حكم الاستغاثة بالحي الحاضر القادر

حكم الاستغاثة بالحي الحاضر القادر
حكم الاستغاثة بالحي الحاضر القادر

حكم الاستغاثة بالحي الحاضر القادر وهو ما سيتمّ بيانه في هذا المقال، حيثُ يعتبر من الأحكام التي ترتبط بعقيدة المسلم، فالمسلم حريص كلّ الحرص على معرفة كلّ الأحكام التي تهمّه في دينه ودنياه، وقد وضع الله -سبحانه وتعالى- الشرائع وبيّن الأحكام كلّها للنّاس، فالعاقل من يأخذ بها والخاسر من تركها وعمل بعكس ما جاءت به، وفي هذا المقال سنتعرّف على حكم الاستغاثة بالحي الحاضر القادر، بالإضافة إلى معرفة حكم الاستغاثة بالأموات.

الاستغاثة بالله

إنّ الاستغاثة بالله -تعالى- من أعظم وأجلّ العبادات التي يقوم بها المسلم، فهي تتمثَّل بطلب العَون والمُساعدة  من الله وحده دون أحدٍ من خلقه، ولعلّ أهميتها جاءت بكونِها تشمل في ثناياها عبادات التوكّل والدُّعاء والاستكفاء وحُسن الظنِّ بالله، وانطلاقًا من أهمية الاستعانة الله وحده ذكرت في سورة الفاتحة بعد كلمة العبادة، فقد قال تعالى في كتابه الكريم: “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ”[1]، ومن الجدير بالذّكر إنّ أهل العلم عرّفوا الاستغاثة بأنها طلب العون من الله للوصول إلى المقصود، وهي تتضمن ثلاثة أمور الخضوع والتذلل لله، والثقة بالله جلّ وعلا والاعتقاد بكفايته، والاعتماد عليه وتفويض الأمر إليه.[2]

حكم الاستغاثة بالحي الحاضر القادر
حكم الاستغاثة بالحي الحاضر القادر

حكم الاستغاثة بالحي الحاضر القادر

أوضح الشَّرع الإسلامي الحنيف بأنَّ الاستغاثة بالحي القادر جائزة في أمور يقدر عليها، والدليل على ذلك قوله تعالى: “وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ”[3]، حيث يستطيع المسلم أن يطلب العون والمساعدة من الغير في أمر من أمور الدنيا ولكن بشرط أن تكون ضمن قدرات الإنسان، فقد جاء في اللجنة الدائمة: “الاستعانة بالحي والحاضر فيما يقدر عليه جائزة كمن استعان بشخص فطلب منه أن يقرضه نقوداً أو استعان به في يده أو جاهه عند سلطان لجلب حق أو دفع ضر”، كما دلَّ على ذلك قوله تعالى: “فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ”[4]، كما ينبغي على المسلم أن يتوكل على الله مع الأخذ بالأسباب التي من بينها الاستعانة بما يقدر عليه الأحياء والله أعلم.[5]

شاهد أيضًا: عبارات عن حسن الظن بالله

الاستغاثة الجائزة هي الاستغاثة بالحي الحاضر القادر في أمر يستطيعه

إنّ الاستغاثة الجائزة هي أنْ يستغيث المسلم بالحي الحاضر في أمر يستطيع عليه، فهي من الأمور التي لا حرج فيها على الإطلاق، ودليل ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: “فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ”[4]، كما تتمثل الاستغاثة بالغير ضمن استطاعته كأن يطلب من الغير المساعدة في الامتحان، أو الاستعانة بصديق من أجل الدراسة، فقد ورد في موسوعة الفقه الكويتية: “اتفق الفقهاء على أن الاستغاثة لدفع شر أو جلب نفع مما يملكه المخلوق، تجوز بالمخلوقين مطلقاً فيستغاث بالمسلم والكافر والبر والفاجر[6]، كما ورد عن بعض أهل العلم بأنّ لولا النصوص التي تدلّ على جواز الاستعانة بالحي ضمن استطاعته، لتمّ تعميم تحريم الاستعانة بغير الله مطلقًا.[7]

الاستغاثة بالميت حكمها

إنّ الاستغاثة بالأموات محرّمٌ في الإسلام وهو من الشرك بالله، لأنّ الله -سبحانه وتعالى- هو الضار والنافع، وهو المعطي والمانع، وهو المعزّ والمذلّ وكل شيء بيده، بحيث لا يستطيع الميتّ مهما كانت مكانته وصلاحه أن يضر أو ينفع أحد، فالأموات لا ينفعوا أنفسهم ولا غيرهم، فقد قال -تعالى- في محكم تنزيله: “وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[8]، حيث إنّ الاستغاثة بالأموات غير جائز فهو يخرج المرء من ملة الإسلام، حيثُ  جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: “إن الاستغاثة بالأموات ودعاءهم من دون الله أو مع الله شرك أكبر يخرج من ملة الإسلام، سواء كان المستغاث به نبيا أم غير نبي”.[9]

