عناصر المقال
من اول من قال اما بعد من الانبياء ؟ هو أحد الأسئلة التي لا بدّ أن نجيب عنها، فقد ورد ذكر أما بعد في الخطب والرسائل منذ قديم الأزمان، وفي هذا المقال سنتعرّف على تاريخ هذه العبارة، وعلى أول من قالها من الأنبياء والرسل، كما سنتعرف على حكم الإتيان بهذه العبارة في الدّين الإسلاميّ، كما سندرج إعراب عبارة “أما بعد”، محاولين الحديث عن كلّ ما يتعلّق بهذه العبارة من معلومات مهمّة ومفيدة
معنى أما بعد وإعرابها
عبارة أمّا بعد تستخدم في مواضع محددة ولغرض معين، وتعرب أما على أنّها حرف شرط وتفصيل وتوكيد كما تعرف كلمة بعد بأنّها كلمة يفصل بها بين الكلامين عند إرادة الانتقال الى كلام غيره وهي ظرف زمان وقيل مكان وعامله محذوف والتقدير هو أقول بعد ما تقدم من الحمد والصلاة والتسليم، فحذف المضاف إليه وبني الظرف على الضم، ويكثر استخدام أما بعد في الرسائل والخطب بعد التحية والتسليم كما أنّها ترد في بدايات الكتب وتستعمل في الانتقال من موضوع لآخر.[1]
وقد حرص العرب على استخدامها بعد تبادل الرأي في خطاباتهم، وكانت تسمى هذه العبارة فصل الخطاب لأنها تعدّ دليلا على البت بالحكم والفصل به وقد رأى جلّ أهل الأدب واللغة والبيان أن هذه العبارة هي فصل الخطاب لأنها تفصل بين الحمد والتسليم والموضوع الجديد، فالمتحدث عادة ما يبدأ حديثه بمقدمة يحمد بها الله ويثني عليه ثم ينتقل مباشرة إلى جوهر الموضوع المراد بعبارة مختصرة ورائعة وهي أما بعد، قد جاء عن سيبويه أن عبارة أما بعد ترد بمعنى مهما يكن من أمر، وعن ابن اسحاق أنه إذا ما أراد المرء أن ينتقل من موضوع لآخر جاء بعبارة أما بعد.[2]
شاهد أيضًا: استشهد الخليفة عمر بن الخطاب على يد
من اول من قال اما بعد من الانبياء
ليس ثمة اتفاق حتمي ينسب عبارة أما بعد لقائلها الأول وقد تأرجحت الاقوال في ذلك بين سبعة أشخاص هم آدم ويعقوب وداود عليهم السلام جميعًا وقس بن ساعدة وكعب بن لؤي وسحبان بن وائل ويعرب بن قحطان، وكون أن آدم عليه السلام هو أول من قالها فإن أصحاب هذا الرأي يعللون ذلك بالرجوع إلى قوله عز وجل: “وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ”[3]، ويرون بذلك أن الله أثبت لآدم النطق بكل الأسماء ومن هذه الاسماء عبارة أما بعد، أمّا كون داود عليه السلام هو أول الناطقين بتلك العبارة فيرجع أصحاب هذا القول للاستشهاد بقول الله عز وجل “َشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ”[4]، ويرون أن فصل الخطاب هنا هو عبارة أما بعد، وأما القائلين بنسبة العبارة ليعقوب عليه السلام فيعللون ذلك بما في الأثر أن يعقوب لما أتاه ملك الموت قال :أما بعد فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء.[2]
شاهد أيضًا: من هو النبي الذي كان يبرئ الاعمى
شخصيات نُسبَ إليها هذا القول
قيل بأن قس بن ساعدة أول من نطق بها في خطبه الشهيرة والمعروفة ،وقيل بل هو كعب بن لؤي الذي كان يجمع الناس فيقول أما بعد فاسمعوا وافهموا واعلموا وتعلموا، ومنهم من يرجع نطقها الأول ليعرب بن قحطان جد العرب ومنهم من يقول بل هو سحبان بن وائل والله أعلى وأعلم، وليس من السهل الجزم بقائلها الأول فالأمر غائر في أعماق التاريخ الإنساني . وقد جمعت هذه الأقوال والآراء في القول الآتي:[2]
فهاك خلافا بالذي قد تقدما
من نطق أما بعد فاحفظ لتغنما
فداود ويعقوب وآدم أقرب
فقس فسحبان فكعب فيعرب
وقد ورد عن العلامة الشفاريني أنه قال: “فقيل داود عليه السلام وعن الشعبي أنها فصل الخطاب الذي أوتيه داود وقيل يعقوب عليهما السلام وقيل يعرب بن قحطان وقيل كعب بن لؤي وقيل سحبان بن وائل وقيل قس بن ساعدة، وقد نظم شمس الميداني أبياتًا من الشعر في ذلك:
جرى الخلف أما بعد من كان بادئا
بها عد أقوالا وداود أقرب
ويعقوب ايوب الصبور وآدم
وقس وسحبان وكعب ويعرب
شاهد أيضًا: من هو الصحابي الجليل الذي حج سرا
حكم الإتيان بأما بعد والغرض منها
من الأمور المسنونة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يورد عبارة أما بعد في خطبه وكتبه إذا ما استدعى الأمر، ككتابه الشهير إلى هرقل ملك الروم، كما أنه ذكرها في خبر بريرة المشهور، ومن غير المستساغ أن تأتي عبارة أما بعد في أول الكلام أو آخره أو بين كلامين متحدين، فالغرض من الإتيان بأما بعد هو الانتقال من كلام إلى كلام آخر ومن أمر لأمر آخر يختلف عن سابقه سواء كان اختلاف في النوع أو الجنسين كأن تقول في اختلاف النوع : عمرو ذاهب أما بعد فزيد ذاهب، فالجملة الأولى أفادت بذهاب عمرو والثانية افادت بذهاب زيد وهنا اختلف النوع، وعن اختلاف الجنس نقول مثلا :عمرو ذاهب أما بعد فزيد مقيم فالأولى أفادت الذهاب والثانية أفادت الإقامة وهذا اختلاف في الجنس.[5]
شاهد أيضًا: ما ابرز اعمال الخلفاء الراشدين
ماذا يأتي بعد اما بعد
بعد أن أجبنا على سؤال المقال من اول من قال اما بعد من الانبياء لا بدّ أن نعرف ما يأتي بعد عبارة أمّا بعد، إذ يجب أن تأتي بعدها الفاء، ليتصل الكلام بعضه ببعض، ويكون هذا الوصل وصلًا لا انفصال بينه ولا مهلة فيه، فأمّا هي حرف فصل في الكلام، فجاءت بالفاء بعدها لترد الكلام على أوله، والفاء هنا لا تدلّ على تأخير متقدّم، ولا تقديم مؤخر، حيث لا يستوي المعنى فيها ولا معها، حيث يكتب الكاتب: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد كان كذا وكذا، ومعنى ذلك : أما بعد قولنا بسم الله، فقد كان كذا وكذا وأنه قد كان. فإنها لا تقع إلا بعد ما ذكرناه.[2]
وبهذا نكون قد أجبنا على السؤال من اول من قال اما بعد من الانبياء ، وذكرنا في مقالنا الأنبياء التي نسب إليهم قول أمّا بعد، مع إدراج بعض الأدلة على كلّ قول، كما تحدثنا عن الشخصيات التاريخية التي نسب إليها قول أمّا بعد، وتحدثنا عن معنى عبارة أمّا بعد وعن إعرابها في اللغة العربية وماذا يجب أن يأتي بعدها.
المراجع
- ^ almaany.com، تعريف و معنى أما بعد في معجم المعاني الجامع ، 08/11/2021
- ^ al-eman.com، "أما بعد" وما جاء فيها، 08/11/2021
- ^ سورة البقرة، الآية 31
- ^ سورة ص، الآية 21
- ^ ia801601.us.archive.org، كتاب إحراز السعد بإنجاز الوعد بمسائل أما بعد من الصفحة 29 حتى 34، 08/11/2021
التعليقات