عناصر المقال
لماذا سميت سورة البروج بهذا الاسم، وهذا السؤال يتكرر على مسامعنا كثيراً، ويرغب كل مسلم في معرفة الأسباب التي تعود لها هذه التسمية، حيث تُعدّ سورة البروج من السُّور المكية التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، وفي مقالنا الآتي سنتعرّف على أسرار سورة البروج وما هي الأسباب وراء تسميتها بهذا الاسم.
لماذا سميت سورة البروج بهذا الاسم
سميت سورة البروج بهذا الاسم لأنّ كلمة البروج وردت في الآية الأولى من هذه السورة وذلك في قول الله سبحانه وتعالى: “وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ” [1]، ومعنى كلمة البروج هو الحصون والقصور والأبنية العالية، أو منازل الشمس والقمر أو النجوم العظام، والمقصود بها أبراج السماء، وهي اثنا عشر برجاً تسير الشمس في كل واحد منها شهراً ويسير القمر في كل واحد يومين وثلثا فذلك ثمانية وعشرون منزلة ويستسر ليلتين، وقد أقسم الله سبحانه وتعالى بالسماء ذات البروج لما في ذلك من دلالة على قدرة الله عز جل وعظمته وحسن صنعه وإبداع خلقه.[2]
أسماء سورة البروج
لسورة البروج فضائل عظيمة ويطلق على سورة البروج تسمية “البروج” لأنها ذكرت في أول آية منها، وكذلك تسمى أيضاً بسورة “والسماء ذات البروج”، وقد حثّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قراءة سورة البروج في صلاة الظهر وصلاة العصر حيث جاء في الحديث الشريف عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أنه قال: “أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يقرأُ في الظُّهرِ والعصرِ بِ والسَّماءِ والطَّارقِ ، والسَّماءِ ذاتِ البُرُوجِ ونحوَهما منَ السُّورِ”. [3]
شاهد أيضاً: لماذا سميت سورة الحشر بهذا الاسم
عدد آيات سورة البروج
سورة البروج هي من السورة المكية التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، ويبلغ عدد آياتها اثنان وعشرون (22) آية، وعدد كلماتها يبلغ مائة و تسع كلمة، ويبلغ عدد حروفها أربعمائة وتسعة وخمسون حرفاً، وترتيب هذه السورة في المصحف الشريف هو السورة الخامسة والثمانون (85)، وذلك في الجزء الثلاثين -جزء عم- من القرآن الكريم بعد سورة الإنشقاق وتليها سورة الطارق وترتيبها في النزول بعد سورة الشمس. [4]
سبب نزول سورة البروج
أنزل الله -سبحانه وتعالى- سورة البروج في مكة المكرمة على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه -رضي الله عنهم- عندما اشّتد أذى ومضايقة الكفار لهم، فنزلت سورة البروج لتسليتهم وللتخفيف عنهم، وذلك من خلال توضيح أنّ ما فعلته قريش من إيذاء للمسلمين ومحاربة لدين الله سبحانه وتعالى هو حال سائر الأمم السابقة التي كفرت بالله عز وجل، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة البروج قصة أصحاب الأخدود الذين كانوا يقطنون في اليمن وما أصابهم من أذية وفتنة في دينهم، حيث كان ملك حمير ويُدعى بذي نواس اليهودي واسمه زرعة بن تبان أسعد الحميري وكان هذا الملك يعتنق اليهودية، فاعتنق بعض رعيته النصرانية وكان عددهم يقارب العشرين ألفاً، فذهب إليهم هو وجنوده وقام بتخييرهم بين التخلي عن دينهم أو أن يقتلوا حرقاً بالنار، ولكنهم اختاروا التمسك بدينهم والثبات على الحق والصبر على الامتحان فقام جنود الملك بشقّ أخدود في الأرض وأضرموا فيه النار ورَموهم فيه واحداً تلو الآخر حتى احترقوا جميعاً، [5]ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: “قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ”، [6] أي لُعِن أصحاب الأخدود بسبب فِعلهم الشنيع، وهو حفر الأخاديد، وإشعال النيران بالمؤمنين، وقد جاء ذِكر قصّة أصحاب الأخدود كاملة في سورة البروج، حيث قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: “وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ* وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ* وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ* قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ* النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ* إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ* وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ* وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ* الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ* إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ”. [7]
شاهد أيضاً: لماذا سميت سورة الواقعة بهذا الاسم
مايستفاد من سورة البروج
تطرّقت سورة البروج إلى العديد من الأمور الهامة التي تتعلق في أصول العقيدة الإسلامية، ومن هذه الأمور التي نأخذ منها العبر والفائدة نذكر الآتي:
- بدأت سورة البروج بالقسم بأبراج السماء وما تحتويه من نجوم عدّة، وكذلك القسم بيوم القيامة وهو اليوم الموعود، والقسم بالرسل والخلق، وهذا كله يُستدّل به على عظيم ما سوف يتحدث عنه الله سبحانه وتعالى في الآيات التي تلي القسم، وقد جاء ذلك القسم يحمل إشارة لهلاك الكفار الذين عذبوا المؤمنين ولم يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى.
- في سورة البروج إنذار وتوّعد للكافرين الذين أصروا على أفعالهم الآثمة واستمروا بإيذاء المؤمنين ومحاربتهم، وكذلك وضحت سورة البروج مصير المتقين من المؤمنين بأن الله سبحانه وتعالى سيعوضهم بجنات النعيم جزاءً لإيمانهم وصبرهم وتحملهم للشدائد.
- في سورة البروج بيان ولبطش الله عز وجل الشديد ولقدرته على الانتقام ومعاقبة أعداء الدين المكذبين المفسدين الذين يعملون على فتنة عباد الله سبحانه وتعالى، وفي ختام آياتها ذكر لهلاك الطاغية المتجبر فرعون هو وأتباعه ولهلاك ثمود، وذلك لكي يتعظ ويعتبر المشركين من أهل مكة، وللتأكيد على أن الله سبحانه وتعالى قد توّعد الكفار بالعذاب والعقاب الشديد بحيث يمحو ذكرهم وأثرهم من الحياة.
شاهد أيضاً: لماذا سميت سورة الطلاق بهذا الاسم
فضل سورة البروج
تعدُّ سورة البروج من السور المكيّة التي حظيت بمكانة خاصة لدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ سورة البروج في صلاة الظهر وصلاة العصر وهو ما جاء في الحديث الشريف عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أنه قال: “أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يقرأُ في الظُّهرِ والعصرِ بِ والسَّماءِ والطَّارقِ ، والسَّماءِ ذاتِ البُرُوجِ ونحوَهما منَ السُّورِ”. [2]، وفي سورة البروج بيان لمقاصد العقيدة التي على المؤمن التصديق والإيمان بها، والتبشير للمؤمنين الذين يثبتون على الحق بالنصر والفوز بجنات الله عز وجل.
تفسير سورة البروج من الآية 1 إلى الآية 9
وهي الآيات في قول الله سبحانه وتعالى: “وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ* وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ* وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ* قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ* النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ* إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ* وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ* وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ* الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ”، [8] وفي هذه الآيات يقسم الله عز وجل بالسماء ذات البروج وهي النجوم العظام في قول جماعة من المفسرين، والله جل وعلا يقسم من خلقه بما يشاء له أن يقسم بالسماء، وبغيرها، كما أقسم بالطور، وبالذاريات، وبالضحى، والليل إذا يغشى، وإلى غير ذلك؛ لأنها جميعها آيات دالة على قدرته العظيمة، وأنه الخلاق العليم وأنه القادر على كل شيء وهو السبب لماذا سميت البروج بهذا الاسم، وكما يقسم الله عز وجل باليوم الموعود وهو يوم القيامة الذي فيه سيحاسب العبد عما فعل في دنياه، والشاهد هو يوم الجمعة في قول جماعة من أهل العلم، والمشهود هو يوم عرفة وذلك لأنّ هذا اليوم يشهده الأمم الكثيرة من الحجاج، وهما يومان عظيمان، فيوم الجمعة هو خير أيام الأسبوع، وأفضلها، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يرد فيها سائل، يستجيب الله عز وجل فيها الدعاء، ويوم عرفة فيها وقفة الحجاج، وفيها دنو الرب من عباده، ولعن الله عز وجل الجنود الذين قاموا بشق الأخدود وحرقوا فيه المؤمنين الذين لم ينقادوا لباطلهم، والموحدين لله العزيز الحميد في جميع أقواله وأفعاله وصفاته، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السموات وهو على كل شيء شهيد. [9]
تفسير سورة البروج من الآية 10 إلى الآية 16
وهي الآيات في قول الله سبحانه وتعالى: “إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَتُوبُواْ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِيقِ * إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِيرُ * إِنَّ بَطۡشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُۥ هُوَ يُبۡدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلۡوَدُودُ * ذُو ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡمَجِيدُ * فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ”، [10]في هذه الآيات الكريمة توعد الله سبحانه وتعالى الطغاة الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات وقاموا برميهم بالأخدود وحرقهم بالنار بعذاب جهنم وبئس المصير، ووعد المؤمنين الذين صبروا وصدقوا الله ورسوله وقاموا بالأعمال الصالحة بالأجر والثواب العظيم والفوز بجنات تجري من تحتها الأنهار، إنّ عقاب الله سبحانه وتعالى شديد وانتقامه عظيم، فهو وحده القادر على بدأ الخلق ومن ثم إعادته، والله عز وجل رحيم وغفار لمن يتوب وكثير الود والحب لأوليائه، وهو صاحب العرش المجيد، صاحب الفضل والمنة يفعل ما يشاء ولا يمنعه شيء وإذا أراد أمراً إنما يقول له كن فيكون.
شاهد أيضاً: لماذا سميت سورة الرحمن بعروس القرآن
تفسير سورة البروج من الآية 17 إلى الآية 22
وهي الآيات في قول الله سبحانه وتعالى: “هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ”، [10]هذه الآيات الكريمة انتقلت للحديث عن بعض طغاة الزمان، وهم جنود فرعون وقوم ثمود، وما كان منهم من أذى لأنبيائهم، وفي ذلك مواساة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإخباره بأنّ ما يتعرّض له هو ما تعرّض له الأنبياء من قبله، وفي هذه الآيات أيضاً تنبيه لكفار قريش بأنّهم إذا ما أصروا على تكذيبهم وتعذيبهم للمؤمنين فستكون عاقبتهم وخيمة كعاقبة من سبقهم من الكفار، ولكن كفار مكة لم يتعظوا ولم ينتهوا عن تعذيب المسلمين والاستهزاء بهم، بل زادوا كبراً وعناداً في التصدّي للدين الإسلامي ولرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وللقرآن الكريم، واختتمت الآيات بالحديث عن أنّ الله سبحانه وتعالى قادر على أن ينزل العقاب على أهل مكة، كما حدث للطغاة من قبلهم، وبينت عظمة القرآن الكريم وقدسيته وما فيه من إرشادات وتوجيهات للمسلم في أمور حياته الدينية والدنيوية، والقرآن الكريم قد حفظه الله سبحانه وتعالى من التزوير والتحريف والتبديل فهو مكتوب في اللوح المحفوظ، ومن اللوح المحفوظ تم نسخ القرآن الكريم والكتب السماوية.
وإلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام مقالنا الذي وضّح لماذا سميت سورة البروج بهذا الاسم، كما بين بعض المعلومات عن سورة البروج وأسباب نزولها، حيث أنّ من أهم أهداف سورة البروج هو تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على تعذيب أهل مكة لهم وإنذاراً لمن يعذبّهم، كما كان في قصة أصحاب الأخدود.
المراجع
- ^ سورة البروج، آية 1
- ^ islamweb.net، تفسير سورة البروج ، 10/12/2022
- ^ صحيح أبي داود، جابر بن سمرة،الألباني، 805، حسن صحيح
- ^ wikiwand.com، سورة البروج، 10/12/2022
- ^ islamonline.net، قصة أصحاب الأخدود، 10/12/2022
- ^ سورة البروج، آية 4
- ^ سورة البروج، آية 1-11
- ^ سورة البروج ، آية 1-9
- ^ binbaz.org.sa، تفسير سورة البروج، 10/12/2022
- ^ سورة البروج ، آية 10-16
- ^ سورة البروج ، آية 17-22
التعليقات