حكم الاستغاثة بالحي الحاضر القادر
حكم الاستغاثة بالحي الحاضر القادر

حكم الاستعانة بغير الله شرك أكبر أم أصغر

إنّ الاستغاثة بالأموات هو شركٌ أكبر لأنّ المرء يلجأ إلى الميت من أجل طلب الدُّعاء أو الشَّفاعة منهم، فهي تُعدّ من البِدَع التي وردت عن أهل الجاهليَّة، فقد قال تعالى: “وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ”[10]، حيثُ إنّ الاستغاثة بالأموات شركٌ أكبر يخرج صاحبه من ملّة الإسلام، فهو يعتبر سببًا في هلاكه في نار جهنّم، ومن الجدير بالذّكر إنّ هذا الشِّرك لا يغفر إلّا بالتّوبة وتجديد الإسلام والإيمان بالله تعالى، والعزم على عدم العودة إليه إطلاقًا، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: “لَيْسَ فِي الزِّيَارَةِ الشَّرْعِيَّةِ حَاجَةُ الْحَيِّ إلَى الْمَيِّتِ وَلَا مَسْأَلَتُهُ وَلَا تَوَسُّلُهُ بِهِ ؛ بَلْ فِيهَا مَنْفَعَةُ الْحَيِّ لِلْمَيِّتِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَرْحَمُ هَذَا بِدُعَاءِ هَذَا وَإِحْسَانِهِ إلَيْهِ وَيُثِيبُ هَذَا عَلَى عَمَلِهِ”، والله أعلم.[11]

شاهد أيضًا: دعاء التوكل على الله وطلب العون منه

أقوال العلماء في الاستغاثة بغير الله

أوضح أهل العلم حرمة الاستعانة بالأموات، وقد كان لهم أقوال في هذه المسألة، ومن أقوال العلماء في الاستعانة بغير الله ما يأتي:

  • قول  الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:سؤال الميت أن يسأل الله أو سؤال قضاء الحاجة بينهما فرق، إذا سأل قضاء الحاجة فهذا شرك أكبر، وإذا سأل أن يسأل الله فهذا بدعة وضلالة، لأن الميت إذا مات انقطع عمله، والدعاء من عمله، فكيف تسأله ما لا يمكن فإذا جئت إلى ميت وقلت: ادع الله لي، فإنه لن يدعو الله لك، ومن ذلك تقول عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم: اشفع لي، فإن هذا حرام وبدعة منكرة، لكن إذا قلت: يا رسول الله أنجني من النار، كان شركا أكبر”[12].

  • قول شيخ الإسلام رحمه الله: ” أَنْ يُقَالَ لِلْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ : اُدْعُ اللَّهَ لِي أَوْ اُدْعُ لَنَا رَبَّك أَوْ اسْأَلْ اللَّهَ لَنَا كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى لِمَرْيَمَ وَغَيْرِهَا ، فَهَذَا أَيْضًا لَا يَسْتَرِيبُ عَالِمٌ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ ، فلَيْسَ مِنْ الْمَشْرُوعِ أَنْ يُطْلَبَ مِنْ الْأَمْوَاتِ لَا دُعَاءٌ وَلَا غَيْرُهُ”[13].

  • قول الشيخ ابن باز رحمه الله: ” لا يجوز أن تطلب منه الشفاعة ولا غيرها كسائر الأموات ؛ لأن الميت لا يطلب منه شيء وإنما يدعى له ويترحم عليه إذا كان مسلما ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :  زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة “[14].

  • قول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:إن الاستغاثة بالأموات ودعاءهم من دون الله أو مع الله شرك أكبر يخرج من ملة الإسلام، سواء كان المستغاث به نبيا أم غير نبي”[9].

شاهد أيضًا: ثمرات التوكل على الله

حكم الاستغاثة بالحي الحاضر القادر
حكم الاستغاثة بالحي الحاضر القادر

بهذا نصل إلى ختام مقالنا حكم الاستغاثة بالحي الحاضر القادر، والذي ذكرنا لكم فيه الإجابة الصحيحة على ذلك السؤال الذي تم ذكره، كما تطرقنا إلى بيان حكم الاستغاثة بغير الله عزّ وجل، كما تم بيان أقوال العلماء وآرائهم في الاستغاثة بغير الله، وختمنا بالإجابة عن سؤال متى يكون الاستغاثة بالأموات شرك أكبر.

المراجع

  1. ^ سورة الفاتحة، الآية 5
  2. ^ alukah.net، الاستعانة بالله عز وجل، 30/09/2022
  3. ^ سورة الأنفال ، الآية 72
  4. ^ سورة القصص، الآية 15
  5. ^ islamweb.net، الاستعانة بالحي فيما يقدر عليه مشروعة، 30/09/2022
  6. ^ صحيح مسلم، مسلم، أبو مسعود عقبة بن عمرو ، 1659، صحيح.
  7. ^ islamweb.net، الاستعانة بالحي، 30/09/2022
  8. ^ سورة المؤمنون، الآية 117
  9. ^ islamweb.net، حكم الاستغاثة بالأموات، 30/09/2022
  10. ^ سورة فاطر ، الآية 13-14
  11. ^ islamweb.net، حكم التوسل والاستعانة بالأولياء والصالحين، 30/09/2022
  12. ^ islamweb.net، دعاء الأموات بين الشرك والابتداع، 30/09/2022
  13. ^ islamweb.net، كلام ابن تيمية في مسألة إتيان القبور والدعاء عندها والاستنجاد بأصحابها، 30/09/2022
  14. ^ islamqa.info، هل يجوز طلب الشفاعة أو الدعاء من الميت ؟، 30/09/2022

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *