عناصر المقال
هل يجوز اخراج زكاة الفطر في بلد اخر، فزكاة الفطر هي الزكاة التي يُخرجها المسلمون مع نهاية شهر رمضان المبارك، وتُصرَف للمساكين والفقراء ومن جعل العلماء مصارف الزكاة إليهم، وفي هذا المقال سيكون هنالك وقفة لبيان حكم إخراج زكاة الفطر في بلد غير التي يقيم فيها المسلم، إضافة للوقوف على بعض الأحكام الأخرى المتعلقة بزكاة الفطر.
هل يجوز اخراج زكاة الفطر في بلد اخر
يجوز إخراج زكاة الفطر في بلد آخر إن دعت الحاجة إلى نقلها، فهذا جائز لمصلحة شرعية؛ فإن نقلها إلى بلد فيه أقارب المزكّي، أو بلد أهله أشد حاجة أو نحو ذلك فهذا لا بأس به، ويبقى الأصل أن تصرف الزكاة في فقراء البلد التي بها المال، ولا تعطى إلا لمن تحقق إسلامه ظاهراً، وكلما كان المُعطى من الفقراء والمساكين أتقى وأكثر طاعة فهو أولى من غيره.[1]
وقد ورد في السنة النبوية حديثًا يستدل به العلماء على صحة هذا الفعل، ويروي الحديث قبيصة بن مخارق -رضي الله عنه- فيقول:
“تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فأتَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أسْأَلُهُ فيها، فقالَ: أقِمْ حتَّى تَأْتِيَنا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لكَ بها، قالَ: ثُمَّ قالَ: يا قَبِيصَةُ، إنَّ المَسْأَلَةَ لا تَحِلُّ إلَّا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَها، ثُمَّ يُمْسِكُ، ورَجُلٌ أصابَتْهُ جائِحَةٌ اجْتاحَتْ مالَهُ، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ -أوْ قالَ: سِدادًا مِن عَيْشٍ- ورَجُلٌ أصابَتْهُ فاقَةٌ حتَّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِن ذَوِي الحِجا مِن قَوْمِهِ: لقَدْ أصابَتْ فُلانًا فاقَةٌ، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ -أوْ قالَ: سِدادًا مِن عَيْشٍ- فَما سِواهُنَّ مِنَ المَسْأَلَةِ -يا قَبِيصَةُ- سُحْتًا، يَأْكُلُها صاحِبُها سُحْتًا”.[2]
ودليل الحديث أنّ الصدقات كان يؤتى بها من خارج المدينة المنورة وأنّه كان يُعطى منها فقراء المدينة، والله أعلم.[3]
هل يجوز إخراج زكاة الفطر عن الغائب
ذهب بعض العلماء من فقهاء المالكيّة إلى أنّ الزكاة واجبة على الحاضر والغائب الحي، فإن كان هذا الغائب الحي قد ترك مالًا فإنّ لولي أمره أن يُخرِجَ عنه،[4] وقد جاء في الشرح الكبير للشيخ الدردير مع حاشية الدسوقي عليه وهو من كتب الفقه المعتمدة عن المالكيّة:
“(وَلَا تَسْقُطُ زَكَاةُ حَرْثٍ) أَيْ حَبٍّ وَثِمَارٍ (وَمَعْدِنٍ وَمَاشِيَةٍ بِدَيْنٍ) أَيْ بِسَبَبِهِ (أَوْ) بِسَبَبِ (فَقْدٍ أَوْ أَسْرٍ) لِحَمْلِهِ عَلَى الْحَيَاةِ وَكَذَا زَكَاةُ الْفِطْرِ لَا تَسْقُطُ بِمَا ذُكِرَ”، وفي ذلك يعلّق الدسوقي قائلًا: “(قَوْلُهُ لِحَمْلِهِ عَلَى الْحَيَاةِ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا فُقِدَ أَوْ أُسِرَ وَأُخْرِجَتْ زَكَاةُ مَاشِيَتِهِ أَوْ حَرْثِهِ وَهُوَ مَأْسُورٌ أَوْ مَفْقُودٌ فَإِنَّهَا تُجْزِي وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ نِيَّتِهِ لِأَنَّ نِيَّةَ الْمُخْرِجِ تَقُومُ مَقَامَ نِيَّتِهِ”، والله أعلم.[5]
متى يتم إخراج زكاة الفطر
في الحديث يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “فرضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ زكاةَ الفطرِ طُهرةً للصَّائمِ منَ اللَّغوِ والرَّفثِ وطُعمَةً للمساكينِ من أدَّاها قبلَ الصَّلاةِ فهيَ زكَاةٌ مقبولةٌ ومن أدَّاها بعدَ الصَّلاةِ فهيَ صدَقةٌ منَ الصَّدقاتِ”،[6] وكذلك يروي ابن عمر -رضي الله عنهما- فيقول: “فَرَضَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ”.[7][8]
من الحديثَين يظهر أنّ موعد صدقة الفطر هو قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، فمن أدّاها بعد الصلاة حُسبت له صدقة لا زكاة، وقد اختلف العلماء في أول وقت إخراجها، فقال المالكية والحنابلة تُخرَج قبل العيد بيومين أو ثلاثة أيام، وآخر موعد لها هو قبل خروج الناس إلى صلاة العيد.
ودليلهم حديث ابن عمر الذي يقول فيه: “وكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بيَومٍ أوْ يَومَيْنِ”،[9] وحديث نافع مولى ابن عمر الذي يقول فيه عن ابن عمر رضي الله عنهم: “أنَّه كان يبعَثُ بزكاةِ الفطرِ إلى الَّذي تُجمَعُ عنده قبلَ الفِطرِ بيَومينِ أو ثلاثةٍ”،[10] بينما ذهب الحنفية والشافعية إلى أنّه يمكن إخراجها منذ دخول شهر رمضان المبارك، والله أعلم.[11]
هل يجوز إخراج زكاة الفطر على الطفل الصغير
قال العلماء إنّه يجوز إخراج زكاة الفطر على الطفل الصغير، وذلك لأنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال إنّها تُخرج عن المسلم الكبير والصغير، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: “فرضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ زكاةَ الفطرِ طُهرةً للصَّائمِ منَ اللَّغوِ والرَّفثِ وطُعمَةً للمساكينِ من أدَّاها قبلَ الصَّلاةِ فهيَ زكَاةٌ مقبولةٌ ومن أدَّاها بعدَ الصَّلاةِ فهيَ صدَقةٌ منَ الصَّدقاتِ”.[6]
وقد قال الإمام الخرقي رحمه الله: “ويلزمه أن يخرج عن نفسه وعن عياله، إذا كان عنده فضل عن قوتِ يومه وليلته”، وكذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: “فَرَضَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ”،[7] أي إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر بزكاة الفطر على من يعوله المسلم إذا وجد ما يؤدي عنهم.[12]
وإذا لم يجد لجميع من ينفق عليهم فليبدأ بنفسه، ثم من يليه في وجوب النفقة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “ابْدَأْ بنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فإنْ فَضَلَ شيءٌ فَلأَهْلِكَ، فإنْ فَضَلَ عن أَهْلِكَ شيءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فإنْ فَضَلَ عن ذِي قَرَابَتِكَ شيءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا يقولُ: فَبيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ”،[13] والله أعلم.[12]
حكم إخراج قيمة زكاة الفطر
إنّ إخراج القيمة في زكاة الفطر -يعني إخراج المال بدل الطعام- جائز عند عدد كبير من العلماء كالإمام أبي حنيفة والإمام سفيان الثوري والإمام البخاري صاحب الصحيح المشهور، وقد كانت أقوال العلماء في هذه المسألة ثلاثة:[14]
- الأول قول الجمهور من الحنابلة والمالكية والشافعية: وهؤلاء منعوا إخراج القيمة مطلقًا.
- الثاني قول الإمام أبي حنيفة ومن وافقه: وقالوا بجواز إخراج القيمة مطلقًا.
- الثالث قول ابن تيمية ومن وافقه: قال بأنّ المسالة فيها تفصيل؛ فإن كانت الحال تقتضي إخراج الزكاة طعامًا فالطعام أولى، وإن كانت تقتضي إخراجها مالًا فالمال أولى، وقال: “وقد نص أحمد على جواز ذلك”، والله أعلم.
هل يجوز إخراج زكاة الفطر بالوكالة
يجوز للمسلم أن يوكل في إخراج زكاة الفطر ولا حرج عليه في ذلك، فمن وجبت عليه زكاة الفطر يجوز له أن يوكل من يقوم بإخراج زكاة الفطر عنه، ولكن الأفضل للمسلم أن يقوم بإخراجها بنفسه ويوزعها بنفسه، وألا يوكل أحدًا غيره، وذلك حتى يكون متأكدًا منها ومن وصولها إلى مستحقيها، وقد ورد في موقع إسلام ويب حول ذلك ما مفاده: “من وجبت عليه الزكاة جاز له أن يوكل ثقة يقوم مقامه في تفريق الزكاة ، إلا أن الأفضل أن يفرقها بنفسه ولا يوكل ؛ ليكون على يقين من أدائها، وقال النووي رحمه الله في المجموع: له أن يوكل في صرف الزكاة التي له تفريقها بنفسه، وإنما جاز التوكيل في ذلك مع أنها عبادة، لأنها تشبه قضاء الديون ; ولأنه قد تدعو الحاجة إلى الوكالة لغيبة المال وغير ذلك…. وتفريقه بنفسه أفضل من التوكيل بلا خلاف ; لأنه يكون على ثقة من تفريقه بخلاف الوكيل”.[15]
مقالات قد تهمك
وإلى هنا يكون قد تم مقال هل يجوز اخراج زكاة الفطر في بلد اخر بعد الوقوف على تفصيل الحكم الشرعي في هذه المسألة، وبعد الوقوف على عدد من المسائل المرتبطة بزكاة الفطر.
المراجع
- ^ islamqa.info، هل يجوز نقل الزكاة إلى بلد آخر ؟، 23/11/2024
- ^ صحيح مسلم، قبيصة بن مخارق، مسلم، 1044، حديث صحيح.
- ^ dorar.net، المطلب الثاني: حُكم نقْلِ الزَّكاةِ إلى بلدٍ آخرَ مطلقًا، 23/11/2024
- ^ islamweb.net، حكم إخراج زكاة الفطر عن المفقود، 23/11/2024
- ^ shamela.ws، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي، 23/11/2024
- ^ شرح البخاري لابن الملقن، عبد الله بن عباس، ابن الملقن، 10/636، حديث صحيح.
- ^ صحيح البخاري، عبد الله بن عمر، البخاري، 1503، حديث صحيح.
- ^ aliftaa.jo، حكم صدقة الفطر، 23/11/2024
- ^ صحيح البخاري، عبد الله بن عمر، البخاري، 1511، حديث صحيح.
- ^ الأم، نافع مولى ابن عمر، الإمام الشافعي، 8/737، حديث حسن.
- ^ islamqa.info، أخرج زكاة الفطر قبل العيد بأسبوع، 23/11/2024
- ^ shamela.ws، زكاة الفطر ص22 - 23، 23/11/2024
- ^ صحيح مسلم، جابر بن عبدالله، مسلم، 997، حديث صحيح.
- ^ islamweb.net، تفصيل كلام أهل العلم في إخراج القيمة في الزكاة، 23/11/2024
- ^ islamqa.info، هل يجوز له أن يوكل من يفرق الزكاة عنه؟، 23/11/2024
التعليقات