عناصر المقال
قصص الأنبياء عن بر الْوَالِدَيْنِ، والذي يعتبر من أعظم القربات، ومن أجلّ الطاعات، ومن أهم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه وتعالى، ويكفي بأنّ الله عز وجل في كتابه الكريم قد قرن حقَّ الوالدين والإحسانَ إليهما بعبادته سبحانه وتعالى، وقرن شُكرَهما بشكره، ولا يوجد أحد يمكن أن يعرف فضل بر الوالدين وحقوقهما مثل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفي مقالنا الآتي سنعرض بعضاً من قصص الأنبياء وغيرهم من الصالحين عن بر الوالدين.
قصص الأنبياء عن بر الْوَالِدَيْنِ
بر الوالدين يًعتبر من أحب الأعمال إلى الله -سبحانه وتعالى- ومن أهم القربات وأفضلها على الإطلاق، ومما لا شك فيه أن مقام الوالدين كبير وعظيم وبر الوالدين من خُلق الأنبياء، وذلك ما نراه في قصص الأنبياء أعظم خلق الله عز وجل وقدوتنا في هذه الحياة، وفيما يأتي نذكر بعضاً من قصص الأنبياء عن بر الْوَالِدَيْنِ لنعمل بها ولتكون عبرة وعظة لنا.
قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه
كان سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- يدعو قومه إلى ترك الأصنام وعبادة الله -سبحانه وتعالى- وحده، ولذلك أول من دعا سيدنا إبراهيم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام كان أقرب الأقربين إليه وهو والده آزر، حيث وضِّح له أنَّه هو وقومه في ضلال مبين، وذلك في قول الله -سبحانه وتعالى-: {وَإِذ قالَ إِبراهيمُ لِأَبيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصنامًا آلِهَةً إِنّي أَراكَ وَقَومَكَ في ضَلالٍ مُبينٍ}،[1] وقد اتّسم أسلوب سيدنا إبراهيم في دعوته لأبيه بالاحترام والحب والأدب الكبير واللطف، وكان يدعوه باللين، والرِّفق، ولا يخاطبُه إلّا بقوله: “يا أبتِ”، وذلك كما جاء في سورة مريم في قول الله سبحانه وتعالى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا}،[2]وفي هذه الآيات يتضح خوف سيدنا إبراهيم على أبيه من أن يمسه العذاب، فهو يريد له الخلاص والنجاة، إلا أنّ أباه أصّر على موقفه، وطلب من سيدنا إبراهيم أن يهجره، ويتركه، وتصرُف سيدنا إبراهيم مع أبيه من أعظم صور البر بالوالدين، فالمؤمن يسعى دائماً لهداية والديه إلى طريق الحق والصواب.
قصة سيدنا إسماعيل عليه السلام مع أبيه
بر سيدنا إسماعيل لوالده إبراهيم -عليهما الصلاة والسلام- يعتبر من أروع أمثلة البر في تاريخ البشرية، حيث كان سيدنا إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- غلامًا صغيرًا، يحب والديه ويطيعهما ويبرهما، وفي أحد الأيام رأى سيدنا إبراهيم في المنامِ أنَّه يذبح ابنه إسماعيل، وبما أنَّ رؤيا الأنبياءَ وحيٌ من اللهِ -عزَّ وجلَّ- فما كانَ من سيدنا إبراهيمَ إلَّا أن امتثل لأمرِ ربِّه، فعرضَ الأمرَ على ابنهِ، فما كانَ من إسماعيلَ إلَّا الطاعةَ والاستسلامِ، وذلك ما ورد في القرآن الكريم في قول الله سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}،[3] وبهذا نرى كيف كان سيدنا إسماعيل مساعداً لأبيه ومعيناً له يسعى معه في أعمال الدنيا، وكان بارًّا بأبيه، مطيعًا له فيما أمره الله -عز وجل- به، ولما أمسك سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- السكين، وأراد أن يذبح ولده كما أمره الله، جاء الفرج من الله -سبحانه وتعالى- جزاءً لهما على إحسانهما في طاعة الله، فأنزل الله من السماء كبش عظيم فداءً لسيدنا إسماعيل البار بوالديه، قال الله سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}.[4]
شاهد أيضاً: قصص عن بر الوالدين ، قصص الصحابة في بر الوالدين
قصة سيدنا عيسى عليه السلام مع أمه
وصف الله -عز وجل- سيدنا عيسى -عليه الصلاة والسلام- بأنه بار بوالدته وهو ما زال في مهده، وذلك ما ورد في سورة مريم قي قول الله سبحانه وتعالى: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا}،[5]فالله سبحانه وتعالى في هذه الآية يبين لنا أنه قد جعل سيدنا عيسى -عليه الصلاة والسلام- بار بوالدته ولم يجعله جباراً مستكبراً عن عبادة الله سبحانه وتعالى وطاعته وبر والدته، فيشقى بذلك شقياً، حيث أنه لا يوجد شخص عاق لوالديه إلا وكان جباراً وعنيداً وشقياً في حياته الدنيا.
قصة سيدنا نوح عليه السلام مع أبويه
قصة سيدنا نوح عن بر الوالدين تتمثل فيما ورد في القرآن الكريم في سورة نوح في الآية التالية: {رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}،[6]ففي هذه الآية يتضح لنا كيف أن سيدنا نوح -عليه الصلاة والسلام- عندما فقد الأمل في قومه بعد أن دعاهم لعبادة الله سبحانه وتعالى دعا عليهم بالهلاك، ولكنّ سيدنا نوح أكد على حق والديه في الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة من باب بر الوالدين، وبعدها دعا لمن دخل بيته من المؤمنين والمؤمنات، فمن أعظم البر بالوالدين الدعاء والاستغفار لهما.
شاهد أيضاً: حديث عن بر الوالدين ، أحاديث عن فضل الوالدين وبرهما بعد موتهما
قصص عن بر الْوَالِدَيْنِ في عهد الصحابة
تميز صحابة رسول الله -رضوان الله عليهم- والتابعين من بعدهم بالأخلاق الحميدة التي تعلموها من الدين الإسلامي ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا متميزين بالإحسان والبر بالوالدين، وفيما يأتي نعرض بعض المواقف من حياة الصحابة في بر الوالدين.
برّ أبي هريرة رضي الله عنه بأمّه
كانت أُمِّ أبي هريرة -رضي الله عنه- مُشْرِكَةً، وكان يدعوها إلى الإِسْلامِ، وكانتْ ترْفُضُ الاستجابةَ لذلك، وفي أحد الأيام دعاها إلى الإسلام فأسْمعتْه في رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما يكره، فحزن أبو هريرة لذلك وغضب كثيراً ولكن بره بأمه منعه من أن يقوم بأي فعل يؤذيها به، فذهب إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وطلب منه أن يدعو لأمه بالهداية، فهدا الله سبحانه وتعالى أمه للإسلام، وذلك ما يرويه لنا أبو هريرة في الحديث التالي: “واللَّهِ ما خلقَ اللَّهُ مؤمنًا يسمعُ بي إلَّا أحبَّني قلت: وما علمُكَ بذاكَ؟ قالَ: إنَّ أمِّيَ كانت مشرِكةً وَكنتُ أدعوها إلى الإسلامِ، وَكانت تأبى عليَّ فدعوتُها يومًا فأسمعَتني في رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم ما أَكرَهُ فأتيتُهُ أبْكي وسألتُهُ أن يدعوَ لَها فقالَ: اللَّهمَّ اهدِ أمَّ أبي هريرةَ، فخرجتُ أعدو أبشِّرُها فأتيتُ فإذا البابُ مجافٌ وسمعتُ خضخضةَ الماءِ وسمعَت حسِّي فقالت كما أنتَ ثمَّ فتحت وقد لبست درعَها وعجَّلت عن خِمارِها فقالت أشْهدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأشْهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ فرجعتُ إلى رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم أبْكي منَ الفرحِ فأخبرتُهُ فقلتُ ادعُ اللَّهَ يا رسولَ اللَّهِ أن يحبِّبني وأمِّيَ إلى عبادِهِ المؤمنينَ فقالَ اللَّهمَّ حبِّب عُبيدَكَ هذا وأمَّهُ إلى عبادِكَ المؤمنينَ وحبِّبْهم إليْهما”.[7]
برّ عثمان بن عفان وحارثة بن النعمان بأمهما
كان الصحابيان الجليلان عثمان بن عفّان وحارثة بن النعمان -رضي الله عنهما- من أبرّ الناس بوالدتهما، وذلك ما قالته السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنه: “كان رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبر من كانا في هذه الأمة بأمهما: عثمان بن عفان، وحارثة بن النعمان رضي الله عنهما، فأما عثمان فإنه قال: ما قدرت أن أتأمل أمي منذ أسلمت، وأما حارثة فأنه كان يفلي رأس أمه ويطعمها بيده، ولم يستفهمها كلاماً قط تأمر به حتى يسأل من عندها بعد أن يخرج: ما أرادت أمي؟”.[8]
شاهد أيضاً: بر الوالدين بعد الموت ، ثمرات بر الوالدين
برّ عبد الله بن عمر بن الخطاب بأبيه
إنَّ بِرَّ الوالدينِ مِن أعظَمِ الأعمالِ الَّتي أوْصى اللهُ سُبحانه وتعالى بها، وقَرَنها بالوصيَّةِ بتَوحيدِه، ومِن جَمالِ الإسلامِ أنْ جَعَل هذا البِرَّ لا يَقتصِرُ نفْعُه عليهما فقطْ؛ بلْ يَتعدَّى لِأصدقائهِما وأحِبَّائهِما بعْدَ مَوتِهما، وذلك من كان عليه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، حيث جاء في الحديث الذي يَرْويه التَّابعيُّ عبدُ اللهِ بنُ دِينارٍ عن عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: “أنَّهُ كانَ إذَا خَرَجَ إلى مَكَّةَ، كانَ له حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عليه إذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ، وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بهَا رَأْسَهُ، فَبيْنَا هو يَوْمًا علَى ذلكَ الحِمَارِ، إذْ مَرَّ به أَعْرَابِيٌّ، فَقالَ: أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بنِ فُلَانٍ؟ قالَ: بَلَى، فأعْطَاهُ الحِمَارَ، وَقالَ: ارْكَبْ هذا، وَالْعِمَامَةَ، قالَ: اشْدُدْ بهَا رَأْسَكَ، فَقالَ له بَعْضُ أَصْحَابِهِ: غَفَرَ اللَّهُ لكَ! أَعْطَيْتَ هذا الأعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عليه، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بهَا رَأْسَكَ، فَقالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: إنَّ مِن أَبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ، وإنَّ أَبَاهُ كانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ”.[9]
قصص عن بر الْوَالِدَيْنِ قصيرة
في حياتنا تمر أمامنا العديد من القصص الواقعية التي تتحدث عن بر الوالدين والإحسان إليهما، ومن خلال هذه القصص نحصل على العبرة ونرى فضل بر الوالدين على المرء بأعيننا، وكذلك نرى عقوبة بر الوالدين في الدنيا، وفيما يأتي سنعرض قصتين مختلفتين عن بر الوالدين أحدهما بعنوان حظاً موفقًا يا أبي، والأخرى بعنوان الشاب البار بأمه:
حظًا موفقًا يا أبي
في أحد الأيام … أراد رجل فلسطيني كبير في السن، أن يجدد حراثة أرض منزل له في مناطق القرى الفلسطينية ،لأنه أراد أن يزرع فيها نبات الفجل، فتذكر ابنه الوحيد القابع في السجن منذ مدة قصيرة، فقد كان المعين الوحيد له على حراثة وزراعة الأرض، فما كان من الأب إلا أن يرسل رسالة إلى ولده الوحيد يعبر له فيها عن حبه وشوقه الشديد له، ورغبته في أن يكون بجانبه ليساعده على حراثة الأرض وزراعتها، ولكن بعد أيام قليلة تلقى الأب من ولده الوحيد رداً على رسالته يخبره فيها ألا يقوم أبداً بحراثة الأرض، لأنه كان قد دفن فيها بعض الأسلحة، وطلب منه انتظاره حتى يخرج من السجن فيخرج أسلحته ويساعده على حراثة الأرض، وبعد ثلاثة أيام قام الجنود بمهاجمة منزل الأب، والتوجه إلى أرضه وحفرها كاملة بحثاً عن الأسلحة التي ذكرها الولد في رسالته لأبيه، ولكنهم لم يعثروا على شيء، وبعد عدة أيام استلم الأب رسالة جديدة من ولده الوحيد يخبره بها بأن بإمكانه الآن زراعة الفجل في الأرض بعد أن حرثها الجنود، وهكذا أكون قد ساعدتك بحرث الأرض يا أبي فأرجو أن تكون راضٍ عني، وحظاً موفقاً يا أبي.
شاهد أيضاً: سؤال وجواب عن بر الوالدين اذاعة مدرسية
الشاب البار بأمه
تروي هذه القصة حكاية شاب كان ملازماً لأمه في مرضها، يخدمها ويقوم على رعايتها ليلاً، ويذهب إلى عمله في الصباح، وكان لا يتوانى أبداً عن خدمة والدته، على الرغم من أن له أخوة غيره ولكن ظروف الحياة شغلتهم عن خدمة والدتهم فقصروا في ذلك، وفي أحد الأيام عرض على الشاب فرصة عمل في دولة أخرى، براتب أعلى وبمركز أفضل من وظيفته الحالية، ففكر الشاب كثيراً في ذلك وعرض على أخوته الأمر عسى أن يحل أحدهم محله في خدمة والدته حتى يتمكن من السفر، ولكن جميع أخوته رفضوا ذلك، فكان الشاب أمام خيارين هما إما السفر وترك أمه المريضة لمصيرها، أو أن يتخلى عن فرصة العمل هذه ويبقى بجانب والدته، فآثر الشاب البقاء بجانب أمه المريضة، وبعد أسابيع قليلة التقى بأحد أصدقائه القدامى بالصدفة، وعرف أنه يملك مهارات أعلى من وظيفته الحالية، فقام الصديق بترشيحه إلى إحدى الشركات، وبالفعل حصل الشاب على عمل جديد، براتب يساوي ضعف الراتب الذي كان سيحصل عليه لو سافر، فكانت هذه مكافأته من الله سبحانه وتعالى لقاء بره بوالدته.
قصص عن بر الوالدين للاطفال
دعا الإسلام إلى البر بالوالدين والإحسان إليهما، وانتشرت العديد من القصص عن بر الوالدين للاطفال، وذلك لتساعدهم على فهم معاني البر، فبر الوالدين دِين ودَين أي بر والداك في الصغر، يرعاك ابنك في الكبر، ومما لا شك فيه أن قراءة القصص عن بر الوالدين للأطفال يجعلهم أكثر فهمًا ووعيًا بالمعنى من أن نعطي لهم سلوك البر في صورة أوامر ويجب ولا يجب، وخاصة أن الطفل من خلال أبطال القصة يأخذ القدوة والمثل الأعلى، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته خير قدوة، وكما أنه في القصة يمكنك عرض عاقبة السلوك السيء لصاحبه؛ حتى يعرف الفرق بين الصحيح والخطأ بالدليل، وفيما يلي نعرض بعض القصص عن بر الوالدين للاطفال قصيرة.
شاهد أيضاً: تعبير عن بر الوالدين بالعناصر كاملة
أجمل غرفة لي عندما أكبر
كانت الأم جالسة مع أبناءها تساعدهم في مراجعة دروسهم و حل واجباتهم المدرسية، وقامت بإعطاء طفلها الصغير البالغ من العمر خمس سنوات ورقة وقلم ليرسم عليها، حتى يتسلى ولا يزعجها عند تدريس اخوته، وفي هذه الأثناء تذكرت الأم فجأة أنها لم تطلب من الخدم احضار طعام الغداء لوالدة زوجها العجوز التي تسكن معهم في إحدى الغرف خارج المنزل في فناء المنزل، وكانت هي تقوم على خدمتها ما أمكنها ذلك، والزوج كان سعيد بما تؤديه زوجته من خدمة لوالدته، التي لم تكن تترك غرفتها بسبب المرض الشديد الذي أصابها، أسرعت الأم بإحضار طعام الغداء إليها، وسألتها فيما إذا كانت بحاجة لخدمات أخرى، وبعده انصرفت عنها لتدريس أولادها، ولاحظت الأم أن طفلها الصغير -الذي كانت قد أعطته ورقة وقلم ليرسم- كان قد رسم العديد من الدوائر والمربعات التي لم تفهم الأم منها شيئاً فسألته ماذا يرسم؟ فأجابها الطفل بكل براءة أنه يرسم منزله الذي سيعيش فيها عندما يكبر، وبدأ يشرح لأمه كل مربع ويقول هذا المطبخ وهذه غرفة الضيوف وهذه غرفة النوم وأكمل بتعداد كل غرفة من غرف المنزل ولكنه رسم مربعاً خارج منزله، فسألته الأم ما هذا المربع فأجابها بأن هذه الغرفة هي التي سأضعك تسكنين فيها كما تعيش جدتي، فصدمت الأم بجواب ابنها وبدأت تسأل نفسها: عندما أكبر هل سأبقى وحيدة خارج المنزل في الفناء دون أن أحظى بالحديث مع ولدي وأطفاله وأتمتع بكلامهم ومرحهم ولعبهم؟ ومن سأحدث حينها؟ وهل سأمضي ما بقي من عمري لوحدي بين أربعة جدران؟ فأسرعت الأم بمناداة الخدم وطلبت إليهم أن يقوموا بنقل أثاث الغرفة المخصصة لاستقبال الضيوف، والتي كانت من أجمل الغرف في المنزل فنقلوا الأثاث المخصص لغرفة الضيوف للغرفة الموجودة في الفناء وأحضروا سرير العجوز لغرفة الضيوف، وعندما عاد الزوج من العمل تفاجأ بما رأى، وتعجب له، فسأل زوجته: ما السبب في هذا التغيير؟ قالت له والدموع تترقرق في عينيها إني أختار لي و لك أفضل الغرف و أجملها إذا كبرنا و عجزنا عن الحركة.
قصة سر الجوهرة
في قديم الزمان يحكى أنه كان هناك رجل عجوز لديه ثلاثة أبناء يعيشون جميعًا في سعادة وهناء، وفي ذات يوم أصاب الأب مرض خطير، واشتد عليه الألم حتى أوشك على الموت، وكان الأبناء الثلاثة يحرصون على العناية بأبيهم ، ويتنافسون في خدمته وتمريضه والاهتمام به، وفي أحد الأيام طلب الابن الأصغر من إخوته أن يسمحوا له بأخذ أبيهم إلى منزله حتى يتفرّغ تمامًا لخدمته والعناية به في أيامه الأخيرة، رفض الأخوة الأمر في البداية إلا أنهم وافقوا عندما أخبرهم أخوهم بأنه سوف يتنازل لهم عن نصيبه في ميراث والدهم إن وافقوا، وبالفعل أخذ الابن الصغير أباه إلى بيته، وأصبح يهتم به ويرعاه هو زوجته ويخدمه خير خدمة حتى توفي الأب، وفي ذات ليلة رأى الابن والده في المنام يخبره أنه قد خبّأ كنزًا في مكان بعيد، وذكر له هذا المكان بالتفصيل، استيقظ الابن من نومه، وذهب باحثًا عن المكان الذي حدده له والده، وهناك وجد صندوقًا صغيرًا مليء بالأموال والمجوهرات، أخذ الابن الصندوق وذهب إلى إخوته وقصّ عليهم ما حدث معه فقالوا له : لقد تنازلت لنا عن نصيبك في ميراث والدك وبالتالي فإن هذا الصندوق من حقنا وحدنا، وليس لك أي حق في هذه الأموال والمجوهرات، وفي ليلة أخرى رأى الابن حلمًا مماثلًا، ومن جديد استيقظ، وذهب إلى المكان الذي حدده له والده، وعندما عثر على المال ذهب به إلى إخوته، فأخذوها منه وفعلوا مثلما فعلوا في المرة السابقة، عاد الابن إلى منزله حزينًا، وعندما استغرق في النوم رأى والده في الحلم يخبره أنه وضع دينارًا في جرة الماء في حقلهم البعيد، ذهب الابن الى اخوته وأخبرهم بما رأى فأخذوا يسخرون منه وقالوا له : دينار واحد ؟ لا بأس خذه أنت إن شئت، اتجه الابن إلى الحقل فأخذ الدينار، وبينما هو في طريق عودته إلى المنزل قابل صياداً عجوز يعرض سمكتين للبيع، فاقترب منه وسأله : بكم تبيع هاتين السمكتين؟ فقال الصياد: لا أريد سوي دينار واحد، فأعطاه الابن الدينار، وأخذ السمكتين وذهب إلى منزله فأعطى زوجته السمكتين، وطلب منها أن تعدهما للطعام وما إن شقت الزوجة بطن السمكة الأولى، حتى وجدت بداخلها شيئًا يلمع فأخرجته فوجدته جوهرة كبيرة، مدّت الزوجة يدها وفتحت بطن السمكة الأخرى فوجدت جوهرة ثانية في بطن السمكة وتناقل الناس أخبار هذه الجواهر الثمينة، فلما علم الملك بذلك أمر بإحضارالابن له، وكافأ الرجل عليها بالكثير من الأموال لأن الملك كان منذ سنوات يبحث عن هاتين الجوهرتين الثمينتين فهما تعودان إلى عائلته الملكية وقد فقدهما ذات يوم في البحر، ومن يومها وهو يحاول العثور عليهما، وقد نذر في نفسه أن يكافيء من يعيدهما إليه بمال كثير، وبهذا نرى أن الحكمة من القصة أن الولد الذي كان باراً بوالده وصادق مع إخوته رزقه الله من حيث لا يحتسب، حيث قال الله سبحانه و تعالى: “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ”.[10]
شاهد أيضاً: دعاء بر الوالدين ، أدعية عن بر الوالدين قصيرة
أمثلة عن بر الوالدين
يحصد المسلم ثمار برّ الوالدين في الدنيا قبل الآخرة، فبر الوالدين يعود على المسلم بالخير والبركة في الرزق والعمل والعمر، والمحبة والسمعة الطيبة بين الناس وفيما يأتي نعرض لبعض الأمثلة عن بر الوالدين في حياتهما وبعد مماتهما:[11]
- احترام الوالدين وإظهار المحبة والود لهما، وإدخال السرور على قلبهما.
- حسنُ الاستماع لحديثهما وعدم إظهار الملل والضجر.
- السمع والطاعة لهما بالمعروف والقيام بما يرضيهما.
- خفض جناح الرحمة لهما، وعدم رفع الصوت عليهما أو أمامها.
- القيام بمساعدتهما في الأعمال التي تستطيع القيام بها.
- عدم إغضابهما وإفشاء أسرار البيت أمام الآخرين.
- الأخذ بمشورتهما ورأيهما في الأمور والقرارت.
- التسليم عليهما عند دخول البيت وعند الخروج منه وتقبيل يدهما ورأسهما.
- الإحسان إليهما والإنفاق عليهما في حال كانا محتاجين.
- يمكن بر الوالدين بعد موتهما بالإكثار من الدعاء بالرحمة والمغفرة لهما، والتصدق عنهما بالقليل والكثير، وتنفيذ وصيتهما في حال كانت موافقة للشرع المطهر، وقضاء الدين المترتب عليهما في حال وجد.
- كما يمكن بر اولادين بعد الموت بصلة الأرحام والأقارب من الأجداد، والأعمام والعمات وأبنائهم، والأخوال والخالات وأبنائهم، والإحسان إليهم بالهدية أوبالصدقة أو بالدعاء أو بالزيارة، وكذلك الإحسان إلى أصدقاء وأحباب الوالدين وتقدير صحبتهم وصداقتهم للوالدين وعدم نسيان ذلك بالكلام الطيب والزيارة والاطمئنان على أحوالهم، والإحسان إليهم إذا كانوا في حاجة إلى الإحسان، وجميع أنواع الخير الذي يستطيعه الولد.
- أداء فريضة الحج عنهما، وكذلك أداء العمرة عنهما بعد وفاتهما.
وبهذه السطور نكون قد وصلنا إلى ختام مقالنا الذي عرض قصص الأنبياء عن بر الْوَالِدَيْنِ، ومنها قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه، وقصة سيدنا إسماعيل عليه السلام مع أبيه، وقصة سيدنا عيسى عليه السلام مع أمه، وقصة سيدنا نوح عليه السلام مع أبويه، وكذلك عرض المقال بعض قصص عن بر الْوَالِدَيْنِ في عهد الصحابة، وقصص عن بر الْوَالِدَيْنِ قصيرة، وقصص عن بر الوالدين للاطفال، وكما تطرّق المقال أيضاً لذكر بعض الأمثلة عن بر الوالدين في حياتهما وبعد مماتهما.
أسئلة شائعة
المراجع
- ^ سورة الأنعام، آية 74
- ^ سورة مريم، آية 42-45
- ^ سورة الصافات، آية 102
- ^ سورة الصافات، آية 103-107
- ^ سورة مريم، آية 32
- ^ سورة نوح، آية 28
- ^ تاريخ الإسلام، أبو هريرة، الذهبي، 4/351، صحيح
- ^ shamela.ws، كتاب بر الوالدين، 13/02/2023
- ^ صحيح مسلم، عبدالله بن عمر، مسلم، 2552، صحيح
- ^ سورة الطلاق، آية 3
- ^ binbaz.org.sa، كيفية بر الوالدين في الحياة وبعد الممات، 13/02/2023
التعليقات