زوجي طلقني وهو شارب هل يقع الطلاق ؟

زوجي طلقني وهو شارب هل يقع الطلاق ؟ هو حكم شرعي إسلامي مهم بالنسبة لجميع المسلمين والمسلمات، وذلك من أجل معرفة الرأي الشرعي الصحيح في مسألة حكم من طلقها زوجها وهو شارب أو ما يُعرف بطلاق السكران في كُتب الفقه والدين، ومن خلال هذا المقال سوف نقوم بتعريف الطلاق وسنلقي الضوء على هل يقع طلاق الغضبان والسكران وسنورد بعض أقوال أهل العلم في هذه المسألة، بالإضافة إلى الحديث عن طلاق متعاطي المخدرات وحكم الطلاق بالثلاث في حالة سكر.

ما هو الطلاق

الطلاق هو انفصال الزوجين عن بعضهما من خلال تلفظ الزوج بلفظ من ألفاظ الطلاق التي ينتهي بها قد النكاح بين الزوجين وتصبح الزوجة محرمة على الزوج، مثل أن يقول لها أنت طالق وأن يقول لها اذهبي إلى بيت أهلك، وجدير بالقول إنّ الطلاق مشروع في الإسلام وقد ورد في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، ومنها: ^[1]

• قال تعالى في محكم التنزيل: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون}. ^[2]
• عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، قالت: “عَن أبي بَكْرِ بنِ أبي الجَهْمِ قالَ: دَخلتُ أَنا وأمُّ سلَمةَ علَى فاطمةَ بنتِ قيسٍ، فحدَّثتُ: أنَّ زوجَها طلَّقَها طلاقًا بائنًا، وأمرَ أبا حَفصِ بنَ عمر أن يُرْسِلَ إليها بنفقتِها خمسةَ أوساقٍ، فأتتِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَت: إنَّ زَوجي طلَّقَني، ولم يجعَل ليَ السُّكنى ولا النَّفقةَ، فقالَ: صدقَ، فاعتدِّي في بيتِ ابنِ أمِّ مَكْتومٍ ثمَّ قالَ: إنَّ ابنَ أمِّ مَكْتومٍ رجلٌ يُغشَى فاعتدِّي في بيتِ ابنِ فلانٍ”. ^[3]

شاهد أيضًا: عدة المرأة المطلقة ، عدة المتوفى عنها زوجها

زوجي طلقني وهو شارب هل يقع الطلاق ؟

إنّ مسألة تطليقُ الرجلِ زوجتَه وهو شارب أو سكران هي مسألة اختلف فيها أهل العلم، وجاء الاختلاف بين العلماء على النحو الآتي: ^[4]

• القول الأول: إنّ طلاق السكران يقع، وهذا ما ذهب إليك أبو حنفية ومالك وهو قول عند الشافعي وأحمد بن حنبل، والسبب أن زوال العقل كان بمعصية، فوقوع الطلاق في هذه الحالة عقوبة للشخص على ارتكاب هذه المعصية.
• القول الثاني: إنّ طلاق السكران لا يقع، وهو قول الظاهرية وهو قول عند الشافعية والحنابلة، وقد استدل أصحاب هذا القول بالعديد من النصوص الشرعية، ومنها:
  • قال تعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا}. ^[5]
  • قال الإمام البخاري: “وَقَالَ عُثْمَانُ: لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طَلَاقٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ”.

شاهد أيضًا: اذا طلق الرجل زوجته ثلاث طلقات كيف يرجعها

أقوال أهل العلم في طلاق السكران

لقد وردت الكثير من الأقوال عن أهل العلم في مسألة طلاق السكران في الإسلام، ومن هذه الأقوال ما سوف نلقي عليه الضوء في النقاط الآتية: ^[4]

• قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: “ليس لمجنونٍ ولا لِسَكرانَ طَلاقٌ”.

• قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: “اختلف العلماء في وقوع طلاق السكران، فذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع طلاقه كما يؤخذ بأفعاله، ولا تكون معصيته عذراً له في إسقاط الطلاق، كما أنها لا تكون عذراً له من مؤاخذته بأفعاله من قتل أو سرقة أو زنا، أو غير ذلك، وذهب بعض أهل العلم إلى أن طلاق السكران لا يقع، وهذا هو المحفوظ عن الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه؛ لأنه لا عقل له فلا يؤاخذ بأقواله التي تضر غيره، والطلاق يضره ويضر غيره فلا يؤاخذ به؛ لأن عقوبة السكران الجلد وليس من عقوبته إيقاع طلاقه، وهكذا عتقه، وسائر تصرفاته الأخرى كالبيع والشراء والهبة ونحو ذلك فكلها باطلة”.

شاهد أيضًا: ما هو الطلاق البائن ، أنواع الطلاق البائن في الإسلام

هل يقع طلاق الغضبان

ينقسم طلاق الغضبان إلى ثلاثة أقسام، وهذه الأقسام هي: ^[6]

طلاق الغضبان غضبا غير شديد

إنّ الطلاق الغضبان غضبًا غير شديد يقع بحسب قول جمهور أهل العلم، والدليل في هذا ما ورد عن خولة بنت مالك بن ثعلبة ويقال لها خويلة، حيث قالت: “ظاهرَ منِّي زَوجي أوسُ بنُ الصَّامتِ فَجِئْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أشكو إِليهِ ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يجادِلُني فيهِ ويقولُ اتَّقي اللَّهَ فإنَّهُ ابنُ عمِّكِ فما بَرِحْتُ حتَّى نزلَ القرآنُ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا إلى الفَرضِ فقالَ يُعتِقُ رقَبةً قالَت لا يَجِدُ قالَ فيَصومُ شَهْرينِ مُتَتابِعَينِ قالَتْ يا رسولَ اللَّهِ إنَّهُ شيخٌ كبيرٌ ما بهِ مِن صيامٍ قالَ فَليُطعِمْ ستِّينَ مِسكينًا قالَتْ ما عندَهُ مِن شيءٍ يتَصدَّقُ بهِ قالَت فأُتِيَ ساعتَئذٍ بعَرَقٍ من تَمرٍ قُلتُ يا رسولَ اللَّهِ فإنِّي أعينُهُ بِعَرَقٍ آخرَ قالَ قد أحسَنتِ اذهَبي فأطعِمي بِها عنهُ ستِّينَ مسكينًا وارجِعي إلى ابنِ عمِّكِ قالَ والعَرَقُ ستُّونَ صاعًا” ^[7]والله تعالى أعلم.

طلاق الغضبان الذي غيب الغضب عقله

ذهب علماء المسلمين إلى أنّ طلاق الغضبان الذي غيب الغضب عقله هو طلاق لا يقع في الإسلام، وعلى هذا أجمع جمهور العلم وهو قول ابن القيم ابن عثيمين وابن تيمية وهو ما ورد عن ابن قدامة والرحيباني، وذهب العلماء إلى أنّ سبب عدم وقوع الطلاق هو أنّ هذا الشخص يُقاس على المجنون وهو مثل فاقد العقل الذي لا يعي ما يقول.

طلاق الغضبان الذي اشتد غضبه ولم يغيب عقله

اختلف علماء المسلمين في مسألة طلاق الغضبان الذي اشتد غضبه ولم يغيب عقله وذهبوا في اتجاهين وقولين وهما:

• القول الأول: يقع طلاق الغضبان ولو اشتد الغضب ما لم يغيب عقله وهذا ما اتفق عليه علماء الأئمة الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، واستدل أصحاب هذا القول بحديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الذي قالت فيه: “أنَّ جَميلةَ كانت تحتَ أوسِ بنِ الصامتِ، وكان رجُلًا به لَمَمٌ، فكان إذا اشتَدَّ لَمَمُه ظاهَرَ من امرأتِه، فأنزلَ اللهُ -عزَّ وجَلَّ- فيه كفارةَ الظِّهارِ”. ^[8]
• القول الثاني: ذهب ابن تيمية وابن القيام وابن عابدين وابن باز وابن عثيمين إلى أنّه لا يقع طلاق الغضبان الذي اشتد غضبه ولم يغيب عقله، وقالوا إن طلاق الغضبان الذي اشتد غضبه فحال بينه وبين نيته ولو لم يذهب كل عقله فهو لا يقع، والله تعالى أعلم.

شاهد أيضًا: كيف أعرف أن الطلاق خير لي ، نصائح للزوجة التي تريد الطلاق

طلاق متعاطي المخدرات

إذا كان متعاطي المخدرات قد سكر وغيب عقل السكر ولم يشعر بما يفعل فإنّ طلاقه في هذه الحالة لا يقع، أمّا إذا كان يعقل ما يقول فإنّ طلاقه واقع، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ طلاق متعاطي المخدرات يقع في أيّة حالة كان بها، وقالوا إنّ معصيته لا تُعدّ سببًا لتخفيف عنه، ويرى أصحاب هذا القول إنّ وقوع الطلاق في هذه الحالة هو جزء من العقوبة وفيما يأتي نذكر قول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى في هذه المسألة الفقهية المهمة: ^[9]

إذا كان قد فقد عقله ولو كان آثمًا فإنه لا يقع طلاقه، كما أفتى به عثمان كما تقدم، أما الذي معذور يعني: جعل له شيئًا يسكره من غير اختياره، أو شرب شيئًا ظنه شرابًا سليمًا فبان مسكرًا ولم يتعمده وعرف من حاله ومن الأدلة الواقعة أنه لم يتعمد ذلك، فهذا لا يقع طلاقه كالمجنون؛ لأنه ليس بآثم، بأن أسقي شيئًا ظنه ليس بخمر ظنه شاهي، أو أنه شراب فصار خمرًا خدعوه، فهذا لا يقع طلاقه؛ لأنه معذور، كالمجنون، وإنما الخلاف الآثم الذي تعمد شرب المسكر، وزال عقله بسبب المسكر، هذا هو محل الخلاف، والأرجح أيضًا أنه لا يقع طلاقه، كالذي فقد عقله بغير عمل منه.

شاهد أيضًا: نصيحة للزوجة التي تطلب الطلاق ، متى يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق

حكم الطلاق بالثلاث في حالة سكر

إنّ مسألة الطلاق بالثلاث في حالة السكر هي مسألة كثيرة الاختلاف بين أهل العلم، فالعلماء أولًا اختلفوا على وقوع الطلاق ثلاثًا في وقت واحد واختلفوا ثانيًا على وقوع الطلاق في حالة السكر، فالاختلاف بين أهل العلم في طلاق الثلاث في وقت واحد قائم على أنّ غالبية العلماء يرون أنّه لو طلق الرجل زوجته ثلاث طلقات في وقت واحد فقد وقع الطلاق البائن بينونة كبرى، بينما يرى آخرون أنّ هذه الطلقات تكون طلقة واحدة، أمّا الطلاق في حالة السكر فقد اختلف فيه العلماء، فقال بعضهم إنّه يقع والمعصيبة ليست سببًا للتخفيف عن العاصي، وقال آخرون إنّه لا يقع، والله تعالى أعلم. ^[10]

إلى هنا نصل إلى نهاية وختام هذا المقال الذي تحدثنا فيه عن تعريف الطلاق وعن زوجي طلقني وهو شارب هل يقع الطلاق ؟ ومررنا فيه بالتفصيل على مجموعة من الأحكام الشرعية المتعلقة بالطلاق مثل: هل يقع طلاق الغضبان وطلاق متعاطي المخدرات وحكم الطلاق بالثلاث في حالة سكر.