هل يجوز للام أن تأخذ من مال ابنها اليتيم

هل يجوز للام أن تأخذ من مال ابنها اليتيم
هل يجوز للام أن تأخذ من مال ابنها اليتيم

هل يجوز للام أن تأخذ من مال ابنها اليتيم وما حكم التصرف بأموال الأيتام من طرف كافل اليتيم، ومن هو اليتيم الذي أمر الإسلام بالإحسان إليه، فقد جاء الإسلام بالإحسان للإنسان وللنفس البشرية، وأخذ على عاتقه حفظ حقوق العباد والأنفس الضعيفة التي لا قوة لها، فشرّع الشرائع ووضع العقوبات اللازمة لحفظ الحقوق ومعرفة الواجبات، وكان للأيتام نصيبٌ كبيرٌ في حفظ حقوقهم في الشريعة الإسلامية، وفي هذا المقال سيتم بيان حكم تصرف الأم بأموال أولادها الأيتام في حال كانت هي ولية أمرهم أو لا.

هل يجوز للام أن تأخذ من مال ابنها اليتيم

إن تصرّف الأم في أموال أبنائها اليتامى غير جائزٍ شرعًا، وذلك لأنّه ليس للأم أصلًا ولاية على مالهم إن كانوا أيتامًا إلا في أضيق حد، ولو لم يوجد أي وصيٍ أوصى به الأب قبل موته، أو أن المحكمة في البلاد لم تعين لهم وليًا عليهم فحينها يمكن أن تأخذ الأم من أموال ابنها اليتيم وأن تتولاها وتحفظها له وتتصرف بها بما فيه منفعة لأولادها، فالأصل إن تصرفت بمال أيتامها فإن التصرف يكون بما فيه حظٌ لهم ولا يحق لها أن تهدي منه أو تتصدق أو نحو ذلك ولا حرج عليها إن خالطتهم في مأكل ومشرب ونحو ذلك من أمور الحياة، فقد قال تعالى في محكم تنزيله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.[1] وعلى الأم أن تحذر من التصرف بمال أيتامها بما لا يرضي الله عز وجل فقد قال سبحانه: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.[2] والله ورسوله أعلم.[3]

شاهد أيضًا: هل يجوز للرجل ان يغسل زوجته وهل يجوز للزوج دفن زوجته

هل تأخذ من مال ابنها اليتيم لاحتياجات البيت أو لبنتها الأخرى

لا يجوز للأم أن  تأخذ من أموال أبنائها الأيتام لأنّه من حقهم وليس من حقها، ولكن يباح لها أن تأخذ منها في عدة حالات والتي منها، أن تحتاج الأم المال، فتأخذ من مال ابنها ما لا يضره شيئًا، وقد ذكر أهل العلم أنه حتى في هذه الحال لا يجوز لها أن تأخذ من مال ابنها، وآخرون قالوا أنه يشترط إن أخذت الأم من مال ابنها اليتيم إن كان ماله الخاص أن لا تعطيه لابنٍ آخر، وفي الحالة الثانية التي يباح للأم أن تأخذ من مال أبنائها اليتامى إن قامت بخلط مالها بمالهم فأكلت وشربت وسكنت معهم بالمعروف من باب الإحسان إليهم وإحسانهم إليها على أن لا تطمع فتفسد مالهم وتنمي مالها، ويباح لها ذلك إن كانت محتاجة للمال، فتأخذ الأقل من أمرين حددهما العلماء أجرة من هي مثلها وتقوم بمثل عملها من خدمة الأطفال وحضانتهم، أو تأخذ بقدر حاجتها وكفافها، وقد قال تعالى في كتابه العزيز: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}.[4] والله ورسوله أعلم.[5]

خلط مال الأم بمال أيتامها

ذكر أهل العلم أنّه لا يباح لأحد أن يتبرع بأموال الأيتام لا قرضًا ولا هبةً ولا بأي شكلٍ من أشكال التبرع الذي لا يعود على اليتيم بالنفع المادي، وقد ورد عن الأحناف والمالكية الشافعية والحنابلة بإجماعهم أنه لا يجوز للوصي أن يتبرع ولو بجزءٍ صغير من مال اليتيم، ذلك لأن هذا الفعل ينافي مقصود الوصاية من الحفاظ على المال وتنميته والتصرف بما فيه نفع يعود على اليتيم، فالوصي مطلوبٌ منه التصرف بالمال بما فيه مصلحة لليتيم فينميه له ويحفظه ويصونه، فالتصرف يكون في التنمية والمصلحة العائدة على اليتيم، ولا يكون بإنقاص المال أو تضييعه، ولو قامت الأم بمخالطة أموال أيتامها فإن ذلك مباحٌ عليها، وهذا من لطف الله تعالى بعباده، وتوسعةً على المسلمين، فالواجب على الأم في هذه المسألة أن تكون متحريةً الدقة الكبيرة في صرف أموال الأيتام بقدر ما تستطيع من دون أن تسرف أو تبذر، فعليها أن تجتهد بقدر ما يعطيها الله من الجهد والقدرة فتقدر نفقة أولادتها وحجمها، وتقدر نفقتها الخاصة فلا تأخذ من أموالهم زيادة عن نفقتهم ولا تتعمد أن تنفق على نفسها من أموالهم إن لم تكن بحاجة ولو حصل منها ذلك بغير قصد فأنفقت من مالهم أكثر مما تنفق من مالها فلا حرج عليها والله ورسوله أعلم.[6]

شاهد أيضًا: هل يجوز قراءة القران من الجوال في صلاة التراويح

هل يجوز للوصي أن يأكل مال اليتيم

لا يجوز للمسلم الوصي على أموال اليتامى أن يأكل أموالهم بالباطل أبدًا بغير وجه حق، وقد جعل الإسلام أكل مال اليتيم من السبع الموبقات المهلكات، فقد أوجب الإسلام على من قام بالوصاية على مال الأيتام أن يحسن رعايته ورعايتهم وتربيتهم، وينمي ذلك المال ويؤدي زكاته وإن كان غنيًا فلا يأخذ من أموالهم شيئًا، وإن كان فقيرًا معدمًا يأكل من مالهم بالمعروف من غير اعتداء وطمع وضرر عليهم، وقد أخبر أهل العلم أن الفقير المعدم إن كان وصيًا على أموال اليتامى له أن يأكل أقل الأمرين أجرة من مثله أو كفايته وحاجته، فلو أراد الوصي أن يأخذ من مال اليتيم مقابل ما يعمله له من مراعاة مصلحته وكان عمله هذا يستحق الأجرة فلا حرج عليه أن يأخذ من ماله دون أن يطمع وأن يأخذ ما لا حق له أو أجرة له عليه، فلم تجر العادة على أن يؤخذ الأجر المادي مقابل زيارة الأيتام والاعتناء بهم من طرف وصيهم، والأفضل له أن يعف ويستغن عن الأخذ من مال اليتيم حتى لو كان محتاجًا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح: “أنَّ نَاسًا مِنَ الأنْصَارِ سَأَلُوا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فأعْطَاهُمْ، حتَّى إذَا نَفِدَ ما عِنْدَهُ قالَ: ما يَكُنْ عِندِي مِن خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَن يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَما أُعْطِيَ أَحَدٌ مِن عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ”.[7]

هل يجوز التصدق من مال اليتيم

لا يجوز للوصي أن يقوم بالتصدق أو التبرع من مال اليتيم الخاص، لأن وصايته على هذا المال لا يعطيه الحق في التصرف في مال اليتيم بهذا الشكل، وقد نهى الله -سبحانه وتعالى- عن أكل مال اليتيم  ظلمًا وتضييعه وعدم الاحتفاظ به، فمن يأكل مال اليتيم ظلمًا وبدون سبب فإنه يأكل النار في بطنه وستكون السعير مصيرًا له، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ أكل مال اليتيم من السبع الموبقات، وقد أخبر كثيرٌ من أهل العلم أن الله يبعث آكل مال اليتيم ولهب النار يخرج من فمه ومن أذنيه وأنفه وعينيه، فيعرف الناس أن هذا آكل مال يتيم، وذلك للحديث الذي رواه أبو برزة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “( يُبعَثُ يومَ القيامةِ قومٌ مِن قبورِهم تَأَجَّجُ أفواهُهم نارًا ) فقيل: مَن هم يا رسولَ اللهِ ؟ قال: ( ألم ترَ اللهَ يقولُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] )”.[8]

شاهد أيضًا: هل يجوز قراءة القران من الجوال بدون وضوء

حكم التصرف في مال اليتيم

لا يحقّ لكافل اليتيم أن يتصرّف بمال اليتيم أو أن يأكل منه إلّا بإذنه إن كان راشدًا عاقلًا، أمّا إن كان غير راشدٍ ولا بالغٍ أو عاقل فعليه أن يترك مال اليتيم فلا يمسّه لئلا يظلم نفسه ويظلم اليتيم الذي يكفله، لكن الله تعالى أباح للفقير الذي لا يملك المال أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف، أي أن يأخذ منه ما يسدّ حاجته الضّروريّة فقط، قال الله تعالى: {وَمَنْ ‏كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا ‏عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً}.[9] من يأكل من مال اليتيم بهتانًا وظلمًا وطمعًا وجشعًا فإنّه يأكل نارًا وأعدّ الله تعالى له عذاب السعير في الآخرة، لأنّ أكل مال اليتيم بغير وجه حقٍّ هو كبيرةٌ من كبائر الذنوب، والله أعلم.[10]

شاهد أيضًاهل يجوز سماع القران اثناء النوم وما حكم سماع القرآن الكريم بقصد الاستئناس

متى يباح لكافل اليتيم أن يأخذ ماله

أباحت الشريعة الإسلامية لكافل اليتيم أخذ ماله لقضاء حاجاته وتوفير طعامه وشرابه إذا كان كافل اليتيم فقيرًا معدمًا لا يملك مالًا، فيأخذ من مال اليتيم شيئًا يسيرًا بالمعروف فيسد حاجته ويلبيها، فإن استطاع في المستقبل أن يردّ هذا المال فله ذلك وله الأجر العظيم، وإن لم يستطع أو لم يشأ واحتسبه أجرًا لرعاية هذا اليتيم، فلا حرج عليه بإذن الله تعالى لأنّ الله تعالى أباح له أن يأخذ منه دون مقابل، لكن عليه أن يتقِ الله تعالى وأن يأخذ من مال اليتيم بالمعروف، فإن كان اليتيم بالغًا عاقلًا لا يأخذ منه إلّا بإذنه، والله تعالى أعلى وأعلم.[10]

في ختام هذا المقال، تم التعرف على جواب مسألة هل يجوز للام أن تأخذ من مال ابنها اليتيم، وقد تم من خلاله تسليط الضوء على حكم التصرف بمال اليتامى وتضييعه والتصدق منه والأكل منه، سواءً من الأم أو من الوصي إن كان غير الأم ومن خلال سطور هذا المقال تم التعرف على عقوبة آكل مال اليتيم.

المراجع

  1. ^ سورة البقرة ، الآية 220
  2. ^ سورة الأنعام ، الآية 152
  3. ^ islamweb.net، تصرف الأمّ في أموال أطفالها اليتامى، 24/04/2023
  4. ^ سورة النساء ، الآية 5-6
  5. ^ islamqa.info، هل تأخذ من مال ابنها اليتيم لاحتياجات البيت أو لبنتها الأخرى ؟، 24/04/2023
  6. ^ islamqa.info، خلط مال الأم بمال أيتامها، 24/04/2023
  7. ^ صحيح مسلم، أبو سعيد الخدري، مسلم، 1053، صحيح
  8. ^ صحيح ابن حبان، أبو برزة، ابن حبان، 5566، أخرجه في صحيحه
  9. ^ سورة النساء ، الآية 6
  10. ^ islamweb.net، حكم الأكل والتصرف بمال اليتيم، 24/04/2023

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *