حكم الشفاعة في الحدود بأنواعها مع الأدلة

حكم الشفاعة في الحدود بأنواعها مع الأدلة
حكم الشفاعة في الحدود

حكم الشفاعة في الحدود بأنواعها مع الأدلة من المعلومات الشرعية التي يجهلها كثير من المسلمين رغم أهميتها، إذ يحاول بعض الناس أن يشفع في قضايا من الحدود التي أمر الله بتنفيذها وعدم التقصير فيها، وسوف نتعرف في هذا المقال على بعض المعلومات عن الحدود في الإسلام، وسوف نعرف حكم الشفاعة في الحدود التي بلغت القاضي، وحكم الشفاعة في الحدود التي لم تبلغ القاضي، وحكم الشفاعة في ما يقتضي التعزير، وغيرها من التفاصيل الأخرى المتعلقة بالموضوع.

الحدود في الإسلام

يعرف مصطلح الحدود بأنَّه أحد المفاهيم والمصطلحات الشرعية في الإسلام، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية كثيرًا، وقد وردت كثير من التعريفات حول الحدود، حيث أنَّ الحدود في اللغة هي الموانع، والحد هو الشيء الحاجز بين شيئين، وحدود المنزل هي الحواجز التي تمنع الآخرين من الاقتراب منه، ويقال إنَّ هذا أمر حددٌ أي إنه أمرٌ منيع لا يجوز الاقتراب منه ولا يجوز ارتكابه، وفي ذلك تشديد عظيم، وإقامة الحد من باب منع الوقوع في الإثم وارتكاب الجريمة مرة أخرى، ويقال في حداد المرأة: أحدَّت المرأة أي منعت عن نفسها الخضاب والزينة بعد موت زوجها، وكذلك حدود الأرض وغيرها.

أمَّا في اصطلاح الشرع فإنَّ الحدود تشير إلى عقوبات مقدرة في الشرع الإسلامي عن بعض المعاصي، وذلك من أجل منع الوقوع فيها مرة أخرى، وقد شرعها الله تعالى من أجل زجر النفوس عن ارتكاب المعاصي أو التعدي على حرمات الله تعالى، ومن أجل تحقيق الطمأنينة في المجتمع الإسلامي وتحقيق الأمن والسلام بين جميع أبنائه، إذ أوجب الله تعالى الحدود بين ذنوب ومعاصي خطير من شأنها أن تهدم المجتمع كله، إضافة إلى أنَّ الحدود تعتبر تطهيرًا للمذنب من الذنب العظيم الذي ارتكبه، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقام الحد لمن ارتكب ذنبًا موجبًا له، لأنَّ إقامة الحد عليه هو كفارة لذنبه.[1]

حكم الشفاعة في الحدود

إنَّ الحدود عقوبات أمر الله تعالى بها ويجب أن تنفَّذ كما أراد لها تبارك وتعالى، ولكن يتساءل كثير من المسلمين عن حكم الشفاعة في الحدود وإسقاطها، وقد فصل العلماء في ذلك حسب ما ورد من أحاديث وأدلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك أشاروا إلى وجود حالتين للشفاعة في الحدود، وفيما يأتي سوف يتم التفصيل في كلا الحالتين:

حكم الشفاعة في الحدود بعد الوصول إلى القاضي

إنَّ الحدَّ إذا وصل إلى القاضي أو الحاكم أو من يمثله في الوقت الحالي مثل الشرطة الموكلة بالقضية مثلًا فإنَّه لا يجوز الشفاعة فيه، ولا يجوز إسقاط الحد بأي حال من الأحوال، ويحرم على القاضي أو الحاكم أن يقبل الشفاعة إذا وصل إليه الحد، ولا يجوز أبدًا إسقاط الحد سواء بشفاعة أو بمال، ولذلك فالشفاعة محرمة في الحدود إذا وصلت إلى القاضي أو الحاكم، وقد دل على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: “أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ، فَقالوا: ومَن يُكَلِّمُ فِيهَا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَقالوا: ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قالَ: إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا”.[2]

حكم الشفاعة في الحدود قبل الوصول إلى القاضي

تجوز الشفاعة في الحدود ما لم تصل إلى القاضي أو الحاكم أو السلطان الذي يحكم في هذه الحدود والقضايا، فإذا تمَّ حل القضية مثلًا بين الجيران وبتدخل أهل الحكمة والرشاد في الحي أو القرية تجوز الشفاعة في الحدود، وفي الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تَعافُوا الحُدُودَ فِيما بَينَكمْ ، فمَا بَلغَنِى من حَدٍ فقدْ وجَبَ”،[3] أي تجاوزا الحدود عن بعضكم إذا لم تصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا دليل على جواز الشفاعة في الحدود طالما لم تصل إلى القاضي أو المسؤول عن تنفيذ حكم الحد والله تعالى أعلم.

أنواع الحدود التي لا تجوز فيها الشفاعة

لقد أكد الفقهاء من أهل العلم أنَّ جميع الحدود التي وردت فيها عقوبات في الإسلام لا تجوز الشفاعة فيها إذا ما بلغت القاضي، وليست هنالك حدود تجوز الشفاعة فيها عند ذلك، وفيما يأتي سوف يتم إدراج أنواع الحدود في الإسلام:

  • حد الزنا: وهو للمحصن المتزوج الرجم حتى الموت، وأما لغير المحصن أي غير المتزوج فإنه الحد مئة جلدة فقط.
  • حد القذف: وهو اتهام الآخرين بالزنا، وحده ثمانون جلدة وقد ورد في كتاب الله تعالى.
  • حد الحرابة: وهو حسب حجم الفساد وقد يكون القتل أو الصلب أو قطع الرجل واليد من خلاف أو النفي.
  • حد اللواط: وهو القتل.
  • حد السرقة: قطع اليد من الرسغ في أول مرة.
  • حد الخمر: أربعون جلدة وقد يصل إلى ثمانين جلدة تعزيرًا
  • حد الردة: وهو القتل أيضًا.
  • حد القتل: يكون القتل أيضًا.

حكم الشفاعة فيما يقتضي التعزير

عرفنا أنَّ الحكم في الحدود إذا وصلت إلى القاضي فإنها حرام شرعًا ولا تجوز بأي حال من الأحوال كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هنالك الكثير من القضايا التي لم يحدد لها الشرع عقوبةً معينة كما في الحدود، وإنما يكون فيها التعزير فقط وذلك حسب اجتهاد الحاكم نفسه، وقد يكون التعزير بالضرب أو السجن أو الكلمة وما إلى هنالك، وقد يُنهي القاضي القضية من دون أية عقوبة إذا رأى أنَّ ذلك كان نتيجة زلة وخطأ غير مقصود، وفي مثل هذه القضايا التي تقتضي التعزير فقط تجوز الشفاعة والتدخل حتى لو وصلت القضية إلى القاضي، لأنَّها ليست من الحدود المعروفة في الشريعة الإسلامية والتي أمر الله تعالى بإقامتها والتي لا يجوز تجاهلها أو عدم الالتزام بها.

وقد ثبت فضل الشفاعة في العديد من الأحاديث النبوية، فقد ورد ذلك في الحديث الذي رواه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ الرَّجلَ ليسألُني الشَّيءَ فأمنعُه ، حتَّى تَشفَعوا فيه فتؤجَروا . وإنَّ رسولَ اللهِ قال : اشفَعوا تُؤجَروا”،[4] وفي حديث آخر عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أقيلوا ذَوي الهيئاتِ عثَراتِهم إلا الحدودَ”،[5] وهذا يشير إلى جواز الشفاعة في جميع الأحكام والقضايا التي تقتضي التعزير والتي لم تصل إلى الحدود.

مقالات قد تهمك

الفرق بين التعزير والقصاص في المفهوم والحكم الشرعي هل يجوز طلاق الحامل ، حقوق المطلقة الحامل في الإسلام
هل يجوز دفع كفارة اليمين للجمعيات الخيرية وما هي كفارة اليمين هل يجوز دفع كفارة الصيام نقداً لشخص واحد وبدفعة واحدة
هل يجوز شرعا مسامحة الزوجة الخائنة وما حكم الخيانة الزوجية هل يجوز للمطلقة أن تعيش مع طليقها في الطلاق البائن والرجعي

وإلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقال حكم الشفاعة في الحدود بأنواعها مع الأدلة وقد تعرفنا على معنى الحدود في الشريعة الإسلامية، كما عرفنا هل تجوز الشفاعة في الحدود أم لا، وتم التفصيل في حكم الشفاعة في الحدود التي بلغت القاضي والشفاعة في الحدود التي لم تبلغ القاضي، وغير ذلك من المعلومات والتفاصيل المتعلقة.

المراجع

  1. ^ wikiwand.com، الحدود في الشريعة الإسلامية، 04/01/2024
  2. ^ صحيح البخاري، السيدة عائشة، البخاري، 3475 ، صحيح
  3. ^ صحيح الجامع، عبدالله بن عمرو وابن مسعود، الألباني، 2954، حسن
  4. ^ صحيح النسائي، معاوية بن أبي سفيان، الألباني، 2556، صحيح
  5. ^ هداية الرواة، عائشة أم المؤمنين، الألباني، 420، صحيح

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *