْتُ أنْ أُجَالِسَكَ وأَنَا علَى غيرِ طَهَارَةٍ، فَقالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، إنَّ المُسْلِمَ لا يَنْجُسُ”[16]، وعليه فإنه يجوز للجنب أن ينام دون أن يغتسل، ولكن يستحب له أن يتوضأ قبل أن ينام، وإذا استيقظ لصلاة الفجر اغتسل وصلى، ففي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:”أَكانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَرْقُدُ وهو جُنُبٌ؟ قالَتْ: نَعَمْ ويَتَوَضَّأُ”[17]، والله أعلم[18].

ما حكم النوم على جنابة

ذكر أهل العلم بأنه يجوز للمسلم النوم على جنابة سواء كانت هذه الجنابة إما بسبب الجماع أو بسبب الاحتلام، ولا حرج في ذلك على الإطلاق، ولكن ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يتوضأ إذا أراد أن ينام على جنابة، وذلك على سبيل الاستحباب لا الوجوب، لما روته عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: “إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ”[19]، فمن السنة عن رسول الله أن يتوضأ المسلم الجنب الذي يرغب في أكل الطعام أو النوم أو فعل أي نشاط آخر ولن يغتسل إلا بعد وقت، ويجدر بالذّكر إلى أنه أشار الفقهاء بأنه يكره النوم على جنابة دون وضوء، فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه كان إذا أرادَ أنْ ينامَ وهو جُنُبٌ؛ يَغْسِلُ فَرْجَه ثم يتوضَّأُ وُضوءَه للصَّلاةِ”[20]، ولذلك فمن الأفضا للمسلم أن يتوضأ من الجنابة قبل النوم، والله تعالى أعلم.[21]

شاهد أيضًا: الاغتسال من الجنابة في رمضان قبل صلاة الظهر

متى يسقط الغسل من الجنابة

بيّن فقهاء الشريعة بأنّ الغسل من الجنابة لا يسقط إلا بالعجز عنه، كأن يكون العجر لعدم وجود الماء، أو عدم القدرة على استخدام الماء؛ لأجل المرض، ففي هذه الحالة يجوز للمسلم التطهر من الجنابة من خلال التيمم، ولكن ينبغي الإشارة إلى أنّ استحياء المسلم من الاغتسال أو الخوف من الناس لا يعتبر عذرًا للتيمم، لأنّ الحياة لا يجب أن يكون مانعاً للإنسان عن الحق، فمن تيمم بهذه الحالى وصلى تكون صلاته غير صحيحة لأنّ صلى بغير طهارة[22]، فقد ورد في صحيح مسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:” لا يقبل الله صلاة بغير طهور”[23]، وقد سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله- عن هل يسقط التيمم الاغتسال عن الجنب؟، فأجاب:[24]

التيمم يقوم مقام الماء، الله جعل الأرض مسجدًا وطهورًا للمسلمين، فإذا فقد الماء، أو عجز عن المرض قام التيمم مقامه، فلا يزال كافيًا حتى يجد الماء، فإذا وجد الماء وجب عليه الغسل عن جنابته السابقة، وهكذا المريض إذا برئ، وعافاه الله يغتسل عن جنابته السابقة التي طهرها بالتيمم؛ لقول النبي ﷺ: الصعيد وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين ثم قال: فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك.

الحكمة من الاغتسال من الجنابة

إنّ الاغتسال من الجنابة جاء لاستباحة الصَّلاة أو الطَّواف أو غيرهما مما تشترط لصحته الطَّهارة من الحدث، أما الحكمة من وجوب الاغتسال لم يظهر الشَّرع ذلك، ولكن أظهرت البحوث والدراسات أنّ هناك مجموعة من الآثار السلبية التي تحدث للجسم بعد الجنابة، فهي تترك وراءها سمومًا تضر بالإنسان وتراكمها يسبب العديد من المشاكل الصحية، وقد بيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّ الاغتسال من الجنابة يعيد إلى الجسم النشاط والحيوية، فقد قال ابن القيم -رحمه الله- في ذلك: “الاغتسال من خروج المني من أنفع الأشياء للبدن والقلب والروح بل جميع الأرواح القائمة بالبدن فأنها تقوى بالاغتسال، والغسل يخلف عليه ما تحلل منه بخروج المني، وهذا أمرٌ يعرف بالحس”، حيثُ إنّ الاغتسال من الجنابة يعدّ من الأمور التي شرعها الله حتى وإن خفيت الحكمة، فالله لا يوجب على عباده أمرًا إلا اشتمل على رحمة وحكمة ومنفعة له، فعند خروج المني من الجسم يتأثر سائر البدن ويضعف، ولكن عند التحلل منه بالغسل يتم تنشيط دورة الدم في الجسم ليعود إليه نشاطه وقوته، والله تعالى أعلم.[25]

طريقة الاغتسال من الجنابة

إنّ غسل الجنابة واجبٌ على كل مسلم ومسلمة بإجماع أهل العلم، وفي الغُسل ثواب وأجر؛ وهذا لامتثال أمر الشارع، حيث قال النبي -صلّى الله عليه وسلم- في الحديث: “الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ”[26]، وقد ورد بأنّ هنالك كيفيتين يُمكن اتباع إحداهما من أجل الغسل، وفيما يأتي سيتم بيانهما بالتفصيل:[27]

  • الغسل الواجب: وهو الغسل الذي تقوم به المسلم بالواجبات فقط؛ حتى يرفع عنه الحدث الأكبر وهو الجنابة، ولكن يكون دون الإتيان بالسنن والمستحبات، بحيث يبدأ المسلم بنية رفع الحدث والطهارة منه، ثم يقوم بتعميم الماء على سائر البدن حتى يتأكد من وصوله إلى جميع الجسد، مع الحرص على وصول الماء إلى المناطق والشقوق، ثمّ يقوم المسلم بغسل الأنف والفم عن طريق المضمضة والاستنشاق، فإذا اقتصر المسلم على هذه الصفة من الغسل أجزأه ذلك عن الوضوء حتى لو لم يتوضأ.
  • الغسل الكامل: وهو يعتبر الغسل الذي يأتي به المسلم بكافة السنن والمستحبات إضافة للواجبات، وقد عدّه الشرع بالغسل الأكمل والأفضل، وقد كان يقوم به النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته رضوان الله عليهم، فيبدأ المسلم بنية الطهارة من الحدث الأكبر وهو الجنابة، ثم يغسل يداه ثلاث مرات، ثُمّ يغسل الفرج بشكل جيد، ثم يتوضأ كوضوئه للصلاة، ومن ثم يقوم بغسل الرأس ثلاث مرات من أجل وصول الماء إلى جذور الشعر، ومن ثم يقوم بتعميم الماء على سائر الجسد فيبدأ بالشق الأيمن ثلاثًا ثم الشق الأيسر ثلاثًا، والدليل على ذلك ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روته السيدة عائشة -رضي الله عنها- حين قالت: “كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يُفْرِغُ بيَمِينِهِ علَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ المَاءَ فيُدْخِلُ أصَابِعَهُ في أُصُولِ الشَّعْرِ، حتَّى إذَا رَأَى أنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ علَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ، ثُمَّ أفَاضَ علَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ”[28].

شاهد أيضًا: كيفية غسل الجنابة في رمضان

ما يحرم على الجنب في الإسلام

بيّن الدين الإسلامي بأنّ هناك مجموعة من الأفعال الشرعية والعبادات محرمة على المسلم وهو جنب، وفيما يأتي سيتم بيانها بالتفصيل:[29]

  • الصلاة: تحرم الصلاة على الجنب؛ لأن المسلم يكون على غير طهارة، فقد قال -تعالى- في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}[10].
  • قراءة القرآن: فقد اتفقت المذاهب الفقهية الأربعة على أنّ قراءة القرآن الكريم للجنب حرام، وقد ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ القرآن الكريم في كل الأوقات ما لم يكن جنبًا.
  • مس المصحف الشريف: لا يجوز للجنب مس المصحف الشريف، وقد ثبت ذلك في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}[30].
  • الجلوس في المساجد أو الاعتكاف فيها: وذلك حسب ما ورد في كتاب الله تعالى إذ قال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}[1]، ويدخل ضمن الصلاة أماكن الصلاة أيضًا.
  • الطواف حول الكعبة: يحرم على الجنب أيضًا الطواف حول الكعبة؛ لأنّ الطهارة شرطٌ من شروط الطواف، والطواف صلاة، فقد ثبت ذلك في الحديث عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “الطَّوافُ بالبيتِ صلاةٌ، إلَّا أنَّ اللهَ تَعالى أحَلَّ لكمُ المَنطِقَ، فمَن نطَقَ فلا يَنطِقْ إلَّا بخَيرٍ”[31].

وبهذا نكون قد وصلنا إلى ختام مقال هل يجوز الصلاة على جنابة في البرد، فقد قمنا ببيان من خلال هذا المقال ما هي الجنابة في الإسلام، وقد تطرقنا لبيان الإجابة الصحيحة حول السؤال المطروح، كما تمّ بيان هل يجوز الصلاة على جنابة بالوضوء، وحكم تأخير الاغتسال من الجنابة، وحكم ترك صلاة الفجر بسبب الجنابة، بالإضافة إلى بيان كيفية الاغتسال من الجنابة بالتفصيل، ونختم المقال ببيان ما يحرم على الجنب في الإسلام، نرجو أن نكون قد وفقنا في كتابة هذا المقال وأن نكن حملنا لكم الفائدة.

المراجع

  1. ^ سورة النساء، الآية 43
  2. ^ صحيح البخاري، أبو هريرة، البخاري، 291، صحيح
  3. ^ binbaz.org.sa، ما معنى الجنابة ومتى يغتسل الرجل منها؟، 26/04/2023
  4. ^ صحيح البخاري، أبي هريرة، البخاري، 272، صحيح
  5. ^ تحفة المحتاج ، ابن الملقن، عمرو بن العاص، 1/226، صحح أو حسن.
  6. ^ binbaz.org.sa، ما يفعل الجنب إذا كان البرد شديدًا وحضرت الصلاة؟، 26/04/2023
  7. ^ سورة البقرة ، الآية 286
  8. ^ binbaz.org.sa، حكم التيمم بدلاً عن الغسل لشدة البرد، 26/04/2023
  9. ^ صحيح مسلم، عبدالرحمن بن أبزى ، مسلم ، 368، صحيح.
  10. ^ سورة المائدة ، الآية 6
  11. ^ islamweb.net، حكم صلاة الجنب بوضوء بلا غسل، 26/04/2023
  12. ^ سورة النساء، الآية 103
  13. ^ سورة البقرة، الآية 238
  14. ^ islamweb.net، حكم تأخير الجنب للصلاة حتى يخرج وقتها بسبب البرد، 26/04/2023
  15. ^ سورة الماعون، الآية 4-5
  16. ^ صحيح البخاري ، أبو هريرة، البخاري 283، صحيح.
  17. ^ صحيح البخاري، عائشة أم المؤمنين ، البخاري ، 286، صحيح.
  18. ^ islamweb.net، تأخير غسل الجنابة ولو لغير ضرورة لا حرج فيه، 26/04/2023
  19. ^ صحيح النسائي، أم المؤمنين عائشة , الألباني،257 ، صحيح.
  20. ^ تخريج المسند لشعيب، أبو هريرة، شعيب الأرناؤوط، 47، صحيح.
  21. ^ binbaz.org.sa، حكم نوم الجنب دون وضوء ولا غسل، 26/04/2023
  22. ^ islamweb.net، هل يجوز ترك الغسل من الجنابة حياء من الناس، 26/04/2023
  23. ^ الاستذكار، عبدالله بن عمر ، ابن عبدالبر، 1/56، ثابت.
  24. ^ binbaz.org.sa، هل يسقط التيمم الاغتسال عن الجنب؟، 26/04/2023
  25. ^ islamweb.net، الحكمة الشرعية من غسل الجنابة، 26/04/2023
  26. ^ صحيح مسلم، أبو مالك الأشعري، مسلم، 223، صحيح.
  27. ^ صحيح مسلم، عائشة أم المؤمنين، مسلم،316،صحيح
  28. ^ islamweb.net، كيفية الغسل من الجنابة، 26/04/2023
  29. ^ islamweb.net، بعض ما يحرم على الجنب، 26/04/2023
  30. ^ سورة الواقعة، الآية 77-79
  31. ^ تخريج مشكل الآثار، عبد الله بن عباس، شعيب الأرناؤوط، 5973، صحيح لغيره

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *