بحث عن بر الوالدين كامل وبالعناصر

بحث عن بر الوالدين كامل وبالعناصر
بحث عن بر الوالدين

بحث عن بر الوالدين، الوالدان هما أصحاب الفضل الذي لا يساويه فضل والجميل الذي لا يدانيه جميل، فهما من تعب وسهر وأجُهد وضحى ومنح وأعطى وحرم نفسه الكثير في سبيل تقديمه للأبناء، لذلك فقد فرض الله تعالى بر الوالدين وجعله من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى دخول العبد الجنّة، وجعل العقوق من أشد الذنوب ومن مسببات الدخول إلى النار وفي هذا المقال سندرج لكم بحث عن بر الوالدين نتعرف فيه على معاني البر وصوره وفضائله ومعاني العقوق وصوره وأسبابه وأشكاله.

مقدمة بحث عن بر الوالدين

بر الوالدين من الفرائض العظيمة التي فرضها الله تعالى على عباده، وهذه العبادة هي رد للجميل ومكافئة لشيء من الإحسان الذي يقدمه الأبوان للأبناء، وقد جعل الله تعالى لهذه العبادة ثماراً كثيرةً يقفطها العبد في الدنيا والآخرة، وجعل للعقوق عواقب وحسرات يجدها العاق في الدنيا والآخرة، وفي بحثنا هذا سنتطرق إلى الحديث عن بر الوالدين بالتفصيل ابتداءً من تعريف البر وصوره وفضائله وثماره مروراً بالعقوق وصورة وأشكاله وأسبابه:

بحث عن بر الوالدين كامل 

وفيما يأتي ندرج لكم بحثاً عن بر الوالدين:

مفهوم بر الوالدين

لغةً: يعرف البر في اللغة على أنه الخير وهو خلاف الفجور، وبرّ الرجل فهو بارّ أي صادقٌ أو تقيٌّ، وهو خلاف الفاجر وجمع البار: بررة، مثل: كافرٌ, وكفرةٌ، وبرّ الوالدين أي طاعتهما والإحسان إليهما والرفق بهما، قال ابن الأثير رحمه الله: “البِرُّ بالكسر الإحسان، ومنه الحديث في بر الوالدين: وهو في حقهما وحق الأقربين من الأهل ضد العقوق: وهو الإساءة إليهم والتضييع لحقهم”، والعقوق هو عكس البر قال ابن الأثير رحمه الله: “يقال: عق والده يعقُّه عقوقاً، فهو عاقٌّ: إذا آذاه وعصاه، وخرج عليه، وهو ضِدُّ البِرِّ به، وأصله من العقِّ: الشقِّ والقطع”

اصطلاحاً: وأما اصطلاحاً فبر الوالدين هو جميع صور الخير التي يقدمها الأبناء بين يدي الآباء من الرفق واللين والاحترام والتوقير والعطف والرعاية والإنفاق وخفض الجناح وعدم رفع الصوت والابتعاد عن النهر والزجر وغير ذلك من الأمور المؤذية، وبر والوالدين باختصار هو قول وفعل ما يرضي الوالدين ويحسن إليهما وترك وهجر كل عمل أو قول يسيء إليهما ابتغاء مرضاة الله.[1]

فضائل بر الوالدين

بر الوالدين من أعظم الأعمال التي تقرب العبد من ربه وتكسبه رضاه، ولهذه العبادة العظيمة العديد من الفضائل منها:[2]

  • بر الوالدين ورضاهما مدعاة لرضا الله تعالى: فقد قرن الله بر الوالدين والإحسان إليهما بعبادته ورضاه، وقرن شكرهما بشكره، قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}.[3]
  • بر الوالدين طريق إلى الجنة: فبر الوالدين من أعظم الأعمال وأعلاها منزلةً عند الله تعالى فهي طريق لكسب رضاه ورضا الله هو الطريق إلى الجنة، وقد روي أن “أنَّ جاهِمةَ جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ ، أردتُ أن أغزوَ وقد جئتُ أستشيرُكَ ؟ فقالَ: هل لَكَ مِن أمٍّ ؟ قالَ: نعَم ، قالَ : فالزَمها فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها”. [4]
  • بر الوالدين بركة في الرزق وزيادة في العمر: فبر الوالدين وصلة الرحم من الأعمال التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها تطيل العمر أي تجعل فيه المدد مع الاستزادة من الأعمال الصالحة وتجلب الرزق وتجعل البركة فيه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:” من سره أن يمد له في عمره، ويزاد في رزقه؛ فليبر والديه، وليصل رحمه”.[5]
  • بر الوالدين مغفرة الذنوب: فالبر هو أحد الأسباب التي يغفر الله بها ذنوب عباده ويكفر بها عنهم سيئاتهم، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: ” أنَّ رجلًا أتَى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أصَبتُ ذنبًا عظيمًا فَهَل لي مِن تَوبةٍ قالَ هل لَكَ مِن أمٍّ ؟ قالَ : لا ، قالَ : هل لَكَ من خالةٍ ؟ قالَ : نعَم ، قالَ : فبِرَّها”. [6]

صور بر الوالدين

إن لبر الوالدين صوراً عديدة وأشكالاً كثيرة لا يمكن عدها ولا إحصائها فبر الوالدين يكون في القلب قبل البدن وفي السر قبل العلن وفي القول قبل العمل وفي الرخاء قبل المحن، وصور البر تتجلى في هجر جميع الأعمال والتصرفات والأقوال التي قد تسبب الأذى للوالدين أو تسيء إليهما أو تسبب لهما أي نوع من الإحراج أو الزعل أو الحزن أو البكاء، والقيام بكل أعمال الإحسان والخير إليهما ومن أبرز صور البر والإحسان إلى الوالدين ما يأتي:[7]

  • السمع والطاعة: فمن أعظم صور البر للوالدين هي السمع والطاعة لهما والاستماع لقولهما والإذعان لأوامرهما إلا في الأمور التي فيها معصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[8]حتى إن بر الوالدين مقدم على الكثير من الطاعات ومنها صوم التطوع، سئل الإمام أحمد رحمه الله : ” عن رجل يصوم التطوع، فسأله أبواه أو أحدهما؛ أن يفطر , قال : (يروى عن الحسن أنه قال : يفطر وله أجر البر، وأجر الصوم إذا أفطر) “.
  • اللين والهدوء وخفض الصوت في المخاطبة: وعكس هذه الصفات في التعامل مع الوالدين من صور العقوق مثل رفع الصوت والتهجم والمجادلة وعدم مراعاة الأدب في الحديث معها قال تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[9]، وقد ورد عن ابن عون رحمه الله أن أمه نادته مرة، فأجابها بصوت عال، فأعتق رقبتين.
  • خفض الجناح والتوقير والتذلل لهما: وذلك يقتضي الرفق واللين في التعامل معهما وعدم التعالي عليهما أو التكبر أو الخجل منهما أمام الناس بل رفع مكانتهما قال تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}[10]وروي عن أبي هريرة رضى الله عنه أنه رأى رجلين، فقال لأحدهما:” ما هذا منك ؟ فقال : أبي. فقال : لا تسمه باسمه، ولا تمش أمامه، ولا تجلس قبله”.
  • الاستئذان في الغياب الطويل: كأن يسافر الولد سفراً طويلاً لطلب علم أو غيره فعليه أن يستأذن والديه فإن أذنا له فله أن يذهب وإن لم يأذنا فعليه أن يلتزم أمرهما، وينطبق في ذلك الذهاب إلى الجهاد لأن إذن الوالدين واجب، حتى في حق الذي يريد الخروج إلى الجهاد، عن طلحة بن معاوية رضى الله عنه قال: ” قال أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ إني أريدُ الجهادَ في سبيلِ اللهِ تعالى، فقال: أُمُّكَ حَيَّةٌ؟ فقلتُ: نعمْ، فقال:الزم رجلها فثمَّ الجنَّة”.[11]
  •  الإنفاق: فالنفقة على الأهل واجبة وهي من صور البر والإحسان إليهما ويكون الإنفاق بالمال وبالطعام وبالكسوة وبما شابه ذلك من الاحتياجات المادية، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: ” جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالَ إنَّ أبي اجتاحَ مالي فقالَ أنتَ ومالُكَ لأبيكَ وقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إنَّ أولادَكم من أطيبِ كسبِكُم فَكلوا من أموالِهم”.[12]
  • الدعاء: والدعاء للوالدين أيضاً من صور البر بهما لذلك على العبد أن لا يقطع الدعاء للوالدين في حياتهما أو بعد وفاتهما قال الله تعالى : {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[10]

بر الوالدين في القرآن الكريم

بر الوالدين من المطالب السامية والأخلاق الفاضلة والعبادات العظيمة التي دعا إليها دين الإسلام وقد ورد بر الوالدين في القرآن الكريم في العديد من المواضع وفي سور مختلفة ومتفرقة ومن الآيات التي دعا الله تعالى فيها إلى بر الوالدين:

  • قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ}[]

  • قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[14]

  • قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ * وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ سورة}[15]

بر الوالدين في السنّة النبوية

وأيضاً وردت الكثير من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يبين فيها فضل بر الوالدين ويدعو المؤمنين إلى التمسك به والمحافظة عليه ويحذر فيها العاقين من شر هذا الفعل وعواقب العقوق الوخيمة في الدنيا والآخرة، ومن الأحاديث النبوية التي وردت عن بر الوالدين:

  • عن المِقدامِ بنِ مَعدِ يْكَرِبَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ” إنَّ اللَّهَ يوصيكم بأمَّهاتِكم ، إنَّ اللَّهَ يوصيكم بأمَّهاتِكم، إنَّ اللَّهَ يوصيكم بأمَّهاتِكم إنَّ اللَّهَ يوصيكم بآبائِكم إنَّ اللَّهَ يوصيكم بالأقربِ فالأقرب”.[16]
  • عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما قال: “جاءَ رجلٌ إلى نبيِّ اللهِ فاستأذَنَهُ في الجهادِ فقالَ: أحيٌّ والداكَ ؟ قال: نعَم قال: ففيهِما فجاهِدْ و قال: أقبلَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ فقالَ: أبايِعُكَ على الهجرَةِ و الجهادِ أبتَغي الأجرَ منَ اللهِ قال: فَهلْ مِن والدَيكَ أحدٌ حيٌّ ؟ قالَ: نعَم بل كِلاهُما حىٌّ قال: أفتَبتَغي الأجرَ منَ اللهِ ؟ قالَ: نعَم قال: فارجِعْ إلى والدَيكَ فأحسِنْ صُحبَتَهُما”.[17]
  • عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال:” سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى وقْتِها، قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ برُّ الوالِدَيْنِ، قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ، قالَ: حدَّثَني بهِنَّ، ولَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزادَنِي”.[18]

صور من بر الوالدين عند الصحابة 

ولم يكن الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم بعيدون عن هذا الخلق النبيل والفعل الأصيل فقد وردت الكثير من القصص والآثار التي أبدى فيها الصحابة الكرام أعلى صور البر وأعلى درجات الإحسان إلى الوالدين ومن صور من بر الوالدين عند الصحابة:[19]

  • روي عن عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت : “كان رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبر من كان في هذه الأمة بأميهما هما عثمان بن عفان وحارثة بن النعمان رضي الله عنهما، فأما عثمان فإنه قال : ما قدرت أن أتأمل أمي منذ أسلمت وأما حارثة فإنه كان يفلي رأس أمه ويطعمها بيده، ولم يستفهمها كلاما قط تأمر به حتى يسأل من عندها بعد أن يخرج ماذا أرادت أمي ؟ !
  • وروي عن عن الزهري أنه قال : “كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، لا يأكل مع أمه، وكان أبر الناس بها، فقيل له في ذلك، فقال : أخاف أن آكل معها فتسبق عينها إلى شيء من الطعام وأنا لا أدري فآكله فأكون قد عققتها ! !
  • وأما من الأثر فقد روي عن ابن عون أن أمه نادته مرةً فأجابها فعلا صوته على صوتها فأعتق رقبتين تكفيراً عن ذنبه، وروي عن المأمون أنه قال : “لم أر أحدا أبر بأبيه من الفضل بن يحيى البرمكي، فقد بلغ من بره أن يحيى كان لا يتوضأ إلا بماء ساخن في السجن فمنعهما السجان مرة من إدخال الحطب في ليلة باردة، فقام الفضل حين أخذ يحيى مضجعه إلى قمقم كان يسخن فيه الماء فملأه ثم أدناه من نار المصباح، فلم يزل قائما وهو في يده حتى أصبح”.

بر الوالدين الكافرين أو الفاسقين 

مما لا شكّ فيه أن لبر الوالدين فضائل أكيدة وثمرات عديدة ولكن الأمر الذي يثير الالتباس ويحتار فيه الكثير من الناس هو حكم بر الوالدين الكافرين أو الفاسقين والجواب على هذا التساؤل أن بر الوالدين حق من حقوقهما حتى وإن كان هذين الوالدين فاسقين أو كافرين، ولكن دون إطاعتهما في في الكفر أو المعاصي وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ.[20]

وقد استدل الفقهاء على هذا القول من الآية الكريمة { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[14]وعن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قالت: ” قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ.[21]

بر الوالدين بعد الموت

ولا ينتهي الانتفاع من فضل بر الوالدين بموتهما فقد جعل الله للبر فضلاً يستمر حتى بعد موتهما ومن صور بر الوالدين بعد الموت ما يأتي:[22]

  • الدعاء: والدعاء من صور البر بالوالدين في حياتهما وبعد موتهما عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ” إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له”.[23]
  • الصدقة: وأيضاً فإنّ الصدقة التي ينفقها الولد عن والديه المتوفين تصلهما وتنفعهما عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: “أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وأَظُنُّهَا لو تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهلْ لَهَا أجْرٌ إنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قالَ: نَعَمْ”.[24]

عقوق الوالدين

العقوق هو عكس البر وهو ذنب عظيم وأحد الكبائر التي حذر منها الإسلام وتوعد مرتكبيها بالعذاب إن لم يتوبوا ويرجعوا إلى الله تعالى[25]، كما أن الله تعالى حرّمه صراحةً في القرآن الكريم وجعله بعد الشرك في قوله تعالى: {  قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.[26]وقد وردت الكثير من الأحاديث النبوية التي حذر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم من عقوق الوالدين وحذر فيها العاق من العذاب الذي يلحقه في الحياة الدنيا قبل الآخرة، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:” كلُّ ذنوبٍ يؤخِرُ اللهُ منها ما شاءَ إلى يومِ القيامةِ إلَّا البَغيَ وعقوقَ الوالدَينِ ، أو قطيعةَ الرَّحمِ ، يُعجِلُ لصاحبِها في الدُّنيا قبلَ المَوتِ”[27].

مظاهر عقوق الوالدين

لقد حرم الله عقوق الوالدين بكافة صوره وأشكاله وجعل ذلك الذنب من الكبائر وهناك العديد من  مظاهر العقوق التي يجب على الإنسان الإبتعاد عنها نذكر منها:[28]

  • قطع الصلة مع الوالدين وعدم الزيارة أو الغياب لأوقات طويلة دون السؤال عنهما.
  • التسبب بأي نوع من أنواع الأذى الجسدي أو اللفظي لأحد الوالدين كالسب والضرب أو ما شابه ذلك.
  • جلب السب واللعن للوالدين من الناس نتيجة الأذى الذي يلحقه الولد بالناس.
  • عصيان الوالدين في المعروف وعدم إطاعة أوامرهما فيما لا يخالف أمر الله تعالى.
  • التأفف من أوامرهما، والتَّضجُّرِ من وجودِهما والعبوس، وتقطيب الجبين أمامهما.
  • التخلي عنهما وعَدمِ الإنفاقِ عليهما في كبرهما.
  • تَقديمِ الزَّوجةِ والأولادِ عليهما، ورفض سكونهما معهم في ذات البيت.
  • منَّة الابن على والديه وذكرُ إحسانه إليهما أمام الناس.
  • الاستغناء عن آرائهما ومشورتهما و عدم الاهتمام برأيهما.
  • ذكر عيوبهما والاستهزاء بهما والتقليل من شأنهما أما الناس أو أمامهما.
  • المجادلة والمقاطعة أثناء الحديث  ورفع الصوت أمامهما.
  • تسبيب البكاء أو الحزن لهما بالقول أو الفعل.
  • التأمر عليهما وطلب أشياء يمكن للابن أن يفعلها بنفسه.
  • انتقاد الطعام الذي تعّده الأم والتكبر عليه.
  • القيام بالأعمال المنكرة أمامهما مثل شغيل الأغاني بصوت عالٍ أو التدخين أمامهما.
  • السرقة منهما كسرقة المال أو المتاع أو ما شابه.
  • تمنّي موتهما من أجل الميراث أو من اجل التخلص منهما قبل كبرهما.

عقوبة عقوق الوالدين في الإسلام

إن عقوبة عقوق الوالدين خطيرة في الدنيا والآخرة حسب ما ورد في النصوص الشرعية سواء في القرآن الكريم أو في السنة النبوية، وقد فصل الفقهاء من أهل الإسلام في ذلك، وفيما يأتي سوف يتم إدراج أهم العقوبات المترتبة على عقوق الوالدين:

  • إن العاق لوالديه ينال لعنة الله تعالى وغضبه، فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لعن اللهُ مَن ذبح لغيرِ اللهِ ، لعن اللهُ مَن غَيَّرَ تُخُومَ الأرضِ ، لعن اللهُ من كمَه الأعمَى عن السَّبيلِ ، لعن اللهُ مَن سَبَّ ( وفي رواية : عقَّ ) والدَيه ، لعن اللهُ مَن تولَّى غيرَ مَواليه ، لعن اللهُ مَن وقع على بهيمةٍ ، لعن اللهُ من عمِل عملَ قومِ لوطٍ ، لعن اللهُ من عمِل عملَ قومَ لوطٍ ، لعن اللهُ مَن عملَ عملَ قومِ لُوطٍ”.[29]
  • إن عقوبة عقوق الوالدين يعجلها الله تعالى للعاق في الدنيا قبل الآخرة وهذا ما ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  • إن عقوق الوالدين يحرم العاق من دخول الجنة، وقد ثبت هذا أيضًا في الأحاديث الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ” أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صعِد المِنبَرَ فقال : آمينَ آمينَ آمينَ، قيل : يا رسولَ اللهِ إنَّكَ حينَ صعِدْتَ المِنبَرَ قُلْتَ : آمينَ آمينَ آمينَ قال : إنَّ جِبريلَ أتاني فقال : مَن أدرَك شهرَ رمضانَ ولَمْ يُغفَرْ له فدخَل النَّارَ فأبعَده اللهُ قُلْ : آمينَ فقُلْتُ : آمينَ ومَن أدرَك أبوَيْهِ أو أحَدَهما فلَمْ يبَرَّهما فمات فدخَل النَّارَ فأبعَده اللهُ قُلْ : آمينَ فقُلْتُ : آمينَ ومَن ذُكِرْتَ عندَه فلَمْ يُصَلِّ عليكَ فمات فدخَل النَّارَ فأبعَده اللهُ قُلْ : آمينَ فقُلْتُ : آمينَ”.[30]
  • من العقوبات أيضًا أن الله تعالى يستجيب دعوة الوالدين على الابن العاق.
  • إن الله تعالى ينزع البركة من عمر العاق، كما ينزع البركة من رزقه وحياته وعمله، ولا يتقبل أعماله.

خاتمة بحث عن بر الوالدين

مما تقدم في هذا البحث نستنتج أن بر الوالدين من الفضائل العالية والمطالب الغالية والأخلاق السامية التي تورث الإنسان طولاً في العمر وبركةً في الرزق وقوة على الطاعة، وأن رضا الوالين من رضا الله عز وجل وبرهما طريق من طرق الجنة، كما نلاحظ تكرار ذكر بر الوالدين في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في مواضع عديدة ومتنوعة والتأكيد على الإحسان إليهما بكل صور الاحسان وهذا إن دل على شيء فهو يدل على المكانة العالية التي خص الله تعالى بها هذه العبادة العظيمة.

بحث عن بر الوالدين doc

إنّ بر الوالدين من المواضيع الأساسية التي يتم تدريسها في المناهج المدرسية لكافة المراحل الدراسية إيماناً بأن المجتمع السليم يثمر من الأسرة السليمة والأسرة لا تسلم إلا إذا سلم أفرادها وانتشر الحب والوئام والاحترام فيما بينهم فبرَّ الأبناء بالآباء وعطفَ الآباء على الأبناء وعلَموهم الدين الصحيح والأخلاق الفاضلة، لذلك فإنّ بحث عن بر الوالدين هو من الأبحاث التي تطلب كثيراً من الطلاب في المدارس لكي يدربوا الطلاب على كتابة الأبحاث وكيفية التنقيب والبحث عن المعلومات لذلك سنترك لكم هذا البحث بصيغة doc يمكنكم الاستفادة من محتواه في كتابة الأبحاث الخاصة بكم، ويمكنكم تحميل بحث عن بر الوالدين doc ” من هنا “.

بحث عن بر الوالدين pdf

ولن ننسى أيضاً أن ندرج لكم هذا البحث بصيغة pdf فهذه الصيغة هي الصيغة الأكثر انتشاراً والأسهل للطباعة، ومن خلال هذه الصيغة يمكنكم طباعة هذا الملف ورقياً أو استعراضه بشكل إلكتروني على حواسيبكم الشخصية أو هواتفكم الذكية ويمكنكم تحميل بحث عن بر الوالدين pdf ” من هنا “.

مقالات قد تهمك

وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا بحث عن بر الوالدين والذي أدرجنا لكم فيه بحثاً بالعناصر كاملة عن بر الوالدين تعرفنا فيه على مفهوم البر وحكمه وصوره ثمّ أدرجنا آيات من القرآن الكريم وأحاديث من السنة النبوية عن بر الوالدين وصوراً من بر الوالدين عند الصحابة ، ثم تعرفنا على مفهوم العقوق وحكمه وبعض صوره وأشكاله وفي نهاية مقالنا أدرجنا لكم هذا البحث بصيغي doc و pdf لكي تحققوا منه الإفادة.

المراجع

  1. ^ كتاب بر الوالدين، سعيد بن وهف القحطاني، ص 5، بتصرّف، 18/12/2024
  2. ^ كتاب بر الوالدين، سعيد بن وهف القحطاني، ص 9، بتصرّف، 18/12/2024
  3. ^ سورة لقمان، الآية 14
  4. ^ صحيح النسائي ، معاوية بن جاهمة السلمي، الألباني، 3104، حسن صحيح
  5. ^  صحيح الترغيب، أنس بن مالك ، الألباني، 2488، حسن لغيره
  6. ^ صحيح الترمذي ، عبدالله بن عمر، الألباني، 1904، صحيح
  7. ^ kalemtayeb.com، كيف يكون بر الوالدين ، 18/12/2024
  8. ^ سورة لقمان، الآية 15 
  9. ^ سورة الإسراء، الآية 23
  10. ^ سورة الإسراء ، الآية 24
  11. ^ جامع المسانيد والسنن ، طلحة بن معاوية السلمي، ابن كثير، الصفحة أو الرقم : 5529، إسناده حسن
  12. ^ صحيح ابن ماجه ، عبدالله بن عمرو، الألباني، 1870، صحيح
  13. ^ سورة البقرة، الآية 83
  14. ^ سورة لقمان، الآية 14-15
  15. ^ سورة الأحقاف ، الآية 15-18
  16. ^ صحيح ابن ماجه، المقدام بن معدي كرب، الألباني، 2969 ، صحيح
  17. ^ غاية المرام، عبدالله بن عمرو، الألباني،281 ، صحيح 
  18. ^ صحيح البخاري ، عبدالله بن مسعود، البخاري، 527 ، صحيح
  19. ^ kalemtayeb.com، نماذج من البر بالوالدين، 18/12/2024
  20. ^ dorar.net/feqhia، بِرُّ الوالِدَينِ الفاسِقَينِ أو الكافِرَينِ، 18/12/2024
  21. ^ صحيح البخاري، أسماء بنت أبي بكر، البخاري، 2620، صحيح
  22. ^ dorar.net/feqhia، بِرُّ الوالِدَينِ بعدَ المَوتِ، 18/12/2024
  23. ^ صحيح مسلم، أبو هريرة، مسلم، 1631، صحيح
  24. ^ صحيح البخاري ، عائشة أم المؤمنين، البخاري، 1388، صحيح
  25. ^ kalemtayeb.com، العقـوق ، 18/12/2024
  26. ^ سورة الأنعام، الآية 151
  27. ^ صحيح الأدب المفرد، أبو بكرة نفيع بن الحارث، الألباني، 459، صحيح 
  28. ^ kalemtayeb.com، مظاهر عقوق الوالدين، 18/12/2024
  29. ^ السلسلة الصحيحة، عبد الله بن عباس، الألباني، 3462، له شواهد صحيحة
  30. ^ صحيح ابن حبان، أبو هريرة، ابن حبان، 907، أخرجه في صحيحه

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